المجموع : 23
قاضي القضاة بيمنى حكمه القلم
قاضي القضاة بيمنى حكمه القلم / يا ساريَ القصد هذا الباب والعلم
هذا اليراع الذي تجني الفخار به / يدُ الإمام التي معروفها أمَمُ
إن آلم الحكم فقد الذاهبين فقد / وافى الهناء فزال اللبس والألمُ
ولىّ عليّ ووافى بعد مشبهه / كالسّيل أقبل لما ولّت الدّيم
لا يبعد الله أيام العلاء فما / يقضي حقوق ثناها في الأنام فمُ
ويمنع الله بالراقي لرتبته / فقد تشابهت الأخلاق والشّيمُ
معْيي المماثل في علمٍ وفيض ندًى / فالسحب باكية والبحر ملتطمُ
وكاتم الصدقات الغرّ تكرمةً / للمرء لو كانَ عرف المسك يكتتم
وافى الشآم وما خلنا الغمام إذاً / بالشام ينشأ من مصرٍ وينسجم
آهاً لمصرٍ وقد شابت لفرقته / فليس ينكر أن يعزى لها هرم
تقاسمت بعد رؤياه الأسى ودرت / أن البلاد لها مثل الورَى قِسم
وأوحش الثغر من مرأى محاسنه / فما يكاد بوجه الدهر يبتسم
ينشي وينشد فيه الثغر من أسفٍ / بيتاً تكاد له الأحشاء تضطرم
يا من يعزّ علينا أن نفارقهم / وجْداننا كل شيء بعدكم عدم
يزهو الشآم بمن فارقت طلعته / وا حرّ قلباه ممن قلبه شبم
نعم الهدى ونجوم الليل حائرة / والمجتدى وزمان المحل محتدم
أقسمت بالمرسلات السمر في يده / لقد تهيّب منها الأبيض الخدِم
وقائل أسرت مسراه قلت له / نعم المنام الذي أبصرتَ والحلم
لو لم تنم لم تحاول في العلى طرقاً / زلّت بنجم الثريَّا دونها القَدَم
كل الفصول ربيعٌ في منازله / وكل أشهرنا في بابه حرُمُ
يا واثق الظن في علياه عش أبداً / وأنت معتضدٌ بالسعد معتصم
ورُمْهُ إن طاشت الأيام أو بخلت / فالحلم والجود في ناديه مقتسم
هنالك الطود إلا أنه رجل / في كفِّه البحر إلا أنه كرم
حبر طباق المعالي فيه متضحٌ / فالمال مفترق والمجد ملتئم
وللجناس نصيب من مناقبِه / فالفضل والفصل والأحكام والحكم
ما يرفع الظن طرفاً في مكارمه / إلا وعزم الرجا بالنجح منجزم
لبشره وارتياح المكرمات به / مقدّمات عليها تنتج النعم
قالت مناقبه العليا وما أفكت / هذا التقّي النقّي الطاهر العَلم
أهلاً بمحتكم الآراء فاصلها / والقاصدون على جدواه تحتكم
كانَ الزمان لنا حرباً نخادعه / فاليوم أُلقيَ فيما بيننا السلم
وكان مغنى العلى عطلاً فقام به / ركنٌ تطوف به العليا وتستلم
يا حاكماً ما رصدنا نجم مقدمه / إلا انجلت عن ليالي قصدنا الظلم
حدوتَ لي أملاً من بعد ما عرفت / نفسي عن الناس إن ضنوا وإن كرموا
وكان منطقيَ العربيّ ممتنعاً / عن الأنام فلا عرب ولا عجم
مالي وللشعر في حيٍّ وفي زمنٍ / سيَّان فيه حسام الهند والجلم
حتَّى إذا أشرقت علياك عاطية / رأيت عقد القوافي كيف ينتظم
هدمتَ بيت الغنى مما تجود به / فاهنأ بأبيات مدحٍ ليس تنهدم
ما بعد علياك يحيي واصفٌ كَلِماً / وليت لو وسعت أوصافك الكلم
لا عطّلت منك دنيانا ولا فقدت / نسيم أنفاسك الأرواح والنسم
بكيت ليلاً بوجدي وهي تبتسم
بكيت ليلاً بوجدي وهي تبتسم / حتَّى تقايس منثور ومنتظم
دمع يجاوب مسراه تبسمها / كالروض يضحك حيث الغيث ينسجم
لا كنتَ يا قلبُ كم تصبيك غانيةٌ / يعدي أخا اللحظ من ألحاظها السقم
أحسن بها ظبية بالسفح تمنعها / أسد الكماة لها من اسمها أجم
عدمت لبيَ من وجدٍ بها وكذا / جفنيَّ فالآن لا حلمٌ ولا حلُمُ
وأغيد لم أخف فيه الذنوبَ ولا / جرى على خده من عارضٍ قلمُ
يصان حتَّى كأن الخمر ما حرمت / إلا لكيلا تحاكي ريقه الشبمُ
ما اهتزّ كالغصن في أوراق بردته / إلا تساقط من أجفانيَ الغَيم
كانت غواية قلبي في محبّته / مجهولة السّبل لا هادٍ ولا علم
يسلو الشجيّ ولفظي كله غزل / ويستفيق وقلبي حشوه ألمُ
فالحبّ عندي وإن طال الملام به / كالجود عند ابن مصري مشرع أمَم
حتَّى إذا صغت في قاضي القضاة حُلا / مدحٍ تطهر فكرٌ بارعٌ وفمُ
أندى البرية والأنواء باخلة / وأسبق الخلق والسادات تزدحم
حبر تجاوز حدّ المدح من شرفٍ / كالصبح لا غرّة تحكى ولا رئم
لكنها نفحاتٌ من مدائحه / تكاد تحيى بها في رسمها الرّمم
مجوّد الهمّ للعلياء إذ عجزت / عنها السراة وقالوا إنها قسم
تصنّعوا ليحاكوا صنع سؤدده / يا شيب كم جهد ما قد يكتم الكتم
يمضي الزمان وما خابت لديه يدٌ / سعياً إلى المجد لا زلت به قدمُ
رام الأقاصيَ حتَّى حازها ومضى / تبارك الله ماذا تبلغ الهمَمُ
لا يطرد المحل إلا صوب نائِله / ولا يجول على أفكاره الندَمُ
في كلّ يوم ينادي جود راحتهِ / هذا فتيّ الندى لا ما ادّعى هرم
يمّمْ حماه ودافع كلّ معضلةٍ / مهيبة الحرم تعلم أنه حرم
وأحسن ولاء أياديه فما سلفت / عزيمة بولاء النجم تلتزم
واسعد بمن حاطت الإسلام همته / حتَّى تغاير فيها العلم والعلَم
نعم الملاذ لمن أوْدَتْ به سنة / شهباء آثارها في عينه حُمَمُ
لو أنَّ للدّهر جزأً من محاسنهِ / لم يبق في الدهر لا ظلم ولا ظلم
قالت أياديه للقصّاد عن كثبٍ / ما أقرب المجد إلا أنها همَمُ
مما أناف به للمجد إنَّ له / عُرفاً يرى فرص الإحسان تغتنم
والمجد لا تنثني يوماً معالمه / إلا إذا راح مبنى المال ينهدمُ
وللسيادة معنًى ليس يدركه / من طالب الذكر إلا باحثٌ فهِمُ
فليت كل بخيل ينثني بطراً / فداء نعل فتى أودى به الكرم
تستشرف الأرض ما حلّت مواطنه / كأنما الوهد في آثاره أكم
لمعشرٍ هم لمن ولاهمُ نعمٌ / هنيئة ولمن عاداهمُ نقمُ
تفرق المجد في الأحياء من قدمٍ / والمجد في تغلب العلياء ملتئم
الطاعنين وحرّ الحرب ملتهب / والمطعمين وحرّ الجدب ملتهم
والشائدين على كيوانَ بيت عُلاً / تسعى النجوم بمغناه وتسْتَلم
من كلّ أروع سامٍ طرف سؤدده / أغرّ قد ناولته الراية البهمُ
مضوا وأحمد زاهي المجد مقتبل / كالروض أقبل لما ولّت الدّيم
يا مانحي منناً من بعدها مننٌ / ما شأنها منك لا عيٌّ ولا سأمُ
ومظهراً ليَ في دهر يمجمج بي / كأنما أنا حرفٌ فيه مدّغمُ
شكراً لفضلك ما غنّت مطوّقة / وما تتاوح غبّ الوابل السّلم
لله برّك ما أحلى تكتّمه / في الخلق لو كانَ عُرفُ المسك يكتتم
وافى وقد حذّر الحسّاد من حنقٍ / أن يبصروه فلما أبصروه عموا
وطالما كنت والأيام في رهجٍ / فاليوم ألقيَ فيما بيننا السّلم
وفتية أنت أحظى من رجايَ بها / يفنى الثراء وتبقى هذه الكلم
يا باغيَ المجد لا والله ما بلغت / معشار سعيك هذي العرب والعجم
وحسّدٍ خفقت أحشاؤهم حنقاً / كأنها بيد الأحزان تلطمُ
أستهكم بثناء فيك غاظهمُ / غيظ البزاذين لما عضت اللجم
أهواك للشيم اللاتي خصصت بها / إذا تخيرت الأفعال والشيم
ما زاد في قول واشٍ غير طيب ثناً / كندّ يعبق حيث الجمر يضطرم
حاشاك حاشاك أن تلقاك شائبةٌ / وأن تطرق في أفعالك التّهم
هم حدّثوني فما صدّقت ما نقلوا / وأوهموني فما حققت ما زعموا
فليهن مجدك إذ يعلو وقد سفلوا / وليهن رأيك إذ يزكوا وقد أثموا
أما الشآم فقد أغنيت قاصده / حتَّى اشتكتك الفلا والأينق الرّسم
لولاك للطائفين العاكفين به / لم يبق ركنٌ من النعمى وملتزم
خذها عروساً وبكراً بنت ليلتها / أسيلة الخدّ في عرنينها شمم
لولا أياديك ما ضمّت على أملٍ / يدٌ ولم ينفتح لي بالثناء فم
نوعاً من الشعر لا يدعى سواك له / إن المدائح كالعليا لها قيم
هوت إلى لثمه الأفواه مسرعة / كأنما كل ميم فيه مبتسم
فهنأ الله عافٍ أنت نجعته / وخائفاً بك في اللأواء يعتصم
ليشكرنّك مني الدّهرَ أربعةٌ / نفسٌ وروحٌ ولحمٌ نابتٌ ودم
رمى حشايَ ويا شوقي إلى الرامي
رمى حشايَ ويا شوقي إلى الرامي / لحظٌ برامة من ألحاظ آرام
رهنت في الحبّ نومي عند ناظره / لما اقترضت لجسمي منه أسقامي
أفدي الذي كنت عنه كاتماً شجني / حتَّى وشى نبت خدّيه بنمام
ممنّع الوصل كم حالمت من شغفٍ / عدايَ فيه وكم عاديت أحلامي
ظلمت خدّيه بالألحاظ أجرحها / وحسن خدّيه ظلاّم لظلاّم
وما لبست به من أدمعي خلعاً / إلا ووشيُ دمي فيها كأعلام
يا ليت شعري وقلبي فيه ممتحنٌ / ما ذا على عذّلي فيه ولوّامي
لا تخش من عاذلٍ قد جا يحاورني / يا سالبي في الهوى حلمي وأحلامي
وحقّ عينيك ما لي في محبتها / سمعٌ لعين ولا ذالٍ ولا لام
ولا لفكريَ من شمسٍ ومن قمر / سوى جبيني في صبحي وإظلامي
سقياً لمعهد أنسٍ كانَ يسند لي / بوجهه الطلق عن بشر ابن بسّام
حيث النسيم يجر الذّيل من طربٍ / والزهر يرقص من عجبٍ بأكمام
والنهر طرسٌ تخطّ الريح أسطره / والقطر يتبع ما خطّت بإعجام
والكأس في يد ساقيها مصوَّرة / تضيء من حول كسرى ضوء بهرام
قد أسرجت وعدت للهمّ ملجمة / فهي الكميت بإسراجٍ وإلجام
أنشى بها العيش ينمو من محاسنه / ما ليس يحصره الناشي ولا النامي
وأجتلي كأسها والشمس ما جُليت / ولا ترشف منها الشرق في جام
شهور وصلٍ كساعاتٍ قد انقرضت / بمن أحبّ وأعوامٌ كأيام
ولّت كأنيَ منها كنت في سنةٍ / ثمّ انبرت ليَ أيامٌ كأعوام
مقلقلاً بيد الأيام مضطرباً / كأنما استقسمت مني بأزلام
قد حرَّمت حالتي طيب الحياة بها / كأن طيبَ حياتي طيبُ إحرام
هي المقادير لا تنفكّ مقدمة / وللحجى خطراتٌ ذات إحجام
أما ولي حالةٌ عن مرةٍ نقلت / لأنقلنّ بها عن عزم همّام
ورُبّ شائمة عزمي ومرتحلي / إلى حمى مصر أشكو جفوة الشام
قالت وراءَك أطفالٌ فقلت لها / نعم ونعمى ابن فضل الله قدَّامي
لولا عليّ ابن فضل الله ما استبقت / سفائن العيس في لجِّ الفلا الطامي
لعاقد خنصر المدَّاح يوم ثنا / وموضح الجود فيهم بعد إبهام
ربّ السيادة في إرثٍ ومكتسبٍ / فيا لها ذات أنواعٍ وأقسام
سدْ يا عليّ بن يحيى كيف شئت فما / في فرعك المجتنى والأصل من ذام
وارفع إلى عمرٍ إسناد بيتك في / فضلٍ وفصلٍ وتقديمٍ وإقدام
بيت تسامى إلى الفاروق منصبه / فكاتبته العلى بالمنصب السامي
منظم طاب حتَّى تمّ مفخره / فكم إلى طيّب يعزى وتمّام
إسمٌ حروف المعالي فيه واضحة / وكلّ عالٍ سواكم حرف إدغام
لو طاولتكم نجوم الأفق ما بلغت / قوادم النسر منكم ترب أقدام
بأول الحال منكم أو بآخره / يراكم الله تأييداً لإسلام
إما بأرماح أقلامٍ لكم عرفت / لياقة الحدّ أو إرماح أقلام
تحمون سرى الهدى بدأً ومختتماً / وتنهضون بإنعام وإرغام
منكم عليٌّ نماه للعلى عمرٌ / فحبذا ثمرات المغرس النامي
ندبٌ سما وحمت ملكاً براعته / فداً له الناس من سامٍ ومن حام
محسّن الخلق والأخلاق تألفه / عقائل الفضل عن وجدٍ وتهيام
من أجل ما عقد المدّاح خنصرهم / عليه ميز من جلي نجا تام
لا عيب فيه سوى علياء حالته / عن صف ما شئت من عيٍّ وإفحام
تدري سرائر نجوانا عوارفه / إما بصائب فكرٍ أو بإلهام
لو أن للبحر جزأً من مكارمه / ألقى على الطرق درًّا موجه الطّامي
جارى حياه بحار الأرض يوم ندى / ويوم علم فروّى غلة الظامي
فالبحر يزبد من غيظٍ يخامره / والبرق يضحك من عجز الحيا الهامي
والعدل يغمض جفن السيف في دعةٍ / من بعد ما كانَ جفناً دمعه دامي
أما الملوك فقد أغنى ممالكها / تصميم منطقه عن حد صمصام
ذو اللفظ علّمت المصغي فصاحته / قولَ المدائح فيه ذات إحكام
فلو مزجتَ أباريق المدام به / ما رجّعت صوت فأفاءٍ وتمتام
يا فاضلاً لو رنت عين العماد له / لبات يخفق رعباً برقه الشامي
غطّى ثناك على عبد الرحيم فما / ترنو لأنجمهِ أبصار أفهام
وقد طوى نظمك الطائيّ منهزماً / لما برزت بأطراسٍ كأعلام
ليخبر الملك في يمناك عن قلمٍ / صان الأقاليم عن تخبير مستام
أشدّ من ألف في الكفّ يكرع من / نون وأمنع يوم الرّوع من لام
تغاير الوصف في يوم العطاء به / والناس ما بين مطعانٍ ومطعام
وراثة لك يا ابن السابقين علاً / في بثِّ مكرمةٍ أو حسم آلام
كأنَّ أهل العلى جسمٌ ذووك له / هامٌ وأنت يمين العين في الهام
إن كنت في الوقت قد أوفيت آخرهم / فإنك العيد وافى آخر العام
شكراً لأوقات عدلٍ قد أنمت بها / عين الرّعايا فهم في طيب أحلام
وأنجمٍ خدمت علياك فهي إذاً / نعم الجواري التي تدعى بخدَّام
أبحت يا صاحب السرّ النوال وقد / منعت ما خيف من ظلمٍ وإظلام
وأنجدتنا على الأمداح منك لُهًى / إلى الورَى ذات إنجادٍ وإتهام
خذها منظمة الأسلاك معجزة / بالجوهر الفرد فيها كلّ نظّام
مصرية بين بيوت الفضل ما عرفت / فيها نسبة جزّار وحمَّام
أنت الذي أنقذتني من يدي عدمي / آلاؤه ومحت بالبرِّ إعدامي
فعش مع الدهر لا إبرام في سبب / لما نقضت ولا نقضٌ لإبرام
ودم لحمدٍ وآلاءٍ ملأت بها / جهاتيَ الستّ من جاهٍ وإنعام
فواضل عن يميني والشمال ومن / فوقي وتحتي ومن خلفي وقدّامي
يفدي كرام الحمى منكم كرائمه
يفدي كرام الحمى منكم كرائمه / ويعبق الروض إن ولَّت كمائمه
يا آل تغلب لا يغلب تصبّركم / صرف الزمان ولا تذهب عظائمه
ليس النَّفائس ممَّا تأسفون بها / ولا التثبّت منقوض عزائمه
ولا تلوم ولو فاضت جفونكم / على المصاب الذي انْقضت حوائمه
فأكرم الدمع ما سحَّت بوادره / من الوفاء وما انْهلَّت سواجمه
إنا إلى الله من رزء براحلةٍ / بكى لها الحرم الأقصى وقادمُه
وبئر زمزم قد هاجت مدامعها / وبيت وائل قد ماجت دعائمه
إن لم تزاحم بأولاها لها نسباً / فقد غدت بمساعيها تزاحمه
قريبة كلّ عن أوصاف رتبتها / سجع الفتى وهو منشي القول ناظمه
وأوحشت صدر محراب بفقد حلاً / كأنها دمعة ممَّا تلازمه
ما خصَّ مأتم أهليها بل اتّفقت / في كلِّ بابٍ من التقوى مآتمه
فلو بكت سور القرآن من أسفٍ / لانْهلَّ جفن النسا ممَّا تكاتمه
ولو أطافت بنات النعش لابْتدرت / تنافس النَّعش فيها أو تساهمه
ولو درى القبر من وافاه لاحْتفرت / من السرور بلا كفّ معالمه
إن يغدُو روضاً فقد أرسى بجانبه / غيث الدُّموع وقد جادت غمائمه
وهبَّ من طيِّ مثواه نسيم ثناً / يودّ نشر الغوالي لو يُقاسمه
وزيد في الحورِ ذي حجبٍ ممنَّعة / يمسي ورضوان في الجنَّات خادمه
مضى لأخصب من أوطانه وقضى / فما على الدمع لو كفَّت سوائمه
هو الحمام الذي خفَّفْت قدرته / فكيفَ تنكر أمراً أنت عالمه
لا يفتأ الليل أن ترمى كواكبه / نبلاً ولا الصبح أن تنضى صوارمه
بينا الفتى رافع الآمال خافضها / إذ انْتحى من صروف الدهر حازمه
إن يمس ربعك قد راعت نواعيه / فطالما صدحت أنساً حمائمه
وإن يكن بيت صبري قد ألمَّ به / عديّ دهرٍ فقد سلاّه حاتمه
لا تجزعنَّ أبا العبَّاس من خطرٍ / عداك فالوقت باكي الفكر باسمه
وذاهب بات طرف الخير ذا سهرٍ / عليه وهو قرير الطرف نائمه
ما ضرَّه في مطاوي الأرض منزلةً / وأنت دافنه والله راحمه
بكى لك العاليان القدر والهمم
بكى لك العاليان القدر والهمم / والماضِيانِ سنانُ الرأي والقلم
والوقت أغيد في أعطافِه ميد / والعز أصيد في عرنينه شمم
والعقل يثني عليه الركب وا أسفاً / للعقل يثني عليه الأينق الرّسم
والفضل ما بين موروثٍ ومكتسب / فحبذا هو نعتٌ لازم وسم
يا غائباً أظلمت دار لغيبته / وهكذا البدر تدجو بعده الظلم
يا من يعزُّ علينا أن نفارقهم / وجداننا كلُّ شيءٍ بعدكم عدم
رحلتَ عن عادميْ صبرٍ وما قدروا / أن لا تفارقهم فالراحلون همُ
من للرئاسة فيها الجدّ أجمعه / وللسياسة فيها الصفح والنّقم
من للوقارِ أمام الحجب يحجبه / وللفخار أمام الشهب يبتسم
من للسطور على صحف معذرة / تكاد بالقلبِ قبل الثغر تلتثم
من للحمى كفّ سارٍ كف قاصده / سرًّا وجهراً فلا عُرب ولا عجم
مضى وغير عجيبٍ أن يقال مضى / فإنما هو عضبُ الملَّة الخذِم
نحْ يا حمام مع الباكي على غصنٍ / رطبٍ وقف بحمىً لم يعفه القِدم
أذكرتنا فقد يحيى يا محمده / وللجراح على آثارها ألم
ماذا تركت لأرض الشام من أسفٍ / إذا تذكّرت الأنسابُ والشيم
ماذا تركت بمصر من حقيقِ جوىً / يا ذا الشبيبة حتَّى آذها الهرم
لهفي على واجدٍ في العزمِ منفرد / كانت تقرّ لمسعى سعده الأمم
لهفي على قلم يهتزّ ثابته / في مهرق خافق الأعلام قد علموا
عطَّلتَ هذا وهذا إذ رحلت وقد / خاب الرجاء فلا بانٌ ولا علم
لهفي على أسطرٍ سار البريد بها / تحت الظلام وفيها الكلم والكلم
والخيل والليل والبيداء شاهدة / والضرب والطعن والقرطاس والقلم
لهفي على بيت فضلٍ كانَ من زنة / في الشملِ وهو كبيت الشعر منتظم
رماه بالنقص والأحزان حرف ردى / مغير فهو منقوص ومنثلم
لهفي على البدرِ منكم يا بني عمر / لا تستطيع نداه الأنجمُ الخدم
هوت معاليه حيث العمر مقتبلٌ / والسعد جار وأكناف العلى حرم
والوجه ريَّان من ماءيْ حياً وضياً / حتَّى يكاد على الأعطاف ينسجم
ما زال للسرِّ قبر في جوانحه / حتَّى أتى القبر والأسرار تزدحم
بمثله يفخر الملك العقيم على / ماضٍ وأن النسا عن مثله عقم
عمري لقد صرخ الناعون في رجبٍ / فأسمعَ النوح شجواً من به صمم
وبالغ الحزن فينا ثمَّ صبرنا / أن الطريق إلى أحبابنا أمم
مضى الأنام على هذا وساق بهم / حادِي الردى وسنمضي نحن إثرهم
والمرء في الأصل فخار ولا عجب / إن راحَ وهو بكفِّ الدهر منحطم
وللمنيَّة فخّ من هلال دجى / شهب البزاة سواء فيه والرخم
قل للذي هزمت شحاً كتائبه / هل فاته من جيوش الموت منهزم
سقا ضريحك رضوانٌ ولا برحت / تنهلُّ نافعة في تربكَ الدّيم
حتَّى تنوّر أرض أنت ساكنها / نوراً ونوراً ويزهى القاع والأكم
ودامَ للناسِ باقي البيت ينشده / إذا سلمتَ فكل الناس قد سلموا
سقا زمان الصبا يا منزل الهرم
سقا زمان الصبا يا منزل الهرم / دمٌ من الدمع أو دمعٌ من الدِّيم
يا نيل مصر ودمعي لا يحلّ بكما / عهد الوفاءَين من جارٍ ومنسجم
كراحتيْ علم الدين الأمير إذا / لاقى الرَّجا بمضيّ البشر مبتسم
ذو الرأي والعزم والهيجاء مسبعة / والعلم والحلم والمعروف والكرم
وفارس الجيش كالعنوان تقدمه / والصَّف كالسطر والخطيّ كالعلم
أكرم به وأبيه قبله فلقد / توارثا شيماً ناهيك من شيم
نصرتُ في حرب أيامي بهم فأنا / في جنَّةٍ تحت ظل السيف والقلم
نعم الإمام الذي بالخصبِ شملها
نعم الإمام الذي بالخصبِ شملها / ممالكاً وأناسيًّا وأنعاما
يا واحد العصر إنْ علماً وإنْ كرماً / هنئت بالدهرِ إنْ شهراً وإنْ عاما
وبالأهلَّة أمثال الشفاه دنت / للثم كفّ تعمُّ الخلق إنعاما
تهدِي السعود إلى بحر العلوم فما / يلام زورقها في البحرِ إن عاما
لا زلت بالحال أهنا ما أكون به / وقبلها كنت للأحوال أنعى ما
أبا البقاء أطال الله في نعم
أبا البقاء أطال الله في نعم / لك البقاء وفضلاً ليس نعدمه
يا من له نسبٌ عالي السنا وحمًى / رحبٌ ومدح كوشي الروض نرقمه
ما أحسن البيت من علياك متسقاً / أثني عليه وآويه وأنظمه
أشبعت أكباد أولادي وأعينهم
أشبعت أكباد أولادي وأعينهم / من الشوا ولقد كانوا ذوي قرم
حتَّى لقد حسدوا جيران بابكمُ / وقيل بشراكُم يا جيرة العلم
لقد عرفتُ تجنّيها كما عرفت
لقد عرفتُ تجنّيها كما عرفت / يدُ الجواد ابن قطب الدين بالكرم
يا من تقلدت من إحسانه منناً / أحيت رجائي كما يرجو ذوو نعم
إن كانَ برّك أضحى ملءَ كلّ يدٍ / فأن شكرك والسؤَّال لا تلم
كذا تكون الكفاة السائدون فلا / منعٌ ولا جانبٌ للحقّ مهتضم
جند العساكر في جند يجهزه / ونعم جند الدّعا حُنْدس الظلم
يا فاتكاً خدّه لي شامتاً بدمي
يا فاتكاً خدّه لي شامتاً بدمي / في ألف حلّ من الشكوى وفي حرم
خصصّت فيك بسهدي والدموع كما / خصّ ابن جاديك بالتقوى وبالكرم
وبالجميلين من خَلقٍ ومن خُلقٍ / وبالجليلين من حكمٍ ومن حِكم
وبالسعادة في دنيا وآخرةٍ / وبالسّيادة في عُربٍ وفي عجم
ويا أخا الفضل في الدارين يجمعها / حمداً وأجراً ففز في ذا وذا ودُم
يا ظاهر القول والأفعال علَّمه / بالخير من علّم الإنسان بالقلم
جاورتُ مدحك بالمدح أحتوى علماً / فحبّذا أنتم يا جيرَة العلم
يا رُب ضيفان قوم جلد هامته
يا رُب ضيفان قوم جلد هامته / جلد على الطارق الطاري من الأدم
إذا رأى الدلوَ فوق الرأس أنشده / ضيفٌ ألمّ برأسي غير محتشم
للصاحب العلميّ الذكر نور ثناً
للصاحب العلميّ الذكر نور ثناً / أشهى وأشهر من نارٍ على علم
قالت تواقيعه أوقات جلسته / سبحان من علم الإنسان بالقلم
قالت جرايةُ خبزٍ لي سأنقلها
قالت جرايةُ خبزٍ لي سأنقلها / في مصر من حرمٍ وافٍ إلى حرم
هل يعلم اللّحم أني بعد نقلته / ما سرتُ من علمٍ إلا إلى علم
أعمال برك في حلي امتداحك يا
أعمال برك في حلي امتداحك يا / عليّ سيارةٌ بين الأقاليم
في خنصر العدّ أو جيد الرجاء بها / خير القلائد أو خير الخواتيم
يا من بإمداحه اشترينا
يا من بإمداحه اشترينا / أموال كفيّه في الأنام
هانت عليك اللهى فأضحت / تباع في الناس بالكلام
عمري لقد زهت الأمصار حين محى
عمري لقد زهت الأمصار حين محى / عليّ عنها دياجي الظلم والظَلم
إذا برى قلماً قالت ممالكها / يا بارئ النسم احرس باريَ القلم
لجود قاضي القضاة أشكو
لجود قاضي القضاة أشكو / عجزي عن الحلو في صيامي
فالقطر أرجو ولا عجيبٌ / ألقطر يرجى من الغمام
مولاي هنئتَ فرداً في الشهور كما
مولاي هنئتَ فرداً في الشهور كما / في الناس فرداً دعاك العلم والكرم
إصغي إلى مدحٍ لي فيك سائرةٍ / قد أسمعت كلماتي من به صمًم
لاح الإمام لطلاّب الّلهى علماً
لاح الإمام لطلاّب الّلهى علماً / وماس باناً على أدراجه القلم
فقل لمن سار للآمال يقصدها / يا ساريَ القصد هذا البان والعلم