المجموع : 9
يا وَردَ جورِ الذي حيّا فأحيانا
يا وَردَ جورِ الذي حيّا فأحيانا / أشبَهتَ خَدّاً بماءِ الحُسن ريّانا
اذا رأيتكَ لاح الكونُ مُبتسِماً / كالثَّغر واخضرَّت الآمالُ أَغصانا
وإن جنيتُك أذكرْ غادةً حملَت / من الأزاهِر أشكالاً وألوانا
كم باقةٍ مِنكَ ضمّتها أنامِلُها / كأنها لؤلؤٌ قد ضمَّ مُرجانا
ومنكَ لونٌ وطِيبٌ في غلالِتها / وهي التي تَكتسي نوراً وريحانا
إليَّ أهدَتكَ مضموماً بأنملِها / حتى رأيتُ الهوى حُسناً وإحسانا
ولا أزالُ بزَهرٍ مِنكَ أَذكرُها / لأنني لم أزل بالطّيبِ نشوانا
وقد تجودُ بخَدٍّ لي فأحسبُه / مما جَنَتهُ ومن رياكَ ريانا
قلبي تعشَّقَ خدَّيها كما عشِقَت / فراشةُ الرّوضِ لوناً منكَ فتانا
يا وردَ جورٍ عليك الرّيحُ نافحةٌ / نهزُّ في الصّبحِ أزهاراً وأفنانا
وتحملُ الطّبَ مثلَ النفسِ حاملة / للحبِّ حتى يَصيرَ الكونُ أكوانا
يا أرض أندلسَ الخضراءَ حيّينا
يا أرض أندلسَ الخضراءَ حيّينا / لعلّ روحاً من الحمراءِ تُحيينا
فيكِ الذخائرُ والأعلاقُ باقيةٌ / من الملوكِ الطريدينَ الشّريدينا
منّا السلامُ على ما فيكِ من رممٍ / ومن قبورٍ وأطلالٍ تصابينا
لقد أضعناكِ في أيامِ شَقوَتِنا / ولا نَزالُ محبّيكِ المشوقينا
هذي ربوعُكِ بعدَ الأُنسِ مُوحِشةٌ / كأننا لم نكن فيها مقيمينا
من دَمعِنا قد سقيناها ومِن دَمِنا / ففي ثراها حشاشاتٌ تشاكينا
عادت إِلى أهلها تشتاقُ فتيتَها / فأسمعت من غناءِ الحبّ تلحينا
كانت لنا فعنَت تحت السيوفِ لهم / لكنّ حاضرَها رسمٌ لماضينا
في عزّنا حبلت منا فصُورتُنا / محفوظةٌ أبداً فيها تعزّينا
لا بدعَ إن نَشَقَتنا من أزاهرها / طيباً فإنّا ملأناها رَياحينا
وإن طربنا لألحانٍ تردِّدُها / فإنها أخذت عنّا أَغانينا
تاقت إلى اللغةِ الفصحى وقد حفظت / منها كلاماً بدت فيه معانينا
إنّا لنذكرُ نُعماها وتذكُرنا / فلم يضع بيننا عهدُ المحبّينا
في البرتغالِ وإسبانيّةَ ازدهرت / آدابُنا وسمت دهراً مبانينا
وفي صقلّية الآثارُ ما برحت / تبكي التمدُّنَ حيناً والعُلى حينا
كم من قصورٍ وجنّاتٍ مزخرفةٍ / فيها الفنونُ جمعناها أفانينا
وكم صروحٍ وأَبراجٍ ممرّدةٍ / زدنا بها الملكَ توطيداً وتأمينا
وكم مساجدَ أَعلَينا مآذنَها / فأطلَعت أَنجماً منها معالينا
وكم جسورٍ عَقَدنا من قَناطِرِها / أقواسَ نصرٍ على نهرٍ يرئّينا
تلك البلادُ استمدّت من حضارتنا / ما أَبدعَته وأولته أَيادينا
فيها النفائسُ جاءت من صناعَتِنا / ومن زراعتِنا صارت بساتينا
فأجدَبَت بعدَنا واستوحَشَت دمناً / تصبو إلينا وتبكي من تنائينا
أيامَ كانت قصورُ الملكِ عاليةً / كانَ الفرنجُ الى الغاباتِ آوينا
وحين كنا نجرُّ الخزَّ أَرديةَ / كانوا يسيرون في الأسواقِ عارينا
لقد لبسنا من الأبرادِ أفخرَها / لما جَرَرنا ذيولُ العصبِ تزيينا
وقد ضَفَرنا لإدلال ذوائبَنا / لما حمينا المغاني من غوانينا
وقد مَسَحنا صنوفَ الطيبِ في لممٍ / لما ادّرعنا وأَسرجنا مذاكينا
كل الجواهر في لبّاتِ نسوتنا / صارت عقوداً تزيدُ الدرَّ تثمينا
وأَكرمُ الخيلِ جالت في معاركنا / وإذ خلا الجو خالت في مراعينا
تردي وقد علمت أَنّا فوارسها / ولا تزالُ لنعلوها وتُعلينا
زدنا السيوفَ مضاءً من مضاربنا / ومن مطاعننا زدنا القنا لينا
من للكتائبِ أو من للمواكبِ أو / من للمنابرِ إِلا سادةٌ فينا
جاءت من الملأ الأعلى قصائدُنا / والرومُ قد أَخذوا عنا قوافينا
لم يعرفوا العلَم إِلا من مدارسِنا / ولا الفروسةَ إِلا من مجارينا
أَعلى الممالكِ داستها جحافِلُنا / وسرّحت خيلَنا فيها سراحينا
تلك الجيادُ بأبطالِ الوغى قطعت / جبالَ برناتَ وانقضّت شواهينا
في أرض إفرنسةَ القصوى لها أَثرٌ / قد زادَهُ الدهرُ إيضاحاً وتبيينا
داست حوافرُها ثلجاً كما وطئت / رَملاً وخاضت عباباً في مغازينا
الشمسُ ما أَشرقت من علوِ مطلعِها / إِلا رأَتنا الى الأوطارِ ساعينا
كسرى وقيصرُ قد فرَّت جيوشُهما / للمرزبانِ وللبطريقِ شاكينا
حيث العمامةُ بالتيجانِ مزريةٌ / من يومِ يرموكَ حتى يومِ حطّينا
وللعروشِ طوافٌ بالسرير إذا / قامَ الخليفةُ يعطي الناسَ تأمينا
بعدَ الخلافةِ ضاعت أرضُ أندلسٍ / وما وقى العرب الدنيا ولا الدينا
الملكُ أصبحَ دَعوى في طوائفهم / واستمسكوا بعرى اللّذاتِ غاوينا
وكلُّ طائفةٍ قد بايعت ملكاً / لم يُلفِ من غارة الأسبانِ تحصينا
وهكذا يفقدُ السلطانُ هيبتَهُ / إن أكثرَ القومُ بالفوضى السلاطينا
والرأيُ والبأسُ عندَ الناسِ ما ائتلفوا / لكن إذا اختلفوا صاروا مجانينا
تقلّصَ الظلُّ عن جناتِ أندلسٍ / وحطَّمَ السيفُ ملكَ المستنيمينا
فما المنازلُ بالباقينَ آهلةٌُ / ولا المساجدُ فيها للمصلّينا
لن ترجعنَّ لنا يا عهدَ قرطبةٍ / فكيفَ نبكي وقد جفّت مآقينا
ذبّلتَ زهراً ومن ريّاك نشوتُنا / وإِن ذكراك في البلوى تسلينا
ما كانَ أعظمَها للملكِ عاصمةً / وكان أكثرها للعلمِ تلقينا
لم يبقَ منها ومن ملكٍ ومن خولٍ / إِلا رسومٌ وأطيافٌ تباكينا
والدهرُ ما زالَ في آثارِ نعمتِها / يروي حديثاً لهُ تبكي أعادينا
أينَ الملوكُ بنو مروانَ ساستُها / يُضحونَ قاضينَ أو يُمسونَ غازينا
وأينَ أبناءُ عبّادٍ ورونَقُهم / وهم أواخرُ نورٍ في دياجينا
يا أيها المسجدُ العاني بقرطبةٍ / هلا تذكّرُكَ الأجراسُ تأذينا
كانَ الخليفةُ يمشي بينَ أعمدةٍ / كأنه الليثُ يمضي في عفرّينا
إن مالَ مالت به الغبراء واجفةً / أو قالَ قالت له العلياءُ آمينا
يا سائحاً أصبحت حجّاً قيافتُهُ / قِف بالطلول وسَلها عن ملاهينا
بعدَ النعيمِ قصورُ الملكِ دارسةٌ / وأهلُها أصبحوا عنها بعيدينا
فلا جمالٌ تروقُ العينَ بهجتُه / ولا عبيرٌ معَ الأرواحِ يأتينا
صارت طلولاً ولكنّ التي بَقِيَت / تزدادُ بالذكرِ بعدَ الحسنِ تحسينا
تلكَ القصورُ من الزهراءِ طامسةٌ / وبالتذكُّرِ نبنيها فتنبينا
على الممالك منها أشرفَت شرفاً / والملكُ يعشقُ تشييداً وتزيينا
وعبدُ رحمانِها يَلهو بزخرفِها / والفنُّ يعشقُ تشييداً وتزيينا
كانت حقيقةَ سلطانٍ ومقدرةٍ / فأصبحت في البلى وهماً وتخمينا
عمائمُ العربِ الأمجادِ ما برحت / على المطارفِ بالتمثيلِ تصبينا
وفي المحاريبِ أشباحٌ تلوحُ لنا / وفي المنابرِ أصواتٌ تنادينا
يا برقُ طالع قصوراً أهلُها رحلوا / وحيّ أجداثَ أبطالٍ مُنيخينا
أهكذا كانت الحمراءُ موحشةً / إذ كنتَ ترمقُ أفواجَ المغنينا
وللبرودِ حفيفٌ فوقَ مرمرِها / وقد تضوعَ منها مسكُ دارينا
ويا غمامَ افتقد جناتِ مرسيةٍ / وروِّ من زَهرِها ورداً ونسرينا
وأمطرِ النخلَ والزيتونَ غاديةً / والتوتَ والكرمَ والرمانَ والتينا
أوصيكَ خيراً بأشجارٍ مقدّسةٍ / لأنها كلُّها من غرسِ أيدينا
كنا الملوكَ وكان الكونُ مملكةً / فكيفَ صرنا المماليكَ المساكينا
وفي رقابِ العدى انفلّت صوارمُنا / واليومَ قد نزعوا منا السكاكينا
ليست بسالتُنا في الحربِ نافعةً / ومن براقيلِهم نلقى طواحينا
فلو فطنّا لقابلنا قذائفَهم / بمثلِها وامتنعنا في صياصينا
واشتدَّ عسكرُنا يحمي منازلنا / وارتدَّ أسطولُنا يحمي شواطينا
إذاً لكانوا على بأسٍ ملائكةً / وما أتونا على ضعفٍ شياطينا
فنحنُ في أرضِنا أسرى بلا أملٍ / والدارُ كالسجنِ والجلادُ والينا
شادوا القلاعَ وشدوا من مدافِعهِم / ما يملأ الأرضَ نيرانا ليفنينا
بعدَ اعتداءٍ وتدميرٍ ومجزرةٍ / قالوا أماناً فكونوا مستكينينا
وكم يقولون إنّا ناصبونَ لكم / ميزانَ عدلٍ ولم توفوا الموازينا
تحكَّموا مثلما شاءَت مطامعُهم / وصيّروا بِيننا التهويلَ تهوينا
فلا تغرنّ بالآمالِ أنفُسَنا / وللفرنسيسِ جوسٌ في نواحينا
هل يسمحون ولو صرنا ملائكةً / بأن نصيرَ لهم يوماً مبارينا
لا يعرفون التراضي في هوادتِنا / ولا سلاحٌ به يخشى تقاضينا
إن لم تكن حكمةٌ من علمِ حاضرِنا / أما لنا عبرةٌ من جهلِ ماضينا
إنَّا نعيش كما عاشت أوائلُنا / ولا نريدُ من الأعلاجِ تمدينا
إن قدّموا المنّ والسلوى على ضرعٍ / نختر على العزّ زقوماً وغسلينا
يا مغربيّةُ يا ذات الخفارةِ يا / ذات الحجابِ الذي فيه تُصانينا
صدّي عن العلجِ واستبقي أخا عربٍ / من وُلدِ عمِّكِ يهوى الحورَ والعينا
يا نعمَ أندلسياً كان جَدّكِ في / عهدِ النعيمِ وهذا العهدُ يشقينا
خذي دموعي وأعطيني دموع أسى / طالَ التأسّي وما أجدى تأسّينا
ذكرُ السعادةِ أبكانا وأرّقنا / ما كنتُ لولا الهوى أبكي وتبكينا
بكى ابن زيدونَ حيثُ النونُ أنّتُهُ / ولم يزل شعرُهُ يُبكي المصابينا
كم شاقني وتصبّاني وأطربني / إذ كنتِ ورقاءَ في روضٍ تنوحينا
ومن دموعكِ هاتيكَ السموطُ حكت / أبياتَ نونيّةٍ فيها شكاوينا
ولاّدةُ استنزفت أسمى عواطِفهِ / فخلّدَ الحبَّ إنشاداً وتدوينا
تلكَ الأميرةُ أعطَته ظرافَتَها / فأخرجَ الشعرَ تنغيماً وتحنينا
يا بنتَ عمي وفي القُربي لنا وطرٌ / صوني المحيا وإن زرناكِ حيينا
ليلُ الأسى طالَ حتى خلت أنجمَهُ / بقيّةَ الصبحِ تبدو من دياجينا
نشتاقُ فجراً من النُّعمَى وظالمُنا / يقولُ إنّ ضياءَ الفجرِ يؤذينا
فلنُطلعنَّ إذن صبحَ القلوبِ على / ليلِ الخطوبِ وهذا النورُ يكفينا
أما كفانا بفقدِ الملكِ نائبةً / حتى أتانا علوجٌ الرومِ عادينا
عدا علينا العدى في بَرِّ عَدوتنا / وقد رضيناهُ منفَى في عوادينا
فيه الفرنسيسُ ما انفكّت مدافعُهم / تمزّقُ العربَ العُزلَ المروعينا
فوسطَ مرّاكشِ الكبرى لقائِدهم / دستٌ وقد شرَّدوا عنها السلاطينا
وفي الجزائرِ ما يُبكي العيونَ دماً / على أماجدَ خرُّوا مستميتينا
وفي طرابلس الغرب استجدَّ لنا / وَجدٌ قديمٌ وقد ضاعت أمانينا
وهذه تونسُ الخضراءُ باكيةٌ / ترثي بنيها المطاعيمَ المطاعينا
من الفرنسيسِ بلوانا ونكبتُنا / فهل يظلّونَ فينا مستبدّينا
صهبُ العثانين مع زرقِ العيونِ بدت / شؤماً به حدثانُ الدهرِ يرمينا
فلا رأينا من الأحداقِ زرقَتها / لا شَهِدنا من الصهبِ العثانينا
وا طولَ لهفي على قومٍ منازلُهم / تأوي العلوجَ ثقالاً مستخفِّينا
قد كافحوا ما استطاعوا دونَ حرمتِها / ثم استكانوا على ضيمٍ مطيعينا
لا يملكونَ دفاعاً في خصاصَتِهم / وينصرونَ الفرنسيسَ الملاعينا
أعداؤهم قطعوا أوطانهم إرباً / فأصبحوا مثلَ أنعامٍ مسوقينا
هذا لعمري لسخطُ الله أو غضبٌ / من النبي على ساهينَ لاهينا
من ذا يصدّقُ أن التائهين ثبىً / كانوا جيوشاً ترى الدنيا ميادينا
مشوا على ناعمٍ أو ناضرٍ زمناً / واليومَ يمشون في الصحراءِ حافينا
لا طارقٌ يطرق الأعلاجَ من كثبٍ / وإن دعونا فلا موسى يلبينا
بالقهر قد أخذوا مسكاً وغاليةً / ومنهما عوّضونا الوحلَ والطينا
وأدركوا ثأرَهم في شَنّ غارتِهم / لما أتونا لصوصاً مُستبيحينا
في الأرضِ عاثوا فساداً بعد ما شربوا / خمرَ الحوانيتِ وامتصّوا المداخينا
فما لنا قوةٌ إِلا بسيّدنا / محمدٍ فهو يرعانا ويهدينا
قد اصطفى بين كل الناسِ أمته / كما غدا المصطفى بين النبيينا
يا أحمد المرتضى والمرتجى أبداً / ألستَ من سطواتِ الرومِ تحمينا
يا أرفعَ الناسِ عند الله منزلةً / متى نرى السيفَ مسلولاً ليشفينا
ما أطيَبَ الخمرَ في بَردِ الكوانينِ
ما أطيَبَ الخمرَ في بَردِ الكوانينِ / على المصابيحِ تُجلى والكوانينِ
والنارُ والنورُ تبدو الكاسُ بينهما / كسِدَّةِ الملكِ أو تاجِ السلاطين
وللبخورِ دُخانٌ طيبُهُ عَبَقٌ / حيث المشامِعُ حُفَّت بالرَّياحين
وللنّدامى حَديثٌ يُطرَبونَ بهِ / إنّ الأحاديثَ تحلو كالتَّلاحين
هَلا يقارِنُ منكِ الحسنُ إِحسانا
هَلا يقارِنُ منكِ الحسنُ إِحسانا / فاللهُ بالحبِّ والمعروفِ أوصانا
فلا تخافي على وَصلٍ معاقبةً / إذ ليسَ يحرمُنا ما مِنهُ أعطانا
إنّ النَّبيِّينَ في التَّوراةِ أكثرُنا / عِشقاً فداوودُ قد أغرى سُليمانا
ماالحبُّ عِندي صلاةٌ والهوى عَبَثٌ / إنِّي رَأيتُ ملاكَ الحبِّ شيطانا
من عفَّ أظهَرَ عَجزاً فيهِ أو جَزعاً / إنِّي لأرحَمُ قيساً ثم غيلانا
حِكمُ الطبيعةِ هذا عادلٌ فسَلي / شَبعانَ من طيِّبات الحبِّ ريِّانا
يُجبكِ عندي من الأخبارِ أصدَقُها / فالخبرُ صيَّرني في الحبِّ لُقمانا
كلُّ الشَّرائعِ والأديان كاذبةٌ / فالطَّيرُ والوحشُ ساوَت فيه إنسانا
ما تمَّ عقدُ زواجٍ في مَكامِنها / وليسَ تعرِفُ أشياخاً ورهبانا
إن غصَّ آدمُ بالتفَّاحِ مُختبئاً / إني لآكُلُ تُفَّاحاً ورُمّانا
وإن أُعَرِّج على الجنَّاتِ مُقتطِفاً / خَرَجتُ منها وقد كسَّرتُ أغصانا
ولا أخافُ عِقابَ اللهِ في هِنَةٍ / من أجلِها يُضرمُ الشيطانُ نيرانا
فهكذا بنتُ حواءَ الضعيفةُ لا / تُريدُ إلا من العشَّاقِ فُرسانا
وَهي القويَّةُ إن تخطُر بحِلَّتِها / وهي الضَّعيفةُ إن فرَّكتَ أعكانا
وأفضَلُ النَّاسِ أقواهم فلا عجبٌ / إذا تطَلَّبتُ تبريزاً وسُلطانا
ففي تفَجُّرِ حُبِّي حاذِري هَوَجي / إنِّي لأحمِلُهُ في الصَّدرِ بُركانا
إن قُلتِ ويحَكَ حاذِر كاشحينَ غدَوا / مُشنِّعينَ بلُقيانا ونَجوانا
ماذا عَليكِ وفي عَينيكِ صاعقةٌ / أن تحرقيهم وتُجري الحبَّ طُوفانا
ولا سفينةَ لي إلا هواكِ وإن / أغرَق فأسعدُنا في الحبِّ غَرقانا
لا تطلبي الشَّرحَ منِّي إنني رجلٌ / إيجازُهُ كان إسهاباً وتبيانا
يهوى الدَّعابةَ أحياناً وعِفَّتُهُ / تُعَجِّبُ الكاعبَ العذراءَ أحيانا
فقد أقولُ بلا فعلٍ وأفعَلُ ما / أقولُ في وَصفِهِ قد كان ما كانا
هذي حياتي وعندي من سرائرها / ما يملأ الكونَ أفراحاً وأحزانا
فظلِّليني بأزهارٍ منوَّرَةٍ / في غصنِ قدٍّ رَشيقٍ أخجَلَ البانا
وأسمِعيني مِنَ الألحانِ أطيَبَها / حتى أرى الحُسنَ أشكالاً وألوانا
والرِّيحُ تحمِلُ من زهرٍ ومن شعَرٍ / طيباً يُهيِّجُ أشواقاً وأشجانا
فكم جَسَسنا من الأوتارِ ألطفَها / لمّا تلاقت على القَلبين كفَّانا
وبتُّ واللِّيلُ يُرخي سِترَ ظُلمَتِهِ / أنضُو ذُيولاً وأكماماً وأردانا
قصَّرتَ ما طالَ من همٍّ ومن حزنِ
قصَّرتَ ما طالَ من همٍّ ومن حزنِ / وكنتَ أُنساً لنا في وحشَةِ الزمن
ردِّد على العود ألحاناً مُنَعّمَةً / حتى نذوبَ من الأشواقِ والشَّجن
واطرَب وأطرِب نفوساً شاقها وَطنٌ / فلم تجد وَطناً يُغنى عن الوطن
وجسَّ أوتارَ عودٍ بالهوى شعرت / والعَب بأفئِدةٍ كالموجِ بالسُّفُن
قد خفَّ جسُّك حتى خِلتُ نغمتَهُ / تحرِّكُ الميِّتَ المطويَّ في كفن
إسحاقُ أم معبدٌ أعطاك حرفتَهُ / فالفنُّ عندك مملوءٌ من الفِتن
ألحانُ عودِكَ تُبكيني وتُضحِكُني / والقلبُ في فرحٍ طوراً وفي حزن
كأنَّ أعراقهُ الأوتارُ إن لُمِسَت / ترنُّ تحت يدٍ بيضاءَ في المحن
قلبي يُغنِّي غناءً لا انقِطاعَ لهُ / ماكانَ أغناهُ عن قيدٍ من البدن
حَسَّنتَ كلَّ قبيحٍ يا مليحُ وقد / أحسَنتَ والحسنُ منسوبٌ الى الحسن
الأرضُ حولكَ تبدو في نضارَتِها / والعيشُ زخرفةُ الأحلامِ في الوسن
ما أطرَبَ الحرّ للصوتِ الرخيمِ وما / أقسى قلوبَ الأُلى عاشُوا بلا فطن
من رقصةِ الإنسِ أم من رقصةِ الجانِ
من رقصةِ الإنسِ أم من رقصةِ الجانِ / أخذتِ رقصاً على رنّاتِ ألحانِ
هذا التثنِّي ثنى كلَّ القلوبِ إلى / قدٍّ فحامت طيوراً فوقَ أغصان
شدّي على خصركِ الزنَّارَ مُشفِقَةً / على ضعيفٍ كقلبي بين أحزان
جنّاتُ بابلَ قد لاحت معلَّقةً / على قوامٍ تثنَّى نصفَ عريان
فبتُّ لا أشتَهي زهراً لدى ثمرٍ / طمعتُ منه بتفّاحٍ ورمان
ما أنتِ إلا جنانٌ طابَ مرتعُها / يا ليتَ كفّي عليها كفُّ جنّان
لم تنقلي قدماً إلا على كبدٍ / والمشيُ منكِ عَليها جَسُّ عيدان
القدُّ قدَّ قلوباً ثم ليَّنها / من لينهِ وعليها سقمُ أجفان
ما الموتُ إلا فراقُ الأهلِ والوطَنِ
ما الموتُ إلا فراقُ الأهلِ والوطَنِ / يا ليتني لم أكُن والبينُ لم يكُنِ
كم من حبيبٍ أراني اللِّينَ في حجَرٍ / وأيُّ قلبٍ لِدَمع الوَجدِ لم يَلن
أودَعتُهُ نصفَ روحي يومَ ودَّعني / والنّصفُ باقٍ معي للهمِّ والحزَن
والأرضُ آسفةٌ والشمسُ كاسفةٌ / وبهجةُ الرَّوضِ فيها وحشَةُ الدِّمن
كأنما الكونُ في ثوبِ الحِدادِ بدا / لمّا رأى الرُّوحَ تأبى صحبة البدَن
يومَ الوداعِ جَرى دمعي فبرَّدَ مِن / حرِّ الجوانحِ بين الحبِّ والشَّجَن
لكنَّهُ غاضَ بعد البُعدِ عن نفَرٍ / أفنى على حبِّهم والدمعُ فيهِ فني
كم بتُّ أرجوهُ تعليلاً وتعزيةً / فما حصلتُ على دمعي من الزَّمن
الدّهرَ لم يُبقِ لي حبّاً ولا أملاً / حتى البكاءَ على الأحزانِ أفقدَني
إنَّ العدوَّ ليَحنُو في البعادِ على / عدوِّهِ وكفَتهُ فرقةُ الوَطن
وقد يرقُّ من الجلمودِ أصلبُهُ / يومَ الوداعِ لقلبٍ ذائبٍ وَهِن
لا بدَّ للمرءِ من موتٍ ومن سفرٍ / وقد تساوى حجابُ الرَّحلِ والكفن
الدَّهرُ فرَّقَ أحباباً فما اجتَمعَوا / والرِّيحُ نثَّرَتِ الأوراقَ عن فنن
والطَّيرُ غادَرَ أوكاراً وأفرخَةً / فيمَ الحياةُ بلا سُكنى ولا سكن
إنَّ العناقيدَ والقطّافُ ينزَعُها / مِثلُ القلوبِ على الأقتابِ والسُّفُن
سَعداً لمن عاشَ بينَ الأهلِ في وطنٍ / فراحةُ القَلبِ في الدُّنيا بلا ثمن
خيرُ التُّقى رفقُ إنسانٍ بإنسانِ
خيرُ التُّقى رفقُ إنسانٍ بإنسانِ / فالكونُ يبسمُ للجاني على العاني
أهلُ المراحمِ أملاكٌ غدوا بشراً / كلامُهم مثلُ أنغامٍ وألحانِ
ففي أكفٍّ وأفواهٍ مباركةٍ / برءٌ لسقمٍ وسلوانٌ لأحزان
فكم أيادٍ بها الأيدي جَلت مِحَناً / فلم تكن غيرَ أثمارٍ لأغصان
إن المريضَ الذي يأسَى الملاكُ لهُ / هو الأحقُّ بإسعافٍ وإحسان
يُبكي عليهِ كما يُبكى على رجلٍ / مَيتٍ وربةَ أثوابٍ كأكفان
رأيتُ يوماً بمستشفىً أخا دَنفٍ / كأنه وثنٌ في بيتِ أوثان
أضناهُ داءٌ عياءٌ هدَّ بنيتَهُ / والمرءُ في الداءِ مهدومٌ كبنيان
جفاهُ أهلٌ وأصحابٌ وكان يُرى / أخاً وخلّاً لإخوانٍ وخلان
الشعرُ تُصبيه أوتارُ المغنّينا
الشعرُ تُصبيه أوتارُ المغنّينا / ليملأ الكونَ ترنيماً وتلحينا
إن المغنينَ أحبابي فلي طربٌ / لكلِّ صوتٍ رخيمٍ زادني لينا
الناسُ بالشعرِ قد صاروا ملائكةً / والأرضُ جناتُ عَدنٍ بالمغنّينا
تلكَ المحاسنُ ما زالت دليلتَنا / حتى بلغنا الكمالَ المحضَ تحسينا
من عالمِ الوَحي والتنزيل قد هبطت / فهي التي منهُ تدنينا فتعلينا
ألقت على عالمٍ أدنى زخارِفَها / فمثّلت عالماً أعلى يناجينا
القبحُ والألمُ انتابا طبيعتنا / فاشتاقتِ الشعرَ تزييناً وتسكينا
واستَخرَجت منه أصواتاً طبيعتنا / لها أراجيح خفّت من تلاحينا
الروحُ تخرجُ أرواحاً على نغمٍ / والصوت يُسمَع أصواتاً تشاكينا
أوتارُنا مثّلت أوطارَنا طرَباً / فمظهرُ الروحِ منّا في أغانينا