المجموع : 23
أَكل يوم نعيّ يقرع الأذنا
أَكل يوم نعيّ يقرع الأذنا / وَصاحب لي يأَتي أَنه دُفنا
خلت حماة بصنع الموت من حسنٍ / أَيَعلَم الموت ماذا في حماة جنى
ما كنت أَحسب أَنَّ الموت من سغبٍ / يأَتي فيخطف من أَبنائها حسنا
كأنني بشباب في حماة جثوا / يَبكون حول ضَريح ضمه حزنا
يؤبنون حَكيماً في حفيرته / مغيَّباً زارها فاِختارها سكنا
لَهفي عَلى الناس فيها أنهم دفنوا / لهم أَمانيَّ في ملحودة وَمُنَى
قَد كانَ للشعر ماء في مناهله / يسيل وَاليَوم ذاكَ الماء قَد أسنا
سَعى فَلَم ين يوماً في هدايتهم / وَغيره قَد سَعى من قبله فونى
إنّا لَفي زمنٍ ما للشعوب به / يوماً عَن العلماء المصلحين غنى
لَو كانَ يفدى فَقيد من مَنيته / لكنت أَول من يفدي الفَقيد أَنا
يا راحلاً لديار أَهلُها اِعتزلوا / أخبر هناك بحق ما لَقيت هنا
أُريد علماً بأسرار الحياة فَهَل / أستنطق الروح أَم أستنطق البدنا
أَكبِرْ بحرٍّ يَقول الحق ينصره / وَلا يُبالي أَسرّاً قال أَم علنا
وَهَل يضر حَكيماً ماتَ عَن أَدَبٍ / أن لا يَكون لقبر نام فيه سنى
إليك يا نفس عني لا تلوميني
إليك يا نفس عني لا تلوميني / إن الملام عَلى ما جئت يؤذيني
يا نفس لومك هَذا مكثر شجني / أَلَيسَ ما بي من الأشجان يَكفيني
يا نَفس إني عَلى ما قد تعاورني / من المصائب مَفجوعٌ فَسليني
نشرت لِلقَوم آراء أريد بها / إصلاح دنياهم لا الطعن في الدين
فإن أَصبت فَهَذا نافع حسنٌ / أَو كنت أَخطأت فيها فليردوني
ما إن إردت بها إلا إقالتهم / فَهَل يَليق بِقَومي أن يهينوني
رَدُّوا بسبِّيَ ما يعزى إلى قَلَمي / كأنما السب من بعض البراهين
أَلَستُمُ يا بُني بغداد فادَّكروا / أَبناء قوم خلوا شم العرانين
أبناء قوم بنوا للعلم أَندية / كأنهن مَقاصير الخواقين
وأكرموا العلماء المصلحين لما / أَبدوه بالصدق من رأَيٍ وَتلقين
ما بالكم قد سلكتم غير منهجهم / مبدِّلين قساوات من اللين
المال للعلم مُدْن فاشتروه به / لَيسَ الَّذي يَشتَري علماً بمغبون
خذوه مَهما تناءى عَن مواطنكم / من كل مملكة حتى من الصين
كأنهم من شعاع الشمس قد جبلوا / وأكثر الناس مجبولون من طين
ماتوا وَفي الأرض ذات العرض قد دفنوا / إلا اسمهم فهو فيها غير مدفون
راجحت أعلامهم في كل ما وَضَعوا / من العلوم فما خفت موازيني
أَلَم أَكُن قبلما الدستور ينشلكم / أَذبّ عَن حقكم حيف السَلاطين
أَلَم أُحارِب لكم عبد الحَميد وَقَد / عتا فألبسكم ثوباً من الهون
له من الأنس شَيطانٌ يضللكم / وكانَ شيطانه شرَّ الشَياطين
أَلَم أَحام بشعري عَن حقائقكم / فصانه أَهل مصر في الدواوين
نعم بنيت بشعري في البلاد لكم / مجداً يَدوم جزاء غير ممنون
إن الأكف الَّتي قد كنت آملها / للذود صارَت مع الأيام ترميني
أَمسَت رماح بَني عمي وَقَد غضبوا / تَنوش جِسمي وَكانَت شُرَّعاً دوني
بقيت وَالحق مهجورين في نكد / أبيت في الدار أَبكيه وَيَبكيني
للجهل حقٌّ رعاة الجهل تضمنه / له وَللعلم حق غير مضمون
بِاللَه يا أَرض أَوطاني ابلَعي جسدي / وَيا سَماء بِلادي لا تُظلّيني
أرجو من الشمس أن تزوي أَشعتها / عني فإني أَراها اليوم تؤذيني
وَمن نَسيم الصبا أن لا يصافحني / ومن أريج الحمى أن لا يُحييني
كأن دجلة إذ بارحت ضفتها / ضاقَت عَلى رحبها في عين محزون
يضيق صَدري فأمشي في الفضاء خطى / أَروِّح النفس من حينٍ إِلى حينِ
قَد كانَ بالشعر لي في الهم تَسليةٌ / وَاليوم أَصبح شعري لا يسليني
رأَيت بالأمس تَبكي ذات أسورة
رأَيت بالأمس تَبكي ذات أسورة / وَتَشتَكي من محب واعدٍ خانا
قالَت وَقَد بادرتها عبرة خنقت / دَعني فإن لِنَفسي في البكا شانا
يمد عيني عَلى إسبال عبرتها / قَلب أبى الحب أَن يَسطيع سلوانا
أَحببته بعد أَن أَبدى مودته / وَظل يضرم منها فيَّ نيرانا
دنا إليَّ بأيمان مغلظة / حتى إذا ما قَضى أَوطاره بانا
إِنَّ اللَياليَ والايام في عجلٍ
إِنَّ اللَياليَ والايام في عجلٍ / لنا تجدّان أَفراحاً وأحزانا
يا علم يا راحلاً عَن أَرض نشأته / هَل أَنتَ مدكر أَهلاً وأَوطانا
أَما الرَبيع فإنا مغرمون به / فَهَل يَعود إلينا مثلما كانا
إني حمدت من الدستور طلعته / وَمن شَبيبته شرخاً وَغيدانا
وَقَد أُؤمل أن تشتد أيكته / وأن تمد إلى الأطراف أغصانا
وأن تَطوف عَلى الأغصان طائرة / بَلابل تملأ الأسماع ألحانا
يَسوء تاللَه عيني أن ترى بدلاً / من البَلابل في البُستان غربانا
لِلَّه قَومي مَتى يَستَنكِفونَ وَقَد / ذاقوا من الخسف أشكالاً وألوانا
جاؤوا قَبائح وَالعادات قاهرة / قد كنّ في جسد العمران أدرانا
يا شعب إنك طفل طال رَقدته / متى أَراك مَع الشبان يقظانا
قم من ضريحك يا مأمون واشك الى
قم من ضريحك يا مأمون واشك الى / أبيك حامي ذمار الشعر هارون
وقل عنادل بغداد قد اكتأبت / على المعالي فماتَت في البساتين
إلا شقيَّين هذا طار مرتحلاً / وَذا أقام طَريداً للشواهين
له ببغداد عشّ لا يفارقه / بناه في دوحها بين الأفانين
وقد يغرد في الوادي على وجل / مرفرفاً فوق أوراق الرياحين
ولا يحوم إذا ما طارَ منتجعاً / إلا على نرجس غضّ ونسرين
إن الطيور إذا أوديت من أسف / تَبكي على شاعر فذ فترثيني
وقد تطير إلى قبري مغردة / كأن تغريدها شعر لتأبيني
لي من دموعي قصيد جئت أنظمها
لي من دموعي قصيد جئت أنظمها / وأجعل البث والأشجان عنوانا
أَلَيسَ يشجيك شعر أنت تقرأ في / عنوان أسطره بثاً وأشجانا
لَقَد تلونا به للَه ناظمه / شعراً بكى رقة منه فأبكانا
بكى وأبكى وظني أن قائله / يَشكو من الناس بغضاءً وعدوانا
كأن شعري عذراء مفجعة / تبل منها بدمع العين أردانا
أنحى على الشعر ناس يبتغون له
أنحى على الشعر ناس يبتغون له / نقداً فأعوزهم علم وعرفانُ
قد يكثر الشعر ذو جهل بصنعته / حَتى يقال له شعر وديوان
مسروقة كلها تلك المضامينُ
مسروقة كلها تلك المضامينُ / وليسَ منها لهم إلا العناوينُ
لقد أَهانك منهم غير ذي أدب / يا شعر إني عليك اليوم محزون
ما الشعر إلا بمعنى فيه يرفعه / وليس يكفيه أن اللفظ موزون
إن القلوب إذا لم يعترفن بما / منه تحس فلا تجدي البراهين
الشعر ما عاش دهراً بعد صاحبه / وصاحب الشعر تحت الأرض مدفون
قد يفضل البيت ديواناً برمته / وقد تقصر عن بيت دواوين
والناس ليسوا سواء في اِستجادته / بل نزعة المرء فيما يرتضي دين
الشِّعر كان يسرّ العين زهرته / حيناً إلى أَن تولى ذلك الحين
والشِّعر من بعد ما قد دال دولته / قاسيت منه عذاباً كله هون
أيامه البيض ما كانَت بنافعتي / وقد تضرّ به أيامي الجون
لم يضمن الشعرُ حقاً عنده ليَ في / يوم وأما الَّذي عندي فمضمون
أَشكو إِلى اللَيل بثي وهو يسمع لي
أَشكو إِلى اللَيل بثي وهو يسمع لي / فأَملأ الليل إعوالاً وإرنانا
من لي بحرٍّ كبير النفس ذي حسب / يأبى على الضيم إِقراراً وإِذعانا
إن الَّذي ساس قوماً وهو يجهلهم / أَعمى يقود بظهر الوعر عميانا
قالوا سيقبل يوم فيه مسعدة / فقلت أَيَّان ذاك اليوم أَيَّانا
طالبت دَهري بحق لي تهضَّمه / دَهري فأَوسعني مطلاً وليّانا
يسؤوني أن من نهواه يمقتُنا / وأن من لم نكن ننساه ينسانا
كم مجرم ذي مقام في مواطنه / تَراه مِمّا جنت أَيديه جذلانا
يا مزهق الروح إرضاءً لشهوته / هدمت مِمّا بناه اللَه أَركانا
لا تزهق الروح من جسم يقيم به / واجمع إن اسطعت أرواحاً وأبدانا
ومورد لي من الأيمان أَغلظها / على سلامة ما ينويه برهانا
إني لأَحسب أن الشر نيته / وإن أَتى وهو يخفي الشر أَيمانا
وواعظ غارق في لحية كبرت / يأتي بكل قبيح ثم ينهانا
لا واللحى والَّذي في الوجه أنبتها / ما إن تكون اللحى للفضل ميزانا
الخير أن يستمر الناس إخوانا
الخير أن يستمر الناس إخوانا / والشر أن يهضم الإنسان إنسانا
إني لأحزن حزناً لا يفارقني / إذا رأَيت من استأمنت قد خانا
لا يخدع المرء إنساناً لغايته / إلا إذا كان ذاكَ المرء شَيطانا
صف الحقيقة للشبان يا قلمي / فكل ظني أن الوقت قد حانا
كن بالحقيقة مجهاراً وإن جرحت / وأعلن السر كل السر إعلانا
أَرضِ الإله وناساً طاب محتدهم / ودع عليك لئيم القوم غضبانا
ولا تبال إذا عاداك من سفه / بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
قل ما تَرى فيه إصلاحا لفاسدهم / فقد يصادف منك القول آذانا
إذا وعى الناس ما تبديه من حكم / آبوا إليك زرافات ووحدانا
وَهَل عليك رعاك اللَه من عتب / إذا دللت على الغدران ظمآنا
إنَّ العقول لعمر اللَه ساخرة / مما رموك به زوراً وبهتانا
إن تنصر الباطل الممقوت زعنفة / فإن للحق أنصاراً وأعوانا
قُل لِلَّذي قد تَمادى في غوايته / يا منكر الحق إِنَّ الحق قد بانا
تريد بالغصب من حق الضعيف غنىً / وَبالصَلاة إلى الديان قربانا
لا يكسب المرء علماً من عمامته / إن الجهول جهول كيفما كانا
يرى الإحالة في أشياء ممكنة / وفي المحال من الأشياء إمكانا
اركض من الزور بغلاً أنت راكبه / فقد وجدت لبغل الزور ميدانا
مطارف الخز لا توليك مفخرة / ما دمت من مثبتات الفضل عريانا
يا عدل أنت مشاع النفع مشترك / فهل يظل نصيبي منك حرمانا
بيروت روح له لبنان جثمانُ
بيروت روح له لبنان جثمانُ / فليحي للمجد بيروت ولبنانُ
بيروت نسر له لبنان أَجنحةٌ / لبنان عين لها بيروت إنسان
بيروت بيت له لبنان أَعمدة / بيروت صرح له لبنان أَركان
أَبناء بيروت أسد في مرابضها / وَأَهل لبنان في الأطواد عقبان
لبنان صدر من الآكام أَضلعه / بيروت قلب له في الصدر إِرنان
كلاهما وطن للقوم مشترك / كلاهما بلد بالفضل مزدان
كلا الشقيقين معتز بصاحبه / وَفيهما القوم أَصحاب وأخدان
لي فيك يا بلداً حراً نزلت به / بالخل خل وَبالندمان ندمان
قوم لهم من خلال الحمد أَوفرها / وَفي الذكاء على الأقران رجحان
الحزب للحزب لا ينسى تواضعه / كَما تواضعُ للأَقران أَقران
قوم قد اِتحدت للحق وجهتهم / فَلا تفرق بين القوم أَديان
عاشَ النصارى به والمسلمون معاً / وَقَد تصافح إنجيل وقرآن
وَلَيسَ من فئة حيف على فئة / وَلا عَلى هابط ظلم وعدوان
ولا تفرق يخشى بعد وحدتهم / حتى تفرق أَرواح وأَبدان
أَما البلاد فأدنى ما رأَيت بها / حضارة ملأت عيني وعمران
لبنان أم على الأبناء مشفقة / وَأَهل لبنان في لبنان إخوان
إني لأشكر فضل القوم يكرمني / لَو كانَ يوفي حقوق الفضل شكران
اليوم يا نفس لا بغداد منك كما / كانَت وَلا أَهل بغداد كَما كانوا
الناس للمال في بغداد قد عبدوا / كأَنَّما المال في بغداد أَوثان
يبغي القوي افتراساً للضعيف بها / وَهَكَذا الناس ذؤبان وحملان
تلقى على الشر أَعواناً قد اتفقوا / وَما على الخير في بغداد أَعوان
كل امرئ مضمر فتكاً بصاحبه / يَوماً فلا يرحم الإنسان إنسان
إن يكثر الجهل في أَبناء مملكة / تكثر هنالك أَحقاد وأَضغان
ألا شباباً أولى عزم ومعرفة / فَهؤلاء لفجر المجد عنوان
من كان حراً فَلا يرضى بذلته / وَلا على الضيم تغضي منه أَجفان
وإن بغداد فيها أُمَّة صدقوا / وإن بغداد فيها أُمَّة مانوا
الغرب والشرق حتى اليوم ما اِستويا / هَذا نَشيط وَهَذا بعد كسلان
يَفوز من كانَ ذا عزم بمطلبه / أَما نصيب الكسالى فهو حرمان
تغيَّرت بعد حرب ثار ثائرها / على البسيطة أَقوام وَبلدان
الناس في الغرب بعد الحرب قد سعدوا / وَالناس في الشرق بعد الحرب قد هانوا
وَالشرق أَكثره للحق مهتضم / وَالغرب أَكثره للحق مذعان
وَما الحروب بأَطماع كما زعموا / بل الحروب انقلابات وأَكوان
لا تَرتَقي أُمَّة حتى يَكون لَها / يوماً على سيِّئ العادات عصيان
حللت بالأَمس بستاناً فأَفرحني / وَخير ما يفرح الإنسان بستان
حيث البلابل قد كانَت مغردة / وكانَ يطربني منهن أَلحان
إن البلابل بالأدواح مولعة / وَزينة الدوح أَوراق وأَفنان
من موقظات شجوناً فيّ راقدة / وإنما توقظ الأشجان أَشجان
للعَندَليب على الأطيار قاطبة / رئاسة عند ما يشدو وسلطان
نزا على البان غريداً كعادته / فودَّ كل قضيب أنه البان
واهتز من تحته غصن تبوأه / حتى ظننت بأَنَّ الغصن نشوان
لدى الرَبيع تلاقى الروض مكتسياً / أَما الخَريف فَفيه الروض عريان
في الروض من بعد غارات الخريف به / لا الورد ورد ولا الريحان ريحان
يغادر البلبل الغريد روضته / وَالروض للبلبل الغريد أَوطان
أَأَنت من ذكر أَوطانٍ خفقت بها / يا قلب ذو جذل أَم أَنت أَسوان
كَم جاهِلٍ جاء في بغدادَ يوسعني / نقداً فأعوزه علم وعرفان
ومظهرين عداءً لا انقضاء له / كَما تعادي هزار الروض غربان
سبوا وَبالسب راموا الحط من أَدَبي / كأَنَّما السب عند القوم برهان
يزوّرون علي القول من سفه / فتسمع القول في بغداد آذان
وَقَد رَموني بإلحاد وزندقة / وَما رَموني به زور وبهتان
أَمّا الشباب فنشء لا يثبطهم / عن نصرة الحق إيمان وكفران
لَقَد شدوت بريعان المساء أَسىً / وَللمساء كما للصبح ريعان
أَثار فيَّ غنائي مشجياً حزنٌ / وَقَد تثير غناءَ المرء أَحزان
وَاللَيل أَنحى بوجهي من عواصفه / يصيح حتى كأَنَّ الليل غضبان
الهم أُكبره كالليل أَسهره / وَقَد أَنام به والنجم يقظان
الشعر منتقم ممَّن له احتقروا / يدينهم عن قَريب كالَّذي دانوا
كَم ادعى القوم إحسانا بما نظموا / من القريض وما للقوم إحسان
وقدروه بميزان له وضعوا / من العروض وهل للشعر ميزان
وَما القصيد قواف قد تكررها / كلا ولا هي ألفاظ وعنوان
فتلك فيها المَعاني من برودتها / موتى عليها من الألفاظ أَكفان
يعنون بالوزن وَاللفظ المقيم له / كأَنَّما الشعر ألفاظ وأوزان
ما أحسن الشعر مبثوثاً فرائده / كأَنَّه لؤلؤ رطب ومرجان
القوم قد بعتهم شعري بلا ثمن / أَرجوه منهم وَهَل للشعر أَثمان
لبنان قام بتهذيب الفتاة وَما / تهذيبها غير إصلاح له شان
وإن إصلاحها إصلاح مملكة / وإن إهمالها موت وخسران
يأبى تأخرها قوم لهم شمم / وَبالرقيّ لهم دين وإيمان
لا يرفع الشعب من أَعماق وهدته / إلا رجال أولو عزم ونسوان
للمرأة الفضل في العمران نشهده / لولا تقدمها ما تم عمران
فإنما هي للأَبناء مدرسة / وإنما هي للآباء معوان
وإنها هي للمفجوع تعزية / وإنها هي للمحزون سلوان
وإنها الروض مطلولاً له أرج / وإنها لجنى الأثمار بستان
وإنها تارة نار قد اتقدت / وإنها تارة روح وريحان
الخير في أن يعز المرء صنوته / وَالشر أن يهضم الإنسان إنسان
لا يَغضَب الناس من مَقالي
لا يَغضَب الناس من مَقالي / إن قلتُ أَصل الإنسان حيوانْ
فإنَّ إنساناً ابن قردٍ / أفضل من قردٍ ابن إنسانْ
قد طال للغرب فوق الأرض سلطانُ
قد طال للغرب فوق الأرض سلطانُ / وطال في الشرق إقرارٌ وإذعانُ
الغرب فيه نشاطٌ خلف حاجته / يسعى ليبلغها والشرق كسلانُ
الغرب مستلبٌ والشرق مهتضمٌ / والغرب منتبهٌ والشرق وسنانُ
إن أنقض الغرب ظهر الشرق يرهقه / فالدهر والأرض والعادات أعوانُ
وقد يثور من الإرهاق منفجراً / كما يثور من التضييق بركانُ
متى تقلم أظفارٌ محددة / فلا يجور على الإنسان إنسان
وهل يُرجَّى وفاقٌ بعدما اختلفت / مطامع وسجيات وأديان
لا يحفظ السلم أبرار ملائكة / ويوقد الحرب إما شاء شيطانُ
زكت دماءٌ لأجل الحق سائبةٌ / فإنها وحدها للمجد أثمانُ
إن لم تكن قوةٌ للمرء بالغةٌ / فكل حقٍّ به قد لاذ بطلان
الدين ليس بمحتاج إلى حجج
الدين ليس بمحتاج إلى حجج / إذا تمكن من قلب بتلقين
وليس مرتضياً في دينه جدلاً / إلا الذي هو في شك من الدين
المجمعون على التوحيد ما عبدوا
المجمعون على التوحيد ما عبدوا / من المقابر دون اللَه أوثانا
عدت من الدين والإيمان طائفة / ما لم يكن أصله ديناً وإيمانا
إن يطلبوا ويح قومي من عبادتها / ربحاً فقد كان هذا الربح خسرانا
أتدخلون بهذا في الجنان غدا / وتبتغون به حوراً وغلمانا
وتشربون به كاساً مسنمة / وتأكلون به نخلاً ورمانا
إن الألى اعترفوا بالدين قد عبثوا / بالدين غفرانك اللهم غفرانا
جازى الإله أناساً من بني وطني / بالشر شراً وبالإحسان إحسانا
تأَنَّ في الظلم تخفيفاً وتهوينا
تأَنَّ في الظلم تخفيفاً وتهوينا / فالظلم يقتلنا والعدل يحيينا
يا مالكا أمر هذي الناس في يده / فابيضّ ليلك واسودّت ليالينا
أوضاك أنا جهلنا كل معرفةٍ / زمانَ جاز الورى فيه الميادينا
أرضاك أنا سكتنا عن مطالبنا / يا مالك الأمر ما أرضاك يؤذينا
ليست طريقك محموداً مغبتها / غيِّر إذا شئت في الأحوال تحسينا
ارحم قلوباً لأقوامٍ إذا عطشت / للعدل يوماً سقاها الظلم غِسلينا
لقد ملكت فأسجح إننا فئة / لا شيء غير جمال العدل يرضينا
كم نسوةٍ قتلت ظلما بعولتها / فصرن يهملن دمعاً قبله صينا
يا رقق اللَه منك القلب من ملك / يجمع المال لكن من مساعينا
في عهده صار يُبكى الحيفُ أعيننا / دماً ويضحكه ما كان يبكينا
فكم شبابٍ من الأحرار قد هلكوا / وللإرادات قد صاروا قرابينا
ما ان تهضَّم سلطان رعيته / فالملك قبلك قد ربى سلاطينا
كانوا على الناس آباء أولى شفق / وفي الأرائك أملاكاً خواقينا
وكانت الناس في أيام دولتهم / لا يبخسون على الناس الموازينا
وهل ترى غير عمران ومسعدةٍ / إذا التفتَّ قليلاً نحو ماضينا
قد انقضت دولة بالعدل عامرة / كنا سعدنا على أيامها حينا
لقد نشرت قوانينا موقتة / ولم تولِّ الذي يُجرى القوانينا
قست قلوب ولاة أنت مرسلهم / كأَنما اللَه لم يخلق بها لينا
تراهُمُ أغبياءً عند مصلحة / وفي المفاسد تلقاهم شياطينا
تكدرت بازدياد الجور عيشتنا / حتى غدا ماؤها في كأسه طينا
وضاع في الملك عدلٌ يُستظل به / ما بين إغماض مرشيِّ وراشينا
إن الرعية أغنما يَحدُّ لهم / عمَّالك المستبدون السكاكينا
كم عاهدوا أنهم يأتون معدلة / لكنهم جانبوا الإنجاز لاهينا
يا والي السوء لا تكذب بموعدة / فالكذب ليس بمحمود وإن زينا
في كل يوم تلاقين احتفال ردى / لِلّه ما أنت يا نفسي تلاقينا
يا شمس لا تشرقي بالنور أوجنا / فذاك يملأ غيظاً قلب والينا
وأنت يا ريح إن راعيت جانبنا / فلا تهبِّي على جَهر بوادينا
ماذا على من يشمُّ العدل مكتفيا / بنفحة منه إن عاف الرياحينا
يا عدل إن التفاتاً منك يسعدنا / يا عدل إن ابتساما منك يكفينا
إن غبت عنا فلا عيش يطيب لنا / ولا نسيم الصبا إن هب يسلينا
يا عدل من كانَ محبوباً محاسنه / ما هَكَذا يصرم القوم المحبينا
يا من لياليهم باللهو قد قصرت / تذكروا أننا طالت ليالينا
ما السعي منك لنيل العدل عن كثب / يا نفس إلَّا أمانيٌّ تَمنينا
قد سافر الجهل إلّا عن منازلنا / وأثمر العلم إلا في نواحينا
ما جاءنا الشر إلا من تهاوننا / ما عمنا الظلم إلا من تغاضينا
لو أن في الجهل كل الجاه مدخر / لما ربحنا به دنيا ولا دينا
لابر من فك ما قد شد من عقد / كف الاسار بأيدينا بأيدينا
إن الذين استحبوا قتل أنفسهم / فراً من الضيم ما كانوا مجانينا
الموت أفضل أدنى اللَه ساعته / من الحياة التي أمست تعنِّينا
قد طال للغرب فوق الارض سلطان
قد طال للغرب فوق الارض سلطان / وطال في الشرق اقرار واذعان
الغرب فيه نشاط خلف حاجته / يسعى ليبلغها والشرق كسلان
الغرب مستلب والشرق مهتضم / والغرب منتبه والشرق وسنان
ان انقض الغرب ظهر الشرق يرهقه / فالدهر والارض والعادات اعوان
وقد يثور من الارهاق منفجراً / كما يثور من التضييق بركان
متى تقلمُ اظفار محددة / فلا يجور على الانسان انسان
وهل يرجى وفاق بعدما اختلفت / مطامع وسجيات واديان
لا يحفظ السلم ابرار ملائكة / ويوقد الحرب اما شاء شيطان
زكت دماء لاجل الحق سائبة / فانها وحدها للمجد اثمان
وكل شعب على الاوعاد معتمد / فحظه في عراك الدهر خذلان
قد ازهقت منه ارواح مسالمة / تبغي الحياة وديست منه اوطان
ان لم تكن قوة للمرء بالغة / فكل حق به قد لاذ بطلان
لا تظلموا عربياً في مواطنه / فانه مثلكم يا قوم انسان
لقد سلا كل محروب كوارثه / وليس للعربي اليوم سلوان
سبعون مليون ممن جدهم عرب / عليك في الشرق يا بلفور غضبان
الى الضمير ارجعوا في كل غامضة / فانه وحده للحق ميزان
يا قبر فوزي سلاماً بعد تكرمة / اليك يهديه من بغداد لهفان
وبعد ذلك شعر عرفه عبق / كأنه من نبات الارض ريحان
لقد شدا عندليب فوق باسقة / كأن اوراقها للشعر ديوان
في جنة كجنان الخلد مزهرة / كأن اشجارها حور وولدان
قد قلت حقا فلم تقبله أذهان
قد قلت حقا فلم تقبله أذهان / وحاربتك سياسات وأديان
فأنت من بعد إنكار الجميع له / شهرته فهو مثل السيف عريان
وكنت انت البصير الفرد يومئذ / وحولك الناس كل الناس عميان
نم في ضريحك في امن وفي ودعة / فما هنالك احقاد وأضغان
لا يزعج المرء ضوضاء الحياة به / ولا يجور على الانسان انسان
أزال شكك في كون الحياة اذا / بانت فليس لها عود ورجعان
ام انت توقن ان الناس ان هلكوا / فسوف يحيون في يوم كما كانوا
بل تلك رقدة ميت لا انتباه له / الا اذا انكصت في الدور اكوان
شدوت بالشعر للاجيال تطربهم / بسحره قادرا والسحر الحان
الفاظه ومعانيه تمازجتا / كما تمازج ارواح وابدان
قصائد ومقاطيع مخلدة / سارت بها في فضاء الارض ركبان
فيها الحقائق مبثوث فرائدها / كأنها لؤلؤ رطب ومرجان
الشعر اسمعه كالسحر ابصره / كلاهما لي اذا ما جد فتان
وقد ارى ثلة بالشعر لاغية / ما في قصائدها روح واتقان
كأن فيها المعاني من برودتها / موتى عليها من الالفاظ اكفان
وان اكبر شيء فيك يعجبني / سخرية بتقاليد وعصيان
بعد العمى وهو سجن لا خصاص له / يزيد وحشته للنور فقدان
تخذت بيتك سجنا ثانيا فغدا / وانت فيه سجين ثم سجان
ةانكروا فيك الحادا وزندقة / وعل ما انكروه فيك بهتان
اما ضياعك والارزاء قاسية / ففيه للشرق كل الشرق خسران
الشرق ما زال يحبو وهو مغتمض / والغرب يركض وثبا وهو يقضان
والغرب ابناؤه بالعلم قد سعدوا / والشرق اهلوه في جهل كما كانوا
الغرب يشغله مال ومتربة / والشرق يشغله كفر وايمان
الغرب عز بنوه اينما نزلوا / والشرق الا قليلا اهله هانوا
الطائرات وتلكم من مراكبهم / كأنها في عنان الجو عقبان
اما مراكبنا في كل مرحلة / فانها ليعافير وبعران
اني تلمذت في بيتي عليك وان / ابلت عظامك ازمان وازمان
اصابني في زماني ما اصابك من / حيف فما رد هذا الحيف انسان
نظمت فيك على عجز اقربه / قصيدة حشوها بث واشجان
فان اجدت فمن جدواك جودته / وان اسأت فكم قد خاب فنان
اني لفي بلد فيه النفاق طغى / وحبذا لو بدا في الجهد طغيان
وحبذا النقد لو راعوا قواعد / فانه وحده للحكم ميزان
البحر يغلى كان البحر بركان
البحر يغلى كان البحر بركان / تثيره تحت فيض الماء نيران
والليل داج سوى مصباح هادية / له على ظلمات الليل سلطان
تمزق البحر من هوجاء عاصفة / كقلب ثكلى لها في الليل ارنان
وراعت العين امواج قد اصطخبت / كأنهن عفاريت وجنان
في شكل مرتفع منها ومنخفض / كأنما هي كثبان ووهدان
وكان في ساحل الدأماء منتصباً / شخص تبين في عينيه اشجان
يرنو مليا الى فلك تقاذفه / في اللج امواجه والفلك هيمان
وبعد ما حالت الامواج بينهما / كأنما تلكم الامواج جدران
سمعته قائلا ويلي ومديداً / كما يشير إلى الاخطار لهفان
قد مزقته سيوف الموج مرهفة / حتى هوى فطواه اللج يختان
وكان قبل تواريه يصارعه / ثم اختفى وذويه ثم ما بانوا
الفلك يحوي عزيزاً لي فوا حزني / ان بت حبل رجائي فيه فقدان
لا ينبغي ان يكون البحر قاتله / ان كان للبحر ذي الامواج وجدان
ان كان ما كنت منه قبل في وجل / فسوف تنهش مني القلب احزان
أفي استطاعة من اهوى مصارعة / للموج ام هو من جراه عيان
ام ضمه البحر في احضان لجته / ام ليس للبحر مثل الام احضان
وبعد ذلك ناداه يسائله / فلم يجبه سوى الامواج انسان
فقال بل قد ثوى في لجه غرقا / واللج قبر له والموج اكفان
يا بحر خذني الى من انت آخذه / فانني لألى لقياه ظمآن
فان هلكت فمالي عنه منصرف / وان بقيت فمالي عنه سلوان
ثم ارتمى باندفاع لامرد له / في البحر يقحم فيه وهو اسوان
ان الحبيب لذي اودى الخضم به / هو القريض ومن يهواه جبران
والبحر ليس سوى الشرق الذي اضطربت / اموره والرياح الهوج اضغان
قد مات جبران مجهودا بمهجره / ولا تموت على جبران اشجان
لبنان ثكلى جثت تبكي ابن تلعتها / وشاركتها اسى مصر وبغدان
جبران فارقها روحا مرفرفة / وعاد يصبو اليها وهو جثمان
جبران يحضنه قبر كمشفقة / والقبر تحضنه كالام لبنان
قد شيعته رجال الحكم قاطبة / وشيعته نواقيس ورهبان
في قبره حكمة روعاء صامتة / وفوقه من صنوف الزهر الوان
وفوقه عبرات غير راقئة / يسقينه ثم روح ثم ريحان
ما كان جبران الا بلبلا غرداً / له على دوحه الفينان الحان
اذا ترنم يشدو فوق منبره / اصغت اليه من الآفاق آذان
اقرأه في دولة التجديد منفردا / حيث اسمه لكتاب الشعر عنوان
ان خط سطراً فان السطر مكتبة / او قال بيتا فان البيت ديوان
كم حكمة بعد ان فاه الحكيم بها / سارت بها في فجاج الارض ركبان
كانت لجبران ثورات مباركة / على القديم الذي يحيا وعصيان
اما القديم فنضناض لشرته / كأنه عندما يلقاك ثعبان
له الخلود بآثار له انتشرت / فيها جمال كضوء الصبح فتان
المرء اقدر من فوق التراب مشى / وان اكبر ما في المرء ايمان
الله عون للبنان وقد ثكلت / مما تكابده في الثكل لبنان
من ذا يجرعني كأسا مبردة / فانني من همومي اليوم حران
ان كان في الخسر لي ربح كما زعموا / فكل امر سوى الخسران خسران
ما من مجيب وقد ناديت ملء فمي / أليس في الحي كل الحي يقظان
غندى له قدره في كل مؤتمر
غندى له قدره في كل مؤتمر / ولا يعيب عليه العرى انسان
من ذا من الناس الا من به خطل / يزرى على السيف ان السيف عريان
حبذا ليلى والأغاني التي تش / دو بها في الغدوّ والآصال
انا صب بها أغنت جهارا / ام اتى شدوها كهمس الليالي
انني لا ادور في بال ليلى / وسوى ليلى لا يدور ببالي
والى هذا اليوم لم تتفتح / زهرة لي في روضة الآمال
سوف ادنو منها وان كان صعبا / ان يداني امثالها امثالي
سترى عيني وجهها من قريب / انت يا وجهها على العين غال
لم تكن ليلى بالجبانة الا / انها تخشى لذعة الاقوال
آه يا ليلى ان لججت على الهجر / فماذا اقول للعذال