القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : بَدَوِيّ الجَبَل الكل
المجموع : 3
شاد على الأيك غنّانا فأشجانا
شاد على الأيك غنّانا فأشجانا / تبارك الشعر أطيابا و ألحانا
ترنّح البان و اخضّلت شمائله / فهل سقى الشعر من صهبائه البانا
هل كنت أملك لولا عطر نعمته / قلبا على الوهج القدسيّ نديانا
أيطمع الشعر بالإحسان يغمره / و الشعر يغمر الدّنيا الله إحسانا
لو شاء عطّر هذا اللّيل غالية / و نضّر الرمل أشواقا و ريحانا
لو شاء نمنم هذا النجم قافية / و نغّم الفجر أحلاما و أوزانا
لو شاء أنزل بدر التمّ فاحتقلت / به الندامى سرجا في زوايانا
و لو سقى الشمس من أحزانه نديت / على هجير الضّحى حبّا و تحنانا
تضيع في نفسي الجلّى و قد نزلت / من كبريائي آفاقا و أكوانا
و ما رضيت بغير الله معتصما / و لا رأيت لغير الله سلطانا
و لا عكفت بقرباني على صنم / أكرمت شعري لنور الله قربانا
تبرّجت للشذى الأعلى مجامرنا / و زيّنت للهوى الأغلى خفايانا
نبع من النّور عرّانا لموجته / فكحّل النّور أجفانا و وجدانا
تفجّر الحسن في دنيا سرائرنا / هل عند ربّك من دنيا كدنيانا
حضارة الدّهر طيب من خلاعتنا / و جنّة الله عطر من خطايانا
من الغواية سلسنا هدايتنا / فكان أرشدنا للنور أغوانا
يا وحشة الكون لولا لحن سامرنا / على النديّ المصفّى من حميّانا
نشارك الله _ جلّ الله _ قدرته / و لا نضيق بها خلقا و اتقانا
و أين إنسانه المصنوع من حمأ / ممّن خلقناه أطيابا و ألحانا
و لولا جلا حسنه إنسان قدرتنا / لودّ جبريل لو صغناه إنسانا
و لو غمزنا نجوم الليل مغفية / أفاق أترفها حسنا و غنّانا
ناجى على الطّور موسى والنداء لنا / فكيف أغفل موسى حين ناجانا
إن آنس النّار بالوادي فقد شهدت / عيني من اللّهب القدسيّ نيرانا
نطلّ من أفق الدّنيا على غدها / فنجتلي الرّاسيات الشمّ كثبانا
و ما دهتنا من الجبّار عادية / إلاّ جزينا على الطّغيان طغيانا
أديم حصبائنا درّ وغالية / ما أفقر النّاس للنعمى و أغنانا
و أيّ نعمى نرجّيها لدى بشر / والله قرّبنا منه وأدنانا
تبكي السّماء و تبكي حورها جزعا / للحسن و الشعر في الدّنيا إذا هانا
يا خالق القلب : أبدعنا صبابته / يا خالق الحسن : أبدعناه ألوانا
القلب قصرك زيّنا عواريه / بالحسن حينا و بالإحسان أحيانا
العاطلات من الأبهاء قد كسيت / شتّى اللّبانات أصناما و أوثانا
قلب شكا للخيال السمح وحشته / فراح يغمره نعمى و أشجانا
يا سيّد القصر لولانا لما عرفت / أفياؤه الخضر سمّارا و ندمانا
يمنى السراب على الصحراء حانية / تضاحك الرّكب واحات و غدرانا
قاع البحار أضاءته عرائسنا / و ندّت العدم القاسي عذارانا
ننضّر البؤس عند البائسين مُنىً / و العقل عاطفة و الثكل إيمانا
و كلّ ذنب سوى الطغيان ننزله / على جوانحنا حبّا و غفرانا
و همّ كلّ عفاة الأرض نحمله / كأنّنا أهله همّا وحرمانا
نشارك النّاس بلواهم و إن بعدوا / و لا نشارك أدناهم ببلوانا
ضمّت محبّتنا الأشتات و اتّسعت / تحنو على الكون أجناسا و أديانا
سبحان من أبدع الدّنيا فكان لنا / أشهى القوارير من أطياب سبحانا
ستنطوي الجنّة النشوى فلا ملكا / و لا نعيما و لا حورا وولدانا
يفنى الجميع و يبقى الله منفردا / فلا أنيس لنور الله لولانا
لنا كلينا بقاء لا انتهاء له / و سوف يشكو الخلود المرّ أبقانا
تأنّق الشعر للأعياد حالية / وقطّف الورد من عدن وحيّانا
سمح فبالريقة العذراء نادمنا / نهلا و بالشفة اللمياء عاطانا
صاغ الهلال لتاج الملك لؤلؤة / و أنجم اللّيل ياقوتا و مرجانا
يا صاحب التّاج لا تاج العراق على / كريم أمجاده بل تاج عدنانا
جبريل حوّطه بالله فانسكبت / عطور جبريل أورادا وقرآنا
لك الكنوز فتوحات منضّرة / فاغمر من الفتح يمنانا و يسرانا
سُدْتَ الغطاريف فتيانا وسادهم / أبوك في جنّة الفردوس فتيانا
تبارك الله ما أسمى شمائلكم / لكم زعامة دنيانا و أخرانا
فتحت عيني على حبّ صفا و زكا / فصنته لضياء العين إنسانا
و في ظلال أبي غازي منضّرة / مرّ الشّباب مرور الطيف عجلانا
نعمى لصقر قريش طوّقت عنقي / فكيف أوسع نعمى الله نكرانا
و حين شرّدنا الطاغي و أرخصنا / حنَّ العراق فآوانا و أغلانا
و من تقيّأ نعماء العراق رأى / بالأهل أهلا و بالجيران جيرانا
إذا العواصف جنّت فيه هدهدها / عبد الإله و أرسى الملك أركانا
نعمى الوصيّ كنعمى جدّه حليت / على ضحى النّور أفياء و أفنانا
يا صاحب التّاج دنيا الله ما عرفت / إلاّ عمائمكم في الشرق تيجانا
لم يقبل الله إلاّ في محبّتكم / يا آل فاطم إسلاما و أيمانا
غنّيت جدّك أشعاري و نحت بها / في مصرع الشمس إعوالا و إرنانا
أصفيت آل رسول الله عاطفتي / و كنت شاعركم نعمى و أحزانا
و ما رضيت جزاء عن مودّتكم / لا يعدم الحرّ أقواتا و أكفانا
أيكرم العيد شكوانا وقد نزلت / عليك يا ابن رسول الله شكوانا
ندّى شمائلنا بالذكريات كما / ندّى الخيال بنعمى الماء ظمآنا
يروعني العيد ديّانا لأمّته / من أغضب العيد حتّى صار ديّانا
تغرّب العيد في قومي وأنكرهم / على الميادين أحرارا و عبدانا
مالي أرى الشمّ في لبنان مغضية / تطامنت للرزايا شمّ لبنانا
لا صيد غسّان و الهيجاء ضارية / على السروج و لا أقيال مروانا
و أكرم العيد عن عتب هممت به / لو شئت أوسعته جهرا و تبيانا
قد استردّ السبايا كلّ منهزم / لم تبق في رقّها إلاّ سبايانا
دم بتونس لم يثأر له و دم / بالقدس هان على الأيّام لا هانا
و ما لمحت سياط الظلم دامية / إلاّ عرفت عليها لحم أسرانا
و لا نموت على حدّ الظبى أنفا / حتّى لقد خجلت منّا منايانا
لو يعلم البدر في شعبان محنتنا / لما أطلّ حياء بدر شعبانا
لو كان يعلم قتلانا بكت مزق / على الصحاصح من أشلاء قتلانا
تهلهلت أمتّي حتّى غدت أمما / وزوّر الوطن المسلوب أوطانا
و قد عرفت الرزايا و هي منجبة / فكيف لم تلد الجلّى رزايانا
كفرت بالحسب السّامي إلى مضر / أستغفر المجد إنكارا و كفرانا
تطوى القبور على الموتى فتسترهم / وفي القصور وفي السلطان موتانا
دعوا الجراح لوهج النّار سافرة / فالجرح يقتل إنكارا وكتمانا
ذلّ الدّهاء أكاذيبا مزوّقة / فكان أكذبنا بالقول أدهانا
ثارات يعرب ظمأى في مصارعها / تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا
يا وحشة الثأر لم ينهد له أحد / فاستنجد الثأر أجداثا و أكفانا
أفدي شمائل قومي ثورة ولظى / و عاصفا زحم الدّنيا و بركانا
من أطفأ الجذوة الكبرى بأنفسنا / أدهرنا حال أم حالت سجايانا
هي الكؤوس ولكن أين نشوتنا / و هي الحروف و لكن أين معنانا
ما للرمال الصوادي لا نبات بها / و تنبت المجد هنديّا و مرّانا
عبدت فيها إله الشمس منتقما / معذبا و إله اللّيل رحمانا
اللّيل يخلق فيها الحور مترفة / و تخلق الشمس جنّانا و غيلانا
على الرّمال طيوف من كتائبنا / نشوى الفتوح و نفح من سرايانا
لابن الوليد على كثبانها عبق / سقى الهجير من الذكرى فندّانا
و في النسيم على الصحراء نرشفه / طيب المثنّى على رايات شيبانا
يا فيصلا في يمين الله تحسده / بيض الظبى هاشميّ الفتح ريّانا
يا فيصلا في يمين الله منسكبا / كجدّه المرتضى يمنا و إيمانا
يا فيصلا و حنت في الخلد فاطمة / تودّ لو قبّلت خدّا و أجفانا
يا فيصلا و انتخت كبرا صوارمنا / و زغردت باسمك الحالي صبايانا
يا فيصلا و رنا نجم لصاحبه / يقول : فيصل أحلانا و أسمانا
كتائب الله من فهر و إخوته / فعطّر المجد ميدانا فميدانا
لواء عدنان أنت اليوم صاحبه / فاقحم به الشرق : هذا الشرق دنيانا
ما في االعراق و لا في الشام موعدنا / على الثنيّة من حطّين لقيانا
منازل الخلد لا أرباع لبنان
منازل الخلد لا أرباع لبنان / و فتنة السحر لا آيات فنّان
جنان لبنان حسبي منك وارفة / فيها النديّان من روح و ريحان
شبّ النبيّون في أفيائها و حبت / فيها خيالات إنجيل و قرآن
بليلة بدموع الله ما و شنت / إلاّ و بين خوافيها حبيبان
يغفو بها الفجر في أحضان مورقة / مديدة الظلّ أحلام سكران
و دغدغته فللأغصان هيمنة / كأنّها بثّ غيران لغيران
و ما تنبّه حتى راعه وهج / و الشمس حلي ربى خضر و وديان
صحبت فيك شبابي و الهوى و منى / لعس الشفاه و ظلا غير ضحيان
فأسبغي نعمة النسيان تغمرني / عسى يخفّف من بلواي نسياني
أمسيت لا ريقها المعسول أسعدني / و لا الجنون : جنون الحبّ واتاني
ألحّ بي السقم حتّى لا يفارقني / و راح ينسج قبل الشيب أكفاني
عفّى على نزوات النفس جامحة / إلاّ اهتزاز خليع الحسن نشوان
و صبوة للعيون النجل هانئة / من الشباب بظلّ العاطف الحاني
يثير بي كلّ حسن فتنة و هوى / فما أمرّ بماء غير صديان
و يا ربى الحسن في لبنان هل عريت / مخضلّة الدوح من ظلّ و أغصان
و من لبناتي السكرى مصرّعة / من الونى بين أفياء و أفنان
و يا ربى الحسن هل من نفحة / حملت شذى النّهود لصادي القلب حرّان
و هل صباك نموم العطر ناقلة / بعدي أحاديث أذيال و أردان
و يا ربى الحسن في لبنان هل ثملت / بعدي الرّياحين من صهباء نيسان
و يا ربى الحسن في لبنان لا انبسطت / يمنى الهجير على أفياء لبنان
مدّي ظلالك ينعم في غلائلها / صرعى الردى من أحبّائي و أخداني
النّائمين بظلّ الأرز ينشدهم / رواية الدّهر في نعمى سليمان
أمّا البلابل فلتؤنس قبورهم / من كلّ ساجعة في الدّوح مرنان
أعيذ بالحبّ و الذكرى هوى نفر / بيض الوجوه من النّعماء غرّان
قد صوّر الوحي ألوان النّعيم على / مثال ما فيك من حسن و ألوان
و زاد فيها خلودا ما عنيت به / أشهى اللبانات في حكم النّهى الفاني
لا يعذّب الوصل إلاّ أن يخامره / خوف المحبّين من نأي و هجران
و لا هناء بنعمى لا تخاف لها / فقدا و لا تبتلى منها بحرمان
لو يعلمون مناحي النّفس ما خلعوا / ثوب الخلود على نعمى و أحزان
فأصبح الكون لغوا لا حياة به / من رغبة في مجاليه و غنيان
ما للخلود و ما للحسن يزعمه / هيهات عرّي من حسن و إتقان
يضفي الجمال على الأيام مقتدر / من (التحوّل) ذو غزّ و سلطان
عنا له الكون مأخوذا بفتنته / من أنجم و مكانات و أزمان
و عاطفات و أرواح و أخيلة / تغزو الوجود و آراء و أديان
و ربّما فقهت من أمره عجبا / قبل الهداة عصا موسى بن عمران
ليؤمن النّاس ما شاؤا بربّهم / فبالتحوّل بعد الله إيماني
تسمو إلى أفقه القدسيّ طاهرة / طهر الدّموع تسابيحي و ألحاني
كفرت بالرّوح بعد الرّيب آونة / و كان زلفى إلى نجواه كفراني
و قرّب النّاس ما شاؤا لمذبحه / فما تقبّل منهم غير قرباني
أعلنت حين أسرّوا أمرهم فرقا / يا بعد ما بين أسرار و إعلان
إنّ الخلود و ما تروي مزاعمهم / عن السعادة في الأخرى نقيضان
لا يخدع الله قوما يؤمنون به / فتلك خدعة إنسان لإنسان
جنان ربّك في سرّ الخلود غدت / و كلّ آو إليها رازح وان
ملّ المقيمون فيها من هناءتهم / كم يملّ السقام المدنف العاني
تمضي العصور عليهم و هي واحدة / اليوم كالأمس فيها ضاحك هاني
تزجي السآمة تفكيرا و عاطفة / إلى عقول و أهواء و وجدان
لا يرقبون جديدا في خلودهم / لرثّ من قدم العهد الجديدان
و لا يحبّون لكن تلك طائفة / من ماجنات خليعات و مجّان
و لا يناجون في أحلامهم أملا / محبّبّا بين إنكار و إيقان
و لا يحسّون لا حزنا و لا جذلا / فالقوم ما بين مشدوه و سهوان
يا شقوة النفس تخلو بعد أن عمرت / من حسرة و لبانات و أضغان
و ضيعة القلب لا تأوي إليه منى / كالنحل تأخذ من روض و بستان
من كلّ من أبلت الأدهار جدّته / فما يحرّكه تدليل رضوان
ينادم الحور لكن غير مغتبط / و يشرب الراح لكن غير ظمآن
لودّ في كلّ مل يجريه من عسل / و من خمور و من درّ و عقيان
هنيهة من شقاء يطمئنّ بها / إلى مناجاة آلام و أشجان
إذا تذكرّ دنياه هفا ولعا / إلى حبيب و صهباء و ندمان
و راح يبحث في المجهول عن أمل / و عن شقاء و عن أهل و خلاّن
لعلّ بين زوايا النفس قد تركت / ثمالة من صبابات و تحنان
أماّ الغواني فصخر لا يحرّكها / نجوى محبّ و لا تدليل ولهان
لا تعرف الحبّ إلاّ محض تلبية / لعابرين من الأبرار فتيان
و لا تحنّ إلى روح و عاطفة / فالحبّ في ملكوت الله جثماني
من كلّ مرتجّة الأرداف حالية / بالحسن أخّاذة بالسحر مفتان
خبا لهيب المنى في روحها فغدت / و حسنها في حلاه حسن أوثان
جنى الخلود عليها فهي شاكية / إلى الأنوثة ذاك الخائن الجاني
و للخلود على أهل الجحيم يد / تجزي مع الدّهر إحسانا بإحسان
الكافرون لطول العهد قد ألفوا / بقاعها نضج أرواح و أبدان
و قد تزفّ بها و الحفل محتشد / سجينة من ضحاياها لسجّان
فأصبحت و هي من ماء و من مدر / شيطانة تتصبّى كلّ شيطان
و ربّما صحبوا فيها زبانية / بعد القلى إلف إخوان لإخوان
لا يألمون و لا تشكو جسومهم / من اللظى فهي نيران بنيران
مليحة الدلّ من غسّان لا بليت / شمائل الصيد من أقيال غسّان
أتأذنين بإنشاد فما جليت / إلاّ لحسنك أشعاري و أوزاني
طوّفت في هذه الدنيا على مهل / طواف أشعث ماضي العزم يقظان
تظلّلني مصر أحيانا و آونة / أعاقر الخمر في جنّات بغدان
و قد صحبت شعوب الأرض من عرب / شمّ الأنوف إلى روم و كلدان
مفتّشا عن عزاء النفس لا لعبي / أدّى إليه و لا حلمي و عرفاني
مسائلا عنه حتّى قد عييت به / إرث الفلاسف من هند و يونان
فما رأيت له عينا و لا أثرا / و لا فاد طوافي غير خذلاني
إذا ندبت جهودي و هي ضائعة / أطلّ من حرم الرؤيا . فعزّاني
ثمّ انثنيت و ركبي جدّ متّئد / من الونى و رفيقي جدّ حيران
و البيد أوسع من صدر الحليم مدى / و للسّراب بها آلاف غدران
ظمأى حيارى و خلف الركب طائفة / حمر اللواحظ من أسد و ذؤبان
فأيقن القوم بالجلىّ و قد صمتوا / لهيبة الموت و هو المقبل الدّاني
حتّى إذا اليأس لم تترك مرارته / إلاّ بقيّة صبر غير خزيان
لاحت إذا اليأس لم تترك مرارته / إلاّ بقيّة صبر غير خزيان
لاحت خيامك بالصحراء مونقة / أبهى و أزين من عرش و إيوان
فكبّر الرّكب مرتاحا إلى أمل / عذب المجاجة حالي الوشي ريّان
مبادرا للظلال الخضر قد كسيت / نثير ورد و نمام و سوسان
فما فتحت جفوني و هي دامية / من الرّمال أعان الله أجفاني
حتّى لمحتك خلف الستر ضاحكة / إلى جوار و حجّاب و غلمان
فقرّت النفس لا شكوى و لا تعب / و لا لجاجة إيمان و كفران
و ابصرت بعد طول البحث غايتها / فاذعنت لهواها أيّ إذعان
رأت بعينيك يا ليلى و قد يئست / عزاءها لا بإنجيل و فرقان
فقبّلت شفة حمراء دامية / و اهتزّ من نشوات اللثم نهدان
سرّ السعادة في الدّنيا و إن خفيت / تجلوه منك على الأكوان عينان
آمنت بالحبّ ما شاءت عذوبته / آمنت بالحبّ فهو الهادم الباني
يا سامر الحيّ هل تعنيك شكوانا
يا سامر الحيّ هل تعنيك شكوانا / رقّ الحديد وما رقّوا لبلوانا
خلّ العتاب دموعا لا غناء بها / وعاتب القوم أشلاء ونيرانا
آمنت بالحقد يذكي من عزائمنا / و أبعد الله إشفاقا و تحنانا
ويل الشعوب التي لم تسق من دمها / ثاراتها الحمر أحقادا و أضغانا
ترنّح السوط في يمنى معذّبها / ريّان من دمها المسفوح سكرانا
تغضي على الذلّ غفرانا لظالمها / تأنّق الذلّ حتّى صار غفرانا
ثارات يعرب ظمأى في مراقدها / تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا
ألا دم يتنزّى في سلافتها / أستغفر الثأر بل جفّت حميّانا
لا خالد الفتح يغزو الروم منتصرا / و لا المثنّى على رايات شيبانا
أمّا الشام فلم تبق الخطوب بها / روحا أحبّ من التعمى و ريحانا
ألمّ و اللّيل قد أرخى ذوائبه / طيف من الشام حيّانا فأحيانا
حنا علينا ظماء في مناهلها / فأترع الكأس بالذكرى و عاطانا
تنضّر الورد و الريحان أدمعنا / و تسكب العطر و الصهباء نجوانا
السامر الحلو قد مرّ الزّمان به / فمزّق الشمل سمّارا و ندمانا
قد هان من عهدها ما كنت أحسبه / هوى الأحبّة في بغداد لا هانا
فمن رأى بنت مروان انحنت تعبا / من السلاسل يرحم بنت مروانا
أحنو على جرحها الدامي و أمسحه / عطرا تطيب به الدّنيا و إيمانا
أزكى من الطيب ريحانا و غالية / ما سال من دم قتلانا و جرحانا
هل في الشام و هل في القدس والدة / لا تشتكي الثكل إعوالا و إرنانا
تلك القبور و لو أنّي ألمّ بها / لم تعد عيناي أحبابا و إخوانا
يعطي الشّهيد فلا و الله ما شهدت / عيني كإحسانه في القوم إحسانا
و غاية الجود أن يسقي الثرى دمه / عند الكفاح و يلقى الله ظمآنا
و الحقّ و السّيف من طبع و من نسب / كلاهما يتلقّى الخطب عريانا
و الحزن في النّفس نبع لا يمرّ به / صاد من النّفس إلاّ عاد ريّانا
و الخير في الكون لو عرّيت جوهره / رأيته أدمعا حرّى و أحزانا
سمعت باريس تشكو زهو فاتحها / هلاّ تذكّرت يا باريس شكوانا
و الخيل في المسجد المحزون جائلة / على المصلّين أشياخا و فتيانا
و الآمنين أفاقوا و القصور لظى / تهوي بها النّار بنيانا فبنيانا
رمى بها الظالم الطاغي مجلجلة / كالعارض الجون تهدارا و تهتانا
أفدي المخدّرة الحسناء روّعها / من الكرى قدر يشتدّ عجلانا
تدور في القصر عجلي و هي باكية / و تسحب الطيب أذيالا و أردانا
تجيل و النوم ظلّ في محاجرها / طرفا تهدهده الأحلام و سنانا
فلا ترى غير أنقاض مبعثرة / هوين فنا و تاريخا و أزمانا
تلك الفضائح قد سمّيتها ظفرا / هلاّ تكافأ يوم الرّوع سيفانا
نجابه الظلم سكران الظّبى أشرا / و لا سلاح لنا إلا سجايانا
إذا انفجرت من العدوان باكية / لطالما سمتنا بغيا و عدوانا
عشرين عاما شربنا الكأس مترعة / من الأذى فتملّي صرفها الآنا
ما للطواغيت في باريس قد مسخوا / على الأرائك خدّاما و أعوانا
الله أكبر هذا الكون أجمعه / لله لا لك تدبيرا و سلطانا
ضغينة تتنزّى في جوانحنا / ما كان أغناكم عنها و أغنانا
تفدى الشموس بضاح من مشارقها / هلال شعبان إذ حيّا بشعبانا
دوّت به الصرخة الزهراء فانتقضت / رمال مكّة أنجادا و كثبانا
و سال أبطحها بالخيل آبية / على الشكيم تريد الأفق ميدانا
و بالكتائب من فهر مقنّعة / تضاحك الشمس هنديّا و مرّانا
تململ الفاتحون الصيد و ازدلفوا / إلى السيوف زرافات و وحدانا
و للجياد صهيل في شكائمها / تكاد تشربه الصحراء ألحانا
السابقات و ما أرخوا أعنّتها / و الحاملات المنايا الحمر فرسانا
سفر من المجد راح الدهر يكتبه / و لا يضيق به جهرا و أمعانا
قرأت فيه الملوك الصيد حاشية / و الهاشميّين طغراء و عنوانا
شدّ الحسين على الطغيان مقتحما / فزلزل الله للطغيان بنيانا
نور النّبوة في ميمون غرّته / تكاد ترشفه الأجفان فرقانا
لاث العمامة للجلّى و لست أرى / إلاّ العمائم في الإسلام تيجانا
يا صاحب النّصر في الهيجاء كيف غدا / نصر المعارك عند السلم خذلانا
ترى السياسة لونا واحدا و يرى / لها حليفك أشكالا و ألوانا
لا تسأل القوم أيمانا مزوّقة / فقد عيينا بهم عهدا و أيمانا
أكرمت مجدك عن عتب هممت به / لو شئت أوسعته جهرا و تبيانا
ما للسّفينة لم ترفع مراسيها / ؟ ألم تهيئ لها الأقدار ربّانا ؟
شقّي العواصف و الظلماء جارية / باسم الجزيرة مجرانا و مرسانا
ضمّي الأعاريب من بدو و من حضر / إنّي لألمح خلف الغيم طوفانا
يا من يدلّ علينا في كتائبه / نظار تطلع على الدنيا سرايانا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025