المجموع : 3
صَهَرتُ في قدحِ الصهباءِ أحزاني
صَهَرتُ في قدحِ الصهباءِ أحزاني / وصُغتُ من ذَوبها شِعري وألحاني
وبتُّ في غَلَسِ الظلماءِ أُرسِلُها / من غورِ روحي ومن أعماقِ وجداني
يا ليلُ ضاقت بشكوايَ الصدورُ وما / ضاقَت بغلٍّ وأحقادٍ وأضغان
فجئتُ أشكو إليكَ المرجفينَ وهم / لا درَّ درُّهُمُ أسبابُ خذلاني
يا ليلُ والروح عَطشى وهيَ هائِمةٌ / هَل في المجرّةِ من ريٍّ لعطشانِ
يا ليلُ والنفسُ غَرثى وهيَ حائرةٌ / فهَل بنَجمِكَ من زادٍ لغَرثانِ
يا ليلُ والعينُ سهرى وهيَ دامعةٌ / فهَل بجُنحِكَ من راثٍ لسَهرانِ
يا ليلُ حَسبي وصدري ملؤهُ ضرمٌ / تلكَ البقيَّةُ فافتَح صَدركَ الحاني
فكَم بهِ لمَسَت روحي العزاءَ وقد / أودَعَتهُ سرّ آلامي وأشجاني
يا ليلُ أينَ الكرى بل أينَ طيفهُم / فكَم بوادي الكرى يا ليلُ واساني
وكم هَفَت وَصَبَت نفسي إلى حُلُمٍ / مُجنّحٍ راقصٍ في النورِ نَشوانِ
حُلمٌ يرفُّ على لالاءِ مَبسِمها / ليلاً ويَصدرُ صُبحاً غيرَ صَديانِ
يا ساقيَ الخمرِ لا شُلَّت يداكَ أدِر / بنتَ النخيلِ فإنّ الصحوَ أضناني
وانضَح بها كبداً نَهبَ الجوى واثر / باللَه غافيَ إحساسي وإيماني
فكم على ضوئِها الفضيّ من صُوَرٍ / شتّى تجلّت لعيني ذات ألوان
وَرُحتُ استَعرضُ الماضي فاطرَبني / بها ومن ثمّ أشجاني وأبكاني
حتّى سَكَبت على ذِكراهُ أغنيةً / من وَحيِ بُؤسي ومن إلهامِ خِرماني
يا ساقيَ الخَمرِ زِدني فالرؤى هَتَفَت / بي وهيَ سكرى وما اغمَضتُ أجفاني
تراقصَ الحَبَبُ المِمراحُ في قدَحي / فأينَ أينَ الكرى من جفنِ سكرانِ
يا جيرةَ البانِ حيّا الغَيثُ رَوضَكمُ / وجادَ واديكمُ يا جيرةَ البان
واللَهِ ما هبَطَت ليلايَ دارَكمُ / إلّا وحلّت بها ما بينَ إخواني
فمَن بأحضانِ ذاكَ الروضِ شاهَدها / مُواسياً غيرُ أقراني وخلّاني
ومَن على وردهِ المعطارِ نادمَها / على الطّلا غيرُ سُمّاري ونُدماني
باللَهِ هل فُسِّرَت أحلامُ روضِكُم / وهنّا لانسامِ آذارٍ ونيسانِ
وهل شجا قلبَها نوحُ الحمامِ بهِ / فاستَعبَرَت وَرَثَت لي بعدَ فقداني
وَهَل أنينُ سواقيهِ وأدمُعُها / في الروضِ ذكّرَها بالوامقِ العاني
وهَل فراشاتهُ طافَت بوجنَتِها / وغازلَت وهيَ نشوى وردَها القاني
يا أهلَ ليلايَ مُذ شطّ المزارُ بكم / لا الحيُّ حيّي ولا الجيرانُ جيراني
كلّا ولا الروح روحي مُذ هفَت وصَبَت / لساكني الحيّ من غيدٍ ومُردان
نَزَحتُمُ وضبابُ الشكّ خيّمَ في / آفاقِ نَفسي وكم بالكُفرِ أغراني
لولا بقيَّةُ إيمانٍ ترُفُّ منى / قلبي على ضوئها في ليل أحزاني
يا ساكِني القَصرِ دام السعدُ مُبتَسِماً / لكُم ودُمتُم ودامَ النحسُ للشاني
إن يجحَدِ القومُ والأوطانُ فَضلَكُمُ / لا القومُ قومي ولا الأوطانُ أوطاني
لي بينَ غزلانِكم ظبيٌ كَلِفتُ به / ظبيٌ تَرَعرَعَ في جنّاتِ رضوانِ
واللَهُ أبدعَ في تصويرهِ وكفى / أُعيدهُ بكمُ من كلِّ شَيطانِ
ما أن وَقَفتُ عليها مُهجتي ودَمي / حتّى قَصَرتُ أناشيدي وأوزاني
فيا إله الهوى رفقاً بعابِدِها / فالقلب ما نال من معبوده الثاني
والفكرُ يا أهلَ ليلايَ استقَلَّ بها / والروحُ يا مذبحَ العُشّاقِ قُرباني
حُبٌّ برىءٌ نما في خافِقي وَسَما / وهَل يُعَمَّرُ حُبٌّ غيرُ روحاني
إعزف على العود يا معبودي الثاني
إعزف على العود يا معبودي الثاني / وغنّ يا حب أنت الهادم الباني
إعزف على العود إن الشك ساورني / يا سلوة القلب وابعث ميت أشجاني
وهاتها يا غذاء الروح أغنية / تحيي الرجاء بقلب البائس العاني
يا ساجي اللحظ والأحلام شاردة / اسرع بربك وأملا كأسي الثاني
واترع لنفسكَ أخرى يا حبيبي من / خمر العراق ودع صهباء إيران
ما كان أطيبها صرفاً وأعذبها / ممزوجةً فاسقنيها وأجلُ أحزاني
إنّي لأشتمُ عطر الرافدين بها / نشر الخزامى وعبق الآس والبان
وكم رأيتُ ظباء الكرخ سارحة / بالسكر ما بين أورادٍ وغدران
قُم واسكُب الروح أنغاماً على مهل / فما لديّ سواها فهيَ قرباني
ولنصطبح بحميا زحلةٍ وإذا / فرغت عن اسلمي يا أرض لبنان
إعزف على العود ولنسكر ولا حرج / ولنحي ميت الأماني بابنة الحان
هنا الهوى وأغانيه العذاب هنا / عرائس الوحي ألقاها وتلقاني
هنا الرمال هنا الأمواج راقصة / وههنا صغتُ أشعاري وأوزاني
هنا الرحيق المصفّى والرؤى وهنا / ملهى اللآلىء من حور وولدان
هنا كؤوس الحميا كم وكم خطرت / تختال ما بين سماري وندماني
يا مهبط الوحي يا ملهى طفولتنا / أوّاهُ ليت الذي أهواهُ يهواني
علّلتُ نفسي فلا الآمال صادقة / وضقتُ ذرعاً وفرط الشوق أضناني
فالطرف جفّ وسال الروح من شجنٍ / دمعا وفاضت به ويلاهُ عينان
يا مرتع الروح والأشجان ثائرة / إني على العهد ما كرّ الجديدان
جاء الشتاء وولّى الصيف واأسفا / أما سمعت بجنح الليل ألحاني
قد جئتُ وهنا وآمالي محطمةٌ / لكي أبثّك أشواني وأشجاني
فلا شويطئك الرمليّ اطرَبني / كلا ولا موجه الفضي وأساني
ولا الأصائل والأسحار باسمةٌ / ولا نسيمك لما مرّ عزّاني
فالحبّ داء عضال لا دواء له / فلا يغرّنك ما يبدي الحبيبان
يا طائرَ الفجرِ من بالراح أغرانا
يا طائرَ الفجرِ من بالراح أغرانا / إلاك حين تناغي الروض سكرانا
قم واصطبح فكؤوس الورد مترعة / من خمرة الفجر إن الفجر قد بانا
وارقص وصفق وطر واهتف وغن به / وحيه واسكب الأشواق ألحانا
كم نغمة صغت من إلهام روعته / ووحي طلعته فاصدح بها الانا
وسائل الروض عن أحلام غفوته / واستخبر الآس والنوار والبانا
وابعث بأنفسنا ميت العزاء فقد / أودى بها اليأسُ واسمع بعد شكوانا
يا جيرة الروض من منكم يخبرنا / فالدهر أدناكم منه وأقصانا
كيف الأحبّة جاد الغيث ربعهم / إنا على عهدهم رغم الذي كانا
سلوا بربكم ليلاكم فلكم / باتت تشاكي بجنح الليل ليلانا
كم كاشفتها بما ضمت جوانحها / فتذرف الدمع إشفاقا وتحنانا
يا جيرة الروض والأحلام شاردة / ما كان أسعدكم فيه وأشقانا
في ذمة اللَه ما ضينا وحاضرنا / بؤس ويأس ألا سحقا لمن خانا
ليلى تعالى وردي بعض ما أخذت / منا ليالي النوى عطفا وإحسانا
ليلى تعالي فصرف الدهر أعلنها / حربا وحطمنا ظلما وطغيانا
ليلى تعالي لنشكو ما نكابده / في الحي مذ أصبح الأحرار عبدانا
ليلى تعالي فإن الشك خامرنا / وكفكفي دمعنا فالوضع أبكانا
ليلى تعالي أديريها مشعشعة / لعل بالراح يا ليلاي سلوانا
إنا منادوك يا ليلى فلا عجب / فأنت والله دنيانا وأخرانا