المجموع : 30
أَراك باك صَريع البين وَالبانِ
أَراك باك صَريع البين وَالبانِ / فَمن بكاك ترى مِن جيرة البانِ
إِن المَدامعَ مِن عَينيك تنذرُنا / إِن النواح عَلى قَوم بنعمان
أَذكرتني مِن زَمان القُرب ما سلفت / أَوقاتُه بَين أَوطار وَأَوطان
وَالطَيف واصل جفني في مفاصلة / ما كان أَقربني مِنه وَأَنآني
إِن الزَمان وَأَيام الزَمان كَذا / قَد أَضحكتني بِتغرير فَأَبكاني
وَكَم نَصيحة صرف في خلال هَوى / قَد أَغضبتني إِذ صحت وَأَرضاني
وَكَم شَدائد شدّت وَانقضت وَرخا / فَحذّرتني فَما أَغنَت وَأَغراني
وَكَم تَفرّق أَحباب وَأُنسُ لقا / هَذا نَهاني وَلَكن ذاكَ أَلهاني
وَالقُرب وَالبُعد في فَرح وَفي حَزَنٍ / كُل أَراني رشاداً ثُمَ أَغواني
وَفي المَحبة أَو عَهد القِلى عَجبٌ / إِذ دَلَّهاني في ربح وَخسران
وَكَم تواصل خلان وَفصل جَفا / نَعمتُ بالاً بذا أَو ذاكَ أَشقاني
وَالنَفس تَعبث بي يَوماً فَتأمرني / بِغيِّها وَتَرى يَوماً فَتنهاني
تَهوى وَتُهدَى فَتغريني وَتنذرني / طَبعاً تحوّل وَفق الأين وَالآن
بِاليَأس وَالأَمل المغتال أَبصرها / تَحتَ الثَرى ثُم تَعلو فَرق كِيوان
فَتارة نملة في بَيت مسكنة / وَتارة تَرتقي عَليا سليمان
جُنونُها اعتقل العَقل المبين عن ال / حَق اليَقين وَأسهته فَأَسهاني
لا تَستقرّ عَلى صَفو وَلا كَدر / مَجهودة بَين غَرّير وَخوّان
مشت مَع الدَهر فَاعتلت بعلته / فَلم تَفي لي كإخوان وَأخدان
وَحالفَته عَلى ضعفي مخالِفةً / للحزم فاغتالها حمقٌ فَأَفناني
وَالرشد في الأَمر وَالغَيّ المبيد أَسى / ما كانَ أَضعفني عَنهُ وَأَقواني
ما كانَ أَجرأني فيها عَلى تلفي / وَفي سَبيل العنا ما كانَ أَجراني
أَضعت صَفو حَياتي في عَنا كَدرٍ / ما كانَ أَبعدني عَنهُ وَأَغناني
أَفنيت حسن فَراغ البال في شغلٍ / أَفنى المزيّةَ من عمري وَأَبقاني
قَعدت في السير حَتّى من معي سَبقوا / وَخلّفوني وَمَن خَلفي تَخطّاني
أَسرَفت في صَرف أَيامي بلا ثَمَنٍ / وَكانَ غبناً لَو ابتعيت بِأَثمان
ما كانَ أَحوَجني فيها لمعرفتي / ما قَد جهَلت من الدُنيا فعاداني
ما كانَ يَخفى الهُدى لَو كُنتُ ذا بصر / أَو أَسمَع النصح وَالإنذار آذاني
لَكنني بذنوبي قَد لجأت إِلى / حمّى النبيّ وَهذا مَوقف الجاني
لعل من عمّت الدُنيا مَكارمه / يَمحو إساءةَ أَفعالي بإِحسان
لَقَد لَجأتُ وَما عِندي سِوى أَملٍ / وَحسن ظَني وَإِسلامي وَإِيماني
وَجئتُ أَعتابَه العليا أُقبِّلُها / شَأن الذَليل إِلى أَعتابه العاني
وافيتُها باسطاً وَجهَ الخُضوع عَلى / عزِّ الرُبوع وَيَطوي الأَرض وَجداني
حللت بالروح في مَغناه وَابتعدت / عَن الحُضور إِلى الأَبواب جُثماني
وَقلت يا نَفس بشرانا فَقَد بلغت / حاجاتنا أَكرم الناس ابنَ عدنان
هذا حمى الدين وَالدُنيا وَأَهلهما / وَحجة اللَه بَين الإنس وَالجان
هَذا النَبيّ الَّذي كانَت حَقيقته / سرّ الوُجود وَوافاه كَعنوان
عَبد وَلكنه خَير الخَليقة خَي / ر المرسلين بتشريع وَأَديان
به استقام اِعوجاج الكُون فانتظمت / بِهِ النثار بقسطاس وَميزان
فَهوَ العياذ لِمَن يَأتمّ ساحته / وَهو الدَليل إِلى المَولى ببرهان
أَقام بِالحَق وَالصمصام دَعوته / بِالمعجزات وَفرقان وَتبيان
هدى بدعوته الكبرى دعا لهدى / وَاستنقذ الخَلق من كفر وَطغيان
وَفي خَصائصه العُظمى عموم عُلا / لِمَن دَعاه فَلبّاه بإِيقان
هوَ الوَسيلة للرحمن فاسع له / يا طالب الصفح عن ذَنب بغفران
فَما تضيق بكَ الساحات وارجُ تجد / فَإِنَّها قَبلُ ما ضاقَت بِإِنسان
وَكَيفَ يَأسٌ مَع الإِيمان مِن كَرَمٍ / هَيهات فَاليَأس وَالإِيمان ضدّان
لا يحجبنك أَستار الذُنوب عَن ال / نور المبين وَلا تَلبث بخذلان
كل ابن رابش أَمرٌ إن دعوت له / خير البَرية أَضحى جد بوران
إِن المَواليد قَد بثت شكايتها / إِلَيهِ مِن قَبل بَين القاص وَالدان
فَيا نبيّ الهُدى أَولي الجُدَى فَلَقد / جار الرَدى وَعَلى الأَعتاب أَلقاني
عَلمي بجاهك وَالإِيمان قَدّمني / إِلى مَعاليك وَالإِيقان هنّاني
وَقَد سَأَلت وَإِني مخبر أمماً / فَما جَوابي لِأَحبابي وَإخوان
فَهَلأ تردُّ يدي صَفرَا بِما اكتسبت / أَو تاركي أَنتَ فيما شئن أَزماني
فَإِن جَعَلت جَزائي ما جنته يَدي / فَقل سلاماً عَلى ذلي وَحرماني
عَليك أَزكى صَلاة اللَه دائمة / مَع السَلام عَلى آل وَصحبان
إِن كُنت محتقراً حالي وَتجهلها
إِن كُنت محتقراً حالي وَتجهلها / سل عارِفاً بيَ عَن شَأني فَتعرفُني
أَنا الَّذي ما سعت بي للخنا قَدمٌ / وَلا شَكى همتي مَن كانَ يصحبني
لي جانب لحبيبي هين أَبداً / وَجانب لعدوّي ثَمَّ لَم يَلن
وَلي لِسانٌ أَرى تَبقى بضاعته / وَلي فُؤاد بحب الباقيات فَني
بَحثَت عَن علة التأخير في زَمَني
بَحثَت عَن علة التأخير في زَمَني / وَالجدّ من شيمي وَالمَجد يعرفني
فَقُلت يا قَوم ها نطقي وَها قَلَمي / كِلاهُما شاهِدي في السر وَالعَلَنِ
فَأَيّ ذَنب بِهِ الدُنيا تعاقبني / وَأَيّ نَقص سِوى فَضلي يُؤخّرني
فَقيلَ إِن العُلا أَخطأت سُلَّمها / إِذ لَم تَكُن ذا نفاق للوَرى وَدني
وَعادة الدَهر أَن يَصفو لجاهله / وَلم يَزل كَدِراً للماجد الفَطن
إِني أُحوّل أَحوالي لتجهلها
إِني أُحوّل أَحوالي لتجهلها / مِن حَيث تعلمها ما بين إِخواني
أَحتال في مجلسي كَالشَمس في فلك / وَكُل فَرد يَرى ما يُنكر الثاني
وَها أَنا وَهيَ لَو حققت حالتنا / لا شَكَ واحدة فَاللون كَالشان
حَمراءُ مُشرقةً بَيضاءُ ضاحيةً / صَفراءُ غاربةً وَالكُل في آن
كَما تَراني مَهموماً وَمنشرحاً / فَتزدريني وَتَرجوني وَتَخشاني
نادى الهَناء فَدانى الأُنسُ نادينا
نادى الهَناء فَدانى الأُنسُ نادينا / وَزار غَيث المُنى فاخضرّ وادينا
وَجاد عَصر التَلاقي بَعد فرقتنا / فَأَقبل الصَفو في الدُنيا يُوالينا
يا حَبَّذا ما يَروق العَينَ مَنظرُه / مِن الزَمان الَّذي أَحيى أَمانينا
وَحَبذا ما يسرّ القَلب مِن فَرَح / جاهٍ يَعزُّ وَإقبالٍ يُوافينا
فَيا بَني مصر سودوا غبطةً وَصفاً / وَاستبشروا واجعلوا البُشرى أَفانينا
وَانسوا هموم نُفوس كاد يوئسها / مِن الحَياة وَأَهليها المضلونا
وَاستقبلوا الدَهر بساماً به طربٌ / يَروقنا وَيُحَيّينا فيُحْيينا
فلتغفُ أَجفانُنا من بَعد ما سهرت / وليَسهر الليلَ من لم يسهروا حينا
وَليرغد العيش في أَهل وَفي وَطَن / وَلتزدهي مصر تَوطيداً وتَوطينا
وَليبذخ الملك وليصفو الوجود فَقَد / وافى وَشرّف وادينا أَفَنْدينا
لذاك أَصبحت الأَيام مسفرةً / نَضيرةً وتصافيها ليالينا
فَالأَرض مزدانةٌ وَالجَوّ مبتسمٌ / وَالصَدر بَينهما يَلقى تَهانينا
اللَه أَكبر ما أَبهى الزَمان بِهِ / إِذ عَمَّنا فضلُه عَزّاً وَتَمكينا
مَولاي لا زلتَ بالإِقبال محتكماً / تَحمي بِأَحكامك الأَوطان وَالدينا
إِن الأُلى خالفوا التَوفيق قَد خُذلوا / إِلى السُجون وَقَد يَلقون سِجّينا
فَأَشفِ أَكبادَنا مِنهُم بِما اجترحوا / وَاَفرِحْ بتعذيبهم سَيفاً وَقانونا
فَأَنتَ أَنتَ أَبو العَليا وَناصرُها / لا زلت مالكها وَالمعتلي فينا
أَدامك اللَه في عز وَفي شَرَف / فَإِن هَذا من الأَيام يَكفينا
من تعل همّتُه يعلو له الشانُ
من تعل همّتُه يعلو له الشانُ / فَإِنَّما المَجد آثارٌ وَأَعيانُ
فَلَيسَ يَخفض مَن همّاتُه ارتفعت / فَلم يَرعه منَ الأَعداءِ عدوانُ
لِلّه درّ همام ماجد بَطلٍ / وَفَى العُهودَ وَجورُ الدَهر خوّان
بِالفصل قال وَبِالحَق الجليّ قَضى / وَكافح الضدّ وَالرَحمنُ معوان
أَدى النَصيحة عَن أَهل وَعن وَطَن / في مَوقف بُؤسُه للباس عُنوان
لَم تثنه عن وَلا مَولاه داهمةٌ / مِن الرِجال وَإِن شدّوا وَإن لانوا
وَهَكذا الحرّ في الصَعب الجليّ يُرَى / إِن الحَوادثَ للأَبطال ميزان
فَاكتب عَلى الدَهر آثاراً مؤرّخة / وَفَى ذمارَ جَمال الجدّ سُلطان
أَراك بادي الهَوى مَفتونَ أَشجانِ
أَراك بادي الهَوى مَفتونَ أَشجانِ / فَهل شَجاك الَّذي يا صاحِ أَشجاني
وَهَل مَررتَ قَريباً مِن ديارهمُ / فَعندك اليَوم مِن أَخبارِ جيران
وَهَل رَأَيتَ فُؤادي في ربوعهمُ / يَبكي عَلَيهم وَيُبكيني كولهان
حدّث وَقيتَ النَوى عَن حيِّهم خبراً / تُراهُ يَرعاهُ من قَد كانَ يَرعاني
فَبتُّ في غربةٍ أَشكو النَوى دَنفاً / وَبات من حيِّهم في خَير أَوطان
أَم ناصفتنا الليالي بالأسى فَأَنا / أَشكو الفراقَ وَقَلبي يَشتكي الداني
وَهَل بتلك القصورِ المشرفاتِ بَهاً / كَما عَهدناه مِن ناد وَندمان
سَهرتُ مِن بَعدهم لَيلاً وَقد هَدأت / تِلكَ العُيونُ وَتَرعى النجمَ أَجفاني
لَو كانَ لي كَبدٌ مزَّقتُها أَسفاً / أَو كانَ لي جلدٌ ما كانَ معواني
حالي لعمرُكَ مذ بنّا وَلا عَجَبٌ / حالُ امرئٍ بَينَ أَمواهٍ وَنيران
أَجب فديتُك ملهوفاً بِهِ لعبَت / أَيدي التفرّقِ من شانٍ إِلى شان
حَتّى توهَّمَ أَنَّ البين يُتلفُه / لَو كانَ ذا مهجةٍ فيهِ وَجثمان
وَهَل تَضاحك زهرٌ بالغُصون بِها / أَم تبكي أَيامُنا أَجفانَ غُدران
وَلو أَتَتني كما أَبغي مسالمةً / أَحكامُ دَهري لَما فارقتُ خلاني
صِفها فَإِني بَعيدُ العَهد ذو كمدٍ / أَرجو اللقاء وقد تأباه أَزَماني
حمدتهم فذممت الناسَ بعدهمُ / لما اختبرت سواهم كُلَّ خبران
ذاكَ الَّذي إِن بدا تعنوا الشموس لَهُ / حَتّى أَكاد أَسمّيه بكنعان
وَإِن تَكلّم أَهدى الدرَّ منتظماً / والبحر كَم فيهِ من درٍّ وَمرجان
ما كُنت أَحسبُ أَن القَلب يملكُه / من الكَمِيّ كمي وَالروح روحان
حَتّى التقينا فقلتُ الدَهرُ ذو كرمٍ / ثم افترقنا وفي كفيّ حرماني
زففت نجوى معانٍ لو توهمها / فكرُ الزمانِ وأَدناها بإمعان
لَمَا ترنّم فوقَ الأَيك ساجعُهُ / وَلا ترنَّحَ غصنٌ مادَ من بان
إِلا وَذاك لها نطقٌ تردّده / وَذاك منها يُرى في زيّ نشوان
وَافت فقمتُ لها أَسعى عَلى قدمٍ / لَم تَسعَ من قبلها يوماً لسلطان
وَكنت أَعلم أَن السحرَ في دَعَجٍ / وَاليَوم أَبصرتُ من شِعرٍ وتبيان
إليك عذري فما ذهني بمتَّقدٍ / كَفى بقلبيَ من إيقاد أَحزان
وَكَيفَ أُحسِنُ أُهدي الغَيثَ نائلَه / أو نفحةَ الوَردِ وَالريحانِ بستاني
عَليك أَزكى سَلام كلّما عبثت / ريحُ الصَّبا سحَراً في لحظِ وَسنان
يا مَن يقي بصغار الدرّ زرجونا
يا مَن يقي بصغار الدرّ زرجونا / ماذا أَفدتَ لقد روّعتَ محزونا
لَم يَشف مِنكَ فُؤاداً أَنتَ جارحُه / أَذهبت دُنياه لا تُذهبْ لَهُ الدينا
عَجبتُ يا جنّة الوَجنات طالبها / لَم يجنِ يَوماً فَكَم يَشقى بِها حينا
وَيا زُمرُّدَ ذيّاك العذار لَقَد / أَنبتَّ في ورد ذاك الخدّ نسرينا
لَو نُبِّهت من نعاس مقلتاك وَمن / سكرِ التدلُّلِ وَالتفتير تُبكينا
جلّ الَّذي خَطَّ نونَ الحاجبين وَمِن / فيء العذار اقتضى في الرَسم تَنوينا
يا مُفرداً ماله في حُسنه مثَلٌ / انظر بلطفك ما حالُ المحبينا
حلوَ الشَمائلِ مادَ القدُّ أَم بانُ
حلوَ الشَمائلِ مادَ القدُّ أَم بانُ / حَتّى عَلَيهِ بَدَت للناس أَشجانُ
أَنشاك فَتنتَنا ربُّ الملاحةِ أَم / مِن جَنةِ الخُلد لَم يَمنعْك رضوان
ما تتقيه إِذا بتنا تشرّفنا / وَالأَمر أَمرُك وَالعُشاقُ غلمان
بِاللَه لا تحزن الندمانَ يا أَملي / فالناد نادٍ وَكُلُّ القوام إخوان
فَتنتَ باللحظ لبَّ الظَبي فافتَتَنا
فَتنتَ باللحظ لبَّ الظَبي فافتَتَنا / فَضحتَ غُصنَ النَقا بالتيه فامتحنا
وَفقتَ بدرَ الدُجى حُسناً وَمَنزلةً / فَالقَلبُ وَالعَينُ ذي تَبكي وَذا حزنا
اللَهَ في مُهجةٍ أَحرقتَها أَسَفاً / وَكَيفَ تحرق ما صيَّرتَه سَكنا
داوي فُؤادي بِما تَختارُ في تَلفي / فَعزّتي ذلّتي كُلّاً أَرى حَسَنا
غَرّاءُ هَيفاءُ مثل البَدر وَالبانِ
غَرّاءُ هَيفاءُ مثل البَدر وَالبانِ / حَوراءُ جَيداءُ عَن حورٍ وَغُزلانِ
إِن أَقبلَت فَغصونُ الرَوض ساجدةٌ / وَإِن رَنَت فَالظِّبا تُومي بِأَشجان
أَلفاظُها تفضحُ الدرَّ النَظيمَ كَما / عَن ثَغرِها قَد رَوى ذو الحان في الحان
كَم سالمتني اللَيالي بالوصالِ بِها / في غَفلةٍ مِن رَقيب بات يَرعاني
غَنمتُها صَفوةً للدهر خالصةً / وَنلتُها غرّةً في وَجهِ أَزماني
غالبتُ مِن دُونِها فَيفاءَ مظلمةً / وَجبتُ في حبِّها أَجوازَ وِديان
وَقَد تَركتُ عُيونَ القَوم شاخصةً / قُلوبُهم كاظِماتٌ فَوق نيران
ردّوا الشَبابَ وَردّوا غرّةَ الزَمَنِ
ردّوا الشَبابَ وَردّوا غرّةَ الزَمَنِ / وَاسترجعوا صَبوَتي وَاجلوا قَذى حَزَني
وَبشّروا القَلبَ بَعدَ اليَأس من أَملٍ / وَبشّروا العَينَ بَعد السُهد بِالوَسَن
فَهاؤكم معشرَ الأحبابِ قَد غفلت / عَنا الصُروفُ فَآب النائي للوطن
وَجمعُكم آهلٌ وَالحيّ مبتهجٌ / كما عهدناه من نادٍ وَمن دِمَن
أَقسمتُ بِالبَيت وَالرُكنِ الحَطيمِ وَمَن / لبَّى إِلَيه وَصَومُ الدَهر يَلزمني
وَمجلسِ الأُنس حَيثُ اللَهوُ مذهبُنا / وَكلُّنا عن سوى أَهلِ الوداد غني
نَجلو الكؤوسَ عَلى الندمانِ صافيةً / شَرابُها سائغٌ للشاربين هني
كَأَنه من خدودِ الغيد معتصرٌ / أَو مِن مراشفها تسقى وَلم تصن
كَأس إِذا ما احتساها من بهِ وَلَهٌ / جادَت عَلَيهِ مِن الأَفراح بِالمِنَن
نادٍ بهيجٌ وَلَيلٌ لذَّ سامرُه / وَيَومُ أنسٍ كما يُرجَى من الزَمَن
وَصحبةٌ وَشَبابٌ في معاهدكم / أَفنيتُها وَجوىً في القَلب مُكتَمن
وَلَوعةٌ في فؤادٍ لَيسَ يَنفعُها / إِن لَم يَعُد لي زَماني قربةَ السكن
وَهمّةٌ ليَ لا تَرضى السَما نُزُلاً / وَعزّةٌ لي تَرى دُون السماك دَني
إِني عَلى ما عهدتُم لي بكم شَغِفٌ / وَفيكمُ وَعَلَيكُم لَم يَزل شجني
فَما تَغيّر هَذا القَلبُ عَن وَلهٍ / وَلا تكدّر صَفوُ المنهجِ الحسن
وَإِنّ سُهدي وَإِن غبتم فَشاهدُه / لَيلُ الفراق سَلُوهُ فهوَ يَعرفني
فَما شربتُ كؤوسَ الراحِ بَعدَكمُ / إِلا مزاجاً بدمع العَين يَسبقني
وَلا طربتُ لغرّيدٍ وَغانيةٍ / إِلا وَعاوَدَ قَلبي بارِحُ الشجن
بِنّا وَبِنتم كَأَنّا لَم نَكُن مَعَكُم / ثُمَّ اجتمعنا كَأَنّ البين لَم يَكُن
سُبحانَ جامعِنا من بَعد فرقتِنا / جمعَ الرفاتِ وَناهيها إِلى بدن
وَلو رَأَيتُ مناماً جَمعَنا بكمُ / كذّبتُ عَيني وَقلتُ الدَهرُ غالطني
بِاللَهِ هَل نَحنُ نَحنُ القادمون لَكُم / وَأَنتمُ أنتمُ وَالعَيشُ ثمّ هَني
قولوا صفا الدَهرُ وَانجابت ظلامتُه / وَبشّروني فذاكَ القَولُ يُفرحني
إِذ آنَ لي اليومَ تكذيبٌ لقولِ فتىً / في غابرِ الدَهر وَالأَيامُ تُسعدني
ما كلُّ ما يتمنَّى المرءُ يدركُهُ / أَدركتُه اليَومَ بَل سارَت بِهِ سُفُني
يا يائساً من لقاءٍ عزَّ مطلبُهُ / لا تيأسنَّ فَإِنَّ اللَهَ جَمّعني
يَأتيكَ أَمرُك ممّا لا تحاولُه / كما أَتى يوسف قطفير بالثمن
فَلا تكُن تشتكي من محنةٍ وَجَوىً / إِلا إِلى عالمٍ بالسرّ وَالعَلَن
فَلا يَردّ سُروراً من شكوتَ لَهُ / وَلا يَزيدُك إِلا لاعجَ الحَزَن
فَكَم شَكَونا وَما أَجدَت شكايتُنا / حَتّى يَئِسنا وَبَأْسُ الدَهرِ لَم يَلِن
وَاليَوم وافى بِما نَهوى وَجادَ عَلى / بخلٍ وَسالمَ بَعد الحَربِ وَالضَغَن
فَيا أُهيلَ الوَفا بِاللَه ربِّكمُ / ردّوا الشَبابَ وردّوا غرّةَ الزَمَن
صاحَ الحَمامُ وَغناني فَأَبكاني
صاحَ الحَمامُ وَغناني فَأَبكاني / بَكى عَلى إلفه في مثل أَشجاني
وَأذكرتني نسيماتٌ معطرةٌ / طيبَ الليالي الَّتي مرّت بِأَوطاني
أَيان كنت وَمن أَهوى كما طمعت / نَفس وَحيث الوَفا بالقُرب أَرضاني
فَكَم غنمنا من الأَيام مغنمةً / وَكَم سهرنا الليالي فَوق كيوان
جَناتُ حُسنٍ دخلناها فَأَخرجنا / لما جَنينا جَنيّ الوَرد وَالجاني
فَكَم أَردنا دوَام القرب فامتنعت / مِنهُ الدَواعي بِهِ من سوء أَزمان
وَكَم بَكينا قُبيل البين من أَسفٍ / وَالبينُ حتمٌ وَما استبقيته فان
يا طائر الأَيك قد زدت الحَشا شجنا
يا طائر الأَيك قد زدت الحَشا شجنا / فَهَل أَراك ذكرت الآلَ وَالوَطنا
وَهَل نُواحُك من بَينِ الأَليف جَوىً / أَم قَد ذكرتَ الصِبا وَالجارَ وَالسكنا
يا طائراً ما شدا إِلا استهاج هَوى / وَآلم القَلبَ بِالذكرى لَهُم زَمَنا
رُوحي فداؤك أَغصانٌ مرنحةٌ / وَرَوضةٌ غَضةٌ تُبدي سَنا وَسَنا
فيمَ النواح وَلا قَلبٌ بِمنصدعٍ / في إثر خلٍّ وَلا عَينٌ جفت وَسنا
وَكَيفَ لا يَكتوي صَبٌّ هَوى وَنَأى / وَوَدّع الحُبَّ وَالأَحباب وَالقُرَنا
ما حقُّه إِذ نَأى عن منية وَمَضت / أَن لا يُغَرّ بتعليل وَلا بمُنى
سقم تردّد بين الرُوح وَالبَدَنِ
سقم تردّد بين الرُوح وَالبَدَنِ / مِن فُرقة الآل أَو من غربة الوَطَنِ
في حَيث لا يُرتجى خلٌّ لنازلة / وَلا مجيرٌ لما أَلقاه من زَمني
كَم قُلت وَالفكر يُبدي لي معاهدَهم / تَشوقني وَعوادي البين تنذرني
يا منزلاً أفقُهُ بانَت كَواكبه / مِن بَعد ما كان عَن زَهر السَماء غنى
وَيا جنانَ صَفاً نِلنا غضارتَها / يُظلُّنا سابغٌ من وارف الأمن
هل من مدامٍ على ما شئت أشربُها / أَو من منادٍ بلقياهم يُبشرني
أَو من تلاق عَلى طولِ النَوى فَأَرى / مِن المَسَرّة ما أَمحو بهِ حَزني
فَلم تَزَل عادةُ الدُنيا تُغرّرني / وَربما وَافقت ريح المُنى سُفني
خان الاخلاءُ والزَمانُ
خان الاخلاءُ والزَمانُ / وَما علَيهِ لديك كانوا
لو دام ودٌّ لَدام أَمرٌ / وَدام بَين الأنام شان
دَع كُل يَوم وَما قَضاه / وَاخفض ليحلو لك الهَوان
فَيومُ عزٍّ وَيَومُ ذلٍّ / وَكُل شَيء لَهُ أَوان
كَم لَوعة أَشتكي من وحدتي وَأَنا
كَم لَوعة أَشتكي من وحدتي وَأَنا / مثل السحابة لا سَير وَلا سَكَنُ
وَأعتب الدَهر في عسرٍ وَميسرةٍ / فيعتدي المتلفان السرّ وَالعَلَن
وَأَرقب الجدّ يُدنيني لغايته / وَقَد علمت الأَماني إِنَّها فتن
وَكَيفَ آمُلُها تصفو وَأَعلم بال / علم اليَقين عدوّي القَومُ وَالزَمَن
طال التفكر بَين النَفس وَالزَمَنِ
طال التفكر بَين النَفس وَالزَمَنِ / وَكلُّنا في التغاضي غَيرُ مفتتنِ
وَأَسهبت سيرَها الآمالُ طالبةً / أَين القرار وَأَين الفَوز بالوَطَن
وَأَتعب الكدُّ جسماً غَيرَ محتملٍ / وَهوّن الدَهرُ حرّاً غَيرَ ممتَهن
فَما يَبيت سِوى الأَوهام صاحبُه / وَلَيسَ يُصبح إِلا صاحبَ الحزن
تمضي الليالي مع الأَيام تدفعُه / عما يسرّ وَتُزجيهِ إِلى المحن
فَما بِهِ أَملٌ إِلا وَيوئسهُ / وَلا لَهُ سَبب إِلا بذي وَهَن
إن يُبصرِ الفَوزَ أو يَسمعْ بذي ثقة / فالحظُّ من ذاك للعينين وَالأذن
قَد كدتُ وَاللَهِ أَن أَشكو الزَمان بِما / أَبداه من جهله إِذ كانَ يعلمني
لَكن كَفاني أَن أَشكو نوائبه / علمي بِأَنّ زَماني خدنُ كُلِّ دني
تحالفا الفاتنان الفرح وَالحَزَنُ
تحالفا الفاتنان الفرح وَالحَزَنُ / إن يرديا الفانيان المرءُ وَالزَمَنُ
لذا النَوى وَالتَداني في أَسىً وَهناً / أَمضاهما المدهيانِ البطشُ وَالوَهن
فَلا حلا مبهجا نيلٍ وَمطمعةٍ / وَلا بَقي المفرحان الآل وَالوَطَن
فَلا تَرم عارضي وَصلٍ وَتَفرقةٍ / قَد رابه المتعبان اليَأس وَالفتن
واستعمل الصبر في مرّ الزَمان وَثق / إِذا جَنى الرائعان الخَوف وَالأَمن
وَإِن تَرد راحتي نَفسٍ وَجارحةٍ / فَليستوي السابيان الشَّينُ وَالحسن
وَقُل كثيرٌ قَليلُ العَيشِ عِندَ فَتىً / يَنتابه الملبسان الخزُّ وَالكَفن
تلك الدُهور وَإِن همّت بإحسانِ
تلك الدُهور وَإِن همّت بإحسانِ / فدينُها السوءُ والباقي بها فان
وَإِن تَكُن سالمت يوماً أَخا أَملٍ / فَسوف تُرديهِ عن نيلٍ بحرمان
أَو أَقبلت أَعرضت أَو جَمّعت صدعت / أَو سالمت حاربت فالبر كالجاني
كأَننا وَالمُنى ركبٌ يحث بها / حادي المنون إِلى أَهل وَأَوطان
كَم سابقٍ عاجلٍ كم لاحقٍ وَجلٍ / كَم شاربٍ ثملٍ كم ظامئ عان
قَد كُنت أَخشى الليالي أَن تروِّعَني / مذ كُنت أَرغب في عيشي وَأَزماني
وَها أمنت العَوادي إِذ فُجعت بمن / من بعدهم مات فرحي عشن أَحزاني
حَسبُ المنون الَّذي نالته من كبدي / وَحسبُ دَهري الَّذي بالظُلم عاداني
فكم خطبت خطوب الدَهر مبتسماً / وَلم يَرُعني أَمرٌ لَو تغشّاني
حتى استردت يد الدُنيا ودائعها / وَخلفتني فقيدَ البال وَالبان
وَقَد وقفت عَلى الأَجداث أَندبُ من / حلَّ الجِنان وفي الأَحشاء نيراني
وَللقبور ثغورٌ غيرُ ناطقةٍ / سكوتُها ناطقٌ للعارف الداني