المجموع : 10
لما أَشارت بعُنَّابٍ على عَنَم
لما أَشارت بعُنَّابٍ على عَنَم / نَحْوي وعَبْرَتُها ممزوجةٌ بدمِ
وأَسفرتْ فبدا من وجهها قمَرٌ / عليه من شرِها داجٍ من الظُّلَم
عانقتُها ودموعي في مدامعها / مُنْهَلَّةٌ وتلاثَمْنا فَماً بفم
كأَنَّ في ثغرها الصَّهْبَاء قد فُتِقَتْ / بماءِ وردٍ لذِيذٍ باردٍ شَبِم
حُبِّي لِوجْهك يا من رحت أَضمِرها / حُبِّي لِبَدْل النَّدَى والجُودِ والكَرِم
حَللتَ عِقْدَ المَعاني فاعتلَى الكَلِمُ
حَللتَ عِقْدَ المَعاني فاعتلَى الكَلِمُ / وأُلبِستْ حَلْيَها الآدابُ والفِهَمُ
يا مَنْ تورّد بَحْراً للبَلاغةِ لَم / يَرِد مَوارِدَها عُرْبٌ ولا عَجَمُ
وافَى قريضُك معدوماً نظائِرهُ / كأنّه مِن نفيِس الدُّرِّ مُنتظِمُ
لفظٌ شَهِيٌّ ومعنىً غيرُ منحرِفٍ / عنه الصوابُ ولا بادٍ بِهِ السَّقَمُ
كأنه أَعينُ النُّوّار غازَلَهَا / تبسُّمُ الشَّمسِ غَدْوا فهي تَبتَسِمُ
أو لفظ أغيَدَ مَعْشوقٍ لعاشِقِه / مِن بعدِ لا وهو يَبْغي وصلَه نَعَمُ
مضمّنا مُلحاً ما مِثلُها مُلَحٌ / وحامِلاً مِدَحاً يُزْهَى بِها الكَرمُ
وواصِفاً مِنْ عَذارَى نَورِ بِرْكَتِنا / ما أسلمتْه له القِيعانُ والأَكَم
وُمنبِئا عن فؤادٍ غيرِ منصرفٍ / عنِ الْوَفاءِ وَوُدٍّ ليس يُتَّهَمُ
ضمّنْتَ ألفَاظه مِنْ مُضمَراتِك ما / لم تَسْتَطِعْ حُسْنَ تضمِيناتِها الأُمَم
يَشِفُّ لَفظُك عن معناكَ فيه وهل / صَفْوُ المُدامِة في الأقداحِ ينكتِمُ
لا شكّ أنّ الّذي أخفيتَ مُضمَرَه / في أوّل النَّظْمِ من ألْفاظكَ القَلَمُ
وأنَّ ثانِي ما أضمَرْتَه قَدَحٌ / كأنّه مِن بيَاضِ الصُّبحِ ملتئِمُ
وأنّ ثالثَ ما عَمَّيْتَه شَبَحٌ / يُمحَى بِتيجانِه الأغساقُ والظُّلَمُ
وقد أجدْتَ وقد مَلَّحْتَ ممتدِحا / ومضمِراً أيهّا العلاّمة الفَهِم
لكْن أُحاجِيك ما شيءٌ له أُذُنٌ / وما له هامَةٌ تَبْدو ولا قَدَمُ
واستعِمِل الفِكَر في أُمٍّ يكون لها / نَجِلٌ وليس لها ثَدْيٌ ولا رَحِمُ
مَيْت تَحِلُّ بِلا ذَبْحٍ لآكِلها / وما جَرَى قطُّ فيها للحياة دَمُ
تنشَقُّ عن وَلَدٍ حيٍّ إذا حَمَلَتْ / ولم يُشَقَّ لها عَيْنٌ ترى وفَمُ
وما نطُوقٌ ولم يَنْطِق بجارحةٍ / إذا تنغّم فَدَّت حُسْنَه النَّغم
أَجَشُّ يُبْدي إذا دَغْدَغْتَهُ ضَحِكاً / تُصغي إليه عُقولُ الناس والهِمَمُ
نَعَمْ وما طائرٌ يسمو بأَرْبَعةٍ / وإن مَشَى حملتْه سِتّة رُسُمُ
ما زُقَّ قَطُّ ولم تَحْضُنْه والدةٌ / ولم يَزَلْ وهو للأطيار مغْتنَمُ
وما مُسفهةٌ وَرْهاء قاطِعةٌ / لكلّ أرضٍ قُطوعاً ليس تنفصم
مسحوبة الذَّيْل ما تَنْبو مصمِّمة / في كلّ طَوْدٍ بحَدٍّ ليسَ يَنْثلِمُ
تَجري وليس لها رِجْلٌ تَسيرُ بها / ولا جَناحٌ وتسْري حين تَعْتَزِم
معشوقةٌ من جميع الناس إنْ ضَعُفَتْ / منها قُواها وتُخشَى حين تَزْدَحم
وما صَدُوقٌ بلا نُطْقٍ ولا فَهَمٍ / بَرٌّ أَمينٌ مُبينٌ صامِتٌ حَكَمُ
يَقضي وليس له سَمْعٌ ولاَ بَصرٌ / وتَرْتضيه الوَرَى عَدْلاً إذا اخْتَصَموا
خُذْها فأنتَ سَنَنْتَ المُضْمَرات لنا / وأنتَ أذْكَيْتَ ما مِنهنّ يَضْطَرِم
واصبر لشَرْحِ معانِيها وإن عظُمَتْ / كما بها جاءنا تيّارُكَ العَرِمُ
فهاكَها بَبدِيع الحُسْنِ مُثقَلةً / يشكو حَرارتَها القِرْطاسُ والقَلَمُ
كأنّها في سطُور الخَطّ ماثلةً / عروس خِدْرٍ خَلُوب الدَّلِّ تَغْتَلِمُ
والله مجتهِداً في الحَلْفِ والقَسَم
والله مجتهِداً في الحَلْفِ والقَسَم / يا بن المعزِّ يميناً غيرَ متَّهَمِ
لو كان للشكر شخصٌ يستبين إلى / عَيْنَيْك في غيرِ أَلفاظٍ ونُطْق فَمِ
جعلتُه لكَ رأىَ العَيْن مُنتَصِباً / حتّى يبينَ بيانَ الصِّدق في الكَلِمِ
من أينَ أَنْسى أياديكَ الّتي سَلَفَتْ / عندي ولحميَ من أَفضالها وَدَمي
كم مِنَّةٍ لك عندي لستُ أكفُرُها / ونعمةٍ قد أنافتْ بي على النِّعَم
لولاك لم يَبْدُ شِعْري مِن كنانَتِه / ولا سَمَتْ بي أمالي ولا هِمَمي
وَلَم أَرُحْ مستقيمَ السّعد مكتفيا / أُرَدّد الطَّرْفَ في مالٍ وفي حَشَم
وكيف أَشكر إحْدَى ما منَنْتَ به / وقد رَماني نَدى كفَّيْكَ بالبَكَم
يَفْدِيك عبدُك مّما بتَّ تحذَرُه / يا أكرَم الناسِ في الأخلاق والشَّيم
بما بعينيكِ من سَقامٍ
بما بعينيكِ من سَقامٍ / وما بخدّيكِ من مدامِ
رفقاً بمن قد رمتْه جَوْراً / جفونُ عينيكِ بالسهام
لا تَحقري ذمَّةَ التصابي / إنّ ذمام الهوى ذِمامي
ما كنت أحسِبني أَبقَى بلا جَلَدٍ
ما كنت أحسِبني أَبقَى بلا جَلَدٍ / حتى سمعتُ خفيَّ السحرِ في النَّغم
من قينةٍ مَا بَرا الرحمانُ مَنِطقَها / إلاّ لِيشفي بِه المرضىَ من السَّقَم
عِندي أعاجيبُ من عِلم النجومِ فلو
عِندي أعاجيبُ من عِلم النجومِ فلو / بيّنتُها لتناهَى دونَها الكَلِمُ
لي في العلومِ وفي الإفضالِ سابقةٌ / وكلِّ مَعْلُوَةٍ مأثورةٍ قدمُ
ما بال عينِك تَقَوى كلَّما ضعفتْ
ما بال عينِك تَقَوى كلَّما ضعفتْ / وما للحظك يسطو وهو ذو سَقَمِ
وما لخدّيك قد زاد احمِرارُهما / حتى كأنّهما قد ضُرِّجا بدمِ
وما لثغرك دُرّاً غيرَ منتثِرٍ / وما للفظك درّاً غيرَ منتظِمِ
حُسْناً تحيَّر فيه الناظرون كما / تحيّرتْ فِكَر الألباب في كرمي
ما أبعد الغيثَ من تشبِيهه بِيَدي / وأقربَ الشمسَ من أن تقتَفي شيمي
ما نام يوماً فؤادي عن تنبُّهه / ولا تَلعْثَم في مجهوله فَهَمي
إذا اكتحلت بنومي استيقظت فِطَني / حتى كأني إذا ما نمتُ لم أنم
فما السيوف سوى ما أَرهفت فِطَنى / ولا الرياضُ سوى ما نَمْقتْ حِكَمي
فَجرّدوا البيض من رأيي ومن فِكَري / للضرب والتقِطوا الياقوتَ من كَلمي
كأنما الناس حولي ظُلْمة وأنا / بدرٌ وكيف يقاس البدرُ بالظُّلَم
قوم كأنّ الزمان المستقيم لهمْ / هَجا بهم نفسَه أو عابَها بِهِمِ
يا أكرمَ الناسِ كلِّ الناس في الشِّيَم
يا أكرمَ الناسِ كلِّ الناس في الشِّيَم / وأفضلَ الخَلق من عُرْب ومن عَجَمِ
بل لا أَقيسُك بالدنيا وساكنها / وهل يُقاس ضياءُ الصبح بالظُّلَمِ
ما أحسن الدهرَ إذا أصبحتَ مالكَهُ / أفديك من ملِكٍ بَرٍّ ومِن حَكَم
قد كنتَ أسَّسْتَ يا مولاي مبتدِئاً / مَرَمّتي بالغاً فيها مَدَى الكَرَمِ
ولَم تَتِمَّ فتمِّمْها فأحسَنُ ما / في المجد تتميمُ ما تُسدي من النعم
وأمرُ بتعجيلها حتّى أعيشَ وقد / أقْرَرْتَ عيني وقد بَلَّغْتَني هِمَمي
هذا الغزالُ الَّذي يَرمي بمقلتِه
هذا الغزالُ الَّذي يَرمي بمقلتِه / فما يبالي بمَن أردى من الأُممِ
رمى فلم يُخْطِ قلبي سهمُ مقلتِه / تلك الكَحيلة بالتفتير والسَّقَم
فكيف يّجْحَدُ قتلي أو يكذّبني / فيه وراحتُه مخضوبةٌ بدمي
بالله لا تطلبوه إنّه هِبَةٌ / منّي لذاك اللَّمَى واللّحظ والعَنَمِ
والله لو لم يكن في الدمع يومَ نأَوا
والله لو لم يكن في الدمع يومَ نأَوا / واشٍ علّي لكَفْكَفتُ الدموع دما
كتمت حبَّكُم عن كلّ جارحة / منّي فلم تشتكِ الأوصاب والسَّقَما
ثمّ استنمتُ إلى قلبي بسِّركُم / فكان فيه كَناسٍ كلَّ ما عَلِما
يا ربَّةَ الكِلّة الحمراءِ مُنجِدةً / إن تقتليني قتلتِ الجودَ والكرما
جودي ولو بسلام منكِ يصحبُه / من لحظك الكحل أو من كفّك العَنَما
تأزَّرَ الغصنُ دِعصا في ثيابكِ أم / تعمّم البدرُ في أزرارك الظُّلمَا
يا ليت شعري متى هام الفؤاد بها / وللمحبِّ أمانٍ كلَّما اهتُضِما
متى أقبِّلُ ذاك الوردَ منضرجاً / وأَجتني نظمَ ذاك الدرِّ منتظما
ويَجمع الجَدُّ منّا في مُلاءته / لَيثاً هَصوراً وظَبْياً تَمَّ واحتَشَما
ضَمّاً يذيب حصا الياقوتِ أيسرُه / حتى تراه على اللَّبّاتِ منسجمِا
وجَولةً عَبِثت بالَفْرش وانتثرتْ / فيها السُّموط وظلَّ الحجِلْ منقسما
فلي بكلّ مكان من مجرَّدها / أَثْرٌ يدلّ عليه أنه لثما
كأنّما رشحتْ أصداغُها سَبَجاً / وذاب كُحل مآقِيها إذا ازدَحما
فصار في خدّها مِسكا وفي فمها / لَمىً يلوح وفي لَبّاتها حُممَا