المجموع : 4
يومٌ أتى بنسيم الرِّيح موسوما
يومٌ أتى بنسيم الرِّيح موسوما / مباركٌ بزمام المُلك مزموما
المهرجان الذي كانت تبجِّله / ملوك تبجيلاً وتعظيما
فاليمن طائرُه والسعد طالعُه / تفاؤلاً يوجب الزلفى وتنجيما
جاءتك عافيةٌ فاز الأنامُ بها / فوزاً عظيماً فمخصوصاً ومعموما
من بعدما شَنَّقَ الإرهاقُ أنفسَهم / وضُرِّمَت جمراتُ الخوف تضريما
وَعكُ الأمير وقاه اللَه كلَّ أذىً / أنشا سحاباً من الأحزان مركوما
لم يبق في الأرض لا روحٌ ولا بدنٌ / إلا وقد كان من حُمّاك محوما
حُمّاك نغَّصتِ اللذات فانقلبت / من التنغُّص غِسليناً وزقُّوما
حتّى حسبنا نسيمَ الريح صار لظىً / يشوي القلوب وصار الظلُّ يحموما
قسمتَ حُسناك بين الناس كلِّهمِ / فصار وَعكُك بين الناس مقسوما
لقد أبارَت قلوبَ الناس من جزعٍ / أنفاسُ كربٍ يُفَكِّكنَ الحيازيما
فقد كفى اللَه ما خافوا وما حذروا / فعاد مستبشراً مَن كان مهموما
من بعدما اصفرَّ وجهُ العيش حين رأى / خدَّ السرور بكفِّ الحزن ملطوما
وأقبل الجودُ كالولهان حين بدا / دمعُ المكارم والإحسانِ مسجوما
كانت لعلَّتك الدنيا على وجلٍ / خوفاً وكان لك الإسلامُ مغموما
سبحان مَن كشف البلوى وفرَّجَها / من بعدما صمَّم المكروهُ تصميما
فنحمد اللَه في تجديد نعمته / حمداً يحقِّق للتجديد تتميما
هذا الأمير ابن يزدادَ الذي ملأت / آثارُه وأياديه الأقاليما
والناس قد علموا مقدارَ سيرته / منهم وزادهم الإشفاقُ تعليما
يا عصمة الدين والدنيا وزينتها / لا زلتَ من نكبات الدهر معصوما
وكيف لا يتمنّى الناسُ كلُّهم / حياةَ مَن قد أماتَ الجورَ واللُّوما
عدلُ الأمير وإحسانُ الأمير هما / رَدّا الزمانَ عن الأحرار مخصوما
لا تعد مَنَّك دنياً أنت واحدُها / إذ كان شبهُك في ذا الدهرِ معدوما
صارت بك البصرة المأوى وقد غَنِيَت / وصار معنومها في الناس معنوما
عهدي بها وهي إقليم الشقاق فقد / صَيَّرتَها أنت للتأليف إقليما
فزادك اللهُ تمكيناً ومقدرةً / وزاد أنفَ الذي عاداك ترغيما
صَيَّرتَ حُسناك حتماً منك مفتَرَضاً / فصار حبُّك مفروضاً ومحتوما
صنائعٌ لك في الدنيا مشهَّرةٌ / تكاد بالشكرِ أن يفُصِحنَ تكليما
زحزحت عن كلِّ مظلومٍ ظُلامَتَهُ / فصار مالُكَ للراجين مظلوما
فحين حُكِّمتَ في الدنيا وزخرفها / حَكَّمتَ دِينك في دنياك تحكيما
أقبلتَ تخدم تقوى اللَه مجتهداً / فصرت باليمن والإقبال مخدوما
يستنشق الناس طِيباً إن ذكِرتَ لهم / كأنَّ أسماعهم صارت خياشيما
يا مَن إذا ما رأى المحرومُ طلعتَه / فلن يُرى ذلك المحروم محروما
لا زال ركنك موطوداً تُشيِّده / ولم يزل ركنُ مَن ناواك مهدوما
من رام يبغيك لم يظفر ببغيته / حتّى يرى الزِّنج في ألوانهم رُوما
اني لأكتم حاجاتٍ تُثَقِّلني / وأثقلُ السقمِ سقمٌ كان مكتوما
ما حيلة العبد في إذكار سيِّدِه / بعد التغافلِ عمّا كانَ معلوما
بَينا أُؤمِّل أن أزداد نافلةً / حتّى مُنِعتُ الذي قد كان مرسوما
والموت أجمل بالإنسان منزلةً / من أن يُرى بخِطام الذلِّ مخطوما
لِم أخَّرَ الكاتبُ الإنجازَ في عِدَتي / وكيف لا يجعل التأخير تقديما
هذا على أنَّه المرضيُّ مذهبُه / في السرِّ والجهر تعديلاً وتقويما
قد هذَّبَته بتقويمٍ صرامَتُه / وزاده النصح تهذيباً وتصريما
ولا يُلام فتىً يحتاط منتصحاً / ليس احتياطُ الفتى في النصح مذموما
لكن أرى المطلَ داءً في تطاولِهِ / وبالعناية يُلقى الداءُ محسوما
هل غير إحسانِ فعلٍ أو إساءَته / يبقى جزاؤهما في الصُّحف مرقوما
لا خير في القول معسولاً مذاقَتُه / حتّى إذا اختبروه كان مسموما
لا بدَّ من نفثة المصدور ينفثها / لولا الكلام لكان القلب مكلوما
لا شيء أحسن من إلفَينِ قد قسما
لا شيء أحسن من إلفَينِ قد قسما / حسنَ الرعاية والإخلاص بينهما
تقاسما الحسن والإحسان فامتزجا / على الصفات فصارا في الهوى عَلَما
كأنَّما قلمٌ قد خطَّ شكلَهما / بل كان ذلك لطفَ اللَه لا قلما
ترى الفكاهة والآداب بينهما / حدائقاً ورياضاً تنبت الحِكَما
قد أُعطِيا من فنون الشكل ما اشتهيا / وحُكِّما في صروف الدهر فاحتكما
وحين يسلم هذا يزدهي فرحاً / لعِلمِه أنَّ مَن يهواه قد سلما
لو حُرِّكا انتثرا شكلاً وإن نطقا / تناثرا لؤلؤاً نظماً وما نُظِما
صار الحفاظُ لعين العيب مُتَّهِماً / فلن ترى منهما بالعَيب مُتَّهَما
تراضَعا بوفاءٍ كان عيشهما / منه ولو فُطِما ماتا وما انفطما
كأنَّ رُوحَيهما روح فأنت ترى / وهميهما واحداً في كلِّ ما وَهِما
وليس يحلم ذا حلماً برقدته / إلا وهذا بذاك الحلم قد حلما
أعجبْ بإلفَينِ لو بالنار عُذِّبَ ذا / وذاك في جنَّة الفردوس قد نعما
لكان ينعم هذا من تنعُّم ذا / وكان يألم هذا ذلك الألما
حُسن اتِّفاقٍ بظهر الغيب بينهما / في كلِّ حالٍ تراه الدهرَ ملتئما
لو مسَّ ذا سَقَمٌ قامت قيامتُه / لعِلمه أنَّ مَن يهواه قد سقما
كذا يكون وداد الأصفياء كذا / تصفو القلوبُ فيجلو نورُها الظُّلَما
سَقياً لإلفَين لو هَمّا بمَقلِيَةٍ / ما همَّ أن يبلغا من حيرةٍ نَدَما
تشاكلا في دوام العهد فائتلفا / والختل والغدر من هذا وذا عَدِما
استخلصا خلوات الأُنس بينهما / محضاً فلو أبصرا ظلَّيهما احتشما
لو خُلِّيا سرمدَ الدنيا قد انفردا / عند التغازل ما مَلّا وما بَرِما
ولا أرادا اعتزالاً طول عمرهما / كأنما شَرِبا من ذا وقد طَعِما
يلتذُّ هذا لشكوى ذا ويَعلَمه / وفي التذاذهما تصديق ما عُلِما
كلٌّ له حَرَمٌ من صون صاحبه / ولن يُصاد مصونٌ يألف الحَرَما
فكلُّ ما فعلا قبل اعتصامهما / بالودِّ قد طهرا منه مذ اعتصما
كالجاهليَّة بالإسلام قد غُسِلت / ذنوبُها ونفى الإسلامُ ما اجتُرِما
صار الهوى لهما دِيناً فصانهما / عن المساءة ما عِيبا ولا اتُّهِما
إنَّ المُحبين إن داما على ثقةٍ / تَهنَّيا العيشَ والدنيا صفت لهما
كُلٌّ لصاحبه تُبلى سرائرهُ / بكلِّ ما أظهرا من بعد ما كتما
فللمحبِّينَ في صفو الهوى نِعَمٌ / إن يشكروهنَّ يزدادوا بها نِعَما
يا ربّ إنَّ الهوى لا كاد يحمله / إلا الكرام فزِد أهلَ الهوى كرما
اجعل فؤادي دواةً والمدادَ دمي
اجعل فؤادي دواةً والمدادَ دمي / وهاك فابرِ عظامي موضعَ القَلَمِ
وامدد جفونيَ قرطاساً فإن ألِمَت / ممّا تخطُّ فزد في ذلك الألَمِ
ياذا الذي أضحك العُذّال بي وبكوا / ممّا بقلبي وعينيه من السَّقِمِ
ترى العواذل لم يدروا بمن دنفي / وأنت أشهرُ في الديوان من عَلَمِ
قد كان في حال محسودٍ فأبطره
قد كان في حال محسودٍ فأبطره / طغيانُه فاغتدى في حال مرحومِ