المجموع : 5
إن لم أقف حيثُ جيش الموت يزدحمُ
إن لم أقف حيثُ جيش الموت يزدحمُ / فلا مشت بِيَ في طُرقِ العلا قدمُ
لا بدَّ أن أتداوى بالقنا فلقد / صبرتُ حتَّى فؤادي كلّه ألم
عندي من العزم سرٌّ لا أبوحُ به / حتَّى تبوحَ به الهنديّة الخُذم
لا أرضعت لي العلا ابناً صفو درَّتِها / إن هكذا ظلَّ رُمحي وهو مُنفطمُ
إليةً بضبا قومي التي حَمِدت / قدماً مواقعَها الهيجاءُ لا القِممُ
لأحلِبنَّ ثدي الحرب وهي قناً / لِبانُها من صدور الشوسِ وهو دمُ
مالي أُسالم قوماً عندهم تِرتي / لا سالمتني يدُ الأيَّام إن سَلِموا
مَن حامِلٌ لوليّ الأمرِ مألكةً / تُطوى على نفثاتٍ كلها ضَرم
يا بن الأُلى يُقعِدون الموتَ إن نهضت / بهم لدى الروعِ في وجه الضُبا الهِممُ
الخيلُ عندك ملَّتها مرابطها / والبيضُ منها عَرى أغمادَها السأمُ
هذي الخدور ألا عدَّاءَ هاتكةً / وذي الجباه ألا مشحوذةً تسم
لا تطهرُ الأرضُ من رجسِ العدى أبداً / ما لم يَسِل فوقها سيل الدمِ العرم
بحيثُ موضع كلٍّ منهم لك في / دماه تغسِله الصمصامةُ الخذمُ
أُعيذ سيفَكَ أن تصدى حديدتهُ / ولم تكن فيه تُجلى هذه الغِمم
قد آن أن يمطرَ الدنيا وساكِنها / دماً أغرَّ عليه النقعُ مرتكم
حرَّان تدمغ هامَ القومِ صاعقةٌ / من كفِّه وهي السيفُ الذي علموا
نهضاً فمن بظُباكم هامهُ فلقت / ضرباً على الدين فيه اليومَ يحتكم
وتلك أنفالُكم في الغاصِبينَ لكم / مقسومةٌ وبعينِ الله تُقتسم
جرائم آذنتهم أن تعاجلَهم / بالانتقام فهلاّ أنت منتقم
وإنَّ أعجب شيء أن أبثَّكها / كأَنَّ قلبك خالٍ وهو مُحتدم
ما خلتُ تقعد حتَّى تُستثارَ لهم / وأنتَ أنت وهم فيما جنوهُ همُ
لم تُبقِ أسيافهم منكم على ابن تقًى / فكيف تُبقي عليهم لا أباً لهمُ
فلا وصفحِكَ إنَّ القوم ما صفحوا / ولا وحلمكَ إنَّ القومَ ما حلموا
فَحملَ أُمك قدماً أسقطوا حنقاً / وطفل جدّك في سهمِ الردى فطموا
لا صبرَ أو تضعَ الهيجاءُ ما حملت / بطلقةٍ معها ماءُ المخاضِ دمُ
هذا المحرّم قد وافتك صارخةً / ممَّا استحلُّوا به أيامهُ الحُرمُ
يملأنَ سمعكَ من أصوات ناعيةٍ / في مسمع الدهر من إعوالها صمم
تنعى إليك دماءً غاب ناصرُها / حتَّى أُريقت ولم يرفع لكم علم
مسفوحةً لم تُجب عند استغاثتِها / إلاَّ بأدمع ثكلى شفَّها الألمُ
حنَّت وبين يديها فِتيةٌ شَرِبت / من نحرها نُصبَ عينيها الضُّبا الخُذمُ
مُوسّدين على الرمضاءِ تنظرهم / حرَّى القلوب على ورد الردى ازدحموا
سقياً لثاوينَ لم تَبلل مضاجِعَهم / إلاَّ الدماءُ وإلاّ الأدمُعُ السجم
أفناهُمُ صَبرهم تحت الضُّبا كرماً / حتَّى قضوا ورداهم ملؤه كرمُ
وخائضينَ غمار الموت طافحةً / أمواجُها البيضُ بالهاماتِ تَلتطمُ
مشوا إلى الحرب مشي الضارياتِ لها / فصارعوا الموتَ فيها والقنا أُجمُ
ولا غضاضة يوم الطفِّ أن قُتلوا / صبراً بهيجاء لم تثبت لها قدم
فالحرب تعلم إن ماتوا بها فلَقَد / ماتت بها مِنهم الأسيافُ لا الهِممُ
أبكيهم لعوادي الخيل إن ركبت / رؤسها لم تكفكف عزمَها اللجم
وللسيوف إذا الموت الزؤامُ غدا / في حدِّها هو والأرواحُ يختصِمُ
وحائراتٍ أطارَ القومُ أعيُنَها / رُعباً غداة عليها خِدرَها هَجموا
كانت بحيثُ عليها قومُها ضربت / سُرادقاً أرضُهُ من عزِّهم حرمُ
يكاد من هيبةٍ أن لا يطوفَ به / حتَّى الملائكُ لولا أنَّهم خَدمُ
فغودرت بين أيدي القوم حاسرةً / تُسبى وليس لها مَن فيه تَعتصِمُ
نعم لوت جيدَها بالعتب هاتِفةً / بقومِها وحشاها ملؤه ضَرمُ
عجَّت بهم مُذ على أبرادها اختلفت / أيدي العدوِّ ولكن مَن لَها بِهم
نادت ويا بُعدهم عنها مُعاتِبةً / لهم ويا ليتهم من عتبها أمم
قومي الأُلى عُقدت قِدماً مآزرُهم / على الحميَّة ما ضِيموا ولا اهتضموا
عهدي بهم قِصرُ الأعمارِ شأنهمُ / لا يهرمون وللهيّابة الهرم
ما بالُهُم لا عَفت منهم رسومهُم / قرُّوا وقد حملتنا الأنيقُ الرسم
يا غادياً بمطايا العزم حمّلها / همًّا تضيق به الأضلاع والحُزم
عرِّج على الحيِّ من عمرو العلى وأرح / منهم بحيثُ اطمأنَّ البأس والكرم
وحيّ منهم حماةً ليس بابنِهمُ / مَن لا يرفُّ عليه في الوغى العلم
المشبعين قِرًى طيرَ السما ولهم / بمنعة الجار فيهم يشهدُ الحرم
والهاشمينَ وكلُّ الناسِ قد علموا / بأنَّ للضيف أو للسيف ما هشموا
كماةُ حربٍ ترى في كلّ باديةٍ / قتلى بأسيافهم لم تحوها الرجم
كأَنَّ كلّ فلاً دارٌ لهم وبها / عيالها الوحش أو أضيافها الرُخم
قِف منهم موقفاً تغلي القلوبُ به / من فورة العتب واسأل ما الذي بهم
جَفَّت عزائمُ فهرٍ أم تُرى بَردت / منها الحمية أم قد ماتت الشيم
أم لم تجد لذعَ عتبي في حشاشتها / فقد تساقَطَ جمراً من فمي الكلم
أين الشهامة أم أين الحفاظ أما / يأبى لها شرفُ الأحسابِ والكرم
تُسبى حرائرها بالطفّ حاسرةً / ولم تكن بغُبار الموت تلتثمُ
لمن أُعدَّت عتاقُ الخيل إن قعدت / عن موقفٍ هُتكت منها به الحرم
فما اعتذارُكِ يا فهرٌ ولم تثبي / بالبيض تُثلم أو بالسمر تنحطم
أجل نساؤكِ قد هزَّتكِ عاتِبةً / وأنتِ من رقدةٍ تحت الثرى رمم
فلتُلفت الجيدَ عَنك اليوم خائبةً / فما غناؤكِ حالت دونكِ الرجم
يا جوهرَ المجدِ بل يا جوهَرَ الكرمِ
يا جوهرَ المجدِ بل يا جوهَرَ الكرمِ / أمنتَ من عرضِ الآلامِ والسَقَمِ
ولا أصابَكَ داءٌ يا شفاءَ بَني / الآمالِ من مرضِ الإقتارِ والعُدمِ
أنتَ الذي تتداوى الناسُ قاطبةً / في خصبِ نائله في شدّةِ القُحَم
لا غروَ أن شَكَتِ الدُنيا وساكنُها / داءً أجارَكَ منهُ بارئُ النسم
فالدهرُ أنتَ له روحٌ مُدبّرةٌ / ويُؤلمُ الجِسم ما بالروحِ من ألَمِ
واليومَ بُشرى لنا صحَّت بصحتِكَ ال / دُنيا وزالت غَواشي الهمِّ والغُممِ
وأصبحت أوجهُ الأيامِ مُسفرةً / من البشاشةِ تجلو ثغرَ مُبتسِم
نعم وعينُ المعالي قَرَّ ناظِرُها / إذ بُرءُ إنسانِها من أكبر النِعَم
بُرءٌ ولكنَّه منَّا لكل حشاً / حَوت على الودِّ قلباً غيرَ مُتّهمِ
وصحَّةٌ وشفاءٌ وانتعاشُ قوىً / لكن لنَفسِ العُلى والمجدِ والكرمِ
أَما ومجدِك يا بن المصطفى قسماً / من عالمٍ إنَّ هذا أعظمُ القَسَمِ
لقد غدا بِشفاكَ الدينُ مبتهجاً / لعلمِه ما لَهُ إلاَّك من عَلَم
لله بُرؤكَ من شكوىً بها لكَ دا / مَ الأجرُ وهي بحمدِ الله لم تَدُمِ
آلُ النبي بها كانوا أسرَّ أمِ النبيُ / بل شَرَعٌ هُم في سُرورِهمِ
وهل بدعوةِ أهلِ الأرضِ أم بِدُعا / أهلِ السَما عنكَ زالَت أم بِكُلِّهِمِ
إن قلتَ عذراً لها ما أبطأت سَأَما
إن قلتَ عذراً لها ما أبطأت سَأَما / فربَّ معتذرٍ يوماً وما اجترما
وكيف تسأمُ من إهداء تهنيةٍ / كم علَّلت قبلُ فيها المجدَ والكرما
كانت تَمنَّى على الله الشفا لأبي ال / هادي لتملأَ أكباد العدى ضرما
بكلّ سيّارةٍ في الأرضِ ما فَتحت / بمثلها أبداً أُمُّ القريضِ فما
تشعُّ فهي لعينٍ كوكبٌ شرقٌ / وجمرةٌ لحشاً في نادها وُسِما
فهل تظنُ وربُّ العرشِ خوَّلها / ما قد تمنَّت وذاك الداءُ قد حُسما
ينامُ منها لسانُ الشكرِ عن سأمٍ / إذاً لسانيَ حتفاً نامَ لا سئما
سائِل بها الشرف الوضّاحَ هل كَفرت / نعماه أو عَبدت من دونِه صَنما
لا يَنقَمُ المجد منها أنَّها خَفِرت / في خيرِ عترتِه يوماً له ذِمَما
لكنَّها لهناةٍ عن ولادتِها / طروقةُ الفكرِ حالت لا الوفا عَقُما
وقد تحيلُ لُقاحاً طالما نَتجت / واستقبلَ الحيُّ من إنتاجها النِعما
بكرٌ من النظمِ لم يُثقِب لئالئَها / فكرٌ ولا فوقَ نحرٍ مثلُها نُظِما
مولودةٌ في ثيابِ الحسنِ قد رَضَعت / دَرَّ النُهى في زمان عنه قد فُطِما
قد أقبلت وطريقُ الحسنِ متّسعٌ / تضيقُ خُطواً وإن لم تَقترف جُرما
ما قدَّمت قدماً تبغي الوصولَ بها / إلاَّ وأخَّرها تقصيرُها قَدَما
حتَّى ألمَّت بأكنافِ الذين بهم / عن الوليِّ يحطُّ الخالقُ اللمَما
قومٌ يُؤدّبُ جهلَ الدهرِ حلمهُم / حتَّى ترى الدهرَ بعدَ الجهلِ قد حَلُما
وجودُهم يتداوى المُسنَتونَ به / ما اعتلَّ بالجدبِ عامٌ بالورى أزِما
فكيف مرَّت شكاةٌ ساورت لَهُمُ / عضواً من المجدِ سُرَّ المجدُ إذ سَلِما
أبكَت وأضحكَت العَلياءَ والكرما / روعاءُ قطّب فيها الدهرُ وابتسما
دجّت ببؤسٍ فلم تَبرح تضاحِكُها / بوارقُ اللُّطفِ حتَّى أمطرت نِعما
أمَّت قليلاً وهبَّت في جوانِحها / مِن الدعاءِ قَبولٌ فانجلت أمما
أضحى طَريفاً لنا نشر السرورِ بها / لنشرِنا ذلك البشرَ الذي قَدِما
مسرَّةٌ لأبي الهادي أعادَ بها / بُرءُ الحسينِ لنا العهدَ الذي قدُما
إذ قد جنى الدهرُ ما لم تَستطع مَعهُ / نشرَ المسرَّةِ لكن راجَعَ الندما
فأتبَعَ الفرحةَ الأُولى بثانيةٍ / لم تُبقِ في الأرضِ لا غمًّا ولا غُمما
فارشفِ المجدَ في كلتيهما طَرباً / راحَ التهاني وقَرِّط سمعه نَغما
وقُل وإن صُمَّ سمعٌ من أخي حَسدٍ / فسرَّني أنه ما فارق الصمما
ليُهنِكَ النعمةُ الكبرى أبا حسنٍ / في صحَّةٍ لم تدَع في مُهجةٍ سَقما
أنت الذي رَمَقت عينُ الرشادِ به / فما رأت بكَ يا إنسانَها ألَما
وقد صبرتَ وكانَ الصبرُ منك رضى / عن الإِلهِ وتسليماً لما حَكما
أصالحٌ أنت أم أيوبُ بل قَسماً / بما تخمّلتَ مِن ضُرٍّ لأنتَ هُما
وهبكَ لم تكُ مَبعوثاً كما بُعثا / فقد ورثتَ بحمدِ الله ما عَلِما
سقمٌ وما مسَّكَ الشيطانُ فيه لقد / حكيتَ أيوبَ صبراً عندما سَقُما
حتَّى علمنا بأنَّ الابتلاءَ به / ما للنبيينَ عندَ اللهِ للعلما
آلَ الإِلهُ أقرّ اللهُ أعينكُم / بالمُبكِيَنِ عيونَ الحاسدين دما
بِشراً فتلك يدُ البُشرى ببُرئِهما / مَرَّت على جُرحِ قلبِ الدين فالتحما
كانت ولكن لقلب الدهرِ مُوجعةً / كادت مضاضتُها تستأصِلُ النَسما
قد ودَّ أهلُ السما والأرضِ أنَّ لكم / ثوابَها وعليهم داؤُها انقسما
لقد أعادَ على الفيحاءِ فضلكُمُ / شبابَها بعد ما قد عنَّست هَرَما
كم ابنُ فهدٍ غدا فيها لعُدّة دا / عِيكم وكم لأياديكم من ابنِ نما
نَضيتُمُ للمقالِ الفصلِ ألسنةً / لو تقرع السيفَ يوماً صدرُه انثلما
رياسةٌ في الهدى أنتم أحقُّ بها / مَن كانَ جاذَبكم أبرادَها أَثِما
حيثُ الإِمامةُ من مهديِّها نصَبت / لها النُبوَّةُ في أحكامِها عَلما
مِن قابض ورعاً عن كلِّ مُشتبهٍ / أناملاً لم تزل مبسوطةً دِيَما
مولًى هو الكعبةُ البيت الحرامُ لنا / أضحى وأضحت بَنوه الأشهر الحرُما
قومٌ هُم عُلماء الدينِ سادة خلقِ / اللهِ أكرمُ من فوق الثرى شِيما
همُ البدورُ أنارَ اللهُ طلعتَها / لها الكواكبُ قلَّت أن تُرى خدَما
من طِينةٍ أبداً تبيضُّ عن كرمٍ / ما اسودَّ طينُ رجالٍ في الورى لؤما
إليكموها هداةَ الخلقِ باهرةً / لسانُها قال فيكم بالذي عَلِما
إن أُنس فيكم زهيراً بالثناءِ لكم / فأنتم لي قد أنسيتم هرما
إذا كتبتُ فخطِّي زهرُ آكامِ
إذا كتبتُ فخطِّي زهرُ آكامِ / ولؤلؤٌ زنتُ فيه جيدَ أيامي
كأَنَّ في كفِّي البيضا بإنعام / بين الأناملِ فوقَ الطرسِ أقلامي
غيدٌ بحزوى تهادى بين آرام /
وفي البياضِ مِدادي لا يُقاسُ به / سوى احورار العذارى في تناسُبه
وخالُها حُسنُ نَقطي في ضرائبه / والسطرُ في كلمي في رِقِّ كاتبِه
سلكٌ بدا درُّهُ في كفِّ نظَّام /
ربُّ الفصاحةِ والأقلامِ من رُسُلي / وصحفها غرُّ آيِ الشعرِ من قِبَلي
وما تنزَّهتُ عن قولي ولم أقلِ / أنا كليمُ المعاني واليراعةُ لي
هي العصا والمعاني الغرُّ أغنامي /
إنِّي عن الروحِ أعلا الخلقِ مَنزِلةً / عن كلِّ آيٍ أتت في الذكرِ مُنزَلَةً
عن الإِلهِ الذي عمَّ الورى صِلةً / أروي أحاديثَ آبائي مُسلسَلةً
كما روت نَشَواتي بنتُ بسطام /
أنا الذي زَلزَلَ الدنيا وأهلَها / ولفَّ في آخرِ الغبراءِ أوَّلها
والبيضُ تشهدُ لو جرَّدتُ أنصلها / في الكرِّ والفرِّ هاماتُ الكماةِ ها
وقعُ الدخيلِ على أقدامِ أقدامي /
يا دهرُ ما شئتَ فاصنع هان ما عظما
يا دهرُ ما شئتَ فاصنع هان ما عظما / هذا الذي للرزايا لم يدع ألما
رزءٌ تلاقت رزايا الدهر فاجتمعت / فيه فهوّن ما يأتي وما قدما
ما بالُ أمُّ الليالي فيه قد حملت / فليتها وأبا أيامها عقما
لقد تحكَّم في الدنيا فنالَ بها / من النواظر والأحشاء ما احتكما
مضى الذي طبقتها كفُّه نعماً / فطبقتها الليالي بعده نقما
الآن غودرت الآمال حائمةً / وأين في الدهر منها من يبلُّ فما
وقبَّةُ المجد قد مالت ولا عجبٌ / فإنَّ أثبت أركان العُلى انهدما
فلينتظم مأتماً عمرُ الزمان لمن / بالصالحات جميعاً عمرُه انتظما
ولتحتلب عينها الدنيا لمن يدُه / كانت حلوبة جودٍ تقتل الأزما
وكيفَ تسأمُ من دمعٍ تتابعه / ومن متابعة النعماء ما سئما
في الكفِّ ما زرعت حسن الرجاء له / إلاَّ وأمطرها من كفِّه كرما
يا آخذاً كلَّ قلبٍ في ملامته / دع الملام وشاطرني الدموعَ دما
واقرعْ بلومك سمعَ الدهر حيث أتى / برنَّةٍ تركته يشتكي الصمما
طويتَ من يستظلُّ المعدمونَ به / فليتَ يا دهرُ قسراً ظلُّكَ انعدما
هل يعلم الزمنُ الغدَّار لا علما / ماذا به هجم المقدارُ لا هجما
فأيُّ رزءٍ بأيِّ الناس يكبر في / صدر الأنام سوى هذا الذي دهما
أفي ذوي الحلم فالثاوي زعيمُهم / أم في بني العُلى فالثاوي أبو العلما
أم في الأنام جميعاً فالذي افتقدوا / هو الذي جمعت أبراده الأُمما
بل كلُّ ميتٍ له ثلمٌ بحوزته / لكنَّ في موته الإِسلام قد ثلما
قام النعي على دار السلام له / فقلت بعدك ليت الكون ما سلما
ما زال بشرُك بالعافين ملتمعاً / حتَّى تحوَّل في أحشائهم ضرما
وإن بكتك فلا منٌّ عليك بها / بماء جودك جاري جفنك انسجما
هذي الدموع بقايا ماء عيشهم / من فضل ما كنت توليهم عليك همى
إن لم تفض بك عن وجدٍ نفوسهم / فسوف بعدك من قربٍ تفيضُ ظما
يا راحلاً ولسان الحال ينشدُه / وللمقال لسانٌ بالأسى انعجما
واهاً أبا المصطفى ماذا يقولُ فمي / وما البلى منك أبقى للجوابِ فما
الموت حتمٌ وإن كانَ المنى لك أن / تبقى ولو جاوزت أيَّامُك الهرما
لكن أتقضي بحيث الشمُّ راغمةٌ / من أزمةٍ لم تدع في معطس شمما
هلاّ بقيتَ لها في هذه السنة ال / شهباء تحفظ من أمجادها الحرما
أحين فيها اقشعرَّ العام وانبعثت / غبراء أمحلت الغيطان والأكما
تمضي وتتركها في عام مسبغةٍ / فمن لها وإلى من تشتكي القحما
أوقتُ موتك هذا والورى حشدت / هذي الخطوب عليها والبلا ارتكما
وددت يومك لم يجرِ القضاءُ به / لو كانَ للوح أنْ يستوقفُ القلما
حتَّى تُفرِّج غمَّاءَ الجدوب كما / فرَّجت من قبلها أمثالها غمما
ماذا يُراد بأهل الأرض فابتدرت / دهياءُ يوشك أن تستأصل النسما
أشارَ ربُّكَ إرسالَ العذاب بها / لمَّا جنوها ذنوباً تهتك العصما
فغيَّض الماءَ من أنهارها وطوى / بالموت شخصك عنها والحيا انعدما
مشت بنعشك أهلُ الأرض تحمله / فخفَّ حتَّى كأنْ لم يحملوا علما
وما دروا رفعته من كرامته / أهلُ السماء على أكتافها عظما
لم يرفعوا قدماً إلاَّ وقد وضعتْ / من قبلهم غرُّ أملاك السما قدما
كأنَّ نعشك محمولٌ به ملكٌ / وخلفه العالمُ الأعلى قد ازدحما
ساروا بها وسماءُ الدمع ترسلها / لك النواظرُ مدراراً ولا سأما
وهبَّ حين التقى ماءُ العيون على / أمرٍ نزا منه قلب الموت واضطرما
فكنت نوحاً وكان الفلك نعشك وال / طوفانُ فائرَ دمعٍ أغرق الأُمما
إنْ يحملوك على علمٍ فما حملوا / إلاَّ الركانة والأخطارَ والهمما
أو يدفنوك على علمٍ فما دفنوا / إلاَّ المحاسنَ والأخلاقَ والشيما
أو ينفضوا الكفَّ من تربٍ به دفنوا / ميتاً فتربُك بالأفواه قد لثما
كأنَّ قبرك فوق الأرض نجمُ سما / أو أنَّه في ثراه حلَّ نجمُ سما
يا نازلاً حيث لا صوتي يلمُّ به / عليك أمُّ المعالي جزَّت اللمما
واستوقفت بحشاها الركب في جدثٍ / بجود كفِّك لا بالغيث قد وسما
نادت بشجوٍ خذوا لي في حقائبكم / حشاشةً ملئت من مجدها سقما
قفوا بها واعقروها وانضحوا دمها / على ثرًى أمس قد واروا به الكرما
وقفت بعدك والزوراء أنشدها / أين الذي كانَ للاّجين معتصما
وأين من يزهر النادي بطلعته / للزائرين ويجلو عنهم الغمما
ومن بنى لقرى الأضياف دار عُلى / عمادُها الفخر فيه طاولت إرما
ومن تُردُّ جميعُ المشكلات له / إذا القضيَّة أعيا فصلُها الحكما
وأينَ للشتوة الغبراء مَن كرماً / ما قطَّب العام إلاَّ ثغرُه ابتسما
وأين مَن كانَ للعافينَ يلحفها / جناحَ رحمته ما دهرُه أزما
لا فرقَ ما بينَ أقصاها إذاً نسبا / عنه وما بين أدناه له رحما
وأين مَن ليتامى الناس كانَ أباً / في برِّه قد تساوت كلُّهم قسما
في فقد آبائها لليتم ما عرفت / لكنَّها عرفت في فقدها اليُتما
أحببت في الله كتمان الصنيع ولا / يزداد إلاَّ ظهوراً كلما كتما
من كانَ يحلف أن لم يعتلقْ أبداً / إثمٌ ببردك لم يحنث ولا أثما
ألا وقتك حشا العافين صائبةً / ولا وقاءً إذا رامي القضاء رمى
وهل توفّيك شكر المنعمين وقد / طوّقت حيًّا وميتاً جيدهما نعما
بالأمس وجهك يستسقى الغمامُ به / واليوم قبرُك تستسقى به الديما
وكنت ريَّ صداها فاستنبتَّ لها / ممن ولدت بحاراً للندى فعما
فأين مثلك تلقى الناسُ ذا كرمٍ / ومنك في حالة ما فارقوا الكرما
يا غائباً ما جرت في القلبِ ذكرتُه / إلاَّ ترقرقَ دمعُ العينِ وانسجما
لا غروَ أن يعقد الإِسلامُ حوزته / جميعها مأتماً يوري الحشا ضرما
فالثاكل الدينُ والمثكولُ شخصك وال / ناعي الهُدى والمعزِّي خاتمُ العلما
محمدٌ حسنٌ نظم الثناء له / فقلَّ في سلك تقواه من انتظما
سقت ضريحك من جدواك واكفةٌ / وطفاءُ ترضع درًّا ما الحيا فطما
أعيذ قلبك أن يهفو به حذرٌ / على المكارم أو يغدو لها وجما
طبْ في ثرى الأرض نفساً لا النديُّ خلا / من الوفودِ ولا عهدُ الندى انصرما
قامت مقامك فيه فتيةٌ ضربتْ / على السماء لها علياؤها خيما
وكيف يُظلمُ ربعٌ من عُلاكَ به / أبو الأمين سراجٌ يكشف الظلما
بقيةٌ من أبيكَ المصطفى رفعت / به علاه وفيه مجدُه دعما
أحبَّ قربك واستبقاه خالقُه / ركناً تطوف به الآمالُ مستلما
وأنت يا حرم المجد المنيف عُلًى / لا راعك الدهر واسلم للعُلى حرما
إنْ يوحشنَّك ما من بدرك انكتما / فليؤنسنَّك من نجميه ما نجما
لولا ابنه المصطفى للجودِ قلت شكت / من بعد إنسانها عينُ الرجا عمى
ندبٌ به فتح المعروفُ ثانيةً / من بعدما بأبيه أولاً حتما
مَن يلقه قالَ هذا في شمائله / محمدٌ صالحٌ أن يغتدي علما
حلوُ الخلائق في جيلٍ لهم خلقٌ / لو مازج الكوثر الخلديَّ ما طعما
ما شاهدت عظماءُ الأرض هيبته / إلاَّ وطأطأت الأعناقَ والقمما
والمشتري الحمدَ والأشرافُ أكسبها / لجوهر الحمد أغلاها به قيما
من لو يجود لعافٍ في نقيبته / لم يقرع السنَّ في آثارها ندما
لو قالَ قومٌ نرى بالجودِ مشبهه / لقلتُ هاتوا وعدُّوا العرب والعجما
أستغفرُ الله إنْ شبَّهت أنمله / بالقطرِ منسجماً والبحر ملتطما
نعم حكاه أخوه مَن به ظهرت / مخائلٌ من أبيه تفضحُ الديما
محمدٌ وكفى أنَّ الزمان لنا / عن منظرٍ حسنٍ منه قد ابتسما
إذا بدا سمت الألحاظ ترمقه / تخاله بهلال العيد ملتثما
من لفظه العذب إن شئت التقط درراً / أو فاقتطف زهراً أو فاقتبس حكما
فاهتف بمن ماتَ من أهل العلاء وقل / لولا الردى لا افتضحتم فاشكروا الرجما
قد أطلع المجدُ في أُفق العُلى قمراً / يا فرحة الشهب لو تغدو له خدما
أمات نشر مساعيه مساعيكم / حتَّى انطوت مثلكم تحت الثرى رمما
فلو رآه زهير في شبيبته / إذاً لفدَّاه واختارَ الفدا هرما
من دوحةٍ ما نمتْ إلاَّ الغصونُ عُلًى / وكلُّ غصنٍ بماء المكرمات نما
كارم لها الغيث واستشهد لها بندى / الجواد ثمَّ اروِ كيف الغيث قد لؤما
وفاخر البدرَ في لألاء غرَّته / وحكِّم الشرف الوضَّاح والعتما
واصدع بنجم العُلى الهادي بطلعته / دجى همومك واستكشف به الغمما
ومن أمين الندى فاعقد يديك على / أوفى البريَّةِ في أوفى الندى ذمما
يا أسرة المجد لا زلتم بأسرتكم / عقداً على نحر هذا الدهر منتظما
صبراً بني الحلم إنَّ الحلم منزلةٌ / حتَّى لمن منكمُ لم يبلغ الحلما
وحسبكم مصطفى العلياء فهو لكم / نعم الزعيمُ به شمل العُلى التأما