المجموع : 8
تعلّموا كيف تبني مجدَها الأممُ
تعلّموا كيف تبني مجدَها الأممُ / وكيف تمضِي إلى غاياتها الهِمَمُ
تعلّموا وخُذوا الأنباءَ صادقةً / عن كل ذي أدبٍ بالصدق يتّسمُ
أمن يقول فما ينفكُّ يكذبكم / كمن إذا قال لم يكذب له قلمُ
لكم على الدهر منّي شاعرٌ ثِقةٌ / تُقضَى الحقوق وترعى عنده الذممُ
تعلّموا يا بني الإسلامِ سيرته / وجدّدوا ما محا من رسمها القِدمُ
اللّه أكبر هل هانت ذخائره / فما لكم مُقتنىً منها ومُغتنمُ
بل أنتُم القومُ طاح المُرجفون بهم / وغالهم من ظنون السوء ما زعموا
ماذا تُريدون من ذكرى أوائلِكم / أكلُّ ما عندكم أن تُحشد الكَلِمُ
لسنا بأبنائهم إن كان ما رفعوا / من باذخ المجد يُمسِي وهو منهدمُ
إن تذكروا يوم بدرٍ فهو يذكركم / والحزنُ أيسر ما يلقاه والألمُ
سنّ السبيلَ لكم مجداً ومأثرةً / فلا يدٌ نشطت منكم ولا قدمُ
غازٍ يصول بجند من وَساوسه / وقائدٌ ماله سيف ولا عَلمُ
حيّوا الغُزاةَ قياماً وانظروا تجدوا / وفودَهم حولكم يا قوم تزدحمُ
ثم انظروا تارةَ أخرى تَروْا لهباً / في كل ناحيةٍ للحرب يضطرمُ
حيّوا الملائكةَ الأبرارَ يقدمُهُم / جبريلُ في غَمَراتِ الهولِ يقتحمُ
الأرضُ ترجف رُعباً والسماءُ بها / غيظٌ يظلّ على الكُفّار يحتدمُ
هم حاربوا اللهَ لا يَخشَوْنَ نَقمتَه / في موطنٍ تتلاقَى عنده النقمُ
مَن جانبَ الحقَّ أردته عَمايتُه / وأحزمُ الناس من بالحق يعتصمُ
الدّينُ دينُ الهدى تبدو شرائعُهُ / بِيضاً تَكشَّفُ عن أنوارها الظلمُ
ما فيه عند ذوي الألبابِ منقصةٌ / ولا به من سجايا السوء ما يصمُ
يحيي النفوسَ إذا ماتت ويرفعها / إذا تردّت بها الأخلاقُ والشِيَمُ
لا شيءَ أعظم خزياً أو أشدّ أذى / من أن يُطاعَ الهوى أو يُعبدَ الصنمُ
دينٌ تُصانُ حقوقُ العالمين به / ويستوي عنده الساداتُ والخدمُ
ضلّ الألى تركوا دُستورَهُ سفهاً / فلا الدساتيرُ أغنتهم ولا النُّظمُ
دعا النبيُّ فلبَّى من قواضبِه / بيضٌ مطاعمها المأثورةُ الخُذُمُ
حرَّى الوقائع غَرْثَى لا كِفاءَ لها / إن جدّ مُلتهِبٌ أو شدّ ملتهمُ
تَجرِي المنايا دِراكاً في مسايلها / كما جرى السَّيلُ في تيّاره العَرِمُ
قواضبُ الله ما نامت مَضاربُها / عن الجهادِ ولا أزرى بها سأمُ
يَرْمِي بها كلَّ جبارٍ ويقصمه / إن ظنَّ من سفهٍ أن ليس ينقصمُ
الجيش مُنطلِق الغاراتِ مُستبقٌ / والبأسُ محتدِمٌ والأمر مكتتمُ
الله ألّفَ بين المؤمنين فهم / في الحرب والسلم صفٌّ ليس ينقسمُ
كَرّوا سِراعاً فللأعمارِ مُصطَرعٌ / تحت العجاجِ وللأقدارِ مُصطَدمُ
مِن كلّ أغلبَ يمضي الحتف معتزِماً / إذا مضى في سبيل الله يعتزمُ
حَرّانَ يُحسَبُ إذ يرمي بمهجته / نشوانَ يزدادُ سكراً أو به لممُ
لِلحقِّ نَشوتُهُ في نفس شاربِه / وليس يشربه إلا امرؤٌ فَهِمُ
وأظلمُ النّاسِ من ظنَّ الظنونَ به / ما كلُّ ذي نشوةٍ في الناس مُتّهمُ
طال القتالُ فما للقوم إذ دَلَفوا / إلا البلاءُ وإلا الهولُ يرتكمُ
وقام بالسيفِ دون اللّيثِ صاحبهُ / يَذودُ عنه وعزّ الليثُ والأَجَمُ
ماذا يظن أبو بكرٍ بصاحبه / إنّ الرسولِ حِمىً للجيش أو حرمُ
أَمْنُ النفوسِ إذا اهتاجت مخاوفُها / والمُستغاثُ إذا ما اشتدّتِ الغُمَمُ
هل يَعظُم الخطبُ يرميه امرؤٌ دَرِبٌ / أفضى الجلالُ إليه وانتهى العِظَمُ
راع الكتائبَ واستولت مهابتُهُ / على القواضبِ تَلقاه فتحتشمُ
دعا فماجت سماءُ اللهِ وانطلقت / كتائبُ النّصرِ مِلءَ الجوّ تنتظمُ
لا هُمَّ غَوْثَكَ إنّ الحقَّ مطلبُنا / وأنت أعلمُ بالقوم الألَى ظلموا
تلك العصابة مالله إن هلكت / في الأرضِ من عابدٍ للحقّ يلتزم
جاء الغياثُ فدينُ الله مُنتصرٌ / عالي اللواءِ ودينُ الشركِ مُنهزمُ
جَنى على زعماءِ السّوءِ ما اجترحوا / وحاق بالمعشر الباغين ما اجترموا
ما الجاهليّةُ إلا نكبةٌ جَللٌ / تُردِي النفوس وخطبٌ هائلٌ عممُ
هذي مَصارِعُها تجري الدماءُ بها / وتشتكي الهُونَ في أرجائها الرِّممُ
هذا أبو الحكمِ انجابتْ عَمايتُه / لما قَضى السيفُ وهو الخصم والحكم
ماذا لَقِيتَ أبا جهلٍ وكيف ترى / آياتِ ربّك في القومِ الذين عموا
هذا القليبُ لكم في جوفه عِبرٌ / لا اللوْمُ ينفعكم فيها ولا النَّدمُ
ذوقوا العذاب أليماً في مضاجعكم / ما في المضاجع إلا النّارُ والحُمَمُ
لا تجزعوا واسمعوا ماذا يُقال لكم / فما بكم تحت أطباق الثَرى صَممُ
الشّركُ يُعوِلُ والإسلامُ مُبتسمٌ / سُبحانَ ربِّي له الآلاء والنّعمُ
يا قومنا إنّ في التاريخِ موعظةً / وإنّه للسانٌ صادقٌ وفمُ
لنا من الدم يجري في صحائفه / شيخٌ يُحدّثُنا أنّ الحياةَ دمُ
يا مُطعِمَ الجيشِ أشبعتَ السُّيوفَ دَما
يا مُطعِمَ الجيشِ أشبعتَ السُّيوفَ دَما / لولاكَ ما شَبعتْ يَوماً ولا طَعِما
أنتَ الحياةُ جَرَتْ في كلِّ مُنطَلقٍ / تَغشَى الكميَّ وتغشى الصَّارِمَ الخَذِما
تَتابع الجودُ لا بُخلٌ ولا سَأَمٌ / دِينُ المروءةِ يأبى البُخلَ والسَّأما
المسلمونَ يَدٌ للَّهِ عَامِلَةٌ / تَمضِي أصابعُها في شأنِها قُدُما
لا تشتكِي إصبعٌ من إصبعٍ وَهَنَاً / ولا تُغايِرُها إذ تَشتكِي الألما
يا سعد أدَّيتَ حقَّ اللَّهِ من ثَمَرٍ / لو كانَ من ذَهَبٍ ما زِدْتَه عِظَما
كذلك الخيرُ يُدعَى المُرءُ مُغتَنماً / إن راحَ يَنْهَبُه في القومِ مُغْتَنِما
زَادَتْكَ نَخْلُكَ يا سعدُ بن ساعدةٍ / فَضلاً وزادَتْ على أمثالِها كرما
هذا جَنَاهَا بأيدِي القومِ مُنْتَهَبٌ / واللَّهُ يكتبُ فَانْظُرْ هل تَرَى القَلَمَا
أحْصَاه يا سعدُ عَدّاً ثم ضَاعَفَهُ / فلستَ تُحْصِيهِ حَتّى تُحْصِيَ الأُمَما
ادفع عُيينةَ واردعْ جهلَ صاحِبِهِ / إنّ الحديثَ حديثُ الدّهرِ لو عَلِما
تَمْرُ المدينةِ ما فيه مُسَاوَمَةٌ / أو يَرْجِعَ السَّيْفُ عنه مُترَعاً بَشِما
طَعَامُ كلِّ فَتىً للَّهِ مُنتَدَبٍ / لا يغمدُ السَّيْف عَمَّنْ يُطعِمُ الصَّنما
مَنَعْتَهُ ونصرتَ اللَّهَ في هَمَلٍ / من عُصبةِ الشِّركِ لا يَرْضَوْنَهُ حَكَما
وَصُنْتَهُ عَلَماً للحقِّ تَحفظُهُ / لا يحفظُ العِرضَ مَن لا يحفظُ العَلَمَا
ما يَصنَعُ النَّاسُ إن ضاعتْ مَحارِمُهم / وما على الأرضِ أن لا تحمل الرِمَما
ألم تُهِبْ يوم بَدرٍ بالأُلَى نفروا / للحربِ يَصْلَونَ من نيرانِها ضَرَما
يا قومُ إنّ جُموعَ الكُفرِ حاشدةٌ / فأين يذهبُ دِينُ اللَّهِ إن هُزِما
إن لم يَبِتْ ناجياً من سوءِ ما اعْتَزَمُوا / فلا نَجَا أحدٌ منّا ولا سَلِما
يا باعِثَ القومِ شَتَّى من مَجَاثِمهم / ما بالُ عَزْمِكَ في آثارِهِم جَثَما
من حَيَّةِ السُّوءِ أَلقَيتَ السِّلاحَ على / كُرْهٍ وَرُحْتَ تُعانِي الهمَّ والسَّقَمَا
كُنتَ الحريصَ عليها وَقْعَةً جَلَلاً / لم تُبقِ للكُفرِ مِن آطامِهِ أُطُمَا
كذاكَ قالَ رسولُ اللَّهِ فابتهجتْ / مِنكَ المَشاهِدُ لم تنقِلْ لها قَدَمَا
أَعطَاكَ سَهْمَكَ يَجزِي نِيَّةً صَدَقَتْ / شَرِيعةُ اللَّهِ ما حابَى ولا ظَلَمَا
بني سُلَيمٍ أَعُدُّوا الخيلَ وَاحْتَرِسُوا
بني سُلَيمٍ أَعُدُّوا الخيلَ وَاحْتَرِسُوا / إن كانَ يَنفعُكُم كَرٌّ وإقدامُ
زيدُ بنُ حارثةٍ زيدُ بنُ حارثةٍ / خَطبٌ جليلٌ وجُرحٌ ليس يَلتامُ
هل عِندكم أنْ تغشَّتْكُم سَرِيَّتُهُ / للسَّيفِ سَيْفٌ ولِلضِرغَامِ ضِرغامُ
مَشَى إليكم فهل قَرَّتْ منازلُكُم / وَاسْتَمسكَتْ مِنكُمُ الأعناقُ والهامُ
لولا التي انطلَقَتْ تَهْدِيهِ ما عُرِفَتْ / مِنكم ومنهنَّ آياتٌ وأعلامُ
فما الجَمومُ وما ضمّتْ مَنازِلُهُ / إلا ظنونٌ خَفِيَّاتٌ وأَوهامُ
أين الأناسيُّ جَلَّ اللَّهُ هل مُسِخُوا / لمّا رَأوْكَ فَهُمْ يا زيدُ أنعامُ
ما ثَمَّ إلا الأُلَى أَدركتَهم قَنصاً / لم يُغِنهِ إذ هَوَى خَوْفٌ وإحجامُ
عُدْ بالأُسارَى وبالغنمِ التي قَسَمَتْ / لَكَ القواضِبُ إنّ الغُنْمَ أقسامُ
يا زيدُ ما حقّ مَن دَلَّتكَ إذ صَدَقتْ / أسْرٌ تَضِيقُ به ذَرعاً وإرغامُ
مَنَّ النبيُّ عليها ثم أكرمَها / في مشهدٍ كُلِّهِ مَنٌّ وإكرامُ
نَالتْ بِنِعْمَتِهِ مِن بَعلِها هِبَةٌ / زَالَتْ لها كُرَبٌ شتَّى وآلامُ
بَني سُلَيمٍ أَفي دِينِ الفُسوقِ لكم / إلا ذُنوبٌ تَغَشَّاكُمْ وآثامُ
ما أخيبَ النفسَ في الدُّنيا وأخسرَها / إن أخطأ النفسَ إيمانٌ وإسلامُ
يا للبَلاءِ أَيُعْصَى اللَّهُ ليس له / كُفؤٌ وتُعْبَدُ أوثانٌ وأصنامُ
نَبني وَتَهدِمُ أَيدي الجَهلِ دائِبَةً
نَبني وَتَهدِمُ أَيدي الجَهلِ دائِبَةً / فَمَن لَنا بِبِناءٍ غَيرِ مُنهَدِمِ
يا وَيحَ مِصرَ أَما تَنفَكُّ ثائِرَةً / لِحادِثٍ جَلَلٍ أَو نَكبَةٍ عَمَمِ
يا أُمَّةَ القبطِ وَالأَجيالُ شاهِدَةٌ / بِما لَنا وَلَكُم مِن صادِقِ الذِمَمِ
هَذي مَواقِفُنا في الدَهرِ ناطِقَةٌ / فَاِستَنبِئوها تُريحونا مِنَ التُهَمِ
إِن يَختَلِف مِنكُمو في الأمرِ مُختَلِفٌ / فَما لَنا اليَومَ غَيرُ اللَهِ مِن حَكَمِ
لا تَظلِموا الدينَ إِنَّ الدينَ يَأَمرُنا / بِما عَلِمتُم مِنَ الأَخلاقِ وَالشِيَمِ
مِنّا وَمِنكُم رِجالٌ لا حُلومَ لَهُم / وَلا يَفيئونَ لِلأَديانِ وَالحُرَمِ
أَنتُم لَنا إِخوَةٌ لا شَيءَ يُبعِدُنا / عَنكُم عَلى عَنَتِ الأَقدارِ وَالقِسَمِ
لَيسَ اللجاجُ بِمُدنٍ مِن رَغائِبِنا / وَلا الشقاقُ بِمُجدينا سِوى النَدَمِ
يا وَيحَ مِصرَ لِخُلفٍ لا رُكودَ لَهُ / إِلّا لِيَعصِفَ بِالأَقطارِ وَالأُمَمِ
مِثلُ البَراكينِ في الحالَينِ ما هَدَأَت / إِلّا لِتَقذِفَ بِالنيرانِ وَالحِمَمِ
وَلَو تَآلَفَ أَهلوها لَما بَقِيَت / مِن حاجَةٍ في ضَميرِ النيلِ وَالهَرَمِ
يا قَومِ ماذا يُفيدُ الخُلفُ فَاِتَّفقوا / وَقَوِّموا أَمرَكُم بِالحَزمِ يَستَقِمِ
صونوا العُهودَ وَكونوا أُمَّةً عَرَفَت / مَعنى الحَياةِ فَلَم تَعسِف وَلَم تَهِمِ
يا قَومِ لا تَغفَلوا إِنَّ العَدُوَّ لَهُ / عَينٌ تُراقِبُ مِنكُم زَلَّةَ القَدَمِ
قل للأُلى جعلوا الدُّستورَ مهزلةً
قل للأُلى جعلوا الدُّستورَ مهزلةً / الدّهرُ يضحكُ من دُستورِكم عجبا
شرُّ الذُّنوبِ لديكم أن يُقالَ لكم / كُفُّوا الأذى ودعوا التَّضليلَ والكَذِبا
وأضعفُ الناسِ رأياً مَن يُهيب بكم / لا تتركوا النّيلَ في أيدي العِدَى سَلَبا
الرُّشدُ إن تَتمادَوْا في غَوايتكم / والحقُّ أن تجعلوا للباطلِ الغَلبا
أنحنُ أعداءُ مصرٍ فالبقاء لكم / إذا مضى عهدُنا في مِصرَ أو ذهبا
لا تطمعوا أن يُعزَّ اللهُ دَولتَكم / وإنْ تجاوزَ أدنى شأوِها الشُّهُبا
كنتم صعاليكَ شَعبٍ جاهلٍ رَفعتْ / أهواؤُه منكمُ الأقدارَ والرُّتَبا
تأهَّبوا إنّ أمرَ اللهِ مُنتظَرٌ / وليس ينفعكم أن تأخذوا الأُهَبا
أقول للقوم إذ طاح اللَّجاجُ بهم
أقول للقوم إذ طاح اللَّجاجُ بهم / لا تطلبوا حكماً ميثاقُنا الحَكَم
أَتغضبون إذا لم يَرْضَ باطلَكم / قاضٍ من الحقِّ تَرضَى حكمه الأُمَمُ
ما الجِدُّ والهزلُ في ميثاقنا شَرَعٌ / ولا الوجودُ سواءٌ فيه والعدمُ
يا سعدُ ما راعني ما نِلْتَ من خطرٍ / وإنّما راعني أن يُعبَدَ الصَّنمُ
أفي الكِنانةِ والإسلامُ حائِطُها / للجاهليَّة من أعلامها حَرَمُ
ماذا تخافُ إذا لم تخشَ عاقبةً / لا أنتَ جانٍ ولا الدّيانُ مُنتقمُ
كُنْ كيف شِئتَ ولا تَعبأْ بِمعترضٍ / الشَّعبُ مُستسلِمٌ والأمر مُنتظِمُ
صَاحَ الحِمَى ببني الهيجاءِ فاعتَزموا
صَاحَ الحِمَى ببني الهيجاءِ فاعتَزموا / وراحَ يهتزُّ في أبطالِهِ العَلمُ
جُندٌ من الحقِّ ما في بأسِه وَهَنٌ / عند اللّقاءِ ولا في دينهِ سَقَمُ
ما جالَ إلا انْجلَتْ عن مِصرَ أبؤسُها / ولا تبلَّج إلا انْجابت الظُّلَمُ
يُغضي عن الحربِ يستقصي وسائلَها / كالموتِ يهدأ حيناً ثمّ يَقتحمُ
شرُّ الجُنودِ غداةَ الحربِ مُنْقَلَباً / مَن كان يزعُمُ أن الحقَّ يَنهزِمُ
قُلْ للكنانةِ جدَّ القومُ فانتظِري / عُقبَى الوغَى وانظري ما تصنعُ الهِممُ
مَن كان يجهلُ في البانينَ موضعَهم / فالصَّاعدون بآمالِ البلادِ هُمُ
لولا يَذودونَ قوماً عن جَوانبها / طاحت قواعدُها أو طارتِ القِمَمُ
ليت المُدَمِّرَ تنهاهُ مَعاوِلُهُ / إذ يَنثنينَ وأمضاهُنَّ مُنثَلِمُ
أشقى الرجالِ بما تُملي وساوسُه / من ظَنَّ أنّ بناءَ اللهِ يَنهدمُ
وأكثرُ النّاسِ في أَحلامِه شططاً / من كان يَطمعُ أن تُستَعْبد الأُممُ
هو الجلاءُ وإن رِيعت له فئةٌ / يَودُّ ساداتُها لو أنَّهم خَدَمُ
ما أعجبَ القومَ رأيُ اللّاعبينَ بهم / حَقٌّ ورأيُ الجلائيّينَ مُتَّهَمُ
إن يُسألوا الهُون يُعطوهُ وإن طُرِدوا / عن موطن الذُلِّ ظنّوا أنهم ظُلموا
لا يهجعون ولا يفنَى لهم صَخَبٌ / إن جفَّ مُرْتَزَقٌ أو عزَّ مُغْتَنَمُ
تُغضِي البلادُ حياءً من لجَاجَتِهم / والحُرُّ يُغضِي عنِ العوراءِ يَحتشِمُ
رُسْلُ الصَّداقةِ من صرعى رسالتهم / حقُّ البلادِ ومن قتلاهم الشَّمَمُ
راحت تُخادعُ منهم كُلَّ مُختَبِلٍ / فما تَريعُ ولا يَنْأَى بها السَّأَمُ
لو أنَهم بذلوا الدُّستورَ تكرمةً / لمن يُبشِّرُهم بالحكمِ ما ندموا
هم خاصموا مصرَ ثم استرسلوا حَنَقاً / إلى الأُلى شرعوا العُدوان فاحتكموا
بني الكنانةِ كُفّوا عن مَقاتِلها / أما لها ذِمَّةٌ فيكم ولا رَحِمُ
إنّي أرى حادثاتِ الدّهرِ تصدمُها / وما تزالُ بها الأحزابُ تصطدمُ
الخَصمُ مُسْتوفزُ العُدوانِ مُرتقِبٌ / والشَّرُّ مُتَّقِدُ البُركانِ مُضطرِمُ
حَربٌ من العارِ ما يَفْرِي الكُماةَ بها / إلا المناصبُ والأموالُ تُلتَهمُ
عُودوا إلى الحقِّ يحميه غطارفةٌ / لم يَبْقَ من دونهم للحقِّ مُعتصَمُ
لا يعرِفون سوى الإيمان منزلةً / تعلو النفوسُ بها أو تعظم القيَمُ
أئمَّةُ الرُّشدِ جاءتهم رسالتُهم / فلا عَمىً حين جاءتهم ولا صَمَمُ
أتى بها من بقايا الرُّسْلِ مُنتَدبٌ / ما في شريعتِه أن يُعبدَ الصَّنمُ
مُوفَّقُ الرأي موفورُ النُّهى يقِظٌ / ما زَلَّ قطُّ لِسانٌ منه أو قلمُ
هذا الشّهيد الذي ما انفكّ من دمِه / في جَفْنِ كلّ فتىً بالمشرقَيْنِ دَمُ
شهِدتُ يومَ عليٍّ بعدَ مصرعهِ / فازددتُ في القلبِ جرحاً ليس يَلتئِمُ
صانَ الذّمارَ وأعلى شأنَهُ عَلَماً / صِينتْ به الحُرماتُ الغُرُّ والذِّمَمُ
حقُّ البلادِ عزيزٌ فيه مُمتنِعٌ / ما يُسْتباحُ ولا يَغشاهُ مُهتضِمُ
ما للكنانةِ إلا فارسٌ بَطلٌ / يحمي اللِّواءَ وإلا صارِمٌ خَذِمُ
إنّي أرى شُهداءَ النيل ما برحوا / مِلءَ الميادين والهيجاءُ تحتدِمُ
يَرمِي فريدٌ ويُرمَى بين رُفقتهِ / والحقُّ يَعبِسُ أحياناً ويَبتسمُ
لاَهُمَّ أدرِكْ حُماةَ الحقِّ مُنتصرِاً / إنّ الكنانةَ بالأحداثِ تَزدحِمُ
تعلَّموا كيف تَبنِي مَجْدَها الأُمَمُ
تعلَّموا كيف تَبنِي مَجْدَها الأُمَمُ / وكيف تمضِي إلى غاياتِها الهِمَمُ
تعلّموا وَخُذوا الأَنباءَ صادقةً / عن كلّ ذي أدبٍ بالصِّدقِ يَتَّسِمُ
أَمَنْ يقولُ فما يَنْفَكُّ يَكذِبُكُمْ / كَمَنْ إذا قالَ لم يكذِبْ له قَلمُ
لكم على الدَّهرِ منِّي شاعِرٌ ثِقَةٌ / تُقْضَى الحُقوقُ وتُرْعَى عنده الذِّمَمُ
تعلّموا يا بني الإسلامِ سِيرَتَهُ / وجَدِّدُوا ما محا من رَسْمِها القِدَمُ
اللهُ أكبرُ هل هانت ذخائرُهُ / فما لكم مُقْتنىً منها ومُغْتَنَمُ
بل أنتمُ القومُ طاح المُرْجِفُون بهم / وغَالَهُمْ مِن ظُنونِ السُّوء ما زعموا
ماذا تُريدون من ذِكْرَى أوائِلكم / أَكُلُّ ما عِندَكم أنْ تُحْشَدَ الكَلِمُ
لسنا بأبنائِهم إن كان ما رَفَعوا / مِن باذخِ المجدِ يُمسِي وهو مُنْهَدِمُ
إن تَذْكُروا يومَ بدرٍ فهو يَذْكُركُم / والحُزنُ أيسرُ ما يَلْقاهُ والأَلَمُ
سَنَّ السَّبيلَ لكم مَجْداً ومَأثُرةً / فلا يَدٌ نَشِطَتْ مِنكم ولا قَدَمُ
غازٍ يَصولُ بِجُندٍ من وَسَاوِسِه / وقائِدٌ مَالَهُ سَيْفٌ ولا عَلمُ
حَيُّوا الغُزاةَ قياماً وانْظُروا تَجِدُوا / وُفودَهم حَوْلَكُمْ يا قومُ تَزْدَحِمُ
ثُمّ انْظروا تارةً أُخْرَى تروا لَهَباً / في كلِّ ناحيةٍ للحرب يَضْطَرمُ
حَيُّوا الملائكةَ الأبرارَ يَقدمُهم / جبريلُ في غَمَراتِ الهَوْلِ يقتحِمُ
الأرضُ تَرْجُفُ رُعْباً والسّماءُ بها / غَيْظٌ يَظَلُّ على الكُفَّارِ يَحْتَدِمُ
هُمْ حاربوا اللهَ لا يَخْشون نِقْمَتهُ / في مَوْطنٍ تَتلاقَى عنده النِّقَمُ
مَنْ جَانبَ الحقَّ أَرْدَتْهُ عَمايتُه / وأَحْزَمُ النّاسِ مَنْ بالحقِّ يعتصمُ
الدّينُ دينُ الهُدَى تبدو شرائعهُ / بِيضاً تَكَشَّفُ عن أنوارِها الظُّلَمُ
ما فيه عند ذوي الألبابِ مَنْقَصَةٌ / ولا بهِ من سجايا السُّوءِ ما يَصِمُ
يُحْيِي النُّفوسَ إذا ماتَتْ ويَرْفَعُها / إذا تردَّتْ بها الأخلاقُ والشِيَمُ
لا شْيءَ أعظمُ خِزياً أو أَشدُّ أذىً / مِن أَنْ يُطاعَ الهوَى أو يُعبَدَ الصَّنَمُ
دينٌ تُصانُ حقوقُ العالَمينَ بهِ / ويَسْتَوِي عِنده السّاداتُ والخَدَمُ
ضَلَّ الأُلىَ تركُوا دُستورَه سَفَهاً / فلا الدّساتيرُ أغنتهم ولا النُّظمُ
دعا النبيُّ فلبَّى مِن قَواضِبه / بيضٌ مَطاعِمُها المأثورةُ الخُذُمُ
حَرَّى الوقائعِ غَرْثَى لا كِفاءَ لها / إن جَدَّ مُلْتَهِبٌ أو شدَّ مُلْتَهِمُ
تجرِي المنايا دِراكاً في مَسايلها / كما جرى السّيل في تَيَّارِه العَرِمُ
قواضبُ اللهِ ما نامت مَضارِبُها / عن الجهادِ ولا أَزْرَى بها سَأمُ
يَرمي بها كلَّ جبّارٍ ويقصمه / إن ظنَّ من سَفَهٍ أن ليس يَنقصِمُ
الجيشُ مُنطلقُ الغاراتِ مُسْتَبِقٌ / والبأسُ مُحْتَدِمٌ والأمرُ مُلْتَئِمُ
اللهُ أَلَّفَ بين المؤمنين فَهُمْ / في الحربِ والسِّلمِ صَفٌّ ليس يَنْقَسِمُ
كَرُّوا سِراعاً فَلِلأَعمارِ مُصْطَرَعٌ / تَحْتَ العَجاجِ وللأقدار مُصْطَدَمُ
مَن كُلِّ أغلبَ يمضِي الحتفُ مُعْتَزِماً / إذا مَضَى في سبيلِ اللهِ يَعتزِمُ
حرّانَ يُحسب إذ يَرمِي بِمُهجتهِ / نَشوانَ يزدادُ سُكراً أو به لَممُ
للحقِّ نشوته في نفس شاربِه / وليس يشربه إلا امرؤٌ فَهِمُ
وأظلمُ الناسِ مَن ظنَّ الظُنونَ به / ما كلُّ ذِي نشوةٍ في النّاس مُتَّهَمُ
طال القتالُ فما للقومِ إذ دَلَفُوا / إلا البلاءُ وإلا الهَوْلُ يَرْتَكِمُ
وقام بالسّيفِ دُونَ اللّيثِ صاحبُه / يذود عنه وعزَّ اللّيثُ والأَجَمُ
ماذا يظنُّ أبو بكرٍ بِصاحبِه / إنّ الرّسولَ حِمىً للجيشِ أو حرمُ
أًمْنُ النُّفوسِ إذا اهتاجت مخَاوفُها / والمُسْتَغثاتُ إذا ما اشْتدّتِ الغُمَمُ
هل يَعْظُمُ الخطبُ يرميه امرؤٌ دَرِبٌ / أَفْضَى الجلالُ إليهِ وانْتَهَى العِظَمُ
رَاعَ الكتائبَ واسْتَوْلَتْ مَهابتُه / على القواضبِ تلقاهُ فَتَحْتَشِمُ
دَعَا فَماجَتْ سَماءُ اللهِ وانْطَلَقَتْ / كتائبُ النّصرِ مِلءَ الجوِّ تَنْتَظِمُ
لاهُمَّ غَوْثَكَ إن الحقَّ مَطلبُنا / وأنت أَعْلَمُ بالقوم الأُلىَ ظَلَموا
تلك العِصَابةُ ما للهِ إن هَلَكَتْ / في الأرضِ من عابدٍ للحقّ يُلتزَمُ
جاءَ الغِياثُ فدينُ اللهِ مُنتصِرٌ / عالي اللواءِ ودينُ الشِّرْكِ مُنْهَزِمُ
جَنَى على زُعماءِ السُّوءِ ما اجْتَرَحُوا / وحَاق بالمعشرِ البَاغينَ ما اجْتَرَمُوا
ما الجاهليّة إلا نكبةٌ جَللٌ / تُردِي النُّفوسَ وخطبٌ هائلٌ عَمَمُ
هذي مصارعُها تجري الدّماءُ بها / وتشتكي الهُونَ في أرجائها الرِّمَمُ
هذا أبو الحكمِ انجابت عَمايتُه / لمّا قضَى السيّفُ وهو الخصمُ والحَكَمُ
ماذا لَقيتَ أبا جهلٍ وكيف ترى / آياتِ ربِّكَ في القومِ الذين عَمُوا
هذا القليبُ لكم في جوفهِ عِبَرٌ / لا اللَّوم يَنْفَعُكم فيها ولا النَّدمُ
ذُوقوا العذابَ أليماً في مَضاجعِكم / ما في المضاجعِ إلا النّارُ والحُمَمُ
لا تَجْزَعُوا واسْمعوا ماذا يُقالُ لكم / فما بكم تحت أطباقِ الثّرى صَمَمُ
الشِّرك يُعوِلُ والإِسلامُ مُبْتَسِمٌ / سُبحانَ رَبِّي له الآلاءُ والنِّعَمُ
يا قومَنا إنّ في التّاريخِ مَوعِظةً / وإنّه لَلِسانٌ صادقٌ وفمُ
لنا من الدمِ يجري في صَحائِفه / شيخٌ يُحدِّثُنا أنّ الحياةَ دمُ