المجموع : 3
شاد على الأيك غنّانا فأشجانا
شاد على الأيك غنّانا فأشجانا / تبارك الشعر أطيابا و ألحانا
ترنّح البان و اخضّلت شمائله / فهل سقى الشعر من صهبائه البانا
هل كنت أملك لولا عطر نعمته / قلبا على الوهج القدسيّ نديانا
أيطمع الشعر بالإحسان يغمره / و الشعر يغمر الدّنيا الله إحسانا
لو شاء عطّر هذا اللّيل غالية / و نضّر الرمل أشواقا و ريحانا
لو شاء نمنم هذا النجم قافية / و نغّم الفجر أحلاما و أوزانا
لو شاء أنزل بدر التمّ فاحتقلت / به الندامى سرجا في زوايانا
و لو سقى الشمس من أحزانه نديت / على هجير الضّحى حبّا و تحنانا
تضيع في نفسي الجلّى و قد نزلت / من كبريائي آفاقا و أكوانا
و ما رضيت بغير الله معتصما / و لا رأيت لغير الله سلطانا
و لا عكفت بقرباني على صنم / أكرمت شعري لنور الله قربانا
تبرّجت للشذى الأعلى مجامرنا / و زيّنت للهوى الأغلى خفايانا
نبع من النّور عرّانا لموجته / فكحّل النّور أجفانا و وجدانا
تفجّر الحسن في دنيا سرائرنا / هل عند ربّك من دنيا كدنيانا
حضارة الدّهر طيب من خلاعتنا / و جنّة الله عطر من خطايانا
من الغواية سلسنا هدايتنا / فكان أرشدنا للنور أغوانا
يا وحشة الكون لولا لحن سامرنا / على النديّ المصفّى من حميّانا
نشارك الله _ جلّ الله _ قدرته / و لا نضيق بها خلقا و اتقانا
و أين إنسانه المصنوع من حمأ / ممّن خلقناه أطيابا و ألحانا
و لولا جلا حسنه إنسان قدرتنا / لودّ جبريل لو صغناه إنسانا
و لو غمزنا نجوم الليل مغفية / أفاق أترفها حسنا و غنّانا
ناجى على الطّور موسى والنداء لنا / فكيف أغفل موسى حين ناجانا
إن آنس النّار بالوادي فقد شهدت / عيني من اللّهب القدسيّ نيرانا
نطلّ من أفق الدّنيا على غدها / فنجتلي الرّاسيات الشمّ كثبانا
و ما دهتنا من الجبّار عادية / إلاّ جزينا على الطّغيان طغيانا
أديم حصبائنا درّ وغالية / ما أفقر النّاس للنعمى و أغنانا
و أيّ نعمى نرجّيها لدى بشر / والله قرّبنا منه وأدنانا
تبكي السّماء و تبكي حورها جزعا / للحسن و الشعر في الدّنيا إذا هانا
يا خالق القلب : أبدعنا صبابته / يا خالق الحسن : أبدعناه ألوانا
القلب قصرك زيّنا عواريه / بالحسن حينا و بالإحسان أحيانا
العاطلات من الأبهاء قد كسيت / شتّى اللّبانات أصناما و أوثانا
قلب شكا للخيال السمح وحشته / فراح يغمره نعمى و أشجانا
يا سيّد القصر لولانا لما عرفت / أفياؤه الخضر سمّارا و ندمانا
يمنى السراب على الصحراء حانية / تضاحك الرّكب واحات و غدرانا
قاع البحار أضاءته عرائسنا / و ندّت العدم القاسي عذارانا
ننضّر البؤس عند البائسين مُنىً / و العقل عاطفة و الثكل إيمانا
و كلّ ذنب سوى الطغيان ننزله / على جوانحنا حبّا و غفرانا
و همّ كلّ عفاة الأرض نحمله / كأنّنا أهله همّا وحرمانا
نشارك النّاس بلواهم و إن بعدوا / و لا نشارك أدناهم ببلوانا
ضمّت محبّتنا الأشتات و اتّسعت / تحنو على الكون أجناسا و أديانا
سبحان من أبدع الدّنيا فكان لنا / أشهى القوارير من أطياب سبحانا
ستنطوي الجنّة النشوى فلا ملكا / و لا نعيما و لا حورا وولدانا
يفنى الجميع و يبقى الله منفردا / فلا أنيس لنور الله لولانا
لنا كلينا بقاء لا انتهاء له / و سوف يشكو الخلود المرّ أبقانا
تأنّق الشعر للأعياد حالية / وقطّف الورد من عدن وحيّانا
سمح فبالريقة العذراء نادمنا / نهلا و بالشفة اللمياء عاطانا
صاغ الهلال لتاج الملك لؤلؤة / و أنجم اللّيل ياقوتا و مرجانا
يا صاحب التّاج لا تاج العراق على / كريم أمجاده بل تاج عدنانا
جبريل حوّطه بالله فانسكبت / عطور جبريل أورادا وقرآنا
لك الكنوز فتوحات منضّرة / فاغمر من الفتح يمنانا و يسرانا
سُدْتَ الغطاريف فتيانا وسادهم / أبوك في جنّة الفردوس فتيانا
تبارك الله ما أسمى شمائلكم / لكم زعامة دنيانا و أخرانا
فتحت عيني على حبّ صفا و زكا / فصنته لضياء العين إنسانا
و في ظلال أبي غازي منضّرة / مرّ الشّباب مرور الطيف عجلانا
نعمى لصقر قريش طوّقت عنقي / فكيف أوسع نعمى الله نكرانا
و حين شرّدنا الطاغي و أرخصنا / حنَّ العراق فآوانا و أغلانا
و من تقيّأ نعماء العراق رأى / بالأهل أهلا و بالجيران جيرانا
إذا العواصف جنّت فيه هدهدها / عبد الإله و أرسى الملك أركانا
نعمى الوصيّ كنعمى جدّه حليت / على ضحى النّور أفياء و أفنانا
يا صاحب التّاج دنيا الله ما عرفت / إلاّ عمائمكم في الشرق تيجانا
لم يقبل الله إلاّ في محبّتكم / يا آل فاطم إسلاما و أيمانا
غنّيت جدّك أشعاري و نحت بها / في مصرع الشمس إعوالا و إرنانا
أصفيت آل رسول الله عاطفتي / و كنت شاعركم نعمى و أحزانا
و ما رضيت جزاء عن مودّتكم / لا يعدم الحرّ أقواتا و أكفانا
أيكرم العيد شكوانا وقد نزلت / عليك يا ابن رسول الله شكوانا
ندّى شمائلنا بالذكريات كما / ندّى الخيال بنعمى الماء ظمآنا
يروعني العيد ديّانا لأمّته / من أغضب العيد حتّى صار ديّانا
تغرّب العيد في قومي وأنكرهم / على الميادين أحرارا و عبدانا
مالي أرى الشمّ في لبنان مغضية / تطامنت للرزايا شمّ لبنانا
لا صيد غسّان و الهيجاء ضارية / على السروج و لا أقيال مروانا
و أكرم العيد عن عتب هممت به / لو شئت أوسعته جهرا و تبيانا
قد استردّ السبايا كلّ منهزم / لم تبق في رقّها إلاّ سبايانا
دم بتونس لم يثأر له و دم / بالقدس هان على الأيّام لا هانا
و ما لمحت سياط الظلم دامية / إلاّ عرفت عليها لحم أسرانا
و لا نموت على حدّ الظبى أنفا / حتّى لقد خجلت منّا منايانا
لو يعلم البدر في شعبان محنتنا / لما أطلّ حياء بدر شعبانا
لو كان يعلم قتلانا بكت مزق / على الصحاصح من أشلاء قتلانا
تهلهلت أمتّي حتّى غدت أمما / وزوّر الوطن المسلوب أوطانا
و قد عرفت الرزايا و هي منجبة / فكيف لم تلد الجلّى رزايانا
كفرت بالحسب السّامي إلى مضر / أستغفر المجد إنكارا و كفرانا
تطوى القبور على الموتى فتسترهم / وفي القصور وفي السلطان موتانا
دعوا الجراح لوهج النّار سافرة / فالجرح يقتل إنكارا وكتمانا
ذلّ الدّهاء أكاذيبا مزوّقة / فكان أكذبنا بالقول أدهانا
ثارات يعرب ظمأى في مصارعها / تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا
يا وحشة الثأر لم ينهد له أحد / فاستنجد الثأر أجداثا و أكفانا
أفدي شمائل قومي ثورة ولظى / و عاصفا زحم الدّنيا و بركانا
من أطفأ الجذوة الكبرى بأنفسنا / أدهرنا حال أم حالت سجايانا
هي الكؤوس ولكن أين نشوتنا / و هي الحروف و لكن أين معنانا
ما للرمال الصوادي لا نبات بها / و تنبت المجد هنديّا و مرّانا
عبدت فيها إله الشمس منتقما / معذبا و إله اللّيل رحمانا
اللّيل يخلق فيها الحور مترفة / و تخلق الشمس جنّانا و غيلانا
على الرّمال طيوف من كتائبنا / نشوى الفتوح و نفح من سرايانا
لابن الوليد على كثبانها عبق / سقى الهجير من الذكرى فندّانا
و في النسيم على الصحراء نرشفه / طيب المثنّى على رايات شيبانا
يا فيصلا في يمين الله تحسده / بيض الظبى هاشميّ الفتح ريّانا
يا فيصلا في يمين الله منسكبا / كجدّه المرتضى يمنا و إيمانا
يا فيصلا و حنت في الخلد فاطمة / تودّ لو قبّلت خدّا و أجفانا
يا فيصلا و انتخت كبرا صوارمنا / و زغردت باسمك الحالي صبايانا
يا فيصلا و رنا نجم لصاحبه / يقول : فيصل أحلانا و أسمانا
كتائب الله من فهر و إخوته / فعطّر المجد ميدانا فميدانا
لواء عدنان أنت اليوم صاحبه / فاقحم به الشرق : هذا الشرق دنيانا
ما في االعراق و لا في الشام موعدنا / على الثنيّة من حطّين لقيانا
منازل الخلد لا أرباع لبنان
منازل الخلد لا أرباع لبنان / و فتنة السحر لا آيات فنّان
جنان لبنان حسبي منك وارفة / فيها النديّان من روح و ريحان
شبّ النبيّون في أفيائها و حبت / فيها خيالات إنجيل و قرآن
بليلة بدموع الله ما و شنت / إلاّ و بين خوافيها حبيبان
يغفو بها الفجر في أحضان مورقة / مديدة الظلّ أحلام سكران
و دغدغته فللأغصان هيمنة / كأنّها بثّ غيران لغيران
و ما تنبّه حتى راعه وهج / و الشمس حلي ربى خضر و وديان
صحبت فيك شبابي و الهوى و منى / لعس الشفاه و ظلا غير ضحيان
فأسبغي نعمة النسيان تغمرني / عسى يخفّف من بلواي نسياني
أمسيت لا ريقها المعسول أسعدني / و لا الجنون : جنون الحبّ واتاني
ألحّ بي السقم حتّى لا يفارقني / و راح ينسج قبل الشيب أكفاني
عفّى على نزوات النفس جامحة / إلاّ اهتزاز خليع الحسن نشوان
و صبوة للعيون النجل هانئة / من الشباب بظلّ العاطف الحاني
يثير بي كلّ حسن فتنة و هوى / فما أمرّ بماء غير صديان
و يا ربى الحسن في لبنان هل عريت / مخضلّة الدوح من ظلّ و أغصان
و من لبناتي السكرى مصرّعة / من الونى بين أفياء و أفنان
و يا ربى الحسن هل من نفحة / حملت شذى النّهود لصادي القلب حرّان
و هل صباك نموم العطر ناقلة / بعدي أحاديث أذيال و أردان
و يا ربى الحسن في لبنان هل ثملت / بعدي الرّياحين من صهباء نيسان
و يا ربى الحسن في لبنان لا انبسطت / يمنى الهجير على أفياء لبنان
مدّي ظلالك ينعم في غلائلها / صرعى الردى من أحبّائي و أخداني
النّائمين بظلّ الأرز ينشدهم / رواية الدّهر في نعمى سليمان
أمّا البلابل فلتؤنس قبورهم / من كلّ ساجعة في الدّوح مرنان
أعيذ بالحبّ و الذكرى هوى نفر / بيض الوجوه من النّعماء غرّان
قد صوّر الوحي ألوان النّعيم على / مثال ما فيك من حسن و ألوان
و زاد فيها خلودا ما عنيت به / أشهى اللبانات في حكم النّهى الفاني
لا يعذّب الوصل إلاّ أن يخامره / خوف المحبّين من نأي و هجران
و لا هناء بنعمى لا تخاف لها / فقدا و لا تبتلى منها بحرمان
لو يعلمون مناحي النّفس ما خلعوا / ثوب الخلود على نعمى و أحزان
فأصبح الكون لغوا لا حياة به / من رغبة في مجاليه و غنيان
ما للخلود و ما للحسن يزعمه / هيهات عرّي من حسن و إتقان
يضفي الجمال على الأيام مقتدر / من (التحوّل) ذو غزّ و سلطان
عنا له الكون مأخوذا بفتنته / من أنجم و مكانات و أزمان
و عاطفات و أرواح و أخيلة / تغزو الوجود و آراء و أديان
و ربّما فقهت من أمره عجبا / قبل الهداة عصا موسى بن عمران
ليؤمن النّاس ما شاؤا بربّهم / فبالتحوّل بعد الله إيماني
تسمو إلى أفقه القدسيّ طاهرة / طهر الدّموع تسابيحي و ألحاني
كفرت بالرّوح بعد الرّيب آونة / و كان زلفى إلى نجواه كفراني
و قرّب النّاس ما شاؤا لمذبحه / فما تقبّل منهم غير قرباني
أعلنت حين أسرّوا أمرهم فرقا / يا بعد ما بين أسرار و إعلان
إنّ الخلود و ما تروي مزاعمهم / عن السعادة في الأخرى نقيضان
لا يخدع الله قوما يؤمنون به / فتلك خدعة إنسان لإنسان
جنان ربّك في سرّ الخلود غدت / و كلّ آو إليها رازح وان
ملّ المقيمون فيها من هناءتهم / كم يملّ السقام المدنف العاني
تمضي العصور عليهم و هي واحدة / اليوم كالأمس فيها ضاحك هاني
تزجي السآمة تفكيرا و عاطفة / إلى عقول و أهواء و وجدان
لا يرقبون جديدا في خلودهم / لرثّ من قدم العهد الجديدان
و لا يحبّون لكن تلك طائفة / من ماجنات خليعات و مجّان
و لا يناجون في أحلامهم أملا / محبّبّا بين إنكار و إيقان
و لا يحسّون لا حزنا و لا جذلا / فالقوم ما بين مشدوه و سهوان
يا شقوة النفس تخلو بعد أن عمرت / من حسرة و لبانات و أضغان
و ضيعة القلب لا تأوي إليه منى / كالنحل تأخذ من روض و بستان
من كلّ من أبلت الأدهار جدّته / فما يحرّكه تدليل رضوان
ينادم الحور لكن غير مغتبط / و يشرب الراح لكن غير ظمآن
لودّ في كلّ مل يجريه من عسل / و من خمور و من درّ و عقيان
هنيهة من شقاء يطمئنّ بها / إلى مناجاة آلام و أشجان
إذا تذكرّ دنياه هفا ولعا / إلى حبيب و صهباء و ندمان
و راح يبحث في المجهول عن أمل / و عن شقاء و عن أهل و خلاّن
لعلّ بين زوايا النفس قد تركت / ثمالة من صبابات و تحنان
أماّ الغواني فصخر لا يحرّكها / نجوى محبّ و لا تدليل ولهان
لا تعرف الحبّ إلاّ محض تلبية / لعابرين من الأبرار فتيان
و لا تحنّ إلى روح و عاطفة / فالحبّ في ملكوت الله جثماني
من كلّ مرتجّة الأرداف حالية / بالحسن أخّاذة بالسحر مفتان
خبا لهيب المنى في روحها فغدت / و حسنها في حلاه حسن أوثان
جنى الخلود عليها فهي شاكية / إلى الأنوثة ذاك الخائن الجاني
و للخلود على أهل الجحيم يد / تجزي مع الدّهر إحسانا بإحسان
الكافرون لطول العهد قد ألفوا / بقاعها نضج أرواح و أبدان
و قد تزفّ بها و الحفل محتشد / سجينة من ضحاياها لسجّان
فأصبحت و هي من ماء و من مدر / شيطانة تتصبّى كلّ شيطان
و ربّما صحبوا فيها زبانية / بعد القلى إلف إخوان لإخوان
لا يألمون و لا تشكو جسومهم / من اللظى فهي نيران بنيران
مليحة الدلّ من غسّان لا بليت / شمائل الصيد من أقيال غسّان
أتأذنين بإنشاد فما جليت / إلاّ لحسنك أشعاري و أوزاني
طوّفت في هذه الدنيا على مهل / طواف أشعث ماضي العزم يقظان
تظلّلني مصر أحيانا و آونة / أعاقر الخمر في جنّات بغدان
و قد صحبت شعوب الأرض من عرب / شمّ الأنوف إلى روم و كلدان
مفتّشا عن عزاء النفس لا لعبي / أدّى إليه و لا حلمي و عرفاني
مسائلا عنه حتّى قد عييت به / إرث الفلاسف من هند و يونان
فما رأيت له عينا و لا أثرا / و لا فاد طوافي غير خذلاني
إذا ندبت جهودي و هي ضائعة / أطلّ من حرم الرؤيا . فعزّاني
ثمّ انثنيت و ركبي جدّ متّئد / من الونى و رفيقي جدّ حيران
و البيد أوسع من صدر الحليم مدى / و للسّراب بها آلاف غدران
ظمأى حيارى و خلف الركب طائفة / حمر اللواحظ من أسد و ذؤبان
فأيقن القوم بالجلىّ و قد صمتوا / لهيبة الموت و هو المقبل الدّاني
حتّى إذا اليأس لم تترك مرارته / إلاّ بقيّة صبر غير خزيان
لاحت إذا اليأس لم تترك مرارته / إلاّ بقيّة صبر غير خزيان
لاحت خيامك بالصحراء مونقة / أبهى و أزين من عرش و إيوان
فكبّر الرّكب مرتاحا إلى أمل / عذب المجاجة حالي الوشي ريّان
مبادرا للظلال الخضر قد كسيت / نثير ورد و نمام و سوسان
فما فتحت جفوني و هي دامية / من الرّمال أعان الله أجفاني
حتّى لمحتك خلف الستر ضاحكة / إلى جوار و حجّاب و غلمان
فقرّت النفس لا شكوى و لا تعب / و لا لجاجة إيمان و كفران
و ابصرت بعد طول البحث غايتها / فاذعنت لهواها أيّ إذعان
رأت بعينيك يا ليلى و قد يئست / عزاءها لا بإنجيل و فرقان
فقبّلت شفة حمراء دامية / و اهتزّ من نشوات اللثم نهدان
سرّ السعادة في الدّنيا و إن خفيت / تجلوه منك على الأكوان عينان
آمنت بالحبّ ما شاءت عذوبته / آمنت بالحبّ فهو الهادم الباني
يا سامر الحيّ هل تعنيك شكوانا
يا سامر الحيّ هل تعنيك شكوانا / رقّ الحديد وما رقّوا لبلوانا
خلّ العتاب دموعا لا غناء بها / وعاتب القوم أشلاء ونيرانا
آمنت بالحقد يذكي من عزائمنا / و أبعد الله إشفاقا و تحنانا
ويل الشعوب التي لم تسق من دمها / ثاراتها الحمر أحقادا و أضغانا
ترنّح السوط في يمنى معذّبها / ريّان من دمها المسفوح سكرانا
تغضي على الذلّ غفرانا لظالمها / تأنّق الذلّ حتّى صار غفرانا
ثارات يعرب ظمأى في مراقدها / تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا
ألا دم يتنزّى في سلافتها / أستغفر الثأر بل جفّت حميّانا
لا خالد الفتح يغزو الروم منتصرا / و لا المثنّى على رايات شيبانا
أمّا الشام فلم تبق الخطوب بها / روحا أحبّ من التعمى و ريحانا
ألمّ و اللّيل قد أرخى ذوائبه / طيف من الشام حيّانا فأحيانا
حنا علينا ظماء في مناهلها / فأترع الكأس بالذكرى و عاطانا
تنضّر الورد و الريحان أدمعنا / و تسكب العطر و الصهباء نجوانا
السامر الحلو قد مرّ الزّمان به / فمزّق الشمل سمّارا و ندمانا
قد هان من عهدها ما كنت أحسبه / هوى الأحبّة في بغداد لا هانا
فمن رأى بنت مروان انحنت تعبا / من السلاسل يرحم بنت مروانا
أحنو على جرحها الدامي و أمسحه / عطرا تطيب به الدّنيا و إيمانا
أزكى من الطيب ريحانا و غالية / ما سال من دم قتلانا و جرحانا
هل في الشام و هل في القدس والدة / لا تشتكي الثكل إعوالا و إرنانا
تلك القبور و لو أنّي ألمّ بها / لم تعد عيناي أحبابا و إخوانا
يعطي الشّهيد فلا و الله ما شهدت / عيني كإحسانه في القوم إحسانا
و غاية الجود أن يسقي الثرى دمه / عند الكفاح و يلقى الله ظمآنا
و الحقّ و السّيف من طبع و من نسب / كلاهما يتلقّى الخطب عريانا
و الحزن في النّفس نبع لا يمرّ به / صاد من النّفس إلاّ عاد ريّانا
و الخير في الكون لو عرّيت جوهره / رأيته أدمعا حرّى و أحزانا
سمعت باريس تشكو زهو فاتحها / هلاّ تذكّرت يا باريس شكوانا
و الخيل في المسجد المحزون جائلة / على المصلّين أشياخا و فتيانا
و الآمنين أفاقوا و القصور لظى / تهوي بها النّار بنيانا فبنيانا
رمى بها الظالم الطاغي مجلجلة / كالعارض الجون تهدارا و تهتانا
أفدي المخدّرة الحسناء روّعها / من الكرى قدر يشتدّ عجلانا
تدور في القصر عجلي و هي باكية / و تسحب الطيب أذيالا و أردانا
تجيل و النوم ظلّ في محاجرها / طرفا تهدهده الأحلام و سنانا
فلا ترى غير أنقاض مبعثرة / هوين فنا و تاريخا و أزمانا
تلك الفضائح قد سمّيتها ظفرا / هلاّ تكافأ يوم الرّوع سيفانا
نجابه الظلم سكران الظّبى أشرا / و لا سلاح لنا إلا سجايانا
إذا انفجرت من العدوان باكية / لطالما سمتنا بغيا و عدوانا
عشرين عاما شربنا الكأس مترعة / من الأذى فتملّي صرفها الآنا
ما للطواغيت في باريس قد مسخوا / على الأرائك خدّاما و أعوانا
الله أكبر هذا الكون أجمعه / لله لا لك تدبيرا و سلطانا
ضغينة تتنزّى في جوانحنا / ما كان أغناكم عنها و أغنانا
تفدى الشموس بضاح من مشارقها / هلال شعبان إذ حيّا بشعبانا
دوّت به الصرخة الزهراء فانتقضت / رمال مكّة أنجادا و كثبانا
و سال أبطحها بالخيل آبية / على الشكيم تريد الأفق ميدانا
و بالكتائب من فهر مقنّعة / تضاحك الشمس هنديّا و مرّانا
تململ الفاتحون الصيد و ازدلفوا / إلى السيوف زرافات و وحدانا
و للجياد صهيل في شكائمها / تكاد تشربه الصحراء ألحانا
السابقات و ما أرخوا أعنّتها / و الحاملات المنايا الحمر فرسانا
سفر من المجد راح الدهر يكتبه / و لا يضيق به جهرا و أمعانا
قرأت فيه الملوك الصيد حاشية / و الهاشميّين طغراء و عنوانا
شدّ الحسين على الطغيان مقتحما / فزلزل الله للطغيان بنيانا
نور النّبوة في ميمون غرّته / تكاد ترشفه الأجفان فرقانا
لاث العمامة للجلّى و لست أرى / إلاّ العمائم في الإسلام تيجانا
يا صاحب النّصر في الهيجاء كيف غدا / نصر المعارك عند السلم خذلانا
ترى السياسة لونا واحدا و يرى / لها حليفك أشكالا و ألوانا
لا تسأل القوم أيمانا مزوّقة / فقد عيينا بهم عهدا و أيمانا
أكرمت مجدك عن عتب هممت به / لو شئت أوسعته جهرا و تبيانا
ما للسّفينة لم ترفع مراسيها / ؟ ألم تهيئ لها الأقدار ربّانا ؟
شقّي العواصف و الظلماء جارية / باسم الجزيرة مجرانا و مرسانا
ضمّي الأعاريب من بدو و من حضر / إنّي لألمح خلف الغيم طوفانا
يا من يدلّ علينا في كتائبه / نظار تطلع على الدنيا سرايانا