طوفوا بِأَركانِ هَذا القَبرِ وَاِستَلِموا
طوفوا بِأَركانِ هَذا القَبرِ وَاِستَلِموا / وَاِقضوا هُنالِكَ ما تَقضي بِهِ الذِمَمُ
هُنا جَنانٌ تَعالى اللَهُ بارِئُهُ / ضاقَت بِآمالِهِ الأَقدارُ وَالهِمَمُ
هُنا فَمٌ وَبَنانٌ لاحَ بَينَهُما / في الشَرقِ فَجرٌ تُحَيّي ضَوءَهُ الأُمَمُ
هُنا فَمٌ وَبَنانٌ طالَما نَثَرا / نَثراً تَسيرُ بِهِ الأَمثالُ وَالحِكَمُ
هُنا الكَمِيُّ الَّذي شادَت عَزائِمُهُ / لِطالِبِ الحَقِّ رُكناً لَيسَ يَنهَدِمُ
هُنا الشَهيدُ هُنا رَبُّ اللِواءِ هُنا / حامي الذِمارِ هُنا الشَهمُ الَّذي عَلِموا
يا أَيُّها النائِمُ الهاني بِمَضجَعِهِ / لِيَهنِكَ النَومُ لا هَمٌّ وَلا سَقَمُ
باتَت تُسائِلُنا في كُلِّ نازِلَةٍ / عَنكَ المَنابِرُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ
تَرَكتَ فينا فَراغاً لَيسَ يَشغَلُهُ / إِلّا أَبِيٌّ ذَكِيُّ القَلبِ مُضطَرِمُ
مُنَفَّرُ النَومِ سَبّاقٌ لِغايَتِهِ / آثارُهُ عَمَمٌ آمالُهُ أَمَمُ
إِنّي أَرى وَفُؤادي لَيسَ يَكذِبُني / روحاً يَحُفُّ بِها الإِكبارُ وَالعِظَمُ
أَرى جَلالاً أَرى نوراً أَرى مَلَكاً / أَرى مُحَيّاً يُحَيّينا وَيَبتَسِمُ
اللَهُ أَكبَرُ هَذا الوَجهُ أَعرِفُهُ / هَذا فَتى النيلِ هَذا المُفرَدُ العَلَمُ
غُضّوا العُيونَ وَحَيّوهُ تَحِيَّتَهُ / مِنَ القُلوبِ إِذا لَم تُسعِدِ الكَلِمُ
وَأَقسِموا أَن تَذودوا عَن مَبادِئِهِ / فَنَحنُ في مَوقِفٍ يَحلو بِهِ القَسَمُ
لَبَّيكَ نَحنُ الأُلى حَرَّكتَ أَنفُسَهُم / لَمّا سَكَنتَ وَلَمّا غالَكَ العَدَمُ
جِئنا نُؤَدّي حِساباً عَن مَواقِفِنا / وَنَستَمِدُّ وَنَستَعدي وَنَحتَكِمُ
قيلَ اِسكُتوا فَسَكَتنا ثُمَّ أَنطَقَنا / عَسفُ الجُفاةِ وَأَعلى صَوتَنا الأَلَمُ
قَدِ اِتُّهِمنا وَلَمّا نَطَّلِب جَلَلاً / إِنَّ الضَعيفَ عَلى الحالَينِ مُتَّهَمُ
قالوا لَقَد ظَلَموا بِالحَقِّ أَنفُسَهُم / وَاللَهُ يَعلَمُ أَنَّ الظالِمينَ هُمُ
إِذا سَكَتنا تَناجَوا تِلكَ عادَتُهُم / وَإِن نَطَقنا تَنادَوا فِتنَةٌ عَمَمُ
قَد مَرَّ عامٌ بِنا وَالأَمرُ يَحزُبُنا / آناً وَآوِنَةً تَنتابُنا النِقَمُ
فَالناسُ في شِدَّةٍ وَالدَهرُ في كَلَبٍ / وَالعَيشُ قَد حارَ فيهِ الحاذِقُ الفَهِمُ
وَلِلسِياسَةِ فينا كُلَّ آوِنَةٍ / لَونٌ جَديدٌ وَعَهدٌ لَيسَ يُحتَرَمُ
بَينا نَرى جَمرَها تُخشى مَلامِسُهُ / إِذا بِهِ عِندَ لَمسِ المُصطَلي فَحَمُ
تُصغي لِأَصواتِنا طَوراً لِتَخدَعَنا / وَتارَةً يَزدَهيها الكِبرُ وَالصَمَمُ
فَمِن مُلايَنَةٍ أَستارُها خُدَعٌ / إِلى مُصالَبَةٍ أَستارُها وَهَمُ
ماذا يُريدونَ لا قَرَّت عُيونُهُمُ / إِنَّ الكِنانَةَ لا يُطوى لَها عَلَمُ
كَم أُمَّةٍ رَغِبَت فيها فَما رَسَخَت / لَها عَلى حَولِها في أَرضِها قَدَمُ
ما كانَ رَبُّكَ رَبُّ البَيتِ تارِكَها / وَهيَ الَّتي بِحِبالٍ مِنهُ تَعتَصِمُ
لَبَّيكَ إِنّا عَلى ما كُنتَ تَعهَدُهُ / حَتّى نَسودَ وَحَتّى تَشهَدَ الأُمَمُ
فَيَعلَمَ النيلُ أَنّا خَيرُ مَن وَرَدوا / وَيَستَطيلَ اِختِيالاً ذَلِكَ الهَرَمُ
هَذا الغِراسُ الَّذي والَيتَ مَنبِتَهُ / بِخَيرِ ما والَتِ الأَضواءُ وَالنَسَمُ
أَمسى وَأَضحى وَعَينُ اللَهِ تَحرُسُهُ / حَتّى نَما وَحَلاهُ المَجدُ وَالشَمَمُ
فَاُنظُر إِلَيهِ وَقَد طالَت بَواسِقُهُ / تَهنَأ بِهِ وَلِأَنفِ الحاسِدِ الرَغَمُ
يا أَيُّها النَشءُ سيروا في طَريقَتِهِ / وَثابِروا رَضِيَ الأَعداءُ أَو نَقِموا
فَكُلُّكُم مُصطَفى لَو سارَ سيرَتَهُ / وَكُلُّكُم كامِلٌ لَو جازَهُ السَأَمُ
قَد كانَ لا وانِياً يَوماً وَلا وَكِلاً / يَستَقبِلُ الخَطبَ بَسّاماً وَيَقتَحِمُ
وَأَنتَ يا قَبرُ قَد جِئنا عَلى ظَمَإٍ / فَجُد لَنا بِجَوابٍ جادَكَ الدِيَمُ
أَينَ الشَبابُ الَّذي أودِعتَ نَضرَتَهُ / أَينَ الخِلالُ رَعاكَ اللَهُ وَالشِيَمُ
وَما صَنَعتَ بِآمالٍ لَنا طُوِيَت / يا قَبرُ فيكَ وَعَفّى رَسمَها القِدَمُ
أَلا جَوابٌ يُرَوّي مِن جَوانِحِنا / ما لِلقُبورِ إِذا ما نودِيَت تَجِمُ
نَم أَنتَ يَكفيكَ ما عانَيتَ مِن تَعَبٍ / فَنَحنُ في يَقظَةٍ وَالشَملُ مُلتَئِمُ
هَذا لِواؤُكَ خَفّاقٌ يُظَلِّلُنا / وَذاكَ شَخصُكَ في الأَكبادِ مُرتَسِمُ