القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد شَوقي الكل
المجموع : 16
يا قَومَ عُثمانَ وَالدُنيا مُداوَلَةٌ
يا قَومَ عُثمانَ وَالدُنيا مُداوَلَةٌ / تَعاوَنوا بَينَكُم يا قَومَ عُثمانَ
كونوا الجِدارَ الَّذي يَقوى الجِدارُ بِهِ / فَاللَهُ جَعَلَ الإِسلامَ بُنيانا
أَمسى السَبيلُ لِغَيرِ المُحسِنينَ دَماً / فَشَأنُكُم وَسَبيلاً نورُهُ بانا
البِرُّ مِن شُعَبِ الإيمانِ أَفضَلُها / لا يَقبَلُ اللَهُ دونَ البِرِّ إيمانا
هَل تَرحَمونَ لَعَلَّ اللَهَ يَرحَمُكُم / بِالبيدِ أَهلاً وَبِالصَحراءِ جيرانا
في ذِمَّةِ اللَهِ أَوفى ذِمَّةٍ نَفَرٌ / عَلى طَرابُلُسٍ يَقضونَ شُجعانا
إِن سالَ جَرحاهُمُ في غُربَةٍ وَوَغىً / باتوا عَلى الجَمرِ أَرواحاً وَأَبدانا
هَذا يَحُنُّ إِلى البُسفورِ مُحتَضِراً / وَذاكَ يَبكي الغَضا وَالشيحَ وَالبانا
يُوَدِّعونَ عَلى بُعدٍ دِيارَهُمُ / وَيَنشِدونَ بُنَيّاتٍ وَصِبيانا
أَذَنبُهُم عِندَ هَذا الدَهرِ أَنَّهُمُ / يَحمونَ أَرضاً لَهُم ديسَت وَأَوطانا
ماتوا وَعِرضُهُمُ المَوفورُ بَعدَهُمُ / وَالعِرضُ لا عِزَّ في الدُنيا إِذا هانا
قَومي وَجَلَّت وُجوهُ القَومِ مِصرُ بِكُم / أَلقَت عَلى كُرَماءِ الدَهرِ نِسيانا
لا تَسأَلونَ عَنِ الأَعوانِ إِن قَعَدوا / وَتَنهَضونَ إِلى المَلهوفِ أَعوانا
أَكُلَّما هَزَّكُم داعٍ لِصالِحَةٍ / قُمتُم كُهولاً إِلى الداعي وَفِتيانا
لَو صُوِّرَ الشَرقُ إِنساناً أَخا كَرَمٍ / لَكُنتُمُ الروحَ وَالأَقوامُ جُثمانا
إِذا هُزِزتُم تَلاقى السَيفُ مُنصَلِتاً / وَالريحُ مُرسَلَةً وَالغَيثُ هَتّانا
إِذا المَكارِمُ في الدُنيا أُشيدَ بِها / كانَت كِتاباً وَكُنّا نَحنُ عُنوانا
إِنَّ الحَياةَ نَهارٌ أَو سَحابَتُهُ / فَعِش نَهارَكَ مِن دُنياكَ إِنسانا
أَرى الكَريمَ بِوِجدانٍ وَعاطِفَةٍ / وَلا أَرى لِبَخيلِ القَومِ وُجدانا
هَذا الهِلالُ الَّذي تُحيونَ لَيلَتَهُ / أَبهى الأَهِلَّةِ عِندَ اللَهِ أَلوانا
أَراهُ مِن بَينِ أَعلامِ الوَغى مَلَكاً / وَما سِواهُ مِنَ الأَعلامِ شَيطانا
فانٍ فَفيهِ مِنَ الجَرحى مُشاكَلَةٌ / حَتّى إِذا قيلَ ماتوا اِخضَرَّ رَيحانا
لِحامِليهِ جَلالٌ مِنهُ مُقتَبَسٌ / كَأَنَّما رَفَعوا لِلناسِ قُرآنا
كَأَنَّ ما اِحمَرَّ مِنهُ حَولَ غُرَّتِهِ / دَمُ البَريءِ ذَكِيِّ الشَيبِ عُثمانا
كَأَنَّ ما اِبيَضَّ في أَثناءِ حُمرَتِهِ / نورُ الشَهيدِ الَّذي قَد ماتَ ظَمآنا
كَأَنَّهُ شَفَقٌ تَسمو العُيونُ لَهُ / قَد قَلَّدَ الأُفقَ ياقوتاً وَمُرجانا
كَأَنَّهُ مِن دَمِ العُشّاقِ مُختَضَبٌ / يُثيرُ حَيثُ بَدا وَجداً وَأَشجانا
كَأَنَّهُ مِن جَمالٍ رائِعٍ وَهُدىً / خُدودُ يوسُفَ لَمّا عَفَّ وَلهانا
كَأَنَّهُ وَردَةٌ حَمراءُ زاهِيَةٌ / في الخُلدِ قَد فُتِّحَت في كَفِّ رُضوانا
هَل تَهبِطُ النَيِّراتُ الأَرضَ أَحيانا
هَل تَهبِطُ النَيِّراتُ الأَرضَ أَحيانا / وَهَل تَصورُ أَفراداً وَأَعيانا
نَزَلنَ أَوَّلَ دارٍ في الثَرى رَفَعَت / لِلشَمسِ مُلكاً وَلِلأَقمارِ سُلطانا
تَفَنَّنَت قَبلَ خَلقِ الفَنِّ وَاِنفَجَرَت / عِلماً عَلى العُصُرِ الخالي وَعِرفانا
أُبُوَّةٌ لَو سَكَتنا عَن مَفاخِرِهِم / تَواضُعاً نَطَقَت صَخراً وَصَوّانا
هُم قَلَّبوا كُرَةَ الدُنيا فَما وَجَدَت / أَقوى عَلى صَولَجانِ المَلكِ أَيمانا
وَصَيَّروا الدَهرَ هُزءاً يَسخَرونَ بِهِ / حَتّى يَنالَ لَهُم بِالهَدمِ بُنيانا
لَم يَسلُكِ الأَرضَ قَومٌ قَبلَهُم سُبُلاً / وَلا الزَواخِرَ أَثباجاً وَشُطّانا
تَقَدَّمَ الناسَ مِنهُم مُحسِنونَ مَضَوا / لِلمَوتِ تَحتَ لِواءِ العِلمِ شُجعانا
جابوا العُبابَ عَلى عودٍ وَسارِيَةٍ / وَأَوغَلوا في الفَلا كَالأُسدِ وُحدانا
أَزمانَ لا البَرُّ بِالوابورِ مُنتَهَباً / وَلا البُخارُ لِبِنتِ الماءِ رُبّانا
هَل شَيَّعَ النَشءُ رَكبَ العِلمِ وَاِكتَنَفوا / لِعَبقَرِيَّةٍ أَحمالاً وَأَظعانا
وَسايَروا المَوكِبَ المَرموقَ مُتَّشِحاً / عِزَّ الحَضارَةِ أَعلاماً وَرُكبانا
يَسيرُ تَحتَ لِوائِهِ العَلَمُ مُؤتَلِفاً / وَلَن تَرى كَجُنودِ العِلمِ إِخوانا
العِلمُ يَجمَعُ في جِنسٍ وَفي وَطَنٍ / شَتّى القَبائِلِ أَجناساً وَأَوطانا
وَلَم يَزِدكَ كَرَسمِ الأَرضِ مَعرِفَةً / بِالأَرضِ داراً وَبِالأَحياءِ جيرانا
عَلَمٌ أَبانَ عَنِ الغَبراءِ فَاِنكَشَفَت / زَرعاً وَضَرعاً وَإِقليماً وَسُكّانا
وَقَسَّمَ الأَرضَ آكاماً وَأَودِيَةً / وَفَصَّلَ البَحرَ أَصدافاً وَمُرجانا
وَبَيَّنَ الناسَ عاداتٍ وَأَمزِجَةٍ / وَمَيَّزَ الناسَ أَجناساً وَأَديانا
وَفدَ المَمالِكِ هَزَّ النيلُ مَنكَبَهُ / لَمّا نَزَلتُم عَلى واديهِ ضيفانا
غَدا عَلى الثَغرِ غادٍ مِن مَواكِبِكُم / فَراحَ مُبتَسِمَ الأَرجاءِ جَذلانا
جَرَت سَفينَتُكُم فيهِ فَقَلَّبَها / عَلى الكَرامَةِ قَيدوماً وَسُكّانا
بِلُقاكُمُ بِسَماءِ البَحرِ ضاحِيَةً / وَتارَةً بِفَضاءِ البَرِّ مُزدانا
وَلَو نَزَلتُمُ بِهِ وَالدَهرُ مُعتَدِلٌ / نَزَلتُمُ بِعَروسِ المُلكِ عُمرانا
إِذِ الفَنارُ وَراءَ البَحرِ مُؤتَلِقٌ / كَأَنَّهُ فَلَقٌ مِن خِدرِهِ بانا
أَنافَ خَلفَ سَماءِ اللَيلِ مُتَّقِداً / يُخالُ في شُرَفاتِ الجَوِّ كيوانا
تَطوي الجَواري إِلَيهِ اليَمَّ مُقبِلَةً / تَجري بَوارِجَ أَو تَنسابُ خُلجانا
نورُ الحَضارَةِ لا تَبغي الرُكابُ لَهُ / لا بِالنَهارِ وَلا بِاللَيلِ بُرهانا
يا مَوكِبَ العِلمِ قِف في أَرضِ مَنفَ بِهِ / يُناجِ مَهداً وَيَذكُر لِلصِبا شابا
بَكى تَمائِمَهُ طِفلاً بِها وَبَكي / مَلاعِباً مِن رُبى الوادي وَأَحضانا
أَرضٌ تَرَعرَعَ لَم يَصحَب بِساحَتِها / إِلّا نَبِيّينَ قَد طابوا وَكُهّانا
عيسى اِبنُ مَريَمَ فيها جَرَّ بُردَتَهُ / وَجَرَّ فيها العَصا موسى بنُ عِمرانا
لَولا الحَياءُ لَناجَتكُم بِحاجَتِها / لَعَلَّ مِنكُم عَلى الأَيّامِ أَعوانا
إِذا تَفَرَّقتُمُ في الغَربِ أَلسِنَةً / لَيَّنتُمُ كُلَّ قَلبٍ لَم يَكُن لانا
قُم ناجِ جِلَّقَ وَاِنشُد رَسمَ مَن بانوا
قُم ناجِ جِلَّقَ وَاِنشُد رَسمَ مَن بانوا / مَشَت عَلى الرَسمِ أَحداثٌ وَأَزمانُ
هَذا الأَديمُ كِتابٌ لا كِفاءَ لَهُ / رَثُّ الصَحائِفِ باقٍ مِنهُ عُنوانُ
الدينُ وَالوَحيُ وَالأَخلاقُ طائِفَةٌ / مِنهُ وَسائِرُهُ دُنيا وَبُهتانُ
ما فيهِ إِن قُلِّبَت يَوماً جَواهِرُهُ / إِلّا قَرائِحُ مِن رادٍ وَأَذهانُ
بَنو أُمَيَّةَ لِلأَنباءِ ما فَتَحوا / وَلِلأَحاديثِ ما سادوا وَما دانوا
كانوا مُلوكاً سَريرُ الشَرقِ تَحتَهُمُ / فَهَل سَأَلتَ سَريرَ الغَربِ ما كانوا
عالينَ كَالشَمسِ في أَطرافِ دَولَتِها / في كُلِّ ناحِيَةٍ مُلكٌ وَسُلطانُ
يا وَيحَ قَلبِيَ مَهما اِنتابَ أَرسُمَهُم / سَرى بِهِ الهَمُّ أَو عادَتهُ أَشجانُ
بِالأَمسِ قُمتُ عَلى الزَهراءِ أَندُبُهُم / وَاليَومَ دَمعي عَلى الفَيحاءِ هَتّانُ
في الأَرضِ مِنهُم سَماواتٌ وَأَلوِيَةٌ / وَنَيِّراتٌ وَأَنواءٌ وَعُقبانُ
مَعادِنُ العِزِّ قَد مالَ الرَغامُ بِهِم / لَو هانَ في تُربِهِ الإِبريزُ ما هانوا
لَولا دِمَشقُ لَما كانَت طُلَيطِلَةٌ / وَلا زَهَت بِبَني العَبّاسِ بَغدانُ
مَرَرتُ بِالمَسجِدِ المَحزونِ أَسأَلَهُ / هَل في المُصَلّى أَوِ المِحرابِ مَروانُ
تَغَيَّرَ المَسجِدُ المَحزونُ وَاِختَلَفَت / عَلى المَنابِرِ أَحرارٌ وَعِبدانُ
فَلا الأَذانُ أَذانٌ في مَنارَتِهِ / إِذا تَعالى وَلا الآذانُ آذانُ
آمَنتُ بِاللَهِ وَاِستَثنَيتُ جَنَّتَهُ / دِمَشقُ روحٌ وَجَنّاتٌ وَرَيحانُ
قالَ الرِفاقُ وَقَد هَبَّت خَمائِلُها / الأَرضُ دارٌ لَها الفَيحاءُ بُستانُ
جَرى وَصَفَّقَ يَلقانا بِها بَرَدى / كَما تَلقاكَ دونَ الخُلدِ رَضوانُ
دَخَلتُها وَحَواشيها زُمُرُّدَةٌ / وَالشَمسُ فَوقَ لُجَينِ الماءِ عِقيانُ
وَالحورُ في دُمَّرَ أَو حَولَ هامَتِها / حورٌ كَواشِفُ عَن ساقٍ وَوِلدانُ
وَرَبوَةُ الوادِ في جِلبابِ راقِصَةٍ / الساقُ كاسِيَةٌ وَالنَحرُ عُريانُ
وَالطَيرُ تَصدَحُ مِن خَلفِ العُيونِ بِها / وَلِلعُيونِ كَما لِلطَيرِ أَلحانُ
وَأَقبَلَت بِالنَباتِ الأَرضُ مُختَلِفاً / أَفوافُهُ فَهوَ أَصباغٌ وَأَلوانُ
وَقَد صَفا بَرَدى لِلريحِ فَاِبتَدَرَت / لَدى سُتورٍ حَواشيهُنَّ أَفنانُ
ثُمَّ اِنثَنَت لَم يَزَل عَنها البَلالُ وَلا / جَفَّت مِنَ الماءِ أَذيالٌ وَأَردانُ
خَلَّفتُ لُبنانَ جَنّاتِ النَعيمِ وَما / نُبِّئتُ أَنَّ طَريقَ الخُلدِ لُبنانُ
حَتّى اِنحَدَرتُ إِلى فَيحاءَ وارِفَةٍ / فيها النَدى وَبِها طَيٌّ وَشَيبانُ
نَزَلتُ فيها بِفِتيانٍ جَحاجِحَةٍ / آباؤُهُم في شَبابِ الدَهرِ غَسّانُ
بيضُ الأَسِرَّةِ باقٍ فيهُمُ صَيَدٌ / مِن عَبدِ شَمسٍ وَإِن لَم تَبقَ تيجانُ
يا فِتيَةَ الشامِ شُكراً لا اِنقِضاءَ لَهُ / لَو أَنَّ إِحسانَكُم يَجزيهِ شُكرانُ
ما فَوقَ راحاتِكُم يَومَ السَماحِ يَدٌ / وَلا كَأَوطانِكُم في البِشرِ أَوطانُ
خَميلَةُ اللَهِ وَشَّتها يَداهُ لَكُم / فَهَل لَها قَيِّمٌ مِنكُم وَجَنّانُ
شيدوا لَها المُلكَ وَاِبنوا رُكنَ دَولَتِها / فَالمُلكُ غَرسٌ وَتَجديدٌ وَبُنيانُ
لَو يُرجَعُ الدَهرُ مَفقوداً لَهُ خَطَرٌ / لَآبَ بِالواحِدِ المَبكِيِّ ثَكلانُ
المُلكُ أَن تَعمَلوا ما اِستَطَعتُمو عَمَلاً / وَأَن يَبينَ عَلى الأَعمالِ إِتقانُ
المُلكُ أَن تُخرَجَ الأَموالُ ناشِطَةً / لِمَطلَبٍ فيهِ إِصلاحٌ وَعُمرانُ
المُلكُ تَحتَ لِسانٍ حَولَهُ أَدَبٌ / وَتَحتَ عَقلٍ عَلى جَنبَيهِ عِرفانُ
المُلكُ أَن تَتَلافَوا في هَوى وَطَنٍ / تَفَرَّقَت فيهِ أَجناسٌ وَأَديانُ
نَصيحَةٌ مِلؤُها الإِخلاصُ صادِقَةٌ / وَالنُصحُ خالِصُهُ دينٌ وَإيمانُ
وَالشِعرُ ما لَم يَكُن ذِكرى وَعاطِفَةً / أَو حِكمَةً فَهوَ تَقطيعٌ وَأَوزانُ
وَنَحنُ في الشَرقِ وَالفُصحى بَنو رَحِمٍ / وَنَحنُ في الجُرحِ وَالآلامِ إِخوانُ
يا نائِحَ الطَلحِ أَشباهٌ عَوادينا
يا نائِحَ الطَلحِ أَشباهٌ عَوادينا / نَشجى لِواديكَ أَم نَأسى لِوادينا
ماذا تَقُصُّ عَلَينا غَيرَ أَنَّ يَداً / قَصَّت جَناحَكَ جالَت في حَواشينا
رَمى بِنا البَينُ أَيكاً غَيرَ سامِرِنا / أَخا الغَريبِ وَظِلّاً غَيرَ نادينا
كُلٌّ رَمَتهُ النَوى ريشَ الفِراقُ لَنا / سَهماً وَسُلَّ عَلَيكَ البَينُ سِكّينا
إِذا دَعا الشَوقُ لَم نَبرَح بِمُنصَدِعٍ / مِنَ الجَناحَينِ عَيٍّ لا يُلَبّينا
فَإِن يَكُ الجِنسُ يا اِبنَ الطَلحِ فَرَّقَنا / إِنَّ المَصائِبَ يَجمَعنَ المُصابينا
لَم تَألُ ماءَكَ تَحناناً وَلا ظَمَأً / وَلا اِدِّكاراً وَلا شَجوا أَفانينا
تَجُرُّ مِن فَنَنٍ ساقاً إِلى فَنَنٍ / وَتَسحَبُ الذَيلَ تَرتادُ المُؤاسينا
أُساةُ جِسمِكَ شَتّى حينَ تَطلُبُهُم / فَمَن لِروحِكَ بِالنُطسِ المُداوينا
آها لَنا نازِحي أَيكٍ بِأَندَلُسٍ / وَإِن حَلَلنا رَفيقاً مِن رَوابينا
رَسمٌ وَقَفنا عَلى رَسمِ الوَفاءِ لَهُ / نَجيشُ بِالدَمعِ وَالإِجلالِ يَثنينا
لِفِتيَةٍ لا تَنالُ الأَرضُ أَدمُعَهُم / وَلا مَفارِقَهُم إِلّا مُصَلّينا
لَو لَم يَسودوا بِدينٍ فيهِ مَنبَهَةٌ / لِلناسِ كانَت لَهُم أَخلاقُهُم دينا
لَم نَسرِ مِن حَرَمٍ إِلّا إِلى حَرَمٍ / كَالخَمرِ مِن بابِلٍ سارَت لِدارينا
لَمّا نَبا الخُلدُ نابَت عَنهُ نُسخَتُهُ / تَماثُلَ الوَردِ خِيرِيّاً وَنَسرينا
نَسقي ثَراهُم ثَناءً كُلَّما نُثِرَت / دُموعُنا نُظِمَت مِنها مَراثينا
كادَت عُيونُ قَوافينا تُحَرِّكُهُ / وَكِدنَ يوقِظنَ في التُربِ السَلاطينا
لَكِنَّ مِصرَ وَإِن أَغضَت عَلى مِقَةٍ / عَينٌ مِنَ الخُلدِ بِالكافورِ تَسقينا
عَلى جَوانِبِها رَفَّت تَمائِمُنا / وَحَولَ حافاتِها قامَت رَواقينا
مَلاعِبٌ مَرِحَت فيها مَآرِبُنا / وَأَربُعٌ أَنِسَت فيها أَمانينا
وَمَطلَعٌ لِسُعودٍ مِن أَواخِرِنا / وَمَغرِبٌ لِجُدودٍ مِن أَوالينا
بِنّا فَلَم نَخلُ مِن رَوحٍ يُراوِحُنا / مِن بَرِّ مِصرَ وَرَيحانٍ يُغادينا
كَأُمِّ موسى عَلى اِسمِ اللَهِ تَكفُلُنا / وَبِاِسمِهِ ذَهَبَت في اليَمِّ تُلقينا
وَمِصرُ كَالكَرمِ ذي الإِحسانِ فاكِهَةٌ / لِحاضِرينَ وَأَكوابٌ لِبادينا
يا سارِيَ البَرقِ يَرمي عَن جَوانِحِنا / بَعدَ الهُدوءِ وَيَهمي عَن مَآقينا
لَمّا تَرَقرَقَ في دَمعِ السَماءِ دَماً / هاجَ البُكا فَخَضَبنا الأَرضَ باكينا
اللَيلُ يَشهَدُ لَم نَهتِك دَياجِيَهُ / عَلى نِيامٍ وَلَم نَهتِف بِسالينا
وَالنَجمُ لَم يَرَنا إِلّا عَلى قَدَمٍ / قِيامَ لَيلِ الهَوى لِلعَهدِ راعينا
كَزَفرَةٍ في سَماءِ اللَيلِ حائِرَةٍ / مِمّا نُرَدِّدُ فيهِ حينَ يُضوينا
بِاللَهِ إِن جُبتَ ظَلماءَ العُبابِ عَلى / نَجائِبِ النورِ مَحدُوّاً بِجرينا
تَرُدُّ عَنكَ يَداهُ كُلَّ عادِيَةٍ / إِنساً يَعِثنَ فَساداً أَو شَياطينا
حَتّى حَوَتكَ سَماءُ النيلِ عالِيَةٍ / عَلى الغُيوثِ وَإِن كانَت مَيامينا
وَأَحرَزَتكَ شُفوفُ اللازَوَردِ عَلى / وَشيِ الزَبَرجَدِ مِن أَفوافِ وادينا
وَحازَكَ الريفُ أَرجاءً مُؤَرَّجَةً / رَبَت خَمائِلَ وَاِهتَزَّت بَساتينا
فَقِف إِلى النيلِ وَاِهتُف في خَمائِلِهِ / وَاِنزِل كَما نَزَلَ الطَلُّ الرَياحينا
وَآسِ ما باتَ يَذوي مِن مَنازِلِنا / بِالحادِثاتِ وَيَضوى مِن مَغانينا
وَيا مُعَطِّرَةَ الوادي سَرَت سَحَراً / فَطابَ كُلُّ طُروحٍ مِن مَرامينا
ذَكِيَّةُ الذَيلِ لَو خِلنا غِلالَتَها / قَميصَ يوسُفَ لَم نُحسَب مُغالينا
جَشِمتِ شَوكَ السُرى حَتّى أَتَيتِ لَنا / بِالوَردِ كُتباً وَبِالرَيّا عَناوينا
فَلَو جَزَيناكِ بِالأَرواحِ غالِيَةً / عَن طيبِ مَسراكِ لَم تَنهَض جَوازينا
هَل مِن ذُيولِكِ مَسكِيٌّ نُحَمِّلُهُ / غَرائِبَ الشَوقِ وَشياً مِن أَمالينا
إِلى الَّذينَ وَجَدنا وُدَّ غَيرِهِمُ / دُنيا وَوُدَّهُمو الصافي هُوَ الدينا
يا مَن نَغارُ عَلَيهِم مِن ضَمائِرِنا / وَمِن مَصونِ هَواهُم في تَناجينا
غابَ الحَنينُ إِلَيكُم في خَواطِرِنا / عَنِ الدَلالِ عَلَيكُم في أَمانينا
جِئنا إِلى الصَبرِ نَدعوهُ كَعادَتِنا / في النائِباتِ فَلَم يَأخُذ بِأَيدينا
وَما غُلِبنا عَلى دَمعٍ وَلا جَلَدٍ / حَتّى أَتَتنا نَواكُم مِن صَياصينا
وَنابِغي كَأَنَّ الحَشرَ آخِرُهُ / تُميتُنا فيهِ ذِكراكُم وَتُحيينا
نَطوي دُجاهُ بِجُرحٍ مِن فُراقِكُمو / يَكادُ في غَلَسِ الأَسحارِ يَطوينا
إِذا رَسا النَجمُ لَم تَرقَأ مَحاجِرُنا / حَتّى يَزولَ وَلَم تَهدَأ تَراقينا
بِتنا نُقاسي الدَواهي مِن كَواكِبِهِ / حَتّى قَعَدنا بِها حَسرى تُقاسينا
يَبدو النَهارُ فَيَخفيهِ تَجَلُّدُنا / لِلشامِتينَ وَيَأسوهُ تَأَسّينا
سَقياً لِعَهدٍ كَأَكنافِ الرُبى رِفَةً / أَنّى ذَهَبنا وَأَعطافِ الصَبا لينا
إِذِ الزَمانُ بِنا غَيناءُ زاهِيَةٌ / تَرِفُّ أَوقاتُنا فيها رَياحينا
الوَصلُ صافِيَةٌ وَالعَيشُ ناغِيَةٌ / وَالسَعدُ حاشِيَةٌ وَالدَهرُ ماشينا
وَالشَمسُ تَختالُ في العِقيانِ تَحسَبُها / بَلقيسَ تَرفُلُ في وَشيِ اليَمانينا
وَالنيلُ يُقبِلُ كَالدُنيا إِذا اِحتَفَلَت / لَو كانَ فيها وَفاءٌ لِلمُصافينا
وَالسَعدُ لَو دامَ وَالنُعمى لَوِ اِطَّرَدَت / وَالسَيلُ لَو عَفَّ وَالمِقدارُ لَو دينا
أَلقى عَلى الأَرضِ حَتّى رَدَّها ذَهَباً / ماءً لَمَسنا بِهِ الإِكسيرَ أَو طينا
أَعداهُ مِن يُمنِهِ التابوتُ وَاِرتَسَمَت / عَلى جَوانِبِهِ الأَنوارُ مِن سينا
لَهُ مَبالِغُ ما في الخُلقِ مِن كَرَمٍ / عَهدُ الكِرامِ وَميثاقُ الوَفِيّينا
لَم يَجرِ لِلدَهرِ إِعذارٌ وَلا عُرُسٌ / إِلّا بِأَيّامِنا أَو في لَيالينا
وَلا حَوى السَعدُ أَطغى في أَعِنَّتِهِ / مِنّا جِياداً وَلا أَرحى مَيادينا
نَحنُ اليَواقيتُ خاضَ النارَ جَوهَرُنا / وَلَم يَهُن بِيَدِ التَشتيتِ غالينا
وَلا يَحولُ لَنا صِبغٌ وَلا خُلُقٌ / إِذا تَلَوَّنَ كَالحِرباءِ شانينا
لَم تَنزِلِ الشَمسُ ميزاناً وَلا صَعَدَت / في مُلكِها الضَخمِ عَرشاً مِثلَ وادينا
أَلَم تُؤَلَّه عَلى حافاتِهِ وَرَأَت / عَلَيهِ أَبناءَها الغُرَّ المَيامينا
إِن غازَلَت شاطِئَيهِ في الضُحى لَبِسا / خَمائِلَ السُندُسِ المَوشِيَّةِ الغينا
وَباتَ كُلُّ مُجاجِ الوادِ مِن شَجَرٍ / لَوافِظَ القَزِّ بِالخيطانِ تَرمينا
وَهَذِهِ الأَرضُ مِن سَهلٍ وَمِن جَبَلٍ / قَبلَ القَياصِرِ دِنّاها فَراعينا
وَلَم يَضَع حَجَراً بانٍ عَلى حَجَرٍ / في الأَرضِ إِلّا عَلى آثارِ بانينا
كَأَنَّ أَهرامَ مِصرٍ حائِطٌ نَهَضَت / بِهِ يَدُ الدَهرِ لا بُنيانُ فانينا
إيوانُهُ الفَخمُ مِن عُليا مَقاصِرِهِ / يُفني المُلوكَ وَلا يُبقي الأَواوينا
كَأَنَّها وَرِمالاً حَولَها اِلتَطَمَت / سَفينَةٌ غَرِقَت إِلّا أَساطينا
كَأَنَّها تَحتَ لَألاءِ الضُحى ذَهَباً / كُنوزُ فِرعَونَ غَطَّينَ المَوازينا
أَرضُ الأُبُوَّةِ وَالميلادِ طَيَّبَها / مَرُّ الصِبا في ذُيولٍ مِن تَصابينا
كانَت مُحَجَّلَةٌ فيها مَواقِفُنا / غُرّاً مُسَلسَلَةَ المَجرى قَوافينا
فَآبَ مِن كُرَةِ الأَيّامِ لاعِبُنا / وَثابَ مِن سِنَةِ الأَحلامِ لاهينا
وَلَم نَدَع لِلَيالي صافِياً فَدَعَت / بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا
لَوِ اِستَطَعنا لَخُضنا الجَوَّ صاعِقَةً / وَالبَرَّ نارَ وَغىً وَالبَحرَ غِسلينا
سَعياً إِلى مِصرَ نَقضي حَقَّ ذاكِرِنا / فيها إِذا نَسِيَ الوافي وَباكينا
كَنزٌ بِحُلوانَ عِندَ اللَهِ نَطلُبُهُ / خَيرَ الوَدائِعِ مِن خَيرِ المُؤَدّينا
لَو غابَ كُلُّ عَزيزٍ عَنهُ غَيبَتَنا / لَم يَأتِهِ الشَوقُ إِلّا مِن نَواحينا
إِذا حَمَلنا لِمِصرٍ أَو لَهُ شَجَناً / لَم نَدرِ أَيُّ هَوى الأُمَّينِ شاجينا
اللَهُ في الخَلقِ مِن صَبٍّ وَمِن عاني
اللَهُ في الخَلقِ مِن صَبٍّ وَمِن عاني / تَفنى القُلوبُ وَيَبقى قَلبُكِ الجاني
صوني جَمالَكِ عَنّا إِنَّنا بَشَرٌ / مِنَ التُرابِ وَهَذا الحُسنُ روحاني
أَو فَاِبتَغي فَلَكاً تَأوينَهُ مَلَكاً / لَم يَتَّخِذ شَرَكاً في العالَمِ الفاني
يَنسابُ في النورِ مَشغوفاً بِصورَتِهِ / مُنَعَّماً في بَديعاتِ الحُلى هاني
إِذا تَبَسَّمَ أَبدى الكَونُ زينَتَهُ / وَإِن تَنَفَّسَ أَهدى طيبَ رَيحانِ
وَأَشرِقي مِن سَماءِ العِزِّ مُشرِقَةً / بِمَنظَرٍ ضاحِكِ اللَألاءِ فَتّانِ
عَسى تَكُفُّ دُموعٌ فيكِ هامِيَةٌ / لا تَطلُعُ الشَمسُ وَالأَنداءُ في آنِ
يا مَن هَجَرتُ إِلى الأَوطانِ رُؤيَتَها / فَرُحتُ أَشوَقَ مُشتاقٍ لِأَوطانِ
أَتَذكُرينَ حَنيني في الزَمانِ لَها / وَسَكبِيَ الدَمعَ مِن تَذكارِها قاني
وَغَبطِيَ الطَيرَ أَلقاهُ أَصيحُ بِهِ / لَيتَ الكَريمَ الَّذي أَعطاكِ أَعطاني
قَلبٌ بِوادي الحِمى خَلَّفتِهِ رَمِقاً
قَلبٌ بِوادي الحِمى خَلَّفتِهِ رَمِقاً / ماذا صَنَعتِ بِهِ يا ظَبيَةَ البانِ
أَحنى عَلَيكِ مِنَ الكُثبانِ فَاِتَّخِذي / عَلَيهِ مَرعاكِ مِن قاعٍ وَكُثبانِ
غَرَّبتِهِ فَوَهى جَنبي لِفُرقَتِهِ / وَحَنَّ لِلنازِحِ المَأسورِ جُثماني
لا رَدَّهُ اللَهُ مِن أَسرٍ وَمِن خَبَلٍ / إِن كانَ في رَدِّهِ صَحوي وَسُلواني
دَلَّهتِهِ بِعَزيزٍ في مَحاجِرِهِ / ماضٍ لَهُ مِن مُبينِ السِحرِ جَفنانِ
رَمى فَضَجَّت عَلى قَلبي جَوانِحُهُ / وَقُلنَ سَهمٌ فَقالَ القَلبُ سَهمانِ
يا صورَةَ الحورِ في جِلبابِ فانِيَةٍ / وَكَوكَبَ الصُبحِ في أَطافِ إِنسانِ
مُري عَصِيَّ الكَرى يَغشى مُجامَلَةً / وَسامِحي في عِناقِ الطَيفِ أَجفانِ
فَحَسبُ خَدّي مِن عَينَيَّ ما شَرِبا / فَمِثلُ ما قَد جَرى لَم تَلقَ عَينانِ
ما باتَ يُثني عَلى عَلياكَ إِنسانُ
ما باتَ يُثني عَلى عَلياكَ إِنسانُ / إِلّا وَأَنتَ لِعَينِ الدَهرِ إِنسانُ
وَما تَهَلَّلتَ إِذ وافاكَ ذو أَمَلٍ / إِلّا وَأَدهَشَهُ حُسنٌ وَإِحسانُ
لِلَّهِ ساحَتُكَ المَسعودُ قاصِدُها / فَإِنَّما ظِلُّها أَمنٌ وَإيمانُ
لَئِن تَباهى بِكَ الدينُ الحَنيفُ لَكَم / تَقَوَّمَت بِكَ لِلإِسلامِ أَركانُ
تُراقِبُ اللَهَ في مُلكٍ تُدَبِّرُهُ / فَأَنتَ في العَدلِ وَالتَقوى سُلَيمانُ
أَنجى لَكَ اللَهُ أَنجالاً يُهَيِّئُهُم / لِرِفعَةِ المُلكِ إِقبالٌ وَعِرفانُ
أَعِزَّةٌ أَينَما حَلَّت رَكائِبُهُم / لَهُم مَكانٌ كَما شاؤوا وَإِمكانُ
لَم تَثنِهِم عَن طِلابِ العِلمِ في صِغَرٍ / في عِزِّ مُلكِكَ أَوطارٌ وَأَوطانُ
تَأبى السَعادَةُ إِلّا أَن تُسايِرَهُم / لِأَنَّهُم لِمُلوكِ الأَرضِ ضيفانُ
نَجلانِ قَد بَلَغا في المَجدِ ما بَلَغا / مُعَظَّمٌ لَهُما بَينَ الوَرى شانُ
يَكفيهِما في سَبيلِ الفَخرِ أَن شَهدَت / بِفَضلِ سَبقِهِما روسٌ وَأَلمانُ
هُما هُما تَعرِفُ العَلياءُ قَدرَهُما / كِلاهُما كَلِفٌ بِالمَجدِ يَقظانُ
ما الفَرقَدانِ إِذا يَوماً هُما طَلَعا / في مَوكِبٍ بِهِما يَزهو وَيَزدانُ
يا كافِيَ الناسِ بَعدَ اللَهِ أَمرَهُمُ / النَصرُ إِلّا عَلى أَيديكَ خِذلانُ
يا مُنيلَ المَعالي وَالنَدى كَرَماً / الرِبحُ مِن عَبرِ هَذا البابِ خُسرانُ
مَولايَ هَل لِفَتى بِالبابِ مَعذِرَةٌ / فَعَقلُهُ في جَلالِ المُلكِ حَيرانُ
سَعى عَلى قَدَمِ الإِخلاصِ مُلتَمِساً / رِضاكَ فَهوَ عَلى الإِقبالِ عُنوانُ
أَرى جَنابَكَ رَوضاً لِلنَدى نَضِراً / لِأَنَّ غُصنَ رَجائي فيهِ رَيّانُ
لا زالَ مُلكُكَ بِالأَنجالِ مُبتَهِجاً / ما باتَ يُثني عَلى عَلياكَ إِنسانُ
الله في الخلق من صب ومن عانى
الله في الخلق من صب ومن عانى / تفنى القلوب ويبقى قلبك الجاني
صوني جمالك عنا إننا بشر / من التراب وهذا الحسن روحاني
أو فابتغي فلكا تأوينه ملَكا / لم يتخذ شركا في العالم الفاني
السرّ يحرسه والذكر يؤنسه / والشهب حوليه بالمرصاد للجان
ينساب للنور مشغوفا بصورته / منعّما في بديعات الحلى هانى
إذا تبسم أبدى الكون زينته / وإن تنسم أهدى أى ريحان
وأشرفي من سماء العز مشرقة / بمنظر ضاحك اللآلاء فتان
عسى تكف دموع فيك هامية / لا تطلع الشمس والنداء في آن
يا من هجرت إلى الأوطان رؤيتها / فرحت أشوق مشتاق لأوطان
أتعهدين حنيني في الزمان لها / وسكبي الدمع من تذكارها قانى
وغبطيَ الطير آتيه أصيح به / ليت الكريم الذي أعطاك أعطاني
مُرى عصىّ الكرى يغشى مجاملة / وسامحي في عناق الطيف أجفاني
كفى خدودي من عينيّ ما شربت / فمثل ما قد جرى لم تأت عينان
لئن ضننت فما لي لا أضنّ به / على الفناء سوى آثار وجدان
ومنطق يرث التاريخ جوهره / عن الزمان وعن عباسه الثاني
يا ابن النوال وما في الملك من كرم / ومن عفاف ومن حلم وإيمان
هذى المفاخر لم تولد ولا ولدت / ولا رأى الناس شأنا كفء ذا الشان
هام الأنام وسادات الأنام بها / وحرّك العصر أعطافا كنشوان
ربَّ الصعيد ورب الريف ثب بهما / للفرقدين وطاول شأو كيوان
سارت بمسعاتك الأخبار وانتقلت / بها الركاب وشاق القاصى الدانى
تريد مصر بما تبدى حوادثها / ليعرف الناس حلمي هل له ثاني
فيا حوادث مهلا في نصيحتنا / فما تركت لنا لبا بعرفان
وإن حلمي لتستكفي البلاد به / كالعين تمت معانيها بإنسان
لما بدا الشهر واستقبلت غرّته / لاح الهلال ولاح البدر في آن
وقمت تسطع بالأنوار في أفق / بالمسلمين وبالإسلام مزدان
كأنك البدر في غايات رفعته / لو كان للبدر كرسي وتاجان
فاهنأ مكانك واهنأ ما يلوح به / لرب يلدز من آثار إحسان
إذا الخلافة في أمصارها نهضت / رأت بمصركم روحا لأبدان
وإنها الدهرَ للإسلام مملكة / تزهو ممالكها منها بعنوان
أهدى الخليفة ما أهدى يبشرنا / أن الوداد بآساس وأركان
وإن ما تشتكي الأوطان من أود / إلى صلاح بنعماه وعمران
قصرا على اللج لولا أن مهديه / عبد الحميد لقلنا قصر نعمان
يبيت من عزة البسفور صاحبه / على مكان من الدنيا وإمكان
إذا الأكارم سنوا للندى سبلا / سننت أجملها يا فرع عثمان
ودّ النجوم أبا ساسان والدهم / ومن بوالدك العالي بساسان
يظل يسجع في الإسلام شاعركم / كان أيامه أيام حسان
ويشتهى الدولة العليا معززة / من الوئام بأنصار وأعوان
وبالمعارف تعليها وتورثها / في الأرض بنيات فخر عند بنيان
ركن الخلافة ضافي الذيل مدّعم / على السلام فعش للركن يا باني
يا أقرب الناس من أمين
يا أقرب الناس من أمين / وأفقد الناس للثمين
خطبك هذا أجل خطب / فخذ له الصبر باليمين
أسليك فيه ولى فؤاد / يذوب للميت والحزين
فقم بنا نندب المعالي / فجرحها اليوم في الوتين
أمِثل فكري أبا حسين / يموت في نضرة السنين
والناس في حاجة إليه / والقطر يرجوه للشؤون
مؤمل الكل في شباب / ومرتجى الأهل والبنين
كذلك الموت كل يوم / يبدى فنونا من الجنون
فلو علمت المنون شخصا / لقلت لا عقل للمنون
وزهرتين على عود يُقِلهما
وزهرتين على عود يُقِلهما / كعاشقين أطمأنا باللقا الهاني
لما رأيتهما في راحتي ذوتا / من فوق واه من الأعواد خوان
أيقنت أن منى العشاق ما جُمعت / إلا إلى مثل خيط العنكب الفاني
لله في نصرة اليابان حكمته
لله في نصرة اليابان حكمته / لا يُسأل الله عن فعل ولا شان
رأى اليهود أقاموا المال ربَّهمو / وآل عيسى أجلّوه كديان
وقوم أحمد قد ضلوا شريعته / وضيعوا كل إسلام وإيمان
تفرّق الكل في أديانهم شيعا / وأحدثوا بدعا في كل أزمان
فقال أنصر خلقا لا إله لهم / أنا الغنيّ عن العُبّاد سبحاني
لعل إيتو وتوجو والمكاد إذا / راموا الهدى عرفوني حق عرفاني
ما تيمس اففك إلا عقرب ذهبت
ما تيمس اففك إلا عقرب ذهبت / عمياء تقذف سما ههنا وهنا
فلا تصدّق عميد الاحتلال فما / من هؤلاء ولا من هؤلاء أنا
يا ناثرا حكما في الناس بالغة
يا ناثرا حكما في الناس بالغة / وفَّيت ركن الهوى شرحا وتبيانا
لكن أثرت على العشاق عاصفة / جرت عليهم من التذكار أشجانا
إن البلابل ما تشدو يهيم بها / قلب المحب فيجرى الدمع هتّانا
يا ساكني مصر إنا لا نزال على
يا ساكني مصر إنا لا نزال على / عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا
هلا بعثتم لنا من ماء نهركم / شيئا نبل به أحشاء صادينا
كل المناهل بعد النيل آسنة / ما أبعد النيل إلا عن أمانينا
العلم والبر هذا مهرجانهما
العلم والبر هذا مهرجانهما / في ظل دار تناغى النجم أركانا
فقم إلى منبر التاريخ محتفلا / فقد تضوّع كالعودين ريحانا
واجز الجزيل من المجهود تكرمة / واجز الجزيل من الموهوب شكرانا
في محفل نظمت دار الجلال به / نظم الفرائد أفرادا وأعيانا
لما تألف عقدا قال قائله / يصوغ للمحسنين الحمد تيجانا
أثاره الحق حتى قام ممتدحا / كما أثار رسول الله حسانا
عز الشعوب بعلم تستقل به / يا ذل شعب عليه العلم قد هانا
فعلموا الناس إن رمتم فلاحهم / إن الفلاح قرين العلم مذ كانا
لا تُطر حيا ولا ميتا وإن كرما / حتى ترى لهما بالخلق إحسانا
ليس الغِنى لفتى الأقوام منبهة / إذا المكارم لم ترفع له شانا
وإن أبرك مال أنت تاركه / مال تُورِّثه قوما وأوطانا
سل الأُلى ضيع الضيعات وارثهم / هل يملكون ببطن الأرض فدانا
قل للسراة المنوفيين لا برحوا / للفضل أهلا وللخيرات عنوانا
يا أفضل الناس في الإيثار سابقة / وأحسن الناس في الإحسان بنيانا
وهبتمو هِبة للعلم ما تركت / بالبائسين ولا الأيتام حرمانا
قلدتمو المعهد المشكور عارفة / لم يألها لكم التعليم عرفانا
يد على العلم يمضى في إذاعتها / حتى تسير بها الأجيال ركبانا
بيضاء في يومه خضراء في غده / إذا هي انبسطت في الأرض أفنانا
الفن روض يمر القاطفون به
الفن روض يمر القاطفون به / والسارقون جماعات ووحدانا
أولى الرجال به في الدهر مخترع / قد زاده جدولا أو زاد ريحانا
لا تسأل الله فنا كل آونة / واسأله في فترات الدهر فنانا
يا واحد الفن في أزجى معازفه / هذا أوان الثناء العدل قد آنا
يا رب ليل سمرنا الراح فاختلفت / على بنانك للسمار ألحانا
تلك اللعيبة من عود ومن وتر / لولا بنانك لم تجعل لها شانا
قد آنست رحمة في الصدر فاتكأت / بجانب الأذن تستوحيك شيطانا
كأنها عش طير هاج آهله / من كل ناحية ينساب أشجانا
ضمتها وتواصت راحتاك بها / ضم الوليدة إشفاقا وإحسانا
تملى عليها الذي يوحى إليك به / كأن داوود والمزمار ما بانا
حركتها فأتاها الروح فاندفعت / تبكى وتضحك أوتارا وعيدانا
يا طيبها حين تحدوها بحنجرة / كخرطم النحل أرواحا وألوانا
مصرية النبر وهّابية عذبت / شدوا ونوحا وترجيعا وتحنانا
ذكّرت خلقا وراء البحر مغتربا / مآلفا وصبابات وأوطانا
غنيتهم بأغاني المهد فالتمسوا / في ملتقى القوس والأوتار لبنانا
ولو هتفت ببتهوفان ما انصرفت / لك القلوب وإن صادفت آذانا
سقيتهم من سلاف طالما دخلت / عليهم المهد أعنابا وألبانا
فن تعطل منه الشرق آونة / وكان شغل بني العباس أزمانا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025