المجموع : 6
يا رامي السهم يدري أين موضعه
يا رامي السهم يدري أين موضعه / مني ويعلم ما داريت من ألم
رميتَ في ساحة موسومة بدم / منقوشة بندوب الحب والندم
لا يخدعنَّك منها وهي صامتة / صمت القبور فراغ الموت والعدم
فكم شفاه جراحات إذا انطبقت / جرح الإباء عليها غير ملتئم
فيم انتقامك من قلب عصفت به / لم يبق من موضع فيه لمنتقم
وفيم لذعة سخطٍ من جوى برمٍ / ترمي بجمرته في جوف مضطرم
طوى السنين وشق الغيب والظلما
طوى السنين وشق الغيب والظلما / برقٌ تألق في عينيك وابتسما
يا ساري البرق من نجمين يومض لي / ماذا تخبئ لي الأقدار خلفهما
أجئت بي عتبات الخلد أم شركا / نصبت لي من خداع الوهم أم حلما
كأنني ناظرٌ بحراً وعاصفة / وزورقاً بالغد المجهول مرتطما
حملتني لسماء قد سريت لها / بالروح والفكر لم أنقل لها قدما
شفّت سديماً ورقت في غلائلها / فكدت أبصر فيها اللوح والقلما
رأيت قلبين خط الغيب حبهما / وكاتبا ببيان النور قد رسما
وسحر عينيك إني مقسم بهما / لا تسألي القلب عن إخلاصه قسما
واهاً لعينيك كالنبع الجميل صفا / وسال مؤتلق الأمواج منسجما
ما أنتما أنتما كأسٌ وإن عذبت / فيها الحمام ولا عذر لمن سلما
لمَّا رمى الحب قلبينا إلى قدرٍ / له المشيئة لم نسأل لمن ولما
في لحظة تجمع الآباد حاضرها / وما يجيء وما قد مر منصرما
قد أودعت في فؤاد اثنين كل هوى / في الأرض سارت به أخبارها قدما
كلاهما ناظرٌ في عين صاحبه / موجاً من الحب والأشواق ملتطما
وساحة بتعلات الهوى احتربت / فيها صراع وفيها للعناق ظما
يا للغديرين في عينيك إذ لمعا / بالشوق يومض خلف الماء مضطرما
وللنقيضين في كأسين قد جمعا / فالراويان هما والظامئان هما
بأي قوسٍ وسهم صائب ويدٍ / هواك يا أيها الطاغي الجميل رمى
يرمي ويبرئ في آن وأعجبه / إن الذي في يديه البرء ما علما
وكيف يبرئني من لست أسأله / برءاً وأوثر فيه السهد والسقما
لو أن للموت أسباباً تقربني / إلى رضاك لهان الموت مقتحما
إن الليالي التي في العمر منك خلت / مرت يبابا وكانت كلها عقما
تلفت القلب مكروبا لها حسرا / وعض من أسف إبهامه ندما
قلبٌ تقسَّم بين الوجد والألم
قلبٌ تقسَّم بين الوجد والألم / هل عند لبنانَ نجوى النيل والهرم
أشكو جواي إلى الرُّوح التي احتضنت / ناري وضمَّت إلى أسقامها سقمي
وقاسمتني الهوى حتى إذا رحلت / ألقت فؤادي بضنكٍ غير مقتسم
ميثاقنا أسطرٌ من مدمعٍ ودمٍ / يا طاهر النفحة اذكر طاهر القَسم
يا من أعاتب دهري إذ أودِّعه / وما عتابي على الأقدار والقِسم
إنّ النوى غرَّبته وهي عالمة / أني رجعت أُداري النار بالضرم
ورنَّحَت بعده خطوي وما عرفت / من عثرة الحظِّ أم من عثرة القدم
خَلَت وران عليها الصمت وانقلبت / كأنما لَفَّها ثوبٌ من العدم
بالله أيامَنا هل فيك منتَفعٌ / ونحن من سَأَمٍ نمشي إلى سَأم
وما أُرقِّع ثوباً فيك منخرقاً / لكن أرقِّع جُرحاً غير ملتئم
مكانيَ الهادئ البعيد
مكانيَ الهادئ البعيد / كُن لي مجيراً من الأنام
قد أمَّكَ الهارب الطريد / فآوِه أنتَ والظلام
يا حسنها ساعة انفصال / لا ضنك فيها ولا نكد
يا حقبة الوهم والخيال / هلا تمهلتِ للأبد
يا أيها العالم الأخير / ماذا ترى فيك من نصيب
أراحةٌ فيك للضمير / أم موعدٌ فيك من حبيب
كم يَعذُب الموت لو نراهُ / أو كان فيك اللقاءُ يُرجى
ينفض عن عينه كراهُ / ويقبل الراقد المسجَّى
لكن شكّاً بما تجن / خيّم فوق العقول جمعَا
عجبتُ للمرء كم يئن / ويستطيب الحياةَ مَرعَى
قد صار حبُّ الحياة منا / يقنع بالجيفة السباع
وعلم السمحَ أن يضنَّا / وثبّت الجبن في الطباع
طال بنا الصمت والجمود / لا البدر يوحي ولا الغدير
يا عالم الضيم والقيود / برَّحت بالطائر الأسير
هربتُ من عالمٍ أضرَّا / وجئت يا كعبتي أزور
هاتي خيالاً إذن وشعراً / أسكبه في فم الدهور
هرَبتُ من عالم الشقاء / وجئت عليَّ لديكِ أحيا
أشرب من روعة السماء / شعراً وأسقي الفؤادَ وحيا
مللتُ في هاته العوالم / مهزلةَ الموت والحياه
وصورة القيد في المعَاصم / ووصمةَ الذل في الجباه
هياكلٌ تعبر السنين / واحدة العيش والنظام
واحدة السخط والأنين / واحدة الحقد والخصام
وواحد ذلك الطلاء / يسترُ خزياً من الطباع
افنى البلى أوجه الرياء / ولم يذُب ذلك القناع
بعينها كذبة الدموع / بعينها ضحكة الخداع
ومُنحنَى هاته الضلوع / على صوادٍ بها جياع
كأن صدر الظلام ضاق / من كَثرةِ البثِّ كل حين
يا ويحه كيف قد أطاق / شكوى البرايا على السنين
كأنما ينفث الشهب / تخفيف كربٍ يئنّ منهُ
كالقلب إن ضاق واكتأب / تخفف الذكريات عنهُ
كم زفرة في الضلوع قرّت / يحوطها هيكلٌ مريض
مبيدة حيثما استقرت / فإن نبح سميت قريض
كم في الدجى آهة تطول / تسري إلى أذنه وشعر
لو يفهم النجم ما نقول / أو يفهم الليل ما نُسر
ما بالها أعين الفلك / منتثرات على الفضاء
تطل من قاتم الحلك / بغير فهمٍ ولا ذكاء
ألا وفيّ ألا معين / في مدلهم بلا صباح
وكلّما جَدَّ لي أنين / تسخر بي أنّة الرياح
هبنا شكونا بلا انقطاع / ما حظ شاكٍ بلا سميع
وحظ شعرٍ إذا أطاع / يا ليته عاش لا يطيع
يضيع في لجة الزمن / مبدداً في الورى صداه
ولن ترى في الوجود مَن / يدري عذاب الذي تلاه
يا أيها النهر بي حسد / لكل جارٍ عليك رف
أكُلُّ راجٍ كما يود / يروي ظماه ويرتشف
ومن حبيب إلى حبيب / ترنو حناناً وتبتسم
وكل غادٍ له نصيب / من مائك البارد الشبم
يا نهرُ روّيت كل ظامي / فراح ريّان إن يذُق
فكن رحيماً على أوامي / فلي فمٌ بات يحترق
يا نهر لي جذوة بجنبي / هادئة الجمر بالنهار
فإن دنا الليل برّحت بي / وساكن الليل كم أثار
وقفت حرّان في إزائك / فهل ترى منك مسعدُ
وددت ألقي بها لمائك / لعلها فيك تبردُ
عالج لظاها فإن سكن / فرحمةٌ منك لا تحد
وإن عصت نارها فكن / قبراً لها آخر الأبد
ترينيَ الهاجر الشتيت / وقربه ليس لي ببال
وكلّما خلتني نسيت / مَرَّ أمامي له خيال
تمر ذكرى وراء ذكرى / وكل ذكرى لها دموع
وتعبر المشجيات تترى / من كل ماضٍ بلا رجوع
ماضٍ وكم فيه من عثار / ومن عذابٍ قد انقضى
كم قلت لا يرفع الستار / ولا ادكارٌ لما مضى
يا من أرى الآن نصب عيني / خياله عطَّر النسم
بالله ما تبتغيه مني / ولم تدع لي سوى الألَم
في ذمة الله ما أضعتم / من مهجٍ أصبحت هباء
لم نجزكم بالذي صنعتم / إنَّا غفرنا لمن أساء
لا تحسبوا البرء قد ألَمّ / فلم يزل جرحنا جديدا
يخدعنا أنّه التأم / ولم يزل يخبأ الصديد
يا أيها الليل جئتُ أبكي / وجئتُ أسلو وجئت أنسى
طال عذابي وطال شكي / ومات قلبي وما تأسَّى
مهلاً فإنَّ المنادي شطرُكَ الظامي
مهلاً فإنَّ المنادي شطرُكَ الظامي /
يا توأمَ الروح أدرك روحيَ الدامي /
إني من الليلِ في قبرٍ ومن شجني /
في جنح مصطخبٍ كالزَبَدِ الطامي /
واليوم لي صرخةٌ تدعوكَ يا أملي /
من جوفِ ليلي ومن أعماقِ آلامي /
هما شفائي هما يا كل أحلامي /
إليَّ بالله أنسى ما جنىَ زمني /
وامددهُمَا لي تغفر جرحَ أيامي /
ثغرٌ كما يعشقُ الفنَّانُ بسَّامُ
ثغرٌ كما يعشقُ الفنَّانُ بسَّامُ / لكَ النعيمُ أخي موسى وإنعامُ
إِن كان عندكَ إِلهامٌ نتوقُ له / فما لنا مثلُ هذا الحسنِ إِلهامُ
سذاجةٌ وبراءاتٌ مطهرةٌ / كأنها من نواجي الخلدِ أَنسامُ
إن كانَ للناسِ جامٌ يشربونَ بها / فعندكَ الكأسُ والصهباءُ والجامُ
حقيقةٌ من جمالٍ ساحرٍ غَرِدٍ / كأنه من رقيق الظلِّ أحلامُ
حسنٌ قصاراه في وصفٍ وموجزه / بأنه الحسنُ ضَلَّت فيه أفهام
يدٌ على الجرح تأسو ما ألَمَّ به / ومرهم تتلاشى فيه آلامُ
وصورةٌ أعجزت في الوصفِ شاعرَهَا / وتاهَ في وصفها شارد ورَسَّامُ
لا تعجبي للورى إِنعامُ إِن عبدوا / عينيكِ أو إِن هُمُو في وصفها هامُوا
فأنتِ طاهرةٌ والفن أطهرُ ما / يطوفُ حولكِ حاشَا الفنَّ آثام
الحسنُ عندَكِ لحنٌ والبيانُ له / لحن يهدهده والحسن أنغام