المجموع : 9
يا دارُ يا دارَ أَطرابي وَأَشجاني
يا دارُ يا دارَ أَطرابي وَأَشجاني / أَبلى جَديدَ مَغانيكِ الجَديدانِ
لَئِن تَخَلَّيتُ مِن لَهوي وَمِن سَكَني / لَقَد تَأَهَّلتُ مِن هَمّي وَأَحزاني
جاءَتكَ رائِحَةٌ في إِثرِ باكِرَةٍ / تَروي ثَرىً مِنكَ أَمسى غَيرَ رَيّانِ
حَتّى أَرى النورَ في مَغناكَ مُبتَسِماً / كَأَنَّهُ حَدَقٌ في غَيرِ أَجفانِ
لَمّا وَقَفتُ عَلى الأَطلالِ أَبكاني / ما كانَ أَضحَكَني مِنها وَأَلهاني
فَما أَقولُ لِدَهرٍ شَتَّتَت يَدُهُ / شَملي وَأَخلى مِنَ الأَحبابِ أَوطاني
وَما أَتاني بِنُعمى ظَلتُ لابِسَها / إِلّا اِنثَنى مُسرِعاً فيها فَعَرّاني
كَم نِعمَةٍ عَرِفَ الإِخوانُ صاحِبَها / لَمّا مَضَت أَنكَروهُ بَعدَ عِرفانِ
وَمَهمَهٍ كَرِداءِ العَصبِ مُشتَبِهٍ / قَطَّعتُهُ وَالدُجى وَالصُبحُ خَيطانِ
وَالريحُ تَجذِبُ أَطرافَ الرِداءِ كَما / أَفضى الشَقيقُ إِلى تَنبيهِ وَسنانِ
حَتّى طَوَيتُ عَلى أَحشاءِ ناجِيَةٍ / كَأَنَّما خَلقُها تَشيِيدُ بُنيانِ
كَأَنَّ أَخفافَها وَالسَيرُ يَنقُلُها / دَلاءُ بِئرٍ تَدَلَّت بَينَ أَشطانِ
لَها زِمامٌ إِذا أَبصَرتُ جَولَتَهُ / حَسِبتُ في قَبضَتي أَثناءَ ثُعبانِ
إِلى هِلالٍ تَجَلَّت عَنهُ لَيلَتُهُ / باريهِ صَوَّرَهُ في خَلقِ إِنسانٍ
لَجَّت بِنا هُجرَةٌ وَالقَلبُ عِندَكُمُ / فَإِطلِقي القَلبَ أَو قودي لِجُثماني
أَنا الَّذي لَم تَدَع فيهِ مَحَبَّتُكُم / فَضلاً لِغَيرِكِ مِن إِنسٍ وَلا جانِ
فَإِن أَرَدتِ وِصالاً فَاِقبَلي صِلَتي / مِنّي وَإِلّا فَهِجرانٌ بِهِجرانِ
ما الوُدُّ مِنّي بِمَنقولٍ إِلى مَذِقٍ / وَلَستُ أَطرَحُ نَفسي حَيثُ تَلحاني
وَلا أُريدُ الهَوى إِن لَم يَكُن لِهَوى / نَفسي وَبَعضُ الهَوى وَالمَوتُ سِيّانِ
وَرَبُّ سِرٍّ كَنارِ الصَخرِ كامِنَةٍ / أَمَتُّ إِظهارَهُ مِنّي فَأَحياني
لَم يَتَّسِع مَنطِقي فيهِ بِبائِحَةٍ / حَزماً وَلا ضاقَ عَن مَثواهُ كِتماني
وَرَبُّ نارٍ أَبيتُ اللَيلَ أَوقِدُها / في لَيلَةٍ مِن جُمادى ذاتِ تَهتانِ
يُقَيِّدُ اللَحظَ فيها عَن مَسالِكِها / كَأَنَّها لَبِسَت أَثوابَ رُهبانِ
ما زِلتُ أَدعو بِضَوءِ النارِ مُقتَرِباً / يُغري دُجى اللَيلِ مِنهُ شَخصُ حَرّانِ
وَقَد تَشُقُّ غُبارَ الحَربِ لي فَرَسٌ / مُقَدَّمٌ غَيرَ هَيّابٍ وَلا وانِ
وَقَدُّ قائِمَةٍ مِنهُ مُرَكَّبَةٍ / في مَفصَلٍ ضامِرِ الأَعصابِ ظَمآنِ
بِحَيثُ لا غَوثَ إِلّا صارِمٌ ذَكَرٌ / وَجَنَّةٌ كَحَبابِ الماءِ تَغشاني
وَصَعدَةٍ كَرِشاءِ البِئرِ ناهِضَةٍ / بِأَزرَقٍ كَاِتِّقادِ النَجمِ يَقظانِ
سَلي فَدَيتُكِ هَل عَرَّيتُ مِن مِنَني / خَلقاً وَهَل رُحتُ في أَثوابِ مَنّانِ
وَهَل مَزَجتُ صَفائي لِلصَديقِ وَهَل / أَودَعتُ يا هِندُ غَيرَ الحَمدِ خَزّاني
وَلا عَقَقتُ بِجَسِّ الكَأسِ ساقِيَتي / وَلا عَفَفتُ وَظَلَّ الدَهرُ يَنعاني
أَسرَرتُ حُزناً بِها وَالقَلبُ مُضطَرِبٌ / وَراحَ يُنبي بِغَيرِ الحَقِّ إِعلاني
وَقَد أَرِقتُ لِبَرقٍ طارَ طائِرُهُ / وَالنَومُ قَد خاطَ أَجفاناً بِأَجفانِ
في مُكفَهَرٍّ كَرُكنِ الطَودِ مُصطَخِبٍ / كَأَنَّ إِرعادَهُ تَحنانُ ثَكلانِ
يا عاذِلي كَم لَحاكَ اللَهُ تَلحاني
يا عاذِلي كَم لَحاكَ اللَهُ تَلحاني / هَبني لَبَدرٍ عَلى غُصنٍ مِنَ البانِ
قَد مَرَّ بي وَهوَ يَمشي في مُعَصفَرَةٍ / عَشيَّةً وَسَقاني ثُمَّ حَيّاني
وَقالَ تَلعَبُ جُنّاباً فَقُلتُ لَهُ / مَن جَدَّ بِالوَصلِ لَم يَلعَب بِهِجرانِ
قَد كَلَّمَت عَينُهُ عَيني فَهَنّوني
قَد كَلَّمَت عَينُهُ عَيني فَهَنّوني / وَحَدِّثوني بِحُبٍّ لَيسَ بِالدَونِ
قالوا جُنِنتَ بِلا شَكٍّ فَقُلتُ لَهُم / ما لِذَّةُ العَيشِ إِلّا لِلمَجانينِ
إِنّي رُزِقتُ مِنَ الإِخوانِ جَوهَرَةً
إِنّي رُزِقتُ مِنَ الإِخوانِ جَوهَرَةً / ما إِن لَها قيمَةٌ عِندي وَلا ثَمَنُ
فَلَستُ مُعتَذِراً مِن أَن أَشُحَّ بِها / وَلا يَزالُ لَدَيَّ الدَهرُ يَختَزِنُ
بِحَيثُ لا يَهتَدي هَجرٌ وَلا مَلَلٌ / وَلا يَطورُ بِها عَتبٌ وَلا ضَغَنُ
فَما الخِيانَةُ مِن شَأني وَلا خُلُقي / وَلَيسَ عِندي لَها عَينٌ وَلا أُذُنُ
هَل مِن مُعينٍ عَلى أَحداثِ أَزماني
هَل مِن مُعينٍ عَلى أَحداثِ أَزماني / أَسَأتَ مُعتَمِداً لي بَعدَ إِحسانِ
كَلّا أَلَيسَت تَقيني لِلزَمانِ يَدٌ / لِقاسِمٍ ذاتُ تَمكينٍ وَسُلطانِ
الزاجِرِ الدَهرِ عَنّي إِذ شَحا فَمَهُ / وَمَدَّ كَفَّيهِ في ظُلمٍ وَعُدوانِ
حَمَّلتَ نَفسَكَ لا زالَت مُعَمَّرَةً / رَدَّ المَكارِهِ عَن نَفسي وَجُثماني
كَذاكَ كانَ عُبَيدُ اللَهِ واحَزَني / عَلَيهِ ما عِشتُ في سِرّي وَإِعلاني
أَقولُ لَمّا عَلا صَوتُ النَعِيِّ بِهِ / وَما مَلَكتُ عَلَيهِ دَمعَ أَجفاني
يا ناعِيَيهِ بِحَقٍّ ماتَ وَيحَكُما / أَتَدرِيانِ لَنا ماذا تَقولانِ
لَئِن فُجِعنا بِما لا خَلقَ يَعدِلُهُ / وَما لَهُ في الوَرى إِلّا اِبنَهُ ثانِ
تَبَّت يَدٌ قَبَرَتهُ أَيُّ بَحرِ نَدىً / طَمى وَهَضبَةِ عِزٍّ ذاتِ أَركانِ
كانَ المُصيبَ بِسَهمِ الرَأيِ قَبضَتَهُ / وَالقائِلَ الحَقِّ مَوزوناً بِميزانِ
كَم لَيلَةٍ قَد نَفى عَنّي الرُقادَ بِها / ما يَعلَمُ اللَهُ مِن هَمٍّ وَأَحزانِ
كَأَنَّ حاطِبَةً كانَت تُحَطِّبُ في / قَلبي قَتاداً وَتَكويهِ بِنيرانِ
إِن نَترُكِ الشِركَ لا يَترُكهُ مِن يَدِهِ / لا بُدَّ لِلحُلوِ في الإيمانِ مِن جانِ
لا ذَنبَ لا ذَنبَ لِاِبنِ العَيرِ حينَ هَوَت
لا ذَنبَ لا ذَنبَ لِاِبنِ العَيرِ حينَ هَوَت / قُواهُ مِن خَوَرٍ فيها وَمِن لينِ
حَمَّلتُموهُ الَّذي ما كانَ يَحمِلُهُ / فُرهُ البِغالِ وَأَصنافُ البَراذينِ
الشَمسَ وَالبَدرَ وَالطورَ الرَفيعَ مَعاً / في الغَيثِ وَاللَيثِ وَالدُنيا مَعَ الدينِ
كانَ لَنا صاحِبٌ زَمانا
كانَ لَنا صاحِبٌ زَمانا / فَحالَ عَن عَهدِهِ وَخانا
تاهَ عَلَينا فَتاهَ مِنّا / فَلا نَراهُ وَلا يَرانا
دَعني فَما طاعَةُ العُذّالِ مِن ديني
دَعني فَما طاعَةُ العُذّالِ مِن ديني / ما الصالِمُ القَلبِ في الدُنيا كَمَحزونِ
لا تَسمَعِ النُصحَ إِلّا القَلبُ يَقلِبُهُ / يَكفيكَ رَأيُكَ لي رَأيٌ سَيَكفيني
أَقرَرتُ أَنِّيَ مَجنونٌ بِحُبِّكُمُ / وَلَيسَ لي عِندَكُم عُذرُ المَجانينِ
وَصاحِبٍ بَعدَ سَنِّ النَومِ مُقلَتُهُ / دَعَوتُهُ وَلِسانُ الصُبحِ يَدعوني
نَبَّهتُهُ وَنُجومُ اللَيلِ راكِعَةٌ / في مَحفِلٍ مِن بَقايا لَيلِها جونِ
رُكوعَ رُهبانِ دَيرٍ في صَلاتِهِمُ / سودٌ مَدارِعَهُم شِمِّ العَرانينِ
فَقامَ يَمسَحُ عَينَيهِ وَسُنَّتَهُ / بِقَعدَةِ النَومِ مِن فيهِ يُلَبّيني
وَطافَ بِالدَنِّ ساقٍ وَجهُهُ قَمَرٌ / وَطَرفُهُ بِسَريعِ الحَدِّ مَسنونِ
كَأَنَّ خَطَّ عِذارٍ شَقَّ عارِضَهُ / مَيدانُ آسٍ عَلى وَردٍ وَنِسرينِ
وَخَطَّ فَوقَ حِجابِ الدُرِّ شارِبَهُ / بِنِصفِ صادٍ وَدالُ الصُدغِ كَالنونِ
فَجاءَ بِالراحِ يَحكي وَردَ وَجنَتِهِ / مُقَرطَقٌ مِن بَني كِسرى وَشيرينِ
عَلَيهِ إِكليلُ آسٍ فَوقَ مَفرِقِهِ / قَد رَصَّعوهُ بِأَنواعِ الرَياحينِ
لا أَتَّقي الراحَ بِالنُدمانِ مِن يَدِهِ / وَإِن سَقَتنِيَ حَولاً قُلتُ زيديني
قولوا لِمَكتومَ يا نورَ البَساتينِ / الحَمدُ لِلَّهِ حَتّى أَنتِ تَجفوني
قَد كُنتُ مُنتَظِراً هَذا فَجِئتِ بِهِ / وَلَيسَ خَلقٌ عَلى غَدرٍ بِمَأمونِ
ذَكَرتُ مِن خَوفِ أَهلي مَن بُليتُ بِهِ / مِن بَينِهِم وَاِحطَمَلتُ العارَ في ديني
صَرَفتُ مَعنى حَديثي عَن ظُنونِهِمُ / عَمداً كَمَن فَرَّ مِن ماءٍ إِلى طينِ
يا شاكِيَ الدَهرِ إِنَّ الدَهرَ أَلوانُ
يا شاكِيَ الدَهرِ إِنَّ الدَهرَ أَلوانُ / فيهِ لِصاحِبِهِ بُؤسٌ وَأَحزانُ
وَفي المَماتِ غِنىً لِلمَرءِ يَستُرُهُ / وَلَيسَ مُستَغنِياً ما عاشَ إِنسانُ