المجموع : 4
رأَيتُ طرفكَ يوم الْبَيْنِ حين هَمَى
رأَيتُ طرفكَ يوم الْبَيْنِ حين هَمَى / فالدَّمعُ ثغرٌ وتكحيلُ الجُفُونِ لَمَى
فاكفُف ملامَك عنِّي حين أَلْثُمُه / فما شككتُ بأَنِّي قد لثمتُ فَمَا
لو كان يَعلَمُ مع عِلْمِي بقسوتِه / تأَلَّم القلبِ من وَخْزِ الملاَمِ لَما
رنا إِليَّ فقال العاذلون رَنَا / وما أَقولُ رَنا لكن أَقول رَمى
رمَى فأَصمى ولو لم يَرْمِ متُّ هوىً / أَما ترونَ نُحولي في هَواهُ أَمَا
وبات يَحْمي جُفوني عَنْ طروق كرىً / ولم أَرَ الظَّبيَ منسوباً إِليه حِمى
وصاد طائرَ قلبي يوم ودَّعني / يا كعبةَ الحُسْن قد أَحْلَلْتِه حَرَما
يا كعبةً ظلَّ فيها خالُها حجراً / كم ذا أَطوفُ وكم أَلْقاه مستلما
مذ شَفّ جِسْمِيَ عن نار الغرام ضنىً / رُئِيَ الشُّعاعُ على خدَّيه مُضْطَّرما
وشفَّ كأْسُ فمٍ منه لرقته / فلاحَ فيه حُبَابُ الثَّغْرِ مُنْتظِمَا
يا كَسرةَ الجفنِ لِمْ أَسْمَوْكِ كَسْرتَه / وجيشهُ بكِ للأَرواحِ قد غَنِما
ولِمْ أَغَرْتِ على الأَرواحِ ناهِبَةً / إِن كان ذلك عن جُرْمٍ فلا جَرَما
مولاكِ فاق مِلاحَ الأَرض قاطبةً / فهْوَ الأَميرُ أَضْحَوا له حَشَما
أَقولُ والرِّيحُ قد أَعْلَتْ ذوائِبَه / أَصبحتَ فيهمْ أَميراً بل لَهُمْ عَلَمَا
شكوتُ طيفكَ في إِغبابِ زورته / لأَن مِثليَ لا يستَسْمن الوَرَمَا
ولستُ أَطلبُ منه رِفْدَةُ أَبداً / لأَن ذا الحِلْمِ لا يَسْتَرْفِد الحُلُما
لكنَّ عهداً قديماً منكَ أَذكرُه / ورُبَّما نُسي العهدُ الذي قَدُما
وزاد حُبِّي أَضعافاً مضاعفَةً / وطالما صَغُر الشيءُ الذي عَظُما
ولستُ أُنكر لا رَيْباً ولا تُهماً / من يَعْرفِ الحبَّ لا يستنكِر التُّهَما
ولست أُتبع حبِّي بالملال كما / لا يُتْبِع ابنُ عليِّ بِرَّه نَدَمَا
ذاك الأَجلُّ الذي تلْقَى منازِله / فوقَ السِّماكِ وتلْقَى جُودَه أَكَمَا
أَغْنى وأَقْنى وأَعطَى سُؤْلَ سائِله / وأَوجَد الجودَ حتى أَعْدم العَدَما
وقصَّر البحرُ عنه فهو مكتئبٌ / أَمَا تراه بكفَّيْ مَوْجِه الْتَطَما
وولَّت السُّحبُ إِذ جارته باكيةً / أَما ترى الدَّمعَ من أَجفانها انْسَجَما
ولو رأَى ابنُ أَبي سُلمى مواهِبَه / رأَى جَدَا هَرمٍ مثل اسمه هَرِما
ولو أَعار شَمَاماً من خَلائِقه / حلماً لأَصبح في عِرْنِينِه شَمَماً
ومذ رأَيت نَفاذاً في يَراعته / رأَيتُ بالرمح من أَخبارها صَمَماً
إِذا امتطى القلمَ العالي أَناملُه / جلا الطروسَ وجلَّى الظُّلمَ والظُّلمَا
قَضَى له اللهُ مُذْ أَجْرى له قَلَماً / بالسَّعْدِ مِنْه وَقَدْ أَجْرى به الْقَلَما
ذاتُ العِمادِ يمينٌ قد حَوَتْ قَلَماً / وهو العمادُ لمُلْكٍ قد حَكَى إِرَما
يُريك في الطَّرسِ وهْوَ الأُفْقُ زاهرةً / وقد يُرى منه زهرُ الرَّوضِ مُبْتَسِما
ويَرْقُم الوشيَ فيه من كتائِبه / وما سَمِعنا سِواه أَرْقَماً رَقَما
سطورُه ومعانيها وما اسْتَتَرت / هُنَّ السُّتُور وهذي خَلْفَهُنَّ دُمَى
تبرَّجَتْ وهَيَ أَبكارٌ ولا عجب / إِنَّ التخفُّر من أَبكارها ذُمِماً
فخراً لِدَهْرٍ غدا عبدُ الرحيم به / بالأَمر والنَّهْي يُبْدي الحُكْم والحِكما
أَسْمَى الوَرَى وهْوَ أَسْنَاهُمْ يداً وندى / وأَوسعُ النَّاسِ صدراً كلَّما سَئِما
وأَعْرَقُ النَّاسِ حقّاً في رِيَاستِه / وأَقدَمُ النَّاسِ في اسْتِحقاقِهَا قَدَمَا
كساكَ ربُّك نوراً من جَلالَتِه / يَلقى الحسودَ فيكسو ناظِريْهِ عَمَى
يلُوحُ في الصَّدْرِ منه البدرُ حين سَما / والغيثُ حين هَمَى والبَحْرُ حين طَمَا
يُغْضِي حياءَ ويُغْضَى من مهابته / فما يُكَلَّم إِجلالاً إِذا ابتسما
لما عَلِقْتُ بحبلْ من عِنايَتهِ / صالحْتُ دَهْري فلم أُوسع له ذَمَمَا
وحين طاله طرفي سَعْدَ طلْعَتِه / رأَيتُ طرْفي في أَفق العلاَ نَجَما
وكان قَدْماً ذَوُو الأَقدارِ لي خَدما / فصرتُ منه أَرَى الأَقدار لي خَدما
يأَيُّها الفاضلُ الصِّديق منطقُه / إِنِّي عَتيقُكَ والمقصودُ قَدْ فُهِما
أَعَدْتَ للعبدِ لما جئتَ عائِدَهُ / رُوحاً وأَهلكتَ من حُسَّاده أُمَمَا
تركتهمْ ليَ حُساداً على سَقَمِي / وكَمْ تمنَّوْا لي الأَدْواءَ والسَّقَمَا
فقلتُ ما بي إِليهم ثم قُلْتَ لهُم / لا تَسْلمُوا إِنَّ هذا العبدَ قد سَلِمَا
تفضُّلٌ منك أَعْلَى بينهم قِيمي / ومِنَّةٌ منكَ أَعْلَتْ فوقَهُم قِمَمَا
هبْلي من القول ما أُثني عيك بِه / بُخْلاً فإِنَّك قد أَهلكتَني كَرَما
شُكْرِي لِنُعْمَاك دَيْنٌ لي أَدِينُ به / والكُفْرُ عِنْدِيَ أَن أَشْكُرَ النِّعما
أَعدتْ جفونُكَ مِنكَ الجسمَ بالسَّقَم
أَعدتْ جفونُكَ مِنكَ الجسمَ بالسَّقَم / لا بل فؤادِي قد أَعْدَاهُ بالأَلَم
وإِنَّ حُمّاك من نَارٍ توقُّدُهَا / في وَجنَةٍ لك لاَ تَخْبُو من الضَّرم
جاءَ السَّقامُ إِليه يستضيءُ به / يا حسنَ خدَّيه من نارٍ على عَلَمِ
ما بال حُمّاه قد جارت على شفةٍ / ما زلت أُشْفِقُ من تقبيلِها بفمي
قد صيّرتْ أَثرَ التقبيل في فَمِه / فَصّاً لَخَاتَمِ ذاك المَبْسِم الشَبِم
خانت جُفُونيَ لما لم تَفِضْ بدَمِي
خانت جُفُونيَ لما لم تَفِضْ بدَمِي / لكن وَفَى الجِسْم لما فَاضَ بالسَّقَمِ
وما بكى الطَّرْفُ منِّي وحْدَه أَلماً / لكِنْ بكاكَ جَمِيعُ الجِسم بالأَلَمِ
سَقَمِي وموتُكَ يا همَّين في قَرَنِ / بل قُلْ إِذا شئْتَ يا سهمين في أَمَم
نعاكَ ناعِيكَ تَلْويحاً مُخَافَتَةً / وقد نَعانيَ تَصْرِيحاً إِلى الأُمَم
خَرَجْتُ خَلْفكَ مَحْمُولاً كما خَرَجُوا / بجِسمِك الطُّهْرِ محمولاً على القِمَم
يا حسرتي إِذ رآني راكباً لهُمُ / وما مَشَيْتُ على رَأْسِي وَلاَ قدَمِي
قد حُزْتُ حُزْنَك مِيراثاً فكُنتُ بِهِ / أَوْلى وأَحْرَى مِن الأَولادِ كُلِّهِم
تركتَني لشقاءٍ لسْتُ أَعْرِفُهُ / وأَنْتَ من جنَّةِ الفردوسِ في نِعَمِ
يا ساكناً بينَ جنَّاتٍ مُزَخْرَفَةٍ / بالنُّورِ إِنِّي من الأَحزانِ في الظُّلَمِ
كم قلتُ يا لَيْتَ قومِي يَعلمُون بِمَا / هُمْ يَعْلَمُونَ فَلاَ تَعْلمْ بمَا بِهم
لمْ تنس في جنَّةِ الفِرْدوسِ ذكْرَهمُ / وأَنت ما زلتَ لا تَنْسَى ذَوي الرَّحمِ
وقد حَفِظْت عليهم عادةً لَهُمُ / حاشَا لِمِثْلكَ يَنْسَى عَادَة الكَرَمِ
لَقيتَ ربَّكَ مَشْغُولاً برُؤْيَتِه / فما التفتَّ إِلى حُورٍ ولا خَدَمِ
خمساً وتِسْعِينَ تَسْعَى في عِبَادَتِه / لم تَشْكُ مِنْ مَللٍ فِيها ولاَ سَأَمِ
قد انحنى الظَّهرُ وانهدَّتْ قَوَائِمُه / من الرُّكُوع إِليه لا مِنَ الهَرَمِ
سهرت مُنْتَصِباً لله مُحْتَسِباً / ومَنْ يُرِد جنَّةَ الفردوسِ لَمْ يَنَمِ
تَرَفَّعَتْ هِمَّةٌ باتت بخالقها / وفي العبادةِ بانَتْ رِفْعَةُ الهِمَمِ
عِبَادَةٌ ملَّكَتْكَ الخُلْدَ فَهي وَمَا / مُلِّكْتَهُ مِنْهُ مَوْصُوفَانِ بالعِظَمِ
وجنَّةُ الخُلْدِ بالأَعْمَالِ تَدْخُلُها / لا بالحُظوظِ كما قَالُوا ولا القِسَمِ
من يَعْلمِ الله فيه الخَيْرَ أَسْمَعَهُ / بُشْرَى السَّعادةِ قَبْلَ الخَلْقِ في القِدمِ
ومن صَفَتْ مِنْه عَيْنٌ في الفؤادِ رأَى / ما خطَّهُ اللهُ فَوْقَ اللَّوحِ بالقَلَم
يا راحلاً وجميلُ الذِّكر يَخْلُفُه / بَقَاءُ ذِكرِك مَسلاَةٌ عَنِ العَدَمِ
إِن افتُقِدْتَ فذِكْرٌ غَيْرُ مُفْتَقَدٍ / أَوِ انهدَمْتَ فشكر غيرُ مُنْهَدم
خلَّفْتَ أُحدوثةً حَسْنَاءَ طَيِّبةً / وتِلْك إِرْثٌ ولكنْ غَيرُ مُقْتَسَمِ
بلى لقَدْ ورَّثتْنا المجدَ أَجْمعَهُ / صنائعٌ لك عند العُرْبِ والعَجَمِ
والخَلقُ تَثْنِي بما أَوْليْتَ م حَسنٍ / والخَلْقُ تشكرُ ما خوَّلتَ مِنْ نِعَمِ
ما زال برُّك فيهم ملءَ كُلِّ يَدٍ / فصار شكرُك فيهمْ مِلءَ كُلِّ فَم
تَسْعى إِليهم ببرٍّ كنت تَكْتُمُه / وكيْفَ تُكْتَمُ نيرانٌ عَلَى عَلَم
والفَضْلُ بَعْدَك شَمْلٌ غَيْرُ مُجْتَمع / والبرُّ بعدك عِقْدٌ غَيْرُ مُنْتَظِم
لم تَلْتَفِتْ قَطُّ للدُّنْيَا لتُحْرِزَها / لكن لتُحْرِزَ فيها مَغْنَمَ الكَرَمِ
كم قام غيرُك للدنيا وقد قَعَدَت / عَنْهُ وقَامَتْ لك الدنيا فَلَمْ تَقُمِ
زهداً دَعَتْكَ إِليه حِكمةٌ شَهدتِ / بأَن طبعَكَ مفطورٌ على الحِكَمِ
سقى تُرَابك رِضْوَانٌ ومَغْفِرَةٌ / إِذا سقَى التربَ هطَّالٌ من الدِّيم
فأَنت في القبر حيٌّ مُدْرِكٌ فَرحٌ / ما كلُ من ماتَ معدوداً من الرِّمَمِ
جلَّيت ظلمةَ قبرٍ أَنْتَ ساكنُه / والبدْرُ مَا زالَ يُجْلي ظُلْمَةَ العَتَمِ
لَبَّى أَنينيَ لما زُرْتُ تُرْبَتَه / كأَنَّني دَاخِلٌ مِنْها إِلى حَرَم
مَنْ لَمْ يُقَدِّم كما قدَّمْتَ من عَملٍ / فسوف يأْكل كَفَّيه من النَّدمِ
وسوفَ يَدْرِي إِذا ما الموُت أَيْقَظهُ / بأَنَّه كَانَ مِنْ دُنْيَاه في حُلُم
لا تحسَبُوا كلَّ مَيْتٍ مِثْل ميِّتنا / هيهاتَ هيهاتَ فالموتَى ذَوُو قِيَم
أَلومُ نَفْسِي على هذا العتابِ وما
أَلومُ نَفْسِي على هذا العتابِ وما / تكلَّم الحرُّ إِلاَّ وهْوَ مَكْلُومُ
لأَصْبرنَّ على ما قد مُنِيتُ به / فالدَّهرُ يومانِ محمودٌ ومذْمُومُ
وأُصْبِحَنَّ ولي نَفْسٌ بِعزَّتها / مخطومةُ وفَمٌ بِالصَّمْتِ مَخْتُومُ
لا أَسْتزيدُك فيما قد مُنِيتُ به / ولا أَسومُكَ أَمراً فيه تَغْرِيمُ
ولا أَلومُك في برٍّ تقدِّمُه / فللمَقاديرِ تحليلٌ وتَحْريمُ
فَقَدْ بَسَطْتُ لِذَاكَ الفَعْلِ مَعْذِرةً / لما تيقَّنتُ أَنَّ الرزقَ مَقْسُومُ
لكنَّها نَفْثةُ المصدور جَادَ بها / فَتى من الدّهر مَصْدُوعٌ ومَصْدُومُ
عَادَانِيَ الدّهرُ لما رَاعَه أَدَبي / وسرَّ يومٌ عظيمٌ فيه مَكْتُومُ
وما يُصادِفُ مني غَيرَ مُصْطَبِرٍ / لَهُ على النَّفس تخييرٌ وتَحْكيمُ
للْبُلْه منه مبرَّاتٌ وتكرمةٌ / وللحَمِير مسرَّاتٌ وتَنْعِيمُ
فإِنْ كَسَاهُمْ وعرَّاني فلا عَجَباً / القِرْدُ يَضْحك والضِّرغَامُ مَهْمُومُ
وربما عاشَ هذا جائعاً أَبداً / وفاز بالرِّيِّ بعد الشِبْع عُلْجُومُ
هذي أَساطيرُ قد سَطَّرتُها سَقَماً / فهل علمتم بأَن الفِكْرَ مَحْمُومُ