القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : السّيد حَيْدَر الحِلّي الكل
المجموع : 5
إن لم أقف حيثُ جيش الموت يزدحمُ
إن لم أقف حيثُ جيش الموت يزدحمُ / فلا مشت بِيَ في طُرقِ العلا قدمُ
لا بدَّ أن أتداوى بالقنا فلقد / صبرتُ حتَّى فؤادي كلّه ألم
عندي من العزم سرٌّ لا أبوحُ به / حتَّى تبوحَ به الهنديّة الخُذم
لا أرضعت لي العلا ابناً صفو درَّتِها / إن هكذا ظلَّ رُمحي وهو مُنفطمُ
إليةً بضبا قومي التي حَمِدت / قدماً مواقعَها الهيجاءُ لا القِممُ
لأحلِبنَّ ثدي الحرب وهي قناً / لِبانُها من صدور الشوسِ وهو دمُ
مالي أُسالم قوماً عندهم تِرتي / لا سالمتني يدُ الأيَّام إن سَلِموا
مَن حامِلٌ لوليّ الأمرِ مألكةً / تُطوى على نفثاتٍ كلها ضَرم
يا بن الأُلى يُقعِدون الموتَ إن نهضت / بهم لدى الروعِ في وجه الضُبا الهِممُ
الخيلُ عندك ملَّتها مرابطها / والبيضُ منها عَرى أغمادَها السأمُ
هذي الخدور ألا عدَّاءَ هاتكةً / وذي الجباه ألا مشحوذةً تسم
لا تطهرُ الأرضُ من رجسِ العدى أبداً / ما لم يَسِل فوقها سيل الدمِ العرم
بحيثُ موضع كلٍّ منهم لك في / دماه تغسِله الصمصامةُ الخذمُ
أُعيذ سيفَكَ أن تصدى حديدتهُ / ولم تكن فيه تُجلى هذه الغِمم
قد آن أن يمطرَ الدنيا وساكِنها / دماً أغرَّ عليه النقعُ مرتكم
حرَّان تدمغ هامَ القومِ صاعقةٌ / من كفِّه وهي السيفُ الذي علموا
نهضاً فمن بظُباكم هامهُ فلقت / ضرباً على الدين فيه اليومَ يحتكم
وتلك أنفالُكم في الغاصِبينَ لكم / مقسومةٌ وبعينِ الله تُقتسم
جرائم آذنتهم أن تعاجلَهم / بالانتقام فهلاّ أنت منتقم
وإنَّ أعجب شيء أن أبثَّكها / كأَنَّ قلبك خالٍ وهو مُحتدم
ما خلتُ تقعد حتَّى تُستثارَ لهم / وأنتَ أنت وهم فيما جنوهُ همُ
لم تُبقِ أسيافهم منكم على ابن تقًى / فكيف تُبقي عليهم لا أباً لهمُ
فلا وصفحِكَ إنَّ القوم ما صفحوا / ولا وحلمكَ إنَّ القومَ ما حلموا
فَحملَ أُمك قدماً أسقطوا حنقاً / وطفل جدّك في سهمِ الردى فطموا
لا صبرَ أو تضعَ الهيجاءُ ما حملت / بطلقةٍ معها ماءُ المخاضِ دمُ
هذا المحرّم قد وافتك صارخةً / ممَّا استحلُّوا به أيامهُ الحُرمُ
يملأنَ سمعكَ من أصوات ناعيةٍ / في مسمع الدهر من إعوالها صمم
تنعى إليك دماءً غاب ناصرُها / حتَّى أُريقت ولم يرفع لكم علم
مسفوحةً لم تُجب عند استغاثتِها / إلاَّ بأدمع ثكلى شفَّها الألمُ
حنَّت وبين يديها فِتيةٌ شَرِبت / من نحرها نُصبَ عينيها الضُّبا الخُذمُ
مُوسّدين على الرمضاءِ تنظرهم / حرَّى القلوب على ورد الردى ازدحموا
سقياً لثاوينَ لم تَبلل مضاجِعَهم / إلاَّ الدماءُ وإلاّ الأدمُعُ السجم
أفناهُمُ صَبرهم تحت الضُّبا كرماً / حتَّى قضوا ورداهم ملؤه كرمُ
وخائضينَ غمار الموت طافحةً / أمواجُها البيضُ بالهاماتِ تَلتطمُ
مشوا إلى الحرب مشي الضارياتِ لها / فصارعوا الموتَ فيها والقنا أُجمُ
ولا غضاضة يوم الطفِّ أن قُتلوا / صبراً بهيجاء لم تثبت لها قدم
فالحرب تعلم إن ماتوا بها فلَقَد / ماتت بها مِنهم الأسيافُ لا الهِممُ
أبكيهم لعوادي الخيل إن ركبت / رؤسها لم تكفكف عزمَها اللجم
وللسيوف إذا الموت الزؤامُ غدا / في حدِّها هو والأرواحُ يختصِمُ
وحائراتٍ أطارَ القومُ أعيُنَها / رُعباً غداة عليها خِدرَها هَجموا
كانت بحيثُ عليها قومُها ضربت / سُرادقاً أرضُهُ من عزِّهم حرمُ
يكاد من هيبةٍ أن لا يطوفَ به / حتَّى الملائكُ لولا أنَّهم خَدمُ
فغودرت بين أيدي القوم حاسرةً / تُسبى وليس لها مَن فيه تَعتصِمُ
نعم لوت جيدَها بالعتب هاتِفةً / بقومِها وحشاها ملؤه ضَرمُ
عجَّت بهم مُذ على أبرادها اختلفت / أيدي العدوِّ ولكن مَن لَها بِهم
نادت ويا بُعدهم عنها مُعاتِبةً / لهم ويا ليتهم من عتبها أمم
قومي الأُلى عُقدت قِدماً مآزرُهم / على الحميَّة ما ضِيموا ولا اهتضموا
عهدي بهم قِصرُ الأعمارِ شأنهمُ / لا يهرمون وللهيّابة الهرم
ما بالُهُم لا عَفت منهم رسومهُم / قرُّوا وقد حملتنا الأنيقُ الرسم
يا غادياً بمطايا العزم حمّلها / همًّا تضيق به الأضلاع والحُزم
عرِّج على الحيِّ من عمرو العلى وأرح / منهم بحيثُ اطمأنَّ البأس والكرم
وحيّ منهم حماةً ليس بابنِهمُ / مَن لا يرفُّ عليه في الوغى العلم
المشبعين قِرًى طيرَ السما ولهم / بمنعة الجار فيهم يشهدُ الحرم
والهاشمينَ وكلُّ الناسِ قد علموا / بأنَّ للضيف أو للسيف ما هشموا
كماةُ حربٍ ترى في كلّ باديةٍ / قتلى بأسيافهم لم تحوها الرجم
كأَنَّ كلّ فلاً دارٌ لهم وبها / عيالها الوحش أو أضيافها الرُخم
قِف منهم موقفاً تغلي القلوبُ به / من فورة العتب واسأل ما الذي بهم
جَفَّت عزائمُ فهرٍ أم تُرى بَردت / منها الحمية أم قد ماتت الشيم
أم لم تجد لذعَ عتبي في حشاشتها / فقد تساقَطَ جمراً من فمي الكلم
أين الشهامة أم أين الحفاظ أما / يأبى لها شرفُ الأحسابِ والكرم
تُسبى حرائرها بالطفّ حاسرةً / ولم تكن بغُبار الموت تلتثمُ
لمن أُعدَّت عتاقُ الخيل إن قعدت / عن موقفٍ هُتكت منها به الحرم
فما اعتذارُكِ يا فهرٌ ولم تثبي / بالبيض تُثلم أو بالسمر تنحطم
أجل نساؤكِ قد هزَّتكِ عاتِبةً / وأنتِ من رقدةٍ تحت الثرى رمم
فلتُلفت الجيدَ عَنك اليوم خائبةً / فما غناؤكِ حالت دونكِ الرجم
يا جوهرَ المجدِ بل يا جوهَرَ الكرمِ
يا جوهرَ المجدِ بل يا جوهَرَ الكرمِ / أمنتَ من عرضِ الآلامِ والسَقَمِ
ولا أصابَكَ داءٌ يا شفاءَ بَني / الآمالِ من مرضِ الإقتارِ والعُدمِ
أنتَ الذي تتداوى الناسُ قاطبةً / في خصبِ نائله في شدّةِ القُحَم
لا غروَ أن شَكَتِ الدُنيا وساكنُها / داءً أجارَكَ منهُ بارئُ النسم
فالدهرُ أنتَ له روحٌ مُدبّرةٌ / ويُؤلمُ الجِسم ما بالروحِ من ألَمِ
واليومَ بُشرى لنا صحَّت بصحتِكَ ال / دُنيا وزالت غَواشي الهمِّ والغُممِ
وأصبحت أوجهُ الأيامِ مُسفرةً / من البشاشةِ تجلو ثغرَ مُبتسِم
نعم وعينُ المعالي قَرَّ ناظِرُها / إذ بُرءُ إنسانِها من أكبر النِعَم
بُرءٌ ولكنَّه منَّا لكل حشاً / حَوت على الودِّ قلباً غيرَ مُتّهمِ
وصحَّةٌ وشفاءٌ وانتعاشُ قوىً / لكن لنَفسِ العُلى والمجدِ والكرمِ
أَما ومجدِك يا بن المصطفى قسماً / من عالمٍ إنَّ هذا أعظمُ القَسَمِ
لقد غدا بِشفاكَ الدينُ مبتهجاً / لعلمِه ما لَهُ إلاَّك من عَلَم
لله بُرؤكَ من شكوىً بها لكَ دا / مَ الأجرُ وهي بحمدِ الله لم تَدُمِ
آلُ النبي بها كانوا أسرَّ أمِ النبيُ / بل شَرَعٌ هُم في سُرورِهمِ
وهل بدعوةِ أهلِ الأرضِ أم بِدُعا / أهلِ السَما عنكَ زالَت أم بِكُلِّهِمِ
إن قلتَ عذراً لها ما أبطأت سَأَما
إن قلتَ عذراً لها ما أبطأت سَأَما / فربَّ معتذرٍ يوماً وما اجترما
وكيف تسأمُ من إهداء تهنيةٍ / كم علَّلت قبلُ فيها المجدَ والكرما
كانت تَمنَّى على الله الشفا لأبي ال / هادي لتملأَ أكباد العدى ضرما
بكلّ سيّارةٍ في الأرضِ ما فَتحت / بمثلها أبداً أُمُّ القريضِ فما
تشعُّ فهي لعينٍ كوكبٌ شرقٌ / وجمرةٌ لحشاً في نادها وُسِما
فهل تظنُ وربُّ العرشِ خوَّلها / ما قد تمنَّت وذاك الداءُ قد حُسما
ينامُ منها لسانُ الشكرِ عن سأمٍ / إذاً لسانيَ حتفاً نامَ لا سئما
سائِل بها الشرف الوضّاحَ هل كَفرت / نعماه أو عَبدت من دونِه صَنما
لا يَنقَمُ المجد منها أنَّها خَفِرت / في خيرِ عترتِه يوماً له ذِمَما
لكنَّها لهناةٍ عن ولادتِها / طروقةُ الفكرِ حالت لا الوفا عَقُما
وقد تحيلُ لُقاحاً طالما نَتجت / واستقبلَ الحيُّ من إنتاجها النِعما
بكرٌ من النظمِ لم يُثقِب لئالئَها / فكرٌ ولا فوقَ نحرٍ مثلُها نُظِما
مولودةٌ في ثيابِ الحسنِ قد رَضَعت / دَرَّ النُهى في زمان عنه قد فُطِما
قد أقبلت وطريقُ الحسنِ متّسعٌ / تضيقُ خُطواً وإن لم تَقترف جُرما
ما قدَّمت قدماً تبغي الوصولَ بها / إلاَّ وأخَّرها تقصيرُها قَدَما
حتَّى ألمَّت بأكنافِ الذين بهم / عن الوليِّ يحطُّ الخالقُ اللمَما
قومٌ يُؤدّبُ جهلَ الدهرِ حلمهُم / حتَّى ترى الدهرَ بعدَ الجهلِ قد حَلُما
وجودُهم يتداوى المُسنَتونَ به / ما اعتلَّ بالجدبِ عامٌ بالورى أزِما
فكيف مرَّت شكاةٌ ساورت لَهُمُ / عضواً من المجدِ سُرَّ المجدُ إذ سَلِما
أبكَت وأضحكَت العَلياءَ والكرما / روعاءُ قطّب فيها الدهرُ وابتسما
دجّت ببؤسٍ فلم تَبرح تضاحِكُها / بوارقُ اللُّطفِ حتَّى أمطرت نِعما
أمَّت قليلاً وهبَّت في جوانِحها / مِن الدعاءِ قَبولٌ فانجلت أمما
أضحى طَريفاً لنا نشر السرورِ بها / لنشرِنا ذلك البشرَ الذي قَدِما
مسرَّةٌ لأبي الهادي أعادَ بها / بُرءُ الحسينِ لنا العهدَ الذي قدُما
إذ قد جنى الدهرُ ما لم تَستطع مَعهُ / نشرَ المسرَّةِ لكن راجَعَ الندما
فأتبَعَ الفرحةَ الأُولى بثانيةٍ / لم تُبقِ في الأرضِ لا غمًّا ولا غُمما
فارشفِ المجدَ في كلتيهما طَرباً / راحَ التهاني وقَرِّط سمعه نَغما
وقُل وإن صُمَّ سمعٌ من أخي حَسدٍ / فسرَّني أنه ما فارق الصمما
ليُهنِكَ النعمةُ الكبرى أبا حسنٍ / في صحَّةٍ لم تدَع في مُهجةٍ سَقما
أنت الذي رَمَقت عينُ الرشادِ به / فما رأت بكَ يا إنسانَها ألَما
وقد صبرتَ وكانَ الصبرُ منك رضى / عن الإِلهِ وتسليماً لما حَكما
أصالحٌ أنت أم أيوبُ بل قَسماً / بما تخمّلتَ مِن ضُرٍّ لأنتَ هُما
وهبكَ لم تكُ مَبعوثاً كما بُعثا / فقد ورثتَ بحمدِ الله ما عَلِما
سقمٌ وما مسَّكَ الشيطانُ فيه لقد / حكيتَ أيوبَ صبراً عندما سَقُما
حتَّى علمنا بأنَّ الابتلاءَ به / ما للنبيينَ عندَ اللهِ للعلما
آلَ الإِلهُ أقرّ اللهُ أعينكُم / بالمُبكِيَنِ عيونَ الحاسدين دما
بِشراً فتلك يدُ البُشرى ببُرئِهما / مَرَّت على جُرحِ قلبِ الدين فالتحما
كانت ولكن لقلب الدهرِ مُوجعةً / كادت مضاضتُها تستأصِلُ النَسما
قد ودَّ أهلُ السما والأرضِ أنَّ لكم / ثوابَها وعليهم داؤُها انقسما
لقد أعادَ على الفيحاءِ فضلكُمُ / شبابَها بعد ما قد عنَّست هَرَما
كم ابنُ فهدٍ غدا فيها لعُدّة دا / عِيكم وكم لأياديكم من ابنِ نما
نَضيتُمُ للمقالِ الفصلِ ألسنةً / لو تقرع السيفَ يوماً صدرُه انثلما
رياسةٌ في الهدى أنتم أحقُّ بها / مَن كانَ جاذَبكم أبرادَها أَثِما
حيثُ الإِمامةُ من مهديِّها نصَبت / لها النُبوَّةُ في أحكامِها عَلما
مِن قابض ورعاً عن كلِّ مُشتبهٍ / أناملاً لم تزل مبسوطةً دِيَما
مولًى هو الكعبةُ البيت الحرامُ لنا / أضحى وأضحت بَنوه الأشهر الحرُما
قومٌ هُم عُلماء الدينِ سادة خلقِ / اللهِ أكرمُ من فوق الثرى شِيما
همُ البدورُ أنارَ اللهُ طلعتَها / لها الكواكبُ قلَّت أن تُرى خدَما
من طِينةٍ أبداً تبيضُّ عن كرمٍ / ما اسودَّ طينُ رجالٍ في الورى لؤما
إليكموها هداةَ الخلقِ باهرةً / لسانُها قال فيكم بالذي عَلِما
إن أُنس فيكم زهيراً بالثناءِ لكم / فأنتم لي قد أنسيتم هرما
إذا كتبتُ فخطِّي زهرُ آكامِ
إذا كتبتُ فخطِّي زهرُ آكامِ / ولؤلؤٌ زنتُ فيه جيدَ أيامي
كأَنَّ في كفِّي البيضا بإنعام / بين الأناملِ فوقَ الطرسِ أقلامي
غيدٌ بحزوى تهادى بين آرام /
وفي البياضِ مِدادي لا يُقاسُ به / سوى احورار العذارى في تناسُبه
وخالُها حُسنُ نَقطي في ضرائبه / والسطرُ في كلمي في رِقِّ كاتبِه
سلكٌ بدا درُّهُ في كفِّ نظَّام /
ربُّ الفصاحةِ والأقلامِ من رُسُلي / وصحفها غرُّ آيِ الشعرِ من قِبَلي
وما تنزَّهتُ عن قولي ولم أقلِ / أنا كليمُ المعاني واليراعةُ لي
هي العصا والمعاني الغرُّ أغنامي /
إنِّي عن الروحِ أعلا الخلقِ مَنزِلةً / عن كلِّ آيٍ أتت في الذكرِ مُنزَلَةً
عن الإِلهِ الذي عمَّ الورى صِلةً / أروي أحاديثَ آبائي مُسلسَلةً
كما روت نَشَواتي بنتُ بسطام /
أنا الذي زَلزَلَ الدنيا وأهلَها / ولفَّ في آخرِ الغبراءِ أوَّلها
والبيضُ تشهدُ لو جرَّدتُ أنصلها / في الكرِّ والفرِّ هاماتُ الكماةِ ها
وقعُ الدخيلِ على أقدامِ أقدامي /
يا دهرُ ما شئتَ فاصنع هان ما عظما
يا دهرُ ما شئتَ فاصنع هان ما عظما / هذا الذي للرزايا لم يدع ألما
رزءٌ تلاقت رزايا الدهر فاجتمعت / فيه فهوّن ما يأتي وما قدما
ما بالُ أمُّ الليالي فيه قد حملت / فليتها وأبا أيامها عقما
لقد تحكَّم في الدنيا فنالَ بها / من النواظر والأحشاء ما احتكما
مضى الذي طبقتها كفُّه نعماً / فطبقتها الليالي بعده نقما
الآن غودرت الآمال حائمةً / وأين في الدهر منها من يبلُّ فما
وقبَّةُ المجد قد مالت ولا عجبٌ / فإنَّ أثبت أركان العُلى انهدما
فلينتظم مأتماً عمرُ الزمان لمن / بالصالحات جميعاً عمرُه انتظما
ولتحتلب عينها الدنيا لمن يدُه / كانت حلوبة جودٍ تقتل الأزما
وكيفَ تسأمُ من دمعٍ تتابعه / ومن متابعة النعماء ما سئما
في الكفِّ ما زرعت حسن الرجاء له / إلاَّ وأمطرها من كفِّه كرما
يا آخذاً كلَّ قلبٍ في ملامته / دع الملام وشاطرني الدموعَ دما
واقرعْ بلومك سمعَ الدهر حيث أتى / برنَّةٍ تركته يشتكي الصمما
طويتَ من يستظلُّ المعدمونَ به / فليتَ يا دهرُ قسراً ظلُّكَ انعدما
هل يعلم الزمنُ الغدَّار لا علما / ماذا به هجم المقدارُ لا هجما
فأيُّ رزءٍ بأيِّ الناس يكبر في / صدر الأنام سوى هذا الذي دهما
أفي ذوي الحلم فالثاوي زعيمُهم / أم في بني العُلى فالثاوي أبو العلما
أم في الأنام جميعاً فالذي افتقدوا / هو الذي جمعت أبراده الأُمما
بل كلُّ ميتٍ له ثلمٌ بحوزته / لكنَّ في موته الإِسلام قد ثلما
قام النعي على دار السلام له / فقلت بعدك ليت الكون ما سلما
ما زال بشرُك بالعافين ملتمعاً / حتَّى تحوَّل في أحشائهم ضرما
وإن بكتك فلا منٌّ عليك بها / بماء جودك جاري جفنك انسجما
هذي الدموع بقايا ماء عيشهم / من فضل ما كنت توليهم عليك همى
إن لم تفض بك عن وجدٍ نفوسهم / فسوف بعدك من قربٍ تفيضُ ظما
يا راحلاً ولسان الحال ينشدُه / وللمقال لسانٌ بالأسى انعجما
واهاً أبا المصطفى ماذا يقولُ فمي / وما البلى منك أبقى للجوابِ فما
الموت حتمٌ وإن كانَ المنى لك أن / تبقى ولو جاوزت أيَّامُك الهرما
لكن أتقضي بحيث الشمُّ راغمةٌ / من أزمةٍ لم تدع في معطس شمما
هلاّ بقيتَ لها في هذه السنة ال / شهباء تحفظ من أمجادها الحرما
أحين فيها اقشعرَّ العام وانبعثت / غبراء أمحلت الغيطان والأكما
تمضي وتتركها في عام مسبغةٍ / فمن لها وإلى من تشتكي القحما
أوقتُ موتك هذا والورى حشدت / هذي الخطوب عليها والبلا ارتكما
وددت يومك لم يجرِ القضاءُ به / لو كانَ للوح أنْ يستوقفُ القلما
حتَّى تُفرِّج غمَّاءَ الجدوب كما / فرَّجت من قبلها أمثالها غمما
ماذا يُراد بأهل الأرض فابتدرت / دهياءُ يوشك أن تستأصل النسما
أشارَ ربُّكَ إرسالَ العذاب بها / لمَّا جنوها ذنوباً تهتك العصما
فغيَّض الماءَ من أنهارها وطوى / بالموت شخصك عنها والحيا انعدما
مشت بنعشك أهلُ الأرض تحمله / فخفَّ حتَّى كأنْ لم يحملوا علما
وما دروا رفعته من كرامته / أهلُ السماء على أكتافها عظما
لم يرفعوا قدماً إلاَّ وقد وضعتْ / من قبلهم غرُّ أملاك السما قدما
كأنَّ نعشك محمولٌ به ملكٌ / وخلفه العالمُ الأعلى قد ازدحما
ساروا بها وسماءُ الدمع ترسلها / لك النواظرُ مدراراً ولا سأما
وهبَّ حين التقى ماءُ العيون على / أمرٍ نزا منه قلب الموت واضطرما
فكنت نوحاً وكان الفلك نعشك وال / طوفانُ فائرَ دمعٍ أغرق الأُمما
إنْ يحملوك على علمٍ فما حملوا / إلاَّ الركانة والأخطارَ والهمما
أو يدفنوك على علمٍ فما دفنوا / إلاَّ المحاسنَ والأخلاقَ والشيما
أو ينفضوا الكفَّ من تربٍ به دفنوا / ميتاً فتربُك بالأفواه قد لثما
كأنَّ قبرك فوق الأرض نجمُ سما / أو أنَّه في ثراه حلَّ نجمُ سما
يا نازلاً حيث لا صوتي يلمُّ به / عليك أمُّ المعالي جزَّت اللمما
واستوقفت بحشاها الركب في جدثٍ / بجود كفِّك لا بالغيث قد وسما
نادت بشجوٍ خذوا لي في حقائبكم / حشاشةً ملئت من مجدها سقما
قفوا بها واعقروها وانضحوا دمها / على ثرًى أمس قد واروا به الكرما
وقفت بعدك والزوراء أنشدها / أين الذي كانَ للاّجين معتصما
وأين من يزهر النادي بطلعته / للزائرين ويجلو عنهم الغمما
ومن بنى لقرى الأضياف دار عُلى / عمادُها الفخر فيه طاولت إرما
ومن تُردُّ جميعُ المشكلات له / إذا القضيَّة أعيا فصلُها الحكما
وأينَ للشتوة الغبراء مَن كرماً / ما قطَّب العام إلاَّ ثغرُه ابتسما
وأين مَن كانَ للعافينَ يلحفها / جناحَ رحمته ما دهرُه أزما
لا فرقَ ما بينَ أقصاها إذاً نسبا / عنه وما بين أدناه له رحما
وأين مَن ليتامى الناس كانَ أباً / في برِّه قد تساوت كلُّهم قسما
في فقد آبائها لليتم ما عرفت / لكنَّها عرفت في فقدها اليُتما
أحببت في الله كتمان الصنيع ولا / يزداد إلاَّ ظهوراً كلما كتما
من كانَ يحلف أن لم يعتلقْ أبداً / إثمٌ ببردك لم يحنث ولا أثما
ألا وقتك حشا العافين صائبةً / ولا وقاءً إذا رامي القضاء رمى
وهل توفّيك شكر المنعمين وقد / طوّقت حيًّا وميتاً جيدهما نعما
بالأمس وجهك يستسقى الغمامُ به / واليوم قبرُك تستسقى به الديما
وكنت ريَّ صداها فاستنبتَّ لها / ممن ولدت بحاراً للندى فعما
فأين مثلك تلقى الناسُ ذا كرمٍ / ومنك في حالة ما فارقوا الكرما
يا غائباً ما جرت في القلبِ ذكرتُه / إلاَّ ترقرقَ دمعُ العينِ وانسجما
لا غروَ أن يعقد الإِسلامُ حوزته / جميعها مأتماً يوري الحشا ضرما
فالثاكل الدينُ والمثكولُ شخصك وال / ناعي الهُدى والمعزِّي خاتمُ العلما
محمدٌ حسنٌ نظم الثناء له / فقلَّ في سلك تقواه من انتظما
سقت ضريحك من جدواك واكفةٌ / وطفاءُ ترضع درًّا ما الحيا فطما
أعيذ قلبك أن يهفو به حذرٌ / على المكارم أو يغدو لها وجما
طبْ في ثرى الأرض نفساً لا النديُّ خلا / من الوفودِ ولا عهدُ الندى انصرما
قامت مقامك فيه فتيةٌ ضربتْ / على السماء لها علياؤها خيما
وكيف يُظلمُ ربعٌ من عُلاكَ به / أبو الأمين سراجٌ يكشف الظلما
بقيةٌ من أبيكَ المصطفى رفعت / به علاه وفيه مجدُه دعما
أحبَّ قربك واستبقاه خالقُه / ركناً تطوف به الآمالُ مستلما
وأنت يا حرم المجد المنيف عُلًى / لا راعك الدهر واسلم للعُلى حرما
إنْ يوحشنَّك ما من بدرك انكتما / فليؤنسنَّك من نجميه ما نجما
لولا ابنه المصطفى للجودِ قلت شكت / من بعد إنسانها عينُ الرجا عمى
ندبٌ به فتح المعروفُ ثانيةً / من بعدما بأبيه أولاً حتما
مَن يلقه قالَ هذا في شمائله / محمدٌ صالحٌ أن يغتدي علما
حلوُ الخلائق في جيلٍ لهم خلقٌ / لو مازج الكوثر الخلديَّ ما طعما
ما شاهدت عظماءُ الأرض هيبته / إلاَّ وطأطأت الأعناقَ والقمما
والمشتري الحمدَ والأشرافُ أكسبها / لجوهر الحمد أغلاها به قيما
من لو يجود لعافٍ في نقيبته / لم يقرع السنَّ في آثارها ندما
لو قالَ قومٌ نرى بالجودِ مشبهه / لقلتُ هاتوا وعدُّوا العرب والعجما
أستغفرُ الله إنْ شبَّهت أنمله / بالقطرِ منسجماً والبحر ملتطما
نعم حكاه أخوه مَن به ظهرت / مخائلٌ من أبيه تفضحُ الديما
محمدٌ وكفى أنَّ الزمان لنا / عن منظرٍ حسنٍ منه قد ابتسما
إذا بدا سمت الألحاظ ترمقه / تخاله بهلال العيد ملتثما
من لفظه العذب إن شئت التقط درراً / أو فاقتطف زهراً أو فاقتبس حكما
فاهتف بمن ماتَ من أهل العلاء وقل / لولا الردى لا افتضحتم فاشكروا الرجما
قد أطلع المجدُ في أُفق العُلى قمراً / يا فرحة الشهب لو تغدو له خدما
أمات نشر مساعيه مساعيكم / حتَّى انطوت مثلكم تحت الثرى رمما
فلو رآه زهير في شبيبته / إذاً لفدَّاه واختارَ الفدا هرما
من دوحةٍ ما نمتْ إلاَّ الغصونُ عُلًى / وكلُّ غصنٍ بماء المكرمات نما
كارم لها الغيث واستشهد لها بندى / الجواد ثمَّ اروِ كيف الغيث قد لؤما
وفاخر البدرَ في لألاء غرَّته / وحكِّم الشرف الوضَّاح والعتما
واصدع بنجم العُلى الهادي بطلعته / دجى همومك واستكشف به الغمما
ومن أمين الندى فاعقد يديك على / أوفى البريَّةِ في أوفى الندى ذمما
يا أسرة المجد لا زلتم بأسرتكم / عقداً على نحر هذا الدهر منتظما
صبراً بني الحلم إنَّ الحلم منزلةٌ / حتَّى لمن منكمُ لم يبلغ الحلما
وحسبكم مصطفى العلياء فهو لكم / نعم الزعيمُ به شمل العُلى التأما

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025