المجموع : 6
يا مُودِعَ السِّرِّ دُرّاً عنْدَ أَجفاني
يا مُودِعَ السِّرِّ دُرّاً عنْدَ أَجفاني / ومُتْبعَ السِّرِّ إيصاءً بكِتْمانِ
وخاتِماً لي على العَيْنَيْنِ في عَجَلٍ / يومَ الوَداعِ وقد غابَ الرَّقيبان
بخاتِمٍ من عَقيقٍ أَحمرٍ عَجَبٍ / ونَقْشُه باللّآلي البِيضِ سَطْران
أَمِنْتُ إنسانَ عيني أَنْ يَنمَّ به / أَيّامَ ما مِن وفاءٍ عند إنْسان
لم يُغْرِ بي غَيْرُ شانٍ في وِشايته / والنّاس بالبُعْدِ لا يَدْرونَ ما شاني
لم تَحْكِ يا دمعَ عيني عند قاتلتي / غداةَ تَرجمْتَ عن بَثّي وأَشجاني
إلاّ العِبادِيَّ زيْداً عند مَوقفِه / مُترجِماً عند كِسْرَى قَولَ نُعْمان
للهِ بدْرٌ وأطرافُ القنا شُهُبٌ / يَجلوهُ فيهِنَّ من صُدْغَيْهِ لَيْلان
تقولُ للبدرِ في الظَّلماءِ طَلْعتُه / بأَيِّ وجهٍ إذا أقبلتُ تَلْقاني
وجْهُ السّماءِ مِرآة لي أُطالِعُها / والبدرُ وَهْناً خيالي فيه لا قاني
لم أنسَه يومَ أبكاني وأضحكَهُ / وُقوفُنا حيثُ أرعاه ويَرعاني
كلٌّ رأي نفْسَه في عَيْنِ صاحبه / فالحُسْنُ أَضحكَه والحُزْنُ أَبكاني
قد قوَّس القَدَّ توديعاً وقرَّبني / سَهْماً فأبعدَني من حيثُ أدناني
وكنتُ والعِشْقَ مثْلَ الشّمعِ مُعتلِقاً / بالنّارِ أَبقيْتُه جَهلاً فأفناني
يا مَنْ بطَرْفٍ وقَدٍّ منه غادرَني / مُتَعتَماً بينَ مَخْمورٍ وسَكْران
لِمْ فَتْلُ صُدغَيكَ طولَ الدَّهرِ تُلبسُه / أذْنَيْكَ قَيْداً وقلبي عندك العاني
والسّاحران هما العينانِ منك لنا / فلِمْ يُعاقَبُ بالتَّنكيسِ قُرْطان
أخشَى عليك وقد أضَرَرْتَ مُعتدِياً / عُقْبَى جنايةٍ طَرْفٍ منكَ فَتّان
ففي زمانٍ مُغيثُ الدّينِ سائسُهُ / لا يَجسُرُ الدَّهرُ إبقْاءً على جان
أعلى السّلاطينِ في يَوْمَيْ وغىً وندىً / رأياً وأفضلُ في سرٍّ وإعلان
لا يملأُ العينَ منه نظْرةً أحدٌ / ويَملأُ الأرضَ منْ عدلٍ وإحْسان
في القلبِ منه مكانٌ لا يُتَيِّمُه / أجفانُ بيضٍ ولكنْ بِيضُ أجفان
لم يَعْهدوا كمَضاءٍ في صَوارمه / في سَيْفِ غِمْدٍ ولا في سَيْفِ غُمْدان
أَغرُّ تَمتَحُ من قُلْبِ القُلوبِ له / حُمْرَ المياهِ دِراكاً سُمْرُ أشْطان
سُيوفُه البيضُ ما لم تُجْرِ بَحْرَ دمٍ / في عَيْنه كَسرابٍ عند ظَمْآن
تَكِلُّ إن سار عَيْنُ الشّمس عنه سناً / حتّى تَودُّ لو انْصانَتْ بأجفان
لكنْ مِظَلَّتُه تُضْحي مَسَدَّتَها / فَيتّقي نورَها منه بإكْنان
إذا بدا طالعاً في سَرْجِ سابقةٍ / في يومِ هَيْجاءَ أو في يومِ مَيْدان
والطَّرْفُ حاكي رياح أَربع حَملَتْ / قَصراً وفارِسُه حاكي سُلَيمان
مَن خاتِمُ المُلكِ في يُمناهُ صارِمُه / فلا يُخافُ عليه خَطْفُ شَيطان
بل مَتْنُه الدَّهْرَ فيه من سياستهِ / إذا نظرْتَ إليه حَبْسُ جِنّان
يا آخِذَ الأرضِ بأساً ثُمّ مُعطِيَها / جُوداً فللنّاسِ منه الدَّهرَ يومان
مَن لو تَصافنَ ماءَ البحرِ عَسْكرُه / لَما استَتمَّ لهمْ في الشُّرْبِ دَوْران
مَن يَرتدي بحديدِ الهندِ منْ شَرَفٍ / ويُنْعلُ الخيلَ راجيهِ بعِقْيان
لا غرْوَ إنْ وَسَمَتْ أَيدي الجيادِ له / مناكبَ الأرضِ من قاصٍ إلى دان
فأنتِ وُسِّمتِ أَيضاً يا سماءُ له / فما هِلالُكِ إلاّ نونُ سُلْطان
لمّا امتطَى الخيلَ والأفلاكَ لاح له / بالنّارِ والنُّورِ للأبصارِ وَسْمان
يَسترزِقُ الوحْشُ مثلَ الإنْس نائلَه / من كفِّ مطْعامِ خَلْقِ اللهِ مِطْعان
يَقْري الوَليَّ ويُقْرَى بالعدوِّ إذا / ما ضافَهُ جائعاً نَسْرٍ وسِرْحان
كم يَغْتدي كلّما شاءَ القنيصَ له / غُرٌّ على الغُرِّ من خَيلٍ وغِلْمان
وفي الكنائنِ منهمْ والأكفِّ معاً / إلى وُحوشِ الفلا جُنْداً خليطان
من كُلِّ سَهْمٍ وشَهْمٍ طائرٍ بهما / من مُستعارٍ ومَمْلوكٍ جناحان
زُرْقٍ جَوارحَ أَو زُرْقٍ جَوارحَ قد / علِقْنَ منهمْ بأيسارٍ وأَيْمان
وكلُّ مُستَردَفٍ يَعْدو الحصانُ به / مثْلُ السّبايا قُعوداً خلْفَ فُرسان
تَقولُ خاطَتْ له ثوباً رشَتْهُ بهِ / من فأرِ مسْكٍ فتيقٍ أُدْمُ غِزْلان
كأنّ في كلِّ عضْوٍ منه من شَرَهٍ / إلى التَّقنُّصِ مفْتوحاتِ أَعيان
وأَغضفٍ مثلِ نجْم القَذْفِ من سَرَعٍ / إذا عدا لاحقِ الأحشاء طيَّان
تَعودُ في كفِّه حَظْفاً وَسيقتُه / كأنّها قَبْسةٌ في كَفِّ عَجْلان
فاسْألْ يُجِبْكَ خَبيرُ القومِ عن مَلكٍ / يَداهُ والجودُ في الدُّنيا حليفان
ما بالُ تصويرِ أُسْدٍ في سُرادقه / وليس تُملأُ خَوفاً منه عَيْنان
والأُسْدُ إن كان يومَ الصَّيْدِ يُبْصِرُها / يُقَدْنَ قُدّامَه قَوْداً بآذان
هل ذاك إلاّ لأنَّ المُستَجيرَ بهِ / يُعيضُه الدَّهرُ إعزازاً بإهْوان
يا عادلاً عَدْلُه والجودُ في قَرَنٍ / وقائلاً قولُه والفِعْلُ تِرْبان
إنْ كان في عَدْلِ نُوشروانَ مُفتخَرٌ / والنّاسُ في عَهْدِه عُبّادُ نيران
فأنتَ تكْبرُ عن شِبْهٍ تُقاسُ به / لكنْ وزيرُك نُوشروانٌ الثّاني
ليس السّعادةُ إلاّ كالكتابِ ولا / حُسْنُ اخْتيارِ الفَتى إلاّ كعُنوان
فَرغْتَ للدّينِ والدُّنيا تَسوسُهما / وأنت ملآنُ من عُرْفٍ وعِرفان
ذو همّةٍ في سماءِ المجدِ عاليةٍ / من دونِ أقصرِ سَمكَيْها السِّماكان
لا يَهْتدي الفَلَكُ الأعلى لغايتها / فدَوْرُه المُتمادي دَوْرُ حَيران
مَلْكٌ إذا ما توالَتْ نَظْرتانِ له / فَعَدِّ عن ذِكْرِ بِرْجيسٍ وكِيوان
محمودٌ اسْماً وفعْلاً في مَمالكِه / بكلِّ ما ساسَ من رِزْقٍ وحِرْمان
تَقْضي كواكبُ أطرافِ الرّماح له / على المُلوكِ بنَصْرٍ أو بِخذْلان
أضحَتْ علامةُ باللهِ اعتصمتُ له / على فُتوحٍ عَذاريَ مثْلَ بُرهان
كفعلِ مُعْتصمٍ باللهِ قام فلَمْ / يُعهَدْ كفَتْحَيْهِ للإسلامِ فَتحان
في الرُّومِ والخُرَّميّينَ الّذينَ طغَوْا / وسْطَ الممالكِ دَهْراً أيَّ طُغْيان
كذاكَ نرجوكَ للفتْحَيْنِ في نَسَقٍ / وقد تَشبَّه أَزمانٌ بأزمان
يا زائداً عُظْمَ شأنٍ كلّما نظروا / لا زلتَ ذا عُظْمِ شأنٍ يُرغم الشّاني
إذا نظَرْتَ إلى قِرْنٍ قضَى فَرَقاً / فأنت عن سلِّ سَيْفٍ للعدا غان
تقبيلُ كفِّكَ وهْيَ البحرُ غوصُ فمي / للقول فيك على دُرٍّ ومَرْجان
حَتّام كَفِّيَ مَلأْى من لُها مَلكٍ / وسَمْعُه من ثنائي غَيْرُ ملآْن
إنْ كان في النّاسِ مَنْ كُفرانُ أنعُمه / كُفْرٌ فكُفرانُ مَوْلَى الأرضِ كُفْران
إلى كَنيِّ النّبيِّ ابْنِ السَّميِّ له / من الملوكِ سَرتْ بي كُلُّ مِذْعان
حَرْفٌ تُصرَّفُ في حَلٍّ ومُرتَحَلٍ / تَصريفَ حرْفٍ بتحْريكٍ وإسْكان
فاسْمعْ فدَى العبدُ سَمْعاً دُمتَ مرعيَهُ / فليس خلْفَ المعاني مثْلُ إمعاني
بديعةً تَتلقّاها الرُّواةُ لها / حيثُ انتهَتْ من عِراقٍ أو خُراسان
إنِ لم تكنْ قَبلَ حسّانٍ فرائدُها / فإنّ مُهديَها من جيلِ حَسّان
إذا يَمينُ أميرِ المؤمنينَ غدا / وقد تسوَّرها فالفَخْرُ أغناني
أضحى سريرُك قد حَفَّ الكُفاةُ بهِ / كأنّه البيتُ مَحْفوفاً بأركان
فليس يَنْفكُّ من قُرْبٍ ومن بُعُدٍ / يَحُجُّ أذْراءه عيسٌ برُكبان
فعِشْتَ في ظلِّ مُلْكٍ لا انْحسارَ له / حليفَ جَدٍّ وفيٍّ غيرِ خَوّان
جدَّدْتَ ما أبْلَتِ الأيّامُ من أدَبٍ / فدُمْتَ للمُلْك أو يَبْلَى الجديدان
إنْ أقمرَ اللَّيلُ للسّارينَ في حَضَنِ
إنْ أقمرَ اللَّيلُ للسّارينَ في حَضَنِ / فلْيَعلَمِ الرَّكْبُ أنّ البدْرَ في الظُّعُنِ
ليس ابْنُ مُزْنةَ في عيني فأرمُقَهُ / ولا المُقنَّعُ في صَحبي فيَسْحرَني
وإنّما طلعَتْ واللّيلُ مُعتكِرٌ / من خِدْرِها بالفلا لَيْلَى لِتَفْتِنَني
ما لِلَّذينَ سَرَتْ لَيْلاً حُمولُهمُ / ساروا ولم يُشْرجوا عَيْني على وَسَن
قد حَلَّلوا من عُراها فهْيَ ناثِرةٌ / لِلُؤْلُؤٍ منْذُ غابَ الحَيُّ لم يُصَن
باتَتْ جُفوني وراء الظّاعِنِينَ به / كأنّما فُتِّقَتْ عن وابلٍ هَتِن
كم من قِطارٍ لها خلْفَ القطِارِ لهمْ / تَسْتَنُّ والعِيسُ والحادي على سَنَن
أجْرَى دموعي وحتّى اليومَ مارقأَتْ / سِرٌّ به الإلْفُ لمّا سارَ حَدَّثني
كأنّما خرَقتْ كفُّ الوَداعِ إلى / عَيْني طريقاً لِذاكَ الدُّرِّ من أُذُني
قد قُلْتُ للنّاسِ لَمّا أنْ قَضْوا عَجَباً / أنْ لم أمُتْ بعدَ إلْفي حينَ ودَّعني
هُمْ في فؤادي ويَبْقَى للفتَى رَمَقٌ / ما دامتِ الرُّوحُ في جُزْءٍ منَ البَدَن
لولا هِلاليّةٌ هام الفؤادُ بها / لم أُمسِ بعدَ رحيلِ الحَيِّ ذا شَجَن
تُعزَى بمُنْتَسبٍ منها ومُنْتقَبٍ / إلى هِلالَيْنِ كُلٌّ مُضْرِمُ الفِتَن
فلَيْتَهُ لم يَبِنْ ذلك الهلالُ لنا / أوْ لَيْتَهُ بعدَ أن قد بانَ لم يَبِن
إجمَعْ بجُهْدِكَ شَمْلَ القومِ تَصْحَبُهمْ / ما دام دَهْرُكَ بالتَّفريقِ ليس يَني
واجْعَلْ بماء ندىً تَجري يَداكَ به / رِداءَ عِرضكَ مَرْحوضاً من الدَّرَن
وافْخَرْ بمَغْناكَ في الدُّنيا وكنْ رَجلاً / إنْ شئْتَ من مُضَرٍ أو شئتَ من يَمَن
بيتُ العَلاء كبيتِ الشِّعرِ صاحبُه / إنْ لم يَزِنْه بإحسانٍ له يَشِن
بَيْتانِ يُكسِبُ كلٌّ منهما شَرَفاً / بقَدْرِ ما فيه من مَعْنىً عليه بُنِي
إنّي امْرؤٌ أضَعُ الأقوالَ مَوْضعَها / فإنْ أرابكَ منّي ذاك فامْتَحِن
مَظِنَّتي حيثُ حَلَّ العِزُّ حُبْوتَه / والذُّلُّ لم أرهُ يوماً ولم يَرَني
ولا تَرَى مِدْحتي كُفْؤاً إذا نُظِرَتْ / إلاّ إذا أصبحَتْ تُجْلَى على حَسَن
أعنْي الإمامَ ابْنَ سَلْمانَ الَّذي طلعَتْ / عُلياهُ شادِخةً في بُهْمَةِ الزَّمَن
إذا مدَحْنا جمالَ الدّينِ أطْرَبنا / إهداءُ مَدْحٍ له بالصِّدْقِ مُقْتَرِن
قاضي قُضاةِ بلادٍ قد أُتيحَ لها / منه مُقيمُ فُروضِ المَجْدِ والسُّنَن
مُهَذَّبٌ وُقيَتْ فينا خلائقُه / من شائبِ الوَصْمَتيْنِ البُخلِ والجُبُن
يُمناهُ واليُمْنُ إن لاقَيْتَهُ وكذا / يُسراهُ واليُسْرُ مَقْرونانِ في قَرَن
في كلِّ رَجْعةِ طَرْفٍ منه من كَرمٍ / إنجادُ ألْفِ فتىً بالدّهرِ مُمْتَحَن
إن قاسَ سَدَّدَ نحْوَ الحقِّ نَظْرتَه / أَو ساس أصبح لم يَخْشُنْ ولم يَلِن
المَلْكُ كالعَبْدِ إنْصافاً إذا اخْتَصما / لدَيهِ في حادثٍ والعِيُّ كاللَّسَن
يُدني مُحِقّاً ويُقْصي مُبْطِلاً أبداً / فهكذا مَن يُعينُ الدّينَ فَلْيُعَن
كأنّ أقلامَه المُصماةَ إذ طَعنَتْ / في ثُغرةِ الخَطْبِ أطرافُ القنا اللُّدُن
مِثْلُ السّهامِ نَفاذاً في مَقاصدِها / لكنَّهنَّ على الإسلامِ كالجُنَن
تَجِلُّ عن زُخْرُفِ الدُّنْيا فلو أُمرَتْ / بكَتْبِ سَطْرٍ لغَيرِ الدِّينِ لم تَدِن
إليكَ تَرْجِعُ حُكّامُ البِلادِ إذا / ما أشكَل الأمرُ عند الحازمِ الفَطِن
كأنّك الشَّمسُ للدُّنْيا إذا طلعَتْ / تقاسمَ النُّورَ منها ساكنو المُدُن
كأنّما أنت بيتُ اللهِ بينهُمُ / فوجْهُ كلِّ امرئٍ منهمْ إلى رُكُن
فَلْيَهْنِ أعمالَ خُوزِسْتانَ إذ رُزِقَتْ / إقبالَ طَبٍّ بأسرارِ العُلا طَبِن
وِلايةٌ كان من مَيْلٍ إليه بها / ما بالغربيةِ من شَوْقٍ إلى الوطَن
حتّى استقرَّتْ على ذي مِرَّةٍ يَقظٍ / تُقاهُ قِسمانِ من بادٍ ومُكْتَمِن
يُقلِّدُ الشُّغْلَ نُوّاباً وقَلَّدَه / دُرّاً من المَدْحِ أقوامٌ ذوو فِطَن
لكنْ لتَقْليدِنا الغالي من الثَّمَنِ ال / أوفَى وتَقليدهُ الخالي منَ الثّمَن
لكَ المدائحُ منّا دائماً ولنا / منكَ المنائحُ تتَرْى يا أخا المِنَن
عَمْري لقد أحزنَ الماضي بفَجْعَتهِ / لكنْ بقاؤك أضحَى مُذْهِبَ الحَزَن
غُصْنانِ من دوحةٍ لمّا ذَوى غُصُنٌ / بعَصْفةٍ للرَّدَى مِلْنا إلى غُصُن
أوهَتْ رزيئةُ هذا منّةً وأَتَتْ / أيّامُ هذا فأهدَتْ قُوّةَ المنَن
فاسعَدْ بتَوْليةٍ جاءتكَ راكضةً / عَجْلَى الخُطا مثْلَ ركضِ السّابقِ الأَرِن
أعطاكَها اللهُ عفْواً إذ رآكَ لها / أهلاً وإعطاءُ غيرِ اللهِ غيرُ هَني
وبان للصّاحبِ الميمونِ طائرُه / حُسنُ اخْتيارٍ لدينِ اللهِ أعجبَني
لمّا انْتضَى بكَ سيفَ الرّأي مُنْصلِتاً / على زمانٍ على الأحرار مُصْطَغِن
يا ابْنَ الَّذي طالما قد كان أعجبَه / صفْوُ الولاءِ له منّي وشَرَّفني
نوعانِ وُدّيَ مَوْروثٌ ومُكْتَسَبٌ / لستُ البعيدَ فأبغي مَنْ يُقرِّبُني
أستغفِرُ اللهَ إلاّ من مديحكمُ / فإنّني فيه لم أكذِبْ ولم أَهُن
أقسمتُ جُهداً بما طافَ الحجيجُ به / وما أهلُّوا وما ساقوا منَ البُدُن
وكُلَّ أروعَ عاري المَنكِبَيْنِ ضُحىً / يَهْوي إليه على رَوعاءَ كالفَدَن
لأشكُرَنَّ الّذي تُوليه من منَنٍ / ما عشتُ شكراً كشُكر الرّوضِ للمُزُن
هذا على أنّه ما إن لديَّ سوى / شكرٍ بسابقِ ما أولَيْتَ مُرْتَهَن
إنّي بحبلِك بعدَ اللهِ مُعْتَصمٌ / لدى الإقامةِ منّي أو لدَى الظَّعَن
فاسلَمْ لنا يا ابنَ سَلمانٍ سلامةَ ذي / دِينٍ على نَصْرِ أهلِ الدّينِ مُؤْتَمن
ودُمْ فأنت الإمامُ ابنُ الإمام لنا / في العِزِّ ما صدحَتْ ورقاءُ في فَنَن
هو الغرامُ أقامَ الحيُّ أم ظَعَنوا
هو الغرامُ أقامَ الحيُّ أم ظَعَنوا / إن هاجَروا قَتلوا أو واصلوا فَتَنوا
تاللهِ ما سكنَتْ نَفْسي إلى أحدٍ / مذْ سار في الجيرةِ الغادينَ لي سَكَن
مَن ناشِدٌ لي مهاً سارتْ بها قُلُصٌ / حُماتُها أُسُدٌ تَجْري بها حُصُن
ساروا يَؤُمّونَ مِن أرضِ الحمى بلَداً / بالظُّعْنِ تُحدَى إذا مرَّتْ بهِ الظُّعُن
ورُبّما تَركوا البيداءَ بحرَ دمٍ / كأنّما العِيسُ في تَيّارِه سُفُن
من كلِّ طائرةٍ بالرَّحْلِ أربَعُها / كأنّما هي في جَوْز الفلا فَدَن
هِيمٌ أطالَ صداها أنّ مُورِدَها / لا يَستقي الماءَ إلاّ والقنا شُطُن
ضوامرٌ تَمْلأُ الأنساعَ إن ظَفِرَتْ / فلا تَجولُ على أثباجِها الوُضُن
تَشتاقُ نَجْداً كما أشتاقُ ساكنَهُ / وهل لحيٍّ فؤادٌ مالَهُ شَجَن
وفوقَها كُلُّ مَمْطولٍ صَبابَتُهُ / مُتَيَّمٍ وَجْدُهُ باقٍ ومُكْتَمِن
تَبْكي وتَطْرَبُ من رَجْعِ الحُداةِ كما / يَهتزُّ من دَوحةٍ مَمْطورةٍ فَنَن
قُلْ للَّتي سفَرتْ يومَ النَّوى فبدا / للصّبِّ مُبْتسِمٌ منها ومُحْتَضَن
فما رأتْ عَينُ خَلْقٍ قبلَ رُؤْيتِها / أقاحياً وشقيقاً ضَمَّها غُصُن
يا مُنيةَ النّفْسِ لِمْ أصبَحْتِ قاطعةً / صِلى مَشوقَكِ حَيّا عهدَكِ المُزُن
ومَن سَباهُ جَمالٌ منكُمُ عَرَضاً / فإنّه بجَميلٍ منكُمُ قَمِن
ما زلتُ أُسرِحُ طَرْفي في الورَى عجَباً / فلا أرَى الحُسنَ بالإحسانِ يَقْترن
حتّى تَجلَّى ظهيرُ الدّينِ لي فرأَيْ / تُ اسْماً ووجهاً وفِعلاً كلُّه حَسَن
فقُلتُ والحقُّ بادٍ لا خفاءَ له / سُبحانَ مُنشئِ غَيْثٍ صَوبُه هَتِن
فَرْدٌ يَنوءُ بما تَعْيا الألوفُ به / وللرّجالِ مَقاديرٌ إذا وُزِنوا
لا خَلْقَ في كَرم الأخلاقِ يُشْبهُهُ / هذا الورى فتأمَّلْهمْ وذا الزَّمَن
إنّ الخليفةَ للقُصّادِ إن وفَدوا / بيتُ النَّدى وابْنُ عبد الواحدِ الرُّكُن
خِرْقٌ على أنّ بذْلَ المالِ عادَتُه / مالُ الإمامِ لدَيْه الدَّهْرَ مُخْتَزَن
مالانِ أمّا على هذا فمُتَّهَمٌ / جُوداً وأمّا على هذا فمُؤْتَمَن
لو لم يكُنْ خيرَ ما أولَى الملوكُ فتىً / من الورى حِفْظَ ما حازوا وما خَزَنوا
ما قالَ يوسفُ اجْعَلْني لدَيكَ على / خزائنِ الأرضِ وانظُرْ كيف تَمْتحِن
يا سَيِّداً فَطِناً يَحْمي العُلا وأَبَى / أَنْ يُدرِكَ المجدَ إلاّ سَيِّدٌ فَطِن
ومَن علَتْ رُتَبٌ في الدَّوْلَتَيْنِ له / فوق السُّها والعدوُّ النِّكْسُ مُضْطَغِن
بكتْ لها إذ رأَنْك الحاسدون بها / كأنّهمْ بك في أَحداقِهمْ طُعنوا
إذا بدوْتَ لهمْ أَغضَوْا على حَنَقٍ / كأنّما الذُّلُّ في أَجفانهمْ وَسَن
يَفْديك قومٌ إذا زَلَّتْ لهمْ نِعَمٌ / أَبدَوْا بها مِنَناً تَغْنَى بها المِنَن
يا مُنْقِذَ الدَّولةِ اسمعْ قولَ ذي مِقَةٍ / صفَتْ فلا رِيَبٌ فيها ولا ظِنَن
قد كان جاهُك لي ذُخراً أُرفِّهُه / وقد قَصدْتُك لمّا ضاقَ بي العَطَن
ولا يَمُدُّ الفتَى كلتا يدَيْهِ إلى / أَغْلَى الذَّخائرِ إلاّ وهْو مُمْتَحَن
فاعطِفْ عليَّ رعاكَ اللهُ من مَلِكٍ / بنَظْرةٍ منكَ أَمري اليومَ مُرْتَهَن
والْبَسْ بُرودَ ثناءٍ حاكَها صَنَعٌ / من خَزِّ فكْريَ ما في نَسْجِها وَهَن
نَزِّهْ عطايا أَميرِ المؤمنينَ لنا / عن أَنْ يُعارِضَها التّنْغيصُ والمِنَن
ولن تُطيقَ اللَّيالي أَن تُكدِّرَها / ولن تَراها المعالي حيثُ تُمْتَهَن
فللخلافةِ أنت اليومَ خالصةٌ / ما إنْ لها دُونَه سِرٌّ ولا عَلَن
ما الدّولةُ اليومَ إلاّ شَخْصُ مكْرمةٍ / فيما نَراها وأنت العَينُ والأُذُن
فدُمْ كذاكَ فأنت المُستَجارُ به / إذا بدا للَّيالي جانِبٌ خَشِن
إنّي لآمُلُ أنْ تُعنَى بها كرَماً / كما الملوكُ قديماً بالعفاةِ عُنوا
وأنْ تَحُلَّ عِقالَ الدّهرِ عن أَمَلي / فيَدْنو النّازحانِ الأهلُ والوَطَن
طلعتَ طلعةَ سَعْدٍ للأنامِ وقد / خافوا الزّمانَ فلّما جئْتَهمْ أَمِنوا
فالحمدُ للهِ هذا حينَ أُكمِلَتِ النْ / نُعْمَى وأُذهبَ عنّا الخوفُ والحَزَن
لا زالَ من حُسْنِ صُنْعِ اللهِ واقيةٌ / دونَ اللّيالي على عَلْيائكمْ جُنَن
ما طاف بالبيتِ زُوّارٌ وما رُفعَتْ / فيه الأكُفُّ وما سِيقَتْ له بُدُن
لو شاء طيفُكَ بعدَ اللهِ أحياني
لو شاء طيفُكَ بعدَ اللهِ أحياني / إلمامةٌ منه بي في بَعْضِ أحيان
بلْ لو أردْتَ وجُنْحُ اللَّيلِ مُعْتَكِرٌ / والحَيُّ من راقدٍ عنّا ويَقْظان
غيَّمتَ يا قمرَ الآفاقِ من نَفَسي / فسرْتَ نَحْوي ولم تُبصِرْكَ عَيْنان
فما خَلتْ ليلةً مُذْ لم أُلاقِكُمُ / عَيْنايَ من عارضٍ للدّمع هَتّان
لا بَلْ إذا شئْتَ فأْذَنْ لي أَزُرْك وفي / ضَمانِ سُقْمي عنِ الأبصارِ كِتْماني
أبقَى الهوَى لكَ منّي في الورى شَبَحاً / لو وازنَ الطَّيفَ لم يُخْصَصْ برُجْحان
يكادُ يَجذِبُ شَخْصي نحو مَضْجَعه / باللّيلِ إن حَلَمتْ بي عَيْنُ وَسْنان
كيف السَّبيلُ إلى وَصْلٍ نَلَذُّ به / شافٍ لغُلّةِ صادي القلبِ هَيْمان
ودون لَيْلَى إذا رُمْنا زيارتَها / لسانُ واشٍ بنا أو سَيفُ غَيْران
يا سائلي والهوَى شَتَّى مَصارِعُه / كيف اسْتُهِيمَ فؤادي يومَ نَعمان
قد صادَ طائرَ قلبي وهْو يَسْرَحُ في / رَوْضِ الوجوهِ صباحاً غيرَ رَوْعان
من طَرْفِها جارحٌ ضارٍ قوادِمُه ال / أهدابُ منه وجَفْناهُ الجناحان
يا شاهراً سيفَ طَرْفٍ طُلَّ فيه دَمي / على تَكاثُرِ أَنصاري وأعواني
أطرِفْ به سيفَ طَرْفٍ ما تَقلَّدَهُ / للفَتْكِ إلاّ وصُدْغاهُ نِجادان
يُميتُنى إن نأَى عنّي ويَنْشُرُني / بخدِّه المُنْتَضَي إن عاد يَلْقاني
رأيتَ أعجبَ من قلبي وعادتِه / إذا الكَرى خاطَ أجفاناً بأجفان
يَبيتُ يُطلِقُ أسرَى الدَّمْعِ من كرمٍ / في وَجْنتي وهْو من أسْرِ الهوَى عان
لمّا رعَى ناظري في رَوضةٍ أُنُفٍ / غُودرْتُ من أدمُعي في مثْلِ غُدْران
أمِنْتُ إنسانَ عَيْني أنْ يَنِمَّ به / أيّامَ ما مِن وفاءٍ عندَ إنْسان
حنا قناتي وقِدْماً كان قَوَّمَها / دَهْرٌ وما الدَّهْرُ إلاّ هادمٌ بان
لا تُنكِرَنَّ اشتعالَ الرّأْسِ من رَجُلٍ / والقلبُ يُضْرِمُ منه نارَ أحْزان
ما اسْودَّ خَدّيَ حتّى ابيضَّ من عَجَلٍ / لقد تَصافحَ في خَدّي البياضان
مُذْ حَلَّتِ البيضُ قلبي حَلَّ مُشْبهُها / في مَفْرِقي فلقد شابَ السَّوادان
قد أذهلَ الشَّيبُ لمّا جَلَّ نازلةً / عنّا فتاةَ بني ذُهْلٍ بْنِ شَيْبان
آلَيتُ لا أشْكُوَنْ مَن قد كَلِفْتُ به / ولو تَبدَّلْتُ من وَصْلٍ بهِجْران
ولو قضَيْتِ دُيونَ النّاس قاطبةً / ولو أبَيْتِ سوى مَطْلي لَيّاني
وكيف أشكو قبيحاً من صَنيعِك بي / وإن أطارَ الكَرى عنّي وعَنّاني
وإنّما منْكِ قُبْحُ الفِعْلِ خَلَّصني / من كُلِّ ما فيه حُسْنُ الوجهِ ألقاني
ما كنتُ مُستَقْبِحاً قَطُّ القبيحَ ولا / عدَدْتُ خَوّانَ إخْواني بخَوّان
ولا أساءَ إليَّ الخِلُّ أصْحَبُهُ / إلاّ إساءتهُ عادَتْ بإحسان
إذا دهَتْني من الأيّامِ فُرْقَتُه / ورُمْتُ أنْ أتلافاهُ فأعْياني
لولا ادِّكارُ إساآتٍ سبَقْنَ له / ما كان لي عنه من وَجْهٍ لسُلْوان
لو كان إحسانُه صَفْواً وفارقَني / إذنْ لفارقَ رُوحي فيه جُثْماني
طبيعةٌ من وفاءٍ فيَّ راسخةٌ / ما إن تُطيعُ لتَحْويلٍ ونُقْلان
أَكُفُّ كَفٍّ عَيوفٍ أن أنال بها / زادَ اللّئيمِ فأَطْوي بَطْنَ طَيّان
ولا أُطيلُ إلى الوِرْدِ الذَّليلِ خُطاً / ولو حَوى النّارَ منّي صَدْرُ ظَمْآن
ولا أُري الخِلَّ إلاّ ثَغْرَ مُبْتَسِمٍ / حتّى يُشبَّهَ إهْزالي بإسْماني
ولا أَزالُ لنَيْلِ العِزِّ مُغْترباً / مُردَّداً بينَ أوطاري وأوطاني
إن جَأْجأَتْ بي جَيٌّ للوُرودِ فلَم / يَصْدُرْ عنِ الرَّيّ نِضْوي غيرَ رَيّان
لَفَّ العراقَ خُطاهُ بالجبالِ عسى / أن يُعْقِبَ اللهُ نِشْداناً بوِجْدان
أَعُدُّ عَدّاً شُهورَ العامِ مُحْتقِراً / عَدَّ اللّيالي إذا راعَيْتُ أزماني
لمّا رأى رَمضانٌ رفْعَ رايته / للنّاظرِينَ وولّى شهرُ شَعْبان
قلتُ الهلالُ بدا في الأُفْقِ مُعترِضاً / يَبدو سَناهُ لعَيْنِ النّاظرِ الرّاني
أم خَطَّ عينُ عُبَيْدِ اللهِ كاتبُه / لمّا أرادَ له تَسْطيرَ عُنْوان
ولم يُتِمَّ اسْمَهُ للإكتفاء بما / أَهدَى من النُّورِ للقاصي وللدّاني
عظيمُ شأنِ العُلا لا عَيْبَ يَلْحقه / إلاّ إطالةُ رَغْمِ الحاسدِ الشّاني
لا خَلْقُ أَكرَمُ منه يَسْتَحقُّ على النْ / ناسِ الثَّنا فهْو يَشْريهِ بأَثْمان
تَعودُ في يدِ راجيهِ عَطيَّتُه / كأنَّها قَبْسةٌ في كفِّ عَجْلان
يَعْفو عنِ المرء يَجْني وهْو مُعتَذرٌ / حتّى يقالَ تُرَى مَن منْهما الجاني
أَلفاظُه مثْلُ أَرواحٍ إذا سُمعَتْ / في مَحْفلٍ والمعاني مثْلُ أَبدان
يا رُبَّ خَطْبِ خطابٍ منه مَزَّقَه / حتّى انْجلَى لَيْلُه من بعدِ إجنان
إذا غدا يَخْضِبُ الأقلامَ فيه فدَتْ / أَطرافَها السُّودَ أَطرافُ القنا القاني
مَجْدٌ لدينٍ غَدا والدّينُ من شَرَفٍ / مِثْلَيْنِ في فَقْدِ أَمثالٍ وأقْران
هذا غدا خيرَ أَمجادٍ إذا ذُكِروا / كما غد ذاك فخْراً خيرَ أَدْيان
يَجِلُّ عمّا يَجِلُّ الآخَرونَ به / إذا الورَى وُزِنوا يوماً بمِيزان
يَعنَى بدينٍ منَ التَّقوى ويَخْدُمه / من عزِّه كلُّ مَنْ يُعْنَى بدِيوان
بدا تَواضُعُه للزَّائرينَ له / كإخْوةٍ يَصْطَفيهمْ أَو كأخدان
وواضعٌ قدَمَيْهِ من جلالته / على مَفارقِ برْجيسٍ وكيوان
يا رافعاً دَرجاتِ الأجْرِ مُحْتَسِباً / والفَخْرِ مُكْتَسِباً في كُلِّ إبّان
رَفْعُ القُصورِ قُصورٌ عندَ همَّتِه / يُفيضُ إعزازَها عنه بإهْوان
فلا تَرى في اللّيالي عُظْمَ رغْبتِه / إلاّ المعاليَ في تَشْييدِ بُنْيان
مَن جُودُه ذو فُنونٍ حينَ تَخْبُرُه / ودَوحةُ الرِّفدِ منه ذاتُ أفْنان
رَدُّ المظالمِ مَعْ حَمْلِ المَغارمِ مَعْ / فِعلِ المَكارمِ في سرٍّ وإعلان
كالقَطْرِ يُسمَّى بأسماءٍ تُعدَّدُ من / وَبْلٍ وهَطْلٍ وتَسكابٍ وتَهْتان
يَهوَى الثّراءَ رجالٌ والثَّناءَ معاً / وما هُما لو دَروْا إلاّ نَقيضان
هُما نَهارٌ وليلٌ أنت بَينَهما / فخُصَّ أيُّهما تَهوَى بنُقْصان
المالُ يَفْنَى ويُبْقي مَجْدَ صاحبه / فاعْجَبْ له كيف يَنْمى الباقيَ الفاني
أما رأيتَ بني الآمالِ كيف غدَوْا / مِنْ كُلِّ مِظعانِ بيدٍ فوقَ مِذْعان
يُسائلونَ الورَى عن مَقْصدٍ أَمَمٍ / في كلِّ لَقْيَةِ رُكْبانٍ لرُكْبان
فقلتُ سيروا إلى بَيْتِ النّدى زُمَراً / فلِلهُدَى والنَّدى في الأرضِ بَيْتان
فكعبةُ النُّسْكِ في أرضِ الحجازِ لنا / وكعبةُ الجودِ قد خُطّتْ بقاشان
إن كان للنّاسِ بينَ المَروتَيْنِ يُرَى / سَعْيٌ لساعِينَ من مَثْنىً ووُحْدان
فنحنُ في حَجِّ بيتِ المجدِ تُبصِرُنا / نَسعَى كذلكَ سَعْياً ليس بالواني
بينَ ابْنَيِ الفَضْلِ مجدِ الدّينِ زِيدَ عُلاً / وصِنْوِهِ وهما للعِزِّ رُكْنان
لا يُقطَعُ السَّعْيُ في نَيْلِ المطالبِ منْ / هذا إلى ذاك ماكَرَّ الجديدان
أقولُ لمّا أنخْتُ العِيسَ ثانيةً / إلى فتىً منه بالأضيافِ جَذْلان
إن كنتُ ثنَّيتُ إلْمامي بحَضْرتِه / يا صاحبيَّ فجَهْلٌ أنْ تَلوماني
فإنّما لي إذا أَسبَعْتُ في نَسَقٍ / إتمامُ حجٍّ إلى استِفْتاحيَ الثّاني
هذا ولِمْ لَمْ أَقُمْ عُمْري مُجاوِرَهُ / والرَّأْيُ ذلكَ عندي لو تُطيعاني
خُذْها سُلافةَ فكْرٍ قد هَززْتُ / أعطافَ خِرْقٍ بكأسِ الحمدِ نشْوان
راحاً يُشَعشِعُها الرّاوي بأكْؤُسها / يُشْرَبْنَ من دونِ أفواهٍ بآذان
اُبدي منَ الوُدِّ في نَظْمي مَدائحَكُمْ / إحسانَ حَسّانَ في أملاكِ غَسّان
لم يَعْدَمِ اللّفْظَ تَحْبيري وإنْ وَجَدوا / خلْفَ المعاني إذا ما قلتُ إمعاني
فَصُمْ وأفْطِرْ مديدَ العُمْرِ في نِعَمٍ / ما عاوَد النّاسَ في الأيّامِ عِيدان
مُساعدَ الجَدِّ حتّى لا تزال تَرَى / إحسنانَك الدَّهْرَ مَقْروناً بإمْكان
إذا الحَمامُ على الأغصانِ غنّانا
إذا الحَمامُ على الأغصانِ غنّانا / في الصُّبحِ هيَّج للمشتاقِ أحزانا
وُرْقٌ يُردِّدْنَ لحْناً واحداً أبداً / من الغِناء ولا يُحْسِنَّ ألحانا
ذَكَّرْنَنا زَمناً عِشْنا ذوي طَرَبٍ / لذِكْرهِ بعدَ أن قد مَرّ أزمانا
ظُلْمٌ من الإلَفِ يَنسانا ونَذْكُرُه / حتّامَ نَذكُر إلفاً وهْو يَنْسانا
قُلْ للبخيلةِ أن تُهدي على عَجَلٍ / تَسليمةً حينَ نلقاها وتَلْقانا
ماذا عليكِ وقد أصبحتِ مالكةً / أن تُخْرِجي من زكاةِ الحُسنِ إحسانا
إن كنتِ عازمةً للوصْلِ فاغْتَنمي / مادام جارَيْنِ بالخَلْصاء حَيّانا
فقد رمَى العِيسُ بالأبصارِ خاشعةً / ومَدَّتِ الخيّلُ للتَّرحالِ آذانا
للّهِ مَوْقفُنا والحَيُّ قد غَفَلوا / عنّا عشيّةَ حَلُّوا بَطْنَ نَعْمانا
لمّا استَرقْنا منَ الغَيرانِ لَيلَتنا / وبات كلٌ بمَنْ يَهْواهُ جَذْلانا
قالوا الرَّحيلُ غداً والصُّبْحُ مُقْتَربٌ / فقلتُ للَّيلِ أخْرِجْ طُولَكَ الآنا
طُلْ مَرّةً لي ودارُ الحَيّ دانيةٌ / منّي كما طُلْتَ لي في البُعْدِ أحيانا
كم من فؤادٍ غداةَ الجِزْعِ ذي جَزَعٍ / هاجَتْ له الجِيرةُ الغادونَ أشجانا
أستودعُ اللهَ قوماً كيف أبعدَنا / تَقلُّبُ الدّهرِ منهمْ حينَ أدنانا
زَمّوا الغداةَ مطاياهُمْ لفُرقَتنا / لمّا أَنَخْنا لِلُقياهمْ مَطايانا
لم تَشْتَبِكْ بعدُ أطنابُ الخيامِ لنا / ولا المنازلُ ضَمّتْهم وإيّانا
لكنّهمْ عاجَلونا بالنَّوى ومَضَوا / وخَلَّفوا الطَّرِبَ المشتاقَ حَيْرانا
يُمناهُ بعدُ منَ التَّسليمِ ما فرغَتْ / إذ مَدَّ يُسراهُ للتَّوديعِ عَجْلانا
لم يَملأِ العَيْنَ من أحبابِه نظَراً / إذ غادرَ الدَّمعُ منه الجَفْنَ مَلآنا
جيرانُنا رحَلوا واللهُ جارُهمُ / مُستَبدِلينَ بحُكْمِ الدَّهرِ جِيرانا
وإنْ نَسِرْ فدَواعي الشَّوقِ تَأْمُرُنا / وإن نُقِمْ فعَوادي الدَّهرِ تَنْهانا
لو قَدْ قَدرْنا لسايَرْنا رِكابَكُمُ / لو أمكنَ السَّيرُ بالأبصارِ إمكانا
يا مَنْ غدا مُبدِياً شَكْوَى أحبَّته / لمّا رأَى حيثُ يُرجَى الوَصْلُ هِجْرانا
ما إنْ أرى سُحْبَ هذا الدَّمعِ مُقْلعةً / حتّى تُغادِرَ في خَدَّيكَ غُدْرانا
إنْ أبعدَ الدَّهرُ مَأْوانا وساكنَه / فقد جعَلْنا ظُهورَ العيسِ مَأوانا
وما قضَى قَطُّ أوطارَ العلا رَجُلٌ / لم يَتَّخِذْ شُعَبَ الأكوارِ أوطانا
ما زِلتُ أُعملُ في البَيداءِ يَعْمَلةً / رَوْعاءَ تَحمِلُ في الآفاقِ رَوْعانا
حَرْفاً أُصَرِّفُها حَلاّ ومُرتَحَلاً / تَصرُّفَ الحَرْفِ تَحْريكاً وإمكانا
في مَهْمَهٍ ما بهِ إلا تَنَسُّمُنا / أخبارَ أرضٍ إذا رَكْبٌ تَلَقّانا
أقولُ للنِّضْوِ إذ جَدَّ النَّجاءُ بنا / والخَوفُ يُلحِقُ أُولانا بأُخْرانا
أعِنْ بسَيْرٍ إلى المَولَى المُعينِ لنا / إن كنتَ تَبْغي على الأيّامِ أعوانا
وَرِدْهُ يا طالبَ الإحسانِ بَحْرَ ندّى / تَعشْ بجُودِ يَديْهِ الدَّهْرَ رَيَانا
ذو همّةٍ في سَماءِ المجدِ عالية / تَعُمُّ جَدْواه أدْنانا وأقْصانا
مَوْلىً متى تدعه المَولَى مُخاطبةً / تَجِدْ عُلاه على ما قلتُ بُرْهانا
الدّهرُ وهْو أبونا عَبْدُه عِظَماً / فما عدا الصِّدْقَ مَنْ سَمّاهُ مَولانا
مَلْكٌ إذا نحن جِئْنا زائرينَ له / بِبِشْرِه مُوِسعٌ بالخيرِ بُشْرانا
كالمُشتري لعَطاء السَّعْدِ غرَّتَه / وإنْ تَجاوَزَ في العَلْياءِ كيوانا
تَخالُه الشّمسَ وجهاً والسّماءَ ندىً / والغَيثَ عندَ الرِّضا واللَّيثَ غَضْبانا
يُريكَ فَضْلاً وإفضالاً وأيُّ فتىً / يَرَى الورَى عندَهُ عُرْفاً وعِرْفانا
في كفِّهِ قَلمٌ بالرُّمْحِ تُشْبِهُه / إذا غدا في صُدورِ الخَيلِ طَعّانا
تَعلو قناكَ نُسورُ الجَوِّ آلفةً / إلْفَ الحَمامِ علَتْ للأيكِ أغصانا
حيثُ الغبارُ يَسُدُّ الجَوَّ ساطِعُه / والخيلُ تَحمِلُ للأقرانِ أقرانا
والطّعنُ يَحفِرُ في لَبّاتِها قُلُباً / تَظَلُّ فيها رِماح القومِ أشطانا
غُرٌّ تَظلُّ تَبارَى في أعنَّتِها / تَحمِلْنَ أغلِمةً في الرَّوْعِ غُرّانا
تَفُلُّ كُتْبُك إنِ سارَتْ كَتائبَهمْ / إذا العِدا عايَنوا منْهنّ عُنْوانا
يداكَ هذي لأموالِ الملوكِ حِمىً / وهذهِ أبداً تُسْني عَطايانا
مالاً منَعْتَ وأموالاً بذلْتَ لنا / يا أشكَر النّاسِ سُؤّلاً وسُلْطانا
يَفْديك قومٌ كآلِ القاعِ إنْ خُبِروا / تَشابَهوا للورَى فَقْداً ووِجْدانا
لا يَسمعون ولا همْ يُبصِرونَ معاً / كأنّما خُلِقوا للخَلْقِ أوثانا
خلالكِ الجَوُّ يا خَيلَ النَّدى فخُذي / في صَيْدِكِ الشُّكْرَ أَيساراً وأيمانا
قد كان طُلاّبُه كُثْراً فقد تَركوا / منهم لكِ اليومَ ظَهْرَ الأرضِ عُرْيانا
فما سِوَى أحمدَ بْنِ الفَضْلِ ذو كرمٍ / تَغْدو مَواهبهُ للحَمْدِ أثمانا
لا تَلْتَبسِ أن يُريكَ الدَّهْرُ ثانيَه / كَفى بهِ أن تَضُمَّ العَيْنُ إنسانا
ما فيكَ يا دَهْرُ إلاّ واحدٌ فَطِنٌ / وواحدٌ فَطِنٌ يكْفي إذا كانا
ما ضَرَّنا أنّه فَرْدٌ بلا مَثَلٍ / وأنّه عَمّنا رِفْداً وأغْنانا
إنِ اغتدَى واحداً فالشّمسُ واحدةٌ / وضَوؤها ملْءَ وجْهِ الأرضِ يَغْشانا
فزِدْ نَزِدْكَ ثناءً لا انْقضاءَ له / كالمِسْكِ تَلْقَى بهِ الرُّكْبانُ رُكبانا
لولاكَ لم يَبْقَ رَسْمُ الجودِ في زَمَنٍ / ما كان يُوجَدُ فيه الحمدُ لَولانا
حكَيتَ أحمدَ في نَصْرٍ لنا كَرماً / ففي مَديحِك دَعْني أحكِ حَسّانا
ما كنتُ أسلو وكان الوَرْدُ مُنْفَرِداً
ما كنتُ أسلو وكان الوَرْدُ مُنْفَرِداً / فكيفَ أسلو وحَولَ الوَرْدِ رَيحاُن