المجموع : 4
رَبعٌ تَأَبَّدَ مِن شِبهِ المَها العينِ
رَبعٌ تَأَبَّدَ مِن شِبهِ المَها العينِ / وَقَفتُ دَمعي عَلى أَطلالِهِ الجونِ
إِنَّ الذين بِرَغمي عَنهُ قد رَحَلوا / حَفِظتُ عَهدَهُمُ لكِن أَضاعوني
نادَيتُهُم وَالنَوى بي عَنهُمُ قُذُفٌ / نِداءَ مُلتَهِبِ الأَحشاءِ مَحزونِ
يا غائِبينَ وَفي قَلبي تَصَوُّرُهُم / وَنازِحينَ وَذِكراهُم تُناجيني
مالي وَلِلبَرقِ يَشجيني تَأَلُّقُهُ / وَلِلصِّبا بِشَذاكُم لا تُداويني
لَيتَ الرِياحَ التي تَجري مُسَخَّرَةً / تُنبيكُمُ ما أُلاقيهِ وَتُنبيني
وَجدٌ مُقيمٌ وَصَبرٌ ظاعِنٌ وَهَوىً / مُشَتِّتٌ وَحَبيبٌ لا يُواتيني
مَن لي بِعَهدِ وِصالٍ كُنتُ أَحسَبُهُ / لا يَنقَضي وَشَبابٍ كانَ يُصيبُني
لَم يَبقَ مِن حُسنِهِ إِلّا تَذَكُّرُهُ / أَو الأَمانِيُّ تُدنيهِ وَتُقصيني
تِلكَ اللَيالي التي أَعدَدتُ مِن عُمري / أَيّامَ رَوضُ الصِبا غَضُّ الرَياحينِ
أَيّامَ أُسقى بِكاساتِ السُرورِ عَلى / رَغمِ الوُشاةِ بِحَظٍّ غَيرِ مَغبونِ
يَسعى بِها أَوطَفُ العَينَينِ ذو هَيَفٍ / يَهتَزُّ مِثلَ اِهتِزازِ الغُصنِ في اللينِ
مُعَسَّلُ الريقِ في أَنيابِهِ شَنَبٌ / يُجنيكَ مِن خَدِّهِ وَرداً بِنَسرينِ
مَن مُبلِغُ الصَحبِ عَنّي قَولَ مُبتَهِجٍ / بِما يُلاقي قَريرِ القَلبِ وَالعَينِ
أَنّي أَوَيتُ مِنَ العَليا إِلى حَرَمٍ / قَبلَ الإِناخَةِ بِالبُشرى يُحَيّيني
يَنتابُهُ الناسُ أَفواجاً كَأَنَّهُمُ / جاءوا لِنُسكٍ عَلى صُهبِ العَثانينِ
تَرى المُلوكَ قِياماً عِندَ سُدَّتِهِ / وَتَنظُرُ اِبنَ سَبيلٍ وَاِبنَ مِسكينِ
ذا يَطلُبُ العَفوَ مِن عُقبى جَريرَتِهِ / وَذا يُؤَمِّلُ فَضلاً غَيرَ مَمنونِ
نَزَلتُ مِنهُ إِلى جَمٍّ فَواضِلُهُ / عَبدِ العَزيزِ ثِمالِ المُستَميحينِ
طَمّاحِ عَزمٍ إِلى العَلياءِ لَو ذُكِرَت / في هامَةِ النَجمِ أَو في مَسرَحِ النونِ
وَلا يُفَكِّرُ إِلّا في نَدىً وَوَغىً / هُما ذَخيرَتُهُ مِن كُلِّ مَخزونِ
يا أَيُّها المَلِكُ السامي بِهِمَّتِهِ / وَاِبنَ المُلوكِ الأَجِلّاءِ السَلاطينِ
الواهِبينَ المَعالي لِلوَلِيِّ لَهُم / وَالخاضِبينَ العَوالي مِ المُعادينِ
قَومٌ إِذا ذَكَرَت أَفعالُهُم فَخَرَت / بِهِم رَبيعَةُ مِن فاسٍ إِلى الصينِ
وَحينَ خَفيَت رُسومُ الفَضلِ أَو طُمِسَت / وَسيمَ أَهلُ التُقى بِالخَسفِ وَالهونِ
اِختارَكَ اللَهُ لِلأَمرِ الذي سَبَقَت / بِهِ السَادَةُ لِلدُنيا وَلِلدّينِ
فَكُنتَ في هذِهِ الدُنيا القِوامَ لَهُم / وَكُنتَ في الديِ قِسطاسَ المَوازينِ
أُعطوا بِسَعدِكَ حَظّاً ما تَوَهَّمَهُ / فِكرٌ وَلَم يَكُ في الدُنيا بِمَظنونِ
قالَ العَزيزُ الذي أَنتَ العَزيزُ بِهِ / قُم فَاِستَعِن بي فَإِنّي ناصِرٌ ديني
أَجَبتَ حَظَّكَ إِذ ناداكَ مُعتَزِماً / بِالمُرهَفاتِ وَجُردٍ كَالسَراحينِ
إِذا سَرَينَ بِلَيلٍ خِلتَ أَنجُمَهُ / مِن قَدحِهِنَّ الحَصا يُشعَلنَ في الطينِ
وَكُلِّ أَبلَجَ يَلقى المَوتَ مُدَّرِعاً / دِرعاً مِنَ الصَبرِ لا مِن كُلِّ مَوضونِ
كَمِ اِنتَهَكتَ بِحَدِّ السَيفِ مِن نَفَرٍ / قَد خارَ عِجلُهُمُ فيهِم بِتَحسينِ
حَتّى إِذا ما المُنى أَلقَحنَ شَولَهُمُ / أَنتَجتَهُنَّ خِداجاً قَبلَ تَكوينِ
كَتَبتَ آجالَهُم بِالسَيفِ إِذ كُتِبَت / عَلى يَدَيكَ بِكافِ الأَمرِ وَالنونِ
فَأَصبَحوا سِيَراً تُتلى وَمُعتَبَراً / لِلغابِرينَ وَلِلموجودِ في الحين
فَدُم سَليماً قَريرَ العَينِ مُبتَهِجاً / بِالآلِ وَالحالِ في عِزٍّ وَتَمكينِ
وَاِشدُد عُرى الدينِ وَالدُنيا بِمُنتَخَبٍ / مِن عُنصُرِ السادَةِ الغُرِّ المَيامينِ
فَرعِ الأَئِمَّةِ وَالأَذواءِ مِن يَمَنٍ / أَهلِ القِبابِ المَطاعيمِ المَطاعينِ
غَمرُ النَدى نَجلُكَ المَيمونُ طائِرُهُ / سُعودُ أَهلِ التُقى نَحسُ المُناوينِ
تَلَتكَ في خُلقِكَ السامي خَلائِقُهُ / تِلوَ المُصَلّي المُجَلّي في المَيادينِ
سَلِ الكُماةَ وَكُمتَ الخَيلِ عَنهُ إِذا / ما ثَمَّ إِلّا القَنا أَو حَدُّ مَسنونِ
هُناكَ تَلقى الحِفاظَ المُرَّ حَيثُ تَرى / بُلقَ الجِيادِ تَرَدَّت حِليَةَ الجونِ
ثُمَّ الصَلاةُ وَتَسليمُ الإِلهِ عَلى / مَن خُصَّ بِالخُلُقِ المَحمودِ في نونِ
وَآلِهِ الغُرِّ وَالأَصحابِ كُلِّهِمُ / ما ناحَ وُرقٌ بِمُلتَفِّ البَساتينِ
عُج بي عَلى الرَّبعِ حَيثُ الرَّندُ وَالبانُ
عُج بي عَلى الرَّبعِ حَيثُ الرَّندُ وَالبانُ / وَإِن نَأى عَنهُ أَحبابٌ وَجِيرانُ
فَلِلمَنازِلِ في شَرعِ الهَوى سُنَنٌ / يَدري بِها مَن لَهُ بِالحُبِّ عِرفانُ
وَقَلَّ ذاكَ لِمَغنىً قَد سَحَبنَ بِهِ / ذَيلَ التَصابي بِرَسمِ الشَجوِ غِزلانُ
القاتِلاتُ بِلا عَقلٍ وَلا قَوَدٍ / سُلطانُهُنَّ عَلى الأَملاكِ سُلطانُ
لِلّهِ أَحوَرُ ساجي الطَرفِ مُقتَبِلٌ / عَذبُ اللَمى لُؤلُؤِيُّ الثَغرِ فَتّانُ
عَبلُ الرَوادِفِ يَندى جِسمُهُ تَرَفاً / ظامي الوُشاحِ لَطيفُ الروحِ جَذلانُ
كَأَنَّما البَدرُ في لَألاءِ غُرَّتِهِ / يا لَيتَ يَصحَبُ ذاكَ الحُسنَ إِحسانُ
يَهتَزُّ مِثلَ اِهتِزازِ الغُصنِ رَنَّحَهُ / سُكرُ الصِبا فَهوَ صاحي القَدِّ نَشوان
لَو كانَ يُمكِن قُلنا اليَومَ أَبرَزَهُ / لِيَنظُرَ الناسُ كنهَ الحسنِ رِضوانُ
قَد كُنتُ أَحسَب أَنَّ الشَملَ مُلتَئِمٌ / وَالجَبلَ مُتَّصِلٌ وَالحَيَّ خُلطانُ
فَاليَومَ لا وَصلَ أَرجوهُ فَيُطمِعَني / وَلا يَطيفُ بِهذا القَلبِ سُلوانُ
في ذِمَّةِ اللَهِ جيرانٌ إِذا ذُكِروا / هاجَت لِذِكرِهِمُ في القَلبِ أَحزانُ
فارَقتُهُم أَمتَري أَخلافَ سائِمَةٍ / يَسوقُها واسَعُ المَعروفِ مَنّانُ
لَعَلَّ نَفحَة جودٍ مِن مَواهِبِهِ / يُروى بِها مِن صَدى الإِقتارِ عَطشانُ
أُرايِشُ مِنها جَناحاً حَصَّةُ قَدَرٌ / شَكا تَساقُطَهُ صَحبٌ وَإِخوانُ
وَفي اِضطِرابِ الفَتى نُجحٌ لِبُغيَتِهِ / وَلِلمَقاديرِ إِسعادٌ وَخِذلانُ
فَاِربَأ بِنَفسِكَ عَن دارٍ تَذِلُّ بِها / لَو أَنَّ حَصباءَها دُرٌّ وَمَرجانُ
طُفتُ المَعالِمَ مِن شامٍ إِلى يَمَنٍ / وَمِن حِجازٍ وَلَبَّتني خُراسانُ
فَما لَقيتُ وَلَن أَلقى وَلَو بَلَغَت / بي مُنتَهى السَدِّ هِمّاتٌ وَوِجدانُ
مِثلَ الجَحاجِحَةِ الغُرِّ الَّذينَ سَمَوا / مَجداً تَقاصَرَ عَن عَلياهُ كيوانُ
الضاربي الكَبشَ هَبرًا وَالقَنا قَصِدٌ / وَالتارِكي اللَيثَ يَمشي وَهوَ مِذعانُ
وَالفارِجي غُمَمَ اللاجي إِذا صَفِرَت / أَوطابُهُ وَاِقتَضاهُ الروحَ دَيّانُ
وَالصائِنينَ عَن الفَحشا نُفوسَهُمُ / وَالمُرخِصيها إِذا الخَطِيُّ أَثمانُ
خُضلُ المَواهِبِ أَمجادٌ خَضارِمَةٌ / بيضُ الوُجوهِ عَلى الأَيّامِ أَعوانُ
غُرٌّ مَكارِمُهُم حُمرٌ صَوارِمُهُم / خُضرٌ مَراتِعُهُم لِلفَضلِ تيجانُ
لكِنَّ أَوراهُمُ زَنداً وَأَسمَحَهُم / كَفّاً وَأَشجَعَهُم إِن جالَ أَقرانُ
عَبدُ العَزيزِ الَّذي نالَت بِهِ شَرَفاً / بَنو نِزارٍ وَعَزَّت مِنهُ قَحطانُ
مُقَدَّمٌ في المَعالي ذِكرُهُ أَبَداً / كَما يُقَدَّمُ بِاِسمِ اللَهِ عُنوانُ
مَلكٌ تَجَسَّدَ في أَثناءِ بُردَتِهِ / غَيثٌ وَلَيثٌ وَإِعطاءٌ وَحِرمانُ
خَبيئَةُ اللَهِ في ذا الوَقتِ أَظهَرَها / وَلِلمُهَيمِنِ في تَأخيرِها شان
وَدَعوَةٌ وَجَبَت لِلمُسلِمينَ بِهِ / أَما تَرى عَمَّهُم أَمنٌ وَإيمانُ
حاطَ الرَعِيَّةَ مِن بُصرى إِلى عَدَنٍ / وَمِن تِهامَةَ حَتّى اِرتاحَ جَعلانُ
فَجَدَّدوا الشُكرَ لِلمَولى وَكُلُّهُمُ / يَدعو لَهُ بِالبَقا ما بَقيَ إِنسانُ
وَرُبَّ مُستَكبِرٍ شوسٍ خَلائِقُهُ / صَعبِ الشَكيمَةِ قَد أَعماهُ طُغيانُ
تَرَكتَهُ وَحدَهُ يَمشي وَفي يَدِهِ / بَعدَ المُهَنَّدِ عُكّازٌ وَمِحجانُ
وَعازِبٍ رُشدُهُ إِذ حانَ مَصرَعُهُ / بِخَمرَةِ الجَهلِ وَالإِعجابِ سَكرانُ
أَمطَرتَهُ عَزَماتٍ لَو قَذَفتَ بِها / صُمَّ الشَوامِخِ أَضحَت وَهيَ كثبانُ
عَصائِباً مِن بَني الإِسلامِ يَقدُمُهُم / مِن جَدِّكَ المُعتَلي بِالرُعبِ فُرسانُ
وَيلُ اِمِّهِ لَو أَتاهُ البَحرُ مُلتَطِماً / آذِيُّهُ الأُسدُ وَالآجامُ مُرّانُ
لَأَصبَحَ العِزُّ لا عَينٌ وَلا أَثَرٌ / أَو شاغَفَتهُ قُبَيلَ الصُبحِ جِنّانُ
وَمَشهَدٍ لَكَ في الإِسلامِ سَوفَ تَرى / يوفى بِهِ يَومَ الحَشرِ ميزانُ
نَحَرتَ هَديَكَ فيهِ المُشرِكينَ ضُحىً / فَاِفخَر فَفَخرُ سِواكَ المَعزُ وَالضّانُ
أَرضَيتَ آباءَكَ الغُرُّ الكِرامَ بِما / جَدَّدتَ مِن مَجدِهِم مِن بَعدِ ما بانوا
نَبَّهتَ ذِكراً تَوارى مِنهُ حينَ عَلا / لِلمارِقينَ ضَبابٌ فيهِ دُخّانُ
فَجِئتَ بِالسَيفِ وَالقُرآنِ مُعتَزِماً / تُمضي بِسَيفِكَ ما أَمضاهُ قُرآنُ
حَتّى اِنجَلى الظُلمُ وَالإِظلامُ وَاِرتَفَعَت / لِلدينِ في الأَرضِ أَعلامٌ وَأَركانُ
دينٌ وَدُنيا وَرَأسٌ في الوَغى وَنَدىً / تَفيضُ مِن كَفِّهِ بِالجودِ دِخُلجانُ
هذي المَكارِمُ لا ماروي عَن هَرِمٍ / وَلا الَّذي قيلَ عَمَّن ضَمَّ غُمدانُ
أَقولُ لِلعيسِ إِذ تَلوي ذَفارِيَها / لِإِلفَها وَلَها في الدَوِّ تَحنانُ
رِدي مِياهاً مِنَ المَعروفِ طامِيَةً / نَباتُها التِبرُ لا شيحٌ وَسَعدانُ
تَدومُ ما دُمتَ لِلدُنيا بشاشَتُها / فَاِسلَم فَأَنتَ لِهذا الخَلقِ عُمرانُ
ثُمَّ الصَلاةُ عَلى الهادي الَّذي خَمَدَت / في يَومِ مَولِدِهِ لِلفُرسِ نيرانُ
وَالآلِ وَالصَحبِ ما ناحَت مُطَوَّقَةٌ / خَضباً تَميدُ بِها في الدَوحِ أَغصانُ
يَهنيكَ يا عِصمَةَ الدُنيا مع الدينِ
يَهنيكَ يا عِصمَةَ الدُنيا مع الدينِ / قُدومُ أَبنائِكَ الغُرِّ المَيامينِ
بُدورُ سَعدٍ تَعالَت في سَما شَرَفٍ / ذَلَّت لِعِزَّتِهِم شوسُ السَلاطين
تُنافِسُ الأَرضُ فيِهم أَينَما نَزَلوا / وَتَحسُدُ الشُهبُ فيهم مَوطى الطينِ
مَجدٌ تَأَطَّدَ مِن علياكَ نَحوهُمُ / فَطَرَّزوهُ بِمَوهوبٍ وَمَسنونِ
فَيا سُعودَ بَني الدُنيا الذي شَرُفَت / به المَمالِكُ مِن زابٍ إِلى الصينِ
شَمسُ الخِلافَةِ بَل نورُ البِلادِ وَمن / تَعنو لِعِزَّتهِ شُمُّ العَرانينِ
طَمّاحُ عَزمٍ إِلى العَلياءِ لَو ذُكِرَت / في هامَةِ النَجمِ أَو في مَسرَحِ النونِ
وَصنوهُ الشَهمُ مَن كانَت مَحامِدُهُ / بَينَ البَرِيَّةِ تُتلى في الدَواوين
لَيثٌ تَصَوَّرَ مِن بَأسٍ وَمن كَرَمٍ / وَمِن مُلوكٍ مَطاعيمٍ مَطاعين
مُحمدٌ حُمِدَت أَخلاقُهُ وَعَلَت / في المَجدِ هِمَّتهُ فَوقَ السِماكينِ
لَمّا قَدِمتُم أَقامَ المَجدُ رايَتَهُ / وَالناسُ ما بَينَ تَحميدٍ وَتَأمينِ
فَالحَمدُ لِلَّهِ هذا الشَملُ مُبلتئِمٌ / في دَوحَةِ المَجدِ في عِزٍّ وَتَمكينِ
فَاِشرَب إِمامَ الهدى كَأسَ المُنى أَمناً / في خَفضِ عَيشٍ بِطولِ العُمر مَوضونِ
مُمَتَّعاً بِبَنيكَ الشُمِّ مُبتَهِجاً / بِما أُتيتَ قَريرَ النَفسِ وَالعينِ
فَأَنتُمُ زينَةُ الدُنيا وَبَهجَتُها / وَأَنتُمُ غَوثُ مَلهوفٍ وَمِسكينِ
أَلبَستُمُ الناسَ نَعماءً مُضاعَفَةً / أَمناً وَفَضلاً جَزيلاً غَيرَ مَمنونِ
أَحيَيتُمُ سُنَّةَ الهادي التي دَرَسَت / بِمُحكَمِ النَصِّ مِن آيٍ وَتَبيينِ
وَمن أَبي فَبِحَدِّ المَشرَفِيِّ وَبِال / سُمرِ اللِدانِ وَجُردٍ كَالسَراحينِ
حَتّى اِستَنار مِنَ الإِسلامِ كَوكَبهُ / وَأَصبَحَ الكُفرُ في أَطمارِ مَحزونِ
لَئِن تَأَخَّرتُمُ وَقتاً لَقد سَبَقَت / عَلياكُمُ من مَضى مِن عَصرِ مَأمون
فَلا بَرِحتُم لهذا الدينِ مُعتَصَماً / عَلى مَدى الدَهرِ مِن حينٍ إِلى حين
يا أَيُّها المَلِكُ المَيمونُ طائِرُهُ / وَاِبنَ المُلوكِ الأَجِلّاءِ السَلاطينِ
لِلَّهِ فيكَ عِناياتٌ سَيُظهِرُها / يَعلو بها لَكَ حَظٌّ غَيرُ مَغبونِ
يَعيشُ فيها بَنو الإِسلامِ في رَغَدٍ / مِنَ الزَمانِ وَفي أَمنٍ وَفي لين
وُفِّقتَ وُفِّقتَ إِذ وَلَّيتَ عَهدَهُمُ / سعودَ أَهلِ التُقى نَحسَ المُعادين
فَكَم جَلا مِن خُطوبِ الدَهرِ مُعتَكِراً / بِالمَشرَفِيِّ وَرَأيٍ غَيرِ مَأفونِ
مَكارِمٌ نَسَخَت ما حُكي عَن هَرِمٍ / وَعن بَرامِكَةٍ في عَهدِ هارونِ
ياِبنَ الذي ملكَ الدُنيا بِعَزمَتِهِ / وَبِالمَواضي وَأَعطى كُلَّ مَخزونِ
لا زِلتَ تَتلوهُ مُستَنّاً بِسُنَّتِهِ / بَأساً وَجوداً وَعزّاً غَيرَ مَخبونِ
كَذاكَ لِلدّينِ وَالدُنيا غِنىً وَحمىً / تَرعى بكَ الأُسد فيها كُنَّسَ العينِ
ثُمَّ الصَلاةُ عَلى الهادي وَشيعَتِهِ / محمَّدِ المُصطَفى مِن عُنصُرِ الكونِ
أريجُ مَجدٍ منَ الرَيّانِ حَيّانا
أريجُ مَجدٍ منَ الرَيّانِ حَيّانا / أَهدى لَنا نَشرُهُ رَوحاً وَرَيحانا
اِسمٌ حكاهُ مُسَمّاهُ وَطابَقَه / فَكَم شَفى مِن أُوامِ العُدمِ عَشطانا
فِدىً لهُ القَلعَةُ الزَهرا وَساكِنُها / وَالغوطَتانِ وَمَلهى شَعبِ بَوّانا
تَناوَحَت فيهِ أَرواحُ النَدى فَسَرَت / حَتّى لَكادَت تُعيدُ الشيبَ شُبّانا
وَالجودُ وَالبَاسُ ما حَلّا بِمَنزِلَةٍ / إِلّا أَشادا لها في المَجدِ بُنيانا
قَد شَرَّف اللَهُ أَرضا أَنتَ ساكِنُها / وَفاخَرَت بِحَصاها الغَضِّ عِقيانا
بَحرٌ تَبَعَّقَ في أَرجائِهِ كَرماً / يَعلو الرَوابيَ لا نَقعاً وَغُدرانا
وَضَيغَمٌ عَبَثَت بِالأُسدِ عاثيَةً / كَفّاهُ حَتّى لَخِلنا الأُسدَ حُملانا
لَولا أَواصِرُ يَرعاها وَيَحفَظُها / لَكانَ غَيرُ الذي بِالأَمسِ قد كانا
لأَنَّهُ من أُناسٍ مِن سَجِيَّتِهِم / مَحوُ الصَغائِرِ إِجمالاً وَإِحسانا
لكِن لهُم فَتكاتٌ عِندَ غَضبَتِهِم / تَشجي العَدُوَّ وَتُخلي مِنهُ أَوطانا
ياِبنَ الأُلى طَوَّقَ الأَعناقَ فَضلُهُمُ / فَقَرَّطوا لَهمُ بِالمَدحِ آذانا
سَمَوتَ لِلمَجدِ إِذ كُنتَ الخَليقَ بهِ / حَتّى لَأَرغَمتَ آناقاً وَأَذقانا
وَلَيسَ سارٍ إِلى نَيلِ العَلاءِ كَمَن / أَضحى بِنَومِ المُنى وَالعَجزِ وَسنانا
يَحسَبونَ العُلا تُجنى أَزاهِرُها / بِغَيرِ سَيفٍ وَبَذلِ المالِ مَجّانا
وَالناسُ قَد فاوَتَت أَقدارَهُم هِمَمٌ / وَقد أَقامَت عَلى ما قُلتُ بُرهانا
كَما بِهِمَّتِكَ العُليا بَنَيتَ بِها / لِلمَجدِ وَالفَضلِ أَعلاماً وَأَركانا
قالوا هُوَ النَدبُ عَبدُ اللَهِ قُلتُ لَهُم / لَو كانَ عِندَ سِواكُم عُدَّ سُلطانا
فَاَدعوا لهُ بِالبَقا تَبقى سَعادَتُكُم / إِذ كانَ روحاً وَكانَ الغَيرُ جُثمانا
لاتُخرِجوهُ بِكرهٍ عَن سَجِيَّتِهِ / فَاللَيثُ لا يَعرِفُ البُقياءَ غَضبانا
إِنّي أَقولُ وَخيرُ القَولِ أَصدَقُهُ / وَلَيسَ مَن قالَ صِدقاً مِثلَ مَن مانا
لَقَد حَبا اللَهُ أَرضاً كانَ مالِكَها / مِنهُ بِغَيثٍ يَسُحُّ الجودَ هَتّانا
يُسيمُ مُثريهَمُ فيهِ وَمُقتِرَهُم / لَم يَخشَ مِن غَيرِهِ ظُلماً وَعُدوانا
فَيا لها نِعمَةً ما كانَ أَكبَرَها / فَهَل تُصادِفُ مِنّا اليَومَ شُكرانا
إِن لَم تُفَدِّكَ مِنّا أَنفُسٌ كَرُمَت / فَقَد جَحَدناكَ ما أَولَيتَ كُفرانا
أَقَمتَ لِلمَجدِ أَسواقاً مُعَطَّلَةً / تُعَدُّ قَبلَكَ شَيئاً بانَ إِذ كانا
كُنّا سَمِعنا في الغابِرينَ فَمُذ / أَتَيتَ كانَت بُعَيدَ الوَهمِ أَعيانا
لَو صَوَّرَ اللَهُ شَخصاً مِن مَكارِمِهِ / صُوِّرتَ مِن كَرَمِ الأَخلاقِ إِنسانا
لَمّا مَدَحتُكَ قالَ الناسُ كُلُّهُمُ / الآنَ مَدحُكَ بِالمَمدوحِ قَد زانا
فَاللَهُ يُبقيكَ مَحروساً وَمُغتَبِطاً / آلاً وَحالا وَأَولادا وَإِخوانا
ثُمَّ الصَلاةُ عَلى مَن كانَ مَبعَثُهُ / لَنا سَعادَةَ دُنيانا وَأُخرانا
وَآلهِ الغُرِّ وَالأَصحابِ كُلِّهِمُ / ما قَطَّعَ اللَيلَ تَسبيحاً وَقُرآناً