المجموع : 8
أُلِمُّ والشوقُ أَشفَى داءه اللَّمَم
أُلِمُّ والشوقُ أَشفَى داءه اللَّمَم / لعل جرحَ النَّوى بالوصل يَلْتَئمُ
أُهاجَه وَلَعٌ يومَ النَّوى فغدَتْ / أَحشاؤُه بسَعيرِ الوَجْدِ تَضْطَرِم
فلَجَّ من شَغَفٍ بالرَّكْبِ يُزْعجه / والبينُ يَصْرعه والشوقُ يَحْتدم
يَبيت من فُرقة الأحبابِ وَلَهٍ / يُقَطِّع الليل سُهْداً والدموعُ دم
تذكَّر العهدَ دهراً كَانَ فِي دَعةٍ / وزَهْرة العمر والأيامُ تبتسم
مُتيَّم كلما جَدَّ النِّياق بِهِ / تجددتْ بالهوى أيامه القُدُم
رَعَى الإله ليالٍ كنتُ أَعْهَدها / تقادَمتْ مسرعاتٍ كلُّها حلُم
أيامَ غصنُ التصابي مُورِق نَضِر / وكأسُنا بالتَّصافي سائغٌ شَبِم
أُطارِحُ الحِبَّ صَفْوَ الودِّ مُمتزِجاً / بخالصٍ من رحيقِ الوصلِ يَنْسجم
إخال برقَ الهوى فِي غيره كذباً / وحبُّه فِي صميمِ القلب مرتسِم
أَأَكذِب اللهَ فِي غيره كَلَفي / هيهاتَ واللهِ لَيْسَ الحبُّ ينقسِم
أُشرِّف الرأسَ سَعْياً فِي مَحبَّته / إِذَا سعتْ فِي رِضى معشوقِها القَدَمُ
أيامَ ذَاكَ الحِمَى عُودِي عَلَى دَنِفٍ / تبيضُّ من حبه الهاماتُ واللِّمم
إن بَدَّل الهجرُ أحوال المُحِبِّ فلا / يَصُدُّني مَلَلٌ عنه ولا سَأم
أَوَّه من زمني أَوَّاه من سَكني / بَيْنَ الهوى والنوى أضنانيَ السَّقم
أَرانيَ الحبُّ أني فِي الهوى قبَسٌ / برأسِ أَرْعَن للعشّاقِ أَوْ عَلَم
نشرتُ شَرْعَ الهوى بَيْنَ الورى عَلَماً / فكلُّ أهلِ الهوى فِي قَبْضَتي خَدمُ
تراهمُ حولَ ناري يهتدون بِهَا / يَغْشوهُم من لَظى أشواقيَ الضَّرَمُ
بخمرتي سَكِروا من نَهْلتي شَربوا / أنا مليك الهوى والمُدَّعون همُ
سقيتُهم من غرام الحب صافيةً / فحين مَا شربوا من قهوتي هُدِموا
يَقودني صَبْوَتي والهجرُ يُزعجني / فباعِثي للهوى الأشواقُ والهمم
شددتُ رَحْل الصِّبي والشوقُ راحِلتي / فظلْتُ فِي مَهْمَه العُشّاق أقتحِم
وجَدَّ بي الهوى وَجْدي وبَرَّح بي / فإن بَرْحَ الهوى للصبِّ يَخْترم
فخطتي فِي الهوى بَيْنَ الورى مثلاً / من دونها هِممُ العشاقِ تزدحِم
أحبابَنا لو علمتم فيكمُ كَلَفي / داويتُم تَلفي فيكم بقُربكم
صبرتُ محتسِباً فيكم ومرتقِباً / وِصالَكم فمتى ذا الهجرُ ينحسِم
فراقِبوا الله فِي قتلي بكم كَلَفاً / إِن الهوى والنوى بَيْنَ الحَشا أَلَم
أَساءني الدهرُ فِي هِجْرانكم وكذا / شِعاره للأديب الحرِّ يهتضِم
يَشُنّ غارته من كل مُعضِلة / فلم تكد بمرور الدهر تنفصِم
لكنما ثقتي بالله محتسِباً / توكُّلاً وبحبلِ الله أَعتصم
وهل يضيق زمانٌ بأمري عَلَى / كرسيِّه فيصلٌ غوثُ الوَرى الحَكم
مملَّكٌ دولةُ الأقدارِ تخدمه / موفَّقٌ من رقابِ الخَلْق ينتقم
باسمه مُدِّدت الأحكامُ وانفصلت / لذاك فيصلٌ فِي الأَكوانِ يحتكمُ
قَدْ مَهَّدن دولةَ الإسلامِ دولتُه / لولاء قَدْ كادتِ الأحكامُ تنهدم
تسيل من كرمٍ مثل النسيم عَلَى / زُهْر الرياض بِهِ الأخلاق والشِّيم
فتى بِهِ جادتِ الأيامُ مكرِمة / من بعده رَحِم الأيامِ يَنْعقِم
نشأتُ فِي ظله والدهرُ مقتَبِلٌ / وَلَمْ أزل فِي غنى والدهرُ منهزِمُ
بوَبْلهِ نبتتْ أجسامُنا ونَمَتْ / أرزاقُنا فكذاك النَّبْتُ والدِّيَم
سقتْه غادِيةٌ بالجود قَدْ سُقِيتْ / أَعراقها ونَمَتْها السادةُ البُهَم
سُلالةٌ نُتِجت فِي المجد وانتشأتْ / أكارِمٌ لَمْ تزل فِي الملك تَنْتَظِم
ليوثُ مَلحَمة أقطابُ مملكةٍ / بحور أنديةٍ بالعُرف تَلْتَطِم
سماءٌ مجدهُمُ أقمارُ مطلعِها / وغُرّة فِي جبين المَكرُمات همُ
من دَوحةٍ نبتتْ بالفضل واتَّسقتْ / أَغصانُها بذُرَى العَلْيَاء ترتسِم
همُ الأئمة أعلامُ الهدى وهمُ / قَساوِرٌ أسودُ الحرب تلتحِم
لا زال ملكهمُ فِي الأرض متسعاً / وحودُهم والعُلى والمجد والكرم
نجومُ مملكةٍ تزهو السماء بهم / والأرضُ والبحر والأكوان والأمم
فكلُّهم فِي عقودِ المجد واسِطةٌ / بِمُلْكهِم تبدأ العَلْيا وتَختتِم
عُوفيتَ يَا بهجةَ الأيامِ من ألمِ
عُوفيتَ يَا بهجةَ الأيامِ من ألمِ / مَا كنت بالدهر كَانَ الدهرُ فِي سَلَمِ
إنّا من العيش فِي خَفْضٍ وَفِي دَعَةٍ / مَا دمتَ بالدهر محفوظاً من السَّقَم
لا كَدَّر اللهُ ملكاً أنت جوهرُه / مَا زلت تَكْلَؤُهُ من حادث النَّقَمِ
عِشْنا بعيشِك مغبوطين فِي سَعةٍ / أبقاك ربُّك فِي ملك وَفِي نِعم
نَفديك بالنفس والأموال قاطبةً / والخَلقِ أجمعَ من عُرْب ومن عَجَمِ
فاحفظ لنا يَا إله العرش نعمتنا / وادفعْ عظيم البَلا يَا دافع النقم
وابسط لنا نعمة نجنِي بغبطتها / من فيصلٍ باسطِ النعماءِ والكرم
وارفعْ عن الملك الميمون مل أسى / واصرِفه للخصم أَيَّاً كَانَ من أُمم
إِنّا بصحته تَحيى ورؤيته / نسلو وصحبته نعلو عن الوَصَم
وامدُد لَهُ صحةً يسعى بقوتها / فِي نفع معتصِمٍ وقَمْعِ مختصِم
واجعله يَا ربنا قيدَ الحياة لنا / بدراً بِهِ نهتدي فِي حِنْدِس الظُّلَمِ
ما عَسْعس الليلُ أَوْ شَقَّ الصباحُ لنا / باقٍ عَلَى الدهر مثل النار فِي عَلَمِ
من دارةِ العلم يبدو طالِع الحِكَمِ
من دارةِ العلم يبدو طالِع الحِكَمِ / لولاه مَا خَطَّتِ الأفلامُ بالكَلِمِ
قَدْ طار ذو العلمِ فَوْقَ النجم مرتفِعاً / وانحطّ ذو الجهلِ بالقاعاتِ والتُّخَمِ
لا يمتطي المجدَ بُطّال ولا ضَجِر / فالمجدُ بالجِدِّ لَيْسَ المجدُ فِي السَّأم
من طال بالعلم يوماً طلب مَسْكَنُه / يَا مُزنةَ العلمِ هَلاّ رَشْفَةً بفمي
يا ضيعةَ العُمر يَا للعُرب من ضَعةٍ / قَدْ هَدَّموا مَا بنى الآباء من هِمم
شادت حصونَ العُلى قِدْماً أوائلُهم / واليومَ من بعدِهم تبكي لبُعدهم
لم يبق بالأرض قاعٌ والسما حُبك / إِلاَّ بِهِ عَلَم من طودِ عِلْمِهِم
كم أيةٍ لهم فِي الفضلِ قَدْ كُتبت / فِي جبهةِ الدهرِ مثلَ النار فِي عَلَم
للهِ من سُورةٍ فِي المجد قَدْ قُرئت / للعُرب قَدْ كُتبت بالسيف والقلم
حَتَّى رأَوا فِي المَعالي لا تظيرَ لَهُم / ظنوا الأعاجمَ لا تعلو عَلَى القِمم
ناموا بعِزتهم فِي اللهو وانتبهتْ / قومٌ عزائمهُم فِي المجد لَمْ تنَم
أبدَياً لنا من غريبِ الصُّنْع مَا عَجَزتْ / عن صنعه حكمةُ اليونان من قِدَم
كم حكمةٍ من بني الإفرنج قَدْ خرجتْ / كَانَتْ عَلَى القلب لَمْ تَخْطر وَلَمْ تَرُم
قَدْ وُلدت من عوالي الفكرِ فانْتَشَأت / أبكارُ مَا طُمِثتْ فِي غابر الأمم
يَا حَسْرَتي لضياع العمر وأاسفي / كم صحتُ من غَمْرة فِي الجهل واندمي
أصبحتُ منتبِهاً والعيشُ فِي قلَقٍ / والنفسُ فِي فَرَق والقلب فِي ضَرَم
والصبحُ أَسْفر من فَوْديَّ منبثِقاً / بمحو بطُرَّته ليلاً عَلَى لِمَعي
فالمرءُ ينظر مَهْمَا عاش فِي زمنٍ / عَجائباً تترك الأفكارَ كالرِّمَمِ
ما ظنّ ذو بصرٍ أن الجماد لَهُ / نطقٌ بِهِ تَصْدَح الحِيطان بالنَّغم
حَتَّى تَرفَّع ذَاكَ التِّيلفونُ عَلَى / عرشِ الخلافةِ يشدو ناطقاً بفمِ
من عهدِ آدَم لَمْ نسمع بِهِ أبداً / كلا ولا سمعتْ أَدْناي من إِرَم
أَجزاءُ قَدْ رُكِّبت أَجْرامُ قَدْ حُمِّلت / رُوحاً من البرقِ لَمْ تنفخ بذي رَحِم
أَسلاكُه سَلَكت طُرْق الهُدى ورَقَتْ / أعلى المراتبِ بيتَ المجدِ والكرمِ
قَدْ حَلَّ مرتقِباً بالعز فِي حَرَمٍ / فامتد من حرمٍ سعياً إِلَى حرم
من مركزٍ بالعلى شِيدَتْ دَعائِمه / كم حَلَّه من عظيمِ القدر محترم
حَتَّى سما قصرَ تيمورٍ فحلَّ بِهِ / يُبدي لَهُ من بديع النُّطق مُنسجِم
قَدْ مدّ أسبابَه فِي كل مَسْطبةٍ / للسمع مسترِقاً من كل مُكتتَم
يحتا بالقصرِ مثل الصِّلِّ تحسبه / حَرْساً من الجِن وحَرْساً من الخَدم
يمشي بلا قدمٍ مشيَ العناكبِ فِي / عِيدانَ قَدْ نُصبت فِي القاع والأَكَمِ
يَرْنُو ويسمع لا عينٌ بِهَا بَصَر / كلا ولا أُذن تخشى من الصَّمم
إن كَانَ بالشرق أَوْ بالغرب من خبرٍ / يأتي بِهِ كوميض البرقِ فِي الظُّلَم
إني لأَحسُد هَذَا التَّيلفون عَلَى / مَا فاز من حضرة السلطان بالكرم
قَدْ صار من أقرب النُّدمان منزلةً / إذ حلَّ والملِكُ الميمون فِي حَرَم
يَا قائلاً ولسانُ الحالِ يُسْمِعُنِي / يَكفيك مدحُك هَذَا الشيم فاستقِمِ
امدحْ إماماً لقد عزّ الوجودُ بأنْ / يأتي مثيلاً لَهُ فِي العُرْب والعجم
قلت اقترحتَ عظيماً وانتدبتَ أخا / عجزٍ كذاك قَدْ استسمنتَ ذا ورم
لا يُحصَر المدحُ فيمن فِيهِ قَدْ حُصِرت / آياتُ مجدٍ وفضلٍ غير منقسِم
إِن جئت ممتدحاً قالت مكارمُه / أتيتَ نفسَك لَيْسَ الحصرُ من شِيمي
مدحِي لَهُ ببديع الغول مُحتقَر / كالبحرِ بالماء مستغنٍ عن الدِّيَمِ
قَدْ قَصَّرت هممُ المُدّاح عنه وَقَدْ / ضاقتْ لدى الفضل إحصائها هممي
قَدْ أُحكمت بالقضا آياتُ نشأتِه / إِذ قيل يَا فيصلٌ مَا شئتَ فاحتِكم
أَفضالُه والسَّجايا الغُرّ مشرِقة / كالشمس مسفِرةً والبدرُ فِي الظلم
ذو هيبةٍ بِنصلِ السَّعْد قَدْ قُرِنت / لو حارب الفَلك الدَّوّار منه رُمِي
عَزَّ الجِوارُ كما ذل النُّضَارُ لَهُ / فالمال مبتذَلٌ والجار فِي حَشَم
آباؤه فَخَرت كلُّ الملوك بِهِم / أَعْظِمْ بمفتخِرٍ بسمو بفَخْرِهم
هَذَا الَّذِي من عظيم الفَضل حَمَّلني / أطْوادَ لو أنها بالطُّور لَمْ يَفُم
لا زلتُ أَرسف فِي قيدِ الولا أبداً / لا فكَّ عنيَ ذَاكَ القيد من قدمي
فِي صَبْوتي بسُلوك الرِّقِّ منتظِمٌ / أستغفر الله كَيْفَ العِتقُ فِي هَرَمي
نفسُ الحياةِ حياةُ النفسِ مَشْهَدُه / والبعدُ عنديَ عنه أعظمُ النِّقَم
لا يسمح اللهُ أن أَرْمَى بسهمِ قِلىً / أقسمتُ بالله أن الرق من قِسَمي
إني تعوذت بالرحمنِ من زمن / قَدْ حَكَّم البينَ مَا بيني وبينهمِ
إن تَمَّ لي كل مَا أرجوه من أملٍ / فالشملُ بالمَلك السلطان من لَزَمي
فالفضلُ مبتدِئ فِيهِ ومختتِم / يَا حُسْنَ مبتدأِ فِيهِ ومختتم
قِفَنْ بنا وانظرِ الآسادَ فِي الأَجَمِ
قِفَنْ بنا وانظرِ الآسادَ فِي الأَجَمِ / وانزلْ برَجْلِك دونَ الروض والخِيَمِ
واربعْ بنا واقصُرِ الأقدامَ من حَذَر / فالمرءُ قَدْ يحذر الزَّلاّتِ بالقدم
وانزلْ بنا طرقاً دون الحِمى ومتى / تأمنْ فدونَك ركنَ الحيِّ فالتزِم
واقصدْ هنالك بابَ الجود مُلتزِماً / وابسُطْ يديك عَلَى أعتابِه وقُم
واسبِلْ رداءَ الحيا واشددْ يديك عَلَى / خُفوقِ قلبِك إن الحيَّ ذو حَشَمِ
وانثرْ بِهِ دُرَّ لفظٍ منك منتظِماً / فالبحرُ يقذف دراً غيرَ منتظِم
ثُمَّ التقط نثر جودٍ نظمُه ذهبٌ / من كف تيمورَ يَكْفِي عِلَّةَ العَدم
شِبْلٌ تَسَلْسل من آسادِ سلطنةٍ / عظيمُ مرتبةٍ من سادةٍ بهُمِ
قَدْ ماز بالحلمِ عن أقرانِه وكذا / حاز المكارمَ طِفلاً غير مُحتلِم
قومٌ لهم بِفنونِ الملكِ معرفةٌ / مأخوذةٌ من سطور اللَّوح والقَلم
تَوارَثوا الملكَ من آبائهم قِدَماً / فأَعظِمْ بِهِ من تُراثٍ نِيلَ من قِدَم
كم صفحةٍ بطُروس المجدِ قَدْ كتبوا / بالسيف والرمح من أعدائهم بدم
وكم وكم لهمُ من خطة شهدت / أن الملوك همُ والناس كالخدم
لقد بنَوا بسيوف الهندِ بيت عُلى / كما بنى منزلاً تيمور ذو العِظَم
تناولتْ كفُّه كفَّ السحاب فما / أَعلاهُ من منزلٍ نال السما بفم
بناه للضيفِ والملهوفِ إِن طَرَقا / كَهْفاً وكَنْفاً فلم يَسْغَب وَلَمْ يَضِم
أَكرِمْ بِهِ منزلاً تَأوِي العُفاةَ بِهِ / يبقى عَلَى الدهر عالٍ غيرَ منهدمِ
وَلَمْ يزل واكفُ الأنواءِ يُمطِره / والأرضُ تنبت بالنسرين والعَتم
تبكي السماءُ عَلَيْهَا وهْي ضاحكةٌ / فاعْجَبْ عَلَى ضاحكٍ يبكي لمبتسِم
والورد أكمامُه بالروضِ قَدْ فُتحت / بكف سَحْسيحَ يبري القلب من ألم
والطَّلحُ يبسط نحوَ الزهرِ ساعدَه / يشير بالكف أن الوردَ من خدمي
ذَاكَ البنفسجُ والرَّيجانُ بَيْنَهما / تَخاصُمٌ يَنْصِبان الوردَ للحُكُم
والجُلَّنار يقول الزهرُ يشهد لي / بأنني بارِقٌ قَدْ لاح من إِضَم
والياسَمينُ شقيقُ الوردِ يفخر من / حُسن البياضِ يقول الحسنُ من شِيَمي
والروضُ يضحك إِن قام النزاعُ بِهِ / مَا بَيْنَ منتصر فِيهِ ومنهزِم
تطاردت سَطَراً أشجارُهُ وغدتْ / معكوسةً باشتباك الأصل والقمم
من كل فاكهةٍ زوجانِ قَدْ نظِما / بسلكِ روضٍ بديعِ الحسنِ منتظِم
يَحُفّه النهرُ ثَجّاجٌ لَهُ زَجَلٌ / ينهلُّ تيارُه من بحرِه الخَضِم
والطيرُ ترجز بالألحانِ مطرِبةً / يَهيم مَا بَيْنَها الشُّحرور بالنَّغَم
يظل قلبُ الفتى بالشَّجْوِ مُنفطراً / والشيخُ فِي زهدِه يَصْبو إِلَى التُّهَمِ
وقفتُ أسأل رَكْباً بالحِمى نزلوا / والقلبُ من لاعجِ الأشواق فِي ضَرَم
يَا أَيُّهَا الركبُ هل قبلَ النزولِ لكم / من أهل هَذَا الحمى باللهِ من ذِمَمِ
خلفتْمُ مُغْرماً يَقْفُو النِّياق أَلا / تَهْدون صَبّاً بسهمِ المُشكلات رُمي
يهوَى أُهَيْلَ الحمى والحظُّ يُبعِده / والعمرُ قَدْ آن للتَّرحال والهَرم
يؤخر الرَّجْل طَوراً ثُمَّ يُقْدِمها / عَلَى السلوِّ فلم يُقْدِم وَلَمْ يخِم
قضى الحياةَ وحاجاتُ الفؤادِ لَهَا / غُلْيُ المَراجلِ لَمْ تَهْدأ وَلَمْ تَعِم
قَدْ كَانَ والرأسُ كفُّ الليل تَمسحه / فما دَرَى غيرَ كفِّ الصبح باللُّمم
قَدْ هاجَه واجِسٌ ظلتْ هَواجِسُه / تَئِطُّ من باهظِ الإحساس والندم
من لَمْ تُفدِه صروفُ الدهرِ تجربة / فلْيَرْعَ بَيْنَ المَها والشاء والنَّعَم
يا ركبُ مَهْمَا تكن بالحي ذا كَلَفٍ / فنادِه عَلَّه يُبْديك بالكَلِم
وأخبرْه مستفهِماً عني سأَنشُده / عسى يرقُّ لقلب صار كالحِمَم
قَدْ أَوْقد الحبُّ فِي سودائِه لهباً / فناله من صروف الدهرِ والِّلمَم
أقول والقلبُ مني بالحِمى وَلِهٌ / والعين مَهْمَا هَوِيتَ الحيَّ لَمْ تنم
يا منزلاً بالحمى قَدْ شِيد بالهمم / أصبحتَ فِي ذِروة العَلْياء كالعَلم
لا زلتَ فِي أفق الإسعادِ شمسَ ضُحى / تَسْقِيك واقيةُ الرحمنِ بالدِّيَمِ
بنتْك كفُّ العلى والمجدُ ساعدها / صَرْحاً مُمَرَّد للترحيبِ والكرم
فأنت يَا منزلٌ طاب النَّزِيلُ بِهِ / من حل فيك كمن قَدْ حل بالحرَم
يَأْوِيك ذو حاجةٍ عز الزمانُ بِهَا / تَشْفيه من بَهْظة الأيام والسَّقَم
أَنْعِم بِهِ منزلاً جادتْ مَوارِده / يَسْقي العِطاشَ ندى قَدْ شُجَّ من شَبِمِ
حُيِّيتَ من منزلٍ زانتْ ظفارُ بِهِ / يزهو بطَلْعته كالبدر فِي الظُّلَم
وَلَمْ تزل سُحُب وَطْفَاءٌ ماطرةٌ / تسقى حِماك بوَبْلٍ هاطِلٍ رَذِم
سقاكِ والروضَ نَهلاً قَدْ سقيت بِهِ / حَتَّى الخيام ومن بالروض من أُمم
لله من خِيَمٍ شُدَّت فَواصلُها / بعروةِ المجد شدا غير مُنفصِم
يكاد ينطح قرنَ الشمس منكبُها / كَأَنَّها سحبٌ تعلو عَلَى العُصُم
أرستْ سفينُ العلى مذ هَبَّ عاصفُها / بنهرِ أرزات حَيْثُ الجودُ كالدِّيم
فاربعْ بنا يَا أخا الحاجاتِ إِن لنا / بمنزلِ الجودِ أطواراً من النِّعَم
وادعُ الإله عظيمَ المَنِّ مبتهِلاً / أن يحفظ المنزلَ المأنوسَ من نِقَم
يظلُّ بالدهر معموراً بساكنه / بالمجد والجود لا بالضال والسَّلم
أرَّختُه مذ علا بالجو مرتفِعاً / ينمو علوّاً كمثل النار فِي العَلم
لَمْ تكتحِلْ مُقْلتي غَمْضاً وعزتِكُمْ
لَمْ تكتحِلْ مُقْلتي غَمْضاً وعزتِكُمْ / مذ جَدَّت العِيسُ وَهْناً يومَ رحلتِكُمْ
أَوحشْتُموني أَلا مُنّوا برجْعَتكم / باللهِ مَا استحسنتْ من بعدِ فُرقتِكم
عيني سواكم ولا استمتعتُ بالنظر /
ما حَرَّك الريحُ من أَوْطانِكم شَجناً / إِلاَّ بفُرقتكم قَدْ زادني شَجَنا
ولا قَضى الحسنُ من غيركم شجناً / إن كَانَ فِي الأرض شيءٌ بعدَكم حَسَنا
فإن حسنَكُم غَطَّى عَلَى نظري /
إني لَفي قلقٍ من بعد فَقْدهمُ
إني لَفي قلقٍ من بعد فَقْدهمُ / لا أملك النفسَ إِذ هامتْ بوَجْدهمُ
أَبيت فِي أرقٍ أدعو بردِّهمُ / لا أَوْحَش اللهُ من قومٍ لبُعدهم
أمسيتُ أحسد من بالغُمض يكتحلُ /
أودعتُهم مُهجتي والقلبُ منزلُهم / فكان أظلمُهم فِي الحب أَعْدلَهم
لا رَبَّح اللهُ مَنْ بالهجرِ حَمَّلهم / غابوا وألحاظُ أفكاري تُمثِّلهم
لأنهم فِي ضميرِ القلب قَدْ نزلوا /
أصبحتُ من بعدِهم أبكيهمُ شَغَفاً / والقلبُ من لاعجِ الأشواقِ قَدْ تَلَفا
أَوّاه واشِقْوتي أواه والهَفَا / ساروا وَقَدْ قَتلوني بعدَهم أَسفا
يا ليتهم أَسَروا فِي الركب من قتلوا /
قَدْ صرتُ من بعدِهم أَسعى بلا قَدَمِ / وأُمزج الدمعَ من فقدانِهم بدمِ
ما بالهم تركوني اليومَ فِي عدمِ / وخلَّفوني أَعضُّ الكفَّ من ندم
وأُكثِر النَّوحَ لما قَلَّت الحِيَلُ /
فالنفسُ خلفهمُ فِي السُّقْم هائمةٌ / وأَسهُمُ البينِ بالهجران راميةٌ
وأَلْسُن النَّوح بالويلاتِ داعيةٌ / أقول فِي إِثْرِهم والعينُ دامية
والدمعُ منهمِر منها ومنهمِل /
جازوا عليّ وَلَمْ يَخْشَوا مُعاقَبةً / وَمَا رَعوا فِي الهوى مني مُصاحَبةً
فقلت للنفسِ وَهْماً أَوْ مغالطةً / مَا عَوَّدوني أحبائي مُقاطعة
بل عَوَّدوني إذَا قاطعتُهم وَصَلوا /
قَدْ حِرتُ فِي أمرهم والجسمُ قَدْ مَرِضا / وأقبلَ الحَيْنُ يومَ البين معترِضا
فلم أجد فِي حياتي بعدَهم غَرضاً / فسِرتُ فِي إِثرهم حيرانَ مُرْتَمِضا
والعِيسُ من ظِلِّها تَحْفَى وتنتعل /
خبّ الضمائرِ طَلاّبونَ مَأْربهم
خبّ الضمائرِ طَلاّبونَ مَأْربهم / إن تَلْقَ أَعْذَتهم فِي النطق أكذبهم
فاستَفْتهِم تجد التَّزويقَ مَشْرَبَهم / أهلُ الحفيظة إِلاَّ أن تُجرِّبهم
وفي التجارب بعد الغَيِّ مَا يَزَعُ /
فما الجسومُ صُحيحات وإِنْ سَلِمَتْ / مَا لَمْ تكن فِي سماءِ المكْرُمات سَمَتْ
كيْفَ المَعاشُ لحرٍّ نفسة هُضِمت / فما الحياةُ ونفسي بعدما عَلِمت
أن الحياة كما لا يشتهي طَبَعُ /
عِز الفتى شرفٌ بالسيف يُعْلِنُهُ / ومجدُه من تُراث المجد يُحْصِنُهُ
فهو الجمالُ لمن قَدْ كَانَ يُحسنه / لَيْسَ الجمالُ لوجهٍ صَحَّ مارِنُهُ
أنفُ العزيزِ يقطع العز يُجْتَدَعُ /
فارقتُهم أَسَفاً لَمْ أَبْغِ فُرقتهم
فارقتُهم أَسَفاً لَمْ أَبْغِ فُرقتهم / لا طَوَّل اللهُ بالتفريقِ مدَتهم
من مُبْلِغٌ حيرتي إِنْ حَلَّ بلدتَهم / أني عَلَى العهد لَمْ أنقض مودتهم
يَا ليت شعرِي بذاك العهد مَا فعلوا /