المجموع : 3
أبا جرير برغمي أن تَخَّط يدي
أبا جرير برغمي أن تَخَّط يدي / هذا العزاءَ ويبكى عاثراً قلمي
وما أجاملُ في شعري بتعزيتي / فإنَّ حُزَنك من حُزني ومن أَلَميِ
إنَّا جميعاً حيارى ركبُ قافلةٍ / تمشى من العدم الأقصى إلى العدمِ
كل له دورُهُ والكل تجربةٌ / تلهو الحياةُ بها في الصحو والحلمِ
لا شئَ يبقى سوى الذكرى اذا بقيت / وكم مضت اَممٌ لَهفى على أمم
قد سَخَّرتَنا الأماني وهي ساخرةٌ / وأطلقتنا ولم نُطلق من اللُّجمِ
خُذ دمعتي يا صديقي بعضَ تأسيةٍ / وامزج بها دمعك الوافي ولا تَلم
هذي الحياةُ وهذا الموتُ ما افترقا / كالتوأمينِ بحظ الناسِ كُلِّهم
كأنما هذه الأعشابُ إخوتُنا / وعمرها عمرنا في الطولِ واِلقدم
والعقلُ ما كان إلاَّ ضيف صُحبتنا / هذا الوجودَ ولم يُفصم عن الرَّقمِ
اسخر صديقي إذن مهما بكيتَ دماً / كما بكيتُ بسخري إذ بذلتُ دمى
إسخر وأنتَ زعيمُ السخر في أدبٍ / حي تَنزَّهَ عن موتٍ وعن هَرَم
اسخر إلى أن يدورَ الكونُ دورته / على الحياةِ فنمضي بَعدُ في الظلم
أبا البلاد الذي تسمو البلاد به
أبا البلاد الذي تسمو البلاد به / جاها وحلما وتصريفا وأحكاما
بوركت من ظالم للنفس يرهقها / كيما يكافح أشرارا وظلاما
إن التقشف لما بت تؤثره / أضحى غنى وغدا نورا وإلهاما
ما غرّك البذخ الضافي إلى أجل / إن النزاهة قد أولتك ما داما
هيهات يبلغ ما بلغت منتقص / أنت الذي جعل الأيام أياما
أنت الذي عفوه من نبل شيمته / مهما أسيء ويلقى الطعن بساما
أنت الذي قد تسامى حول عفته / شعب وأبدع في الحرمان إنعاما
أنت الذي ما ادعى يؤما لهمته / باسا وأشبعنا حزما وإقداما
أنت الذي نطقت تلك الجراح به / حثا لمن خاف أو من خاب إحجاما
أنت الذي لا الرئاسات التي ازدهرت / خانته يوما ولا أضغاث من ناما
أنت الذي كل ما يعنيه واجبه / دينا ودنيا وتحقيقا وأحلاما
أنت الذي يرهب الطاغوت حكمته / وإن يحاصره أسيافا وألغاما
أنت الذي قد حمته من كرامته / فيالق حين يحمي السيف أصناما
أنت الذي أينما قد حل موكبه / حل التقى والهدى برا وإسلاما
حامى عن النيل والسودان شاهده / فأين من بزّه لو عنهما حامى
فخر لمصر على الأدهار سيرته / إن الوداعة أسمت كل من سامى
يا من له بيته غنيان مملكة / ورمزه الحق إحسانا وإحكاما
ومن له العدل نبراس وأوّله / أن يمحو العدل أتراحا واسقاما
وأن يزيل جهالات مضلّلة / ويهزم الجمع مهما عم إجراما
وأن يبدد عريا لا مجال له / والقطن ينشر أثوابا وأعلاما
أزجي إليك تحايا الشعر أنغاما / ووصفه الحر مثالا ورساما
شربت فلسفتي من نبع آلامي
شربت فلسفتي من نبع آلامي / وقبلها عب منه قلبي الدامي
وما برحت أغني زاخرا أبدا / كأن آلام قلبي لسن آلامي
كأن دمعي أناشيد قد احتبست / حتى تراق على قدسي أنغام
أن المسيح قبيل الصلب من حرق / كما أعاني تباريحي وإعدامي
وإن حسدت كأن البؤس لي شرف / وكل أهل الغنى في البؤس خدامي
أنا الضعيف ولكني العتيّ على / نفسي إذا النفس لم تعبأ بأحكامي
إياك إياك يا نفسي مهادنة / للظلم أو فاقبعي في سجن ظلام
معنى الحياة ابتسام لا يفارقها / وإن أحيطت بجدب غير بسام
وهل أكون سوى رمز تضن به / على الفناء وإن أفنيت أعوامي
عابوا الحقيقة في شعري وما سكنت / سوى الحقيقة أسمى شعري السامي
ما سف يوما وإن بجهلة من جهلة / أن الحياة تعالت فوق أحلام
وأن وجدي وتفكيري وفلسفتي / ليست سوى مثل من فن رسام
ذاق الخلود بألوان مجنحة / فوق النجوم وفي ألوان آكام
كل الطبية معبود لمهجته / تشكلت حول أطياف وإلهام
تمتد خفاقة لا حد يحصرها / كخفق قلبي على إحساسي النامي
أنا ابنها لا ينال الدهر من أثري / ولم ينل قبل من نور وأجرام
كم من صغير تردى في حقارته / للناس وهو جليل شامخ سام
كالبذر أو قطرة للبحر شاردة / هي الوجود تناهت فوق أنسام
وعيتها في خيالي فهي فلسفتي / وإن تعز على بهم واصنام
تطير في فرحة نشوى ويرفعها / حب الحياة إلى غايات إقدام
كأنها صائد ردت حماسته / خوف الممات بأدغال وآجام
أغزو كما غزت الدنيا وإن فشلت / وإن تمزقت من غدر لأخصامي
حسبي التجارب في دنياي أفهمها / وإن تدق ولم تكشف لأفهام
حسبي شعوري بأن الكون أجمعه / يوما سيتلى ويجري فوق أقلام
حسبي على الرغم من هم ومن نصب / أني الطليق ولم أرضخ لإرغام