المجموع : 11
الكل حق والكل باطلْ
الكل حق والكل باطلْ / والكل مستعملٌ وعاطلْ
والكل ينبوع ماء عين / والكل غيث المغيث هاطل
وعدتنا أن نراك يا من / في وعده الحق غير ماطل
وقد رأيناك بين حق / سما وجوداً وبين باطل
ذواتنا فيك حاليات / وما الحوالي مثل العواطل
وكل من لم يكنك خاطي / وكل من لم تكنه خاطل
وأنت أنت الوجود حقاً / ولا مماري ولا مماطل
ونحن لا نحن غير أنا / لماء إيجادنا قساطل
دمعي لخوفك يا مولاي صار دما
دمعي لخوفك يا مولاي صار دما /
والقلب مما به قد شارف العدما /
فاغفر ذنوب امرئ يرجوك مكتتما /
يا من علا فرأى ما في الغيوب وما / تحت الثرى وظلام الليل منسدلُ
عبدٌ ذليل فقير الصبر ذاهبه /
جور الزمان وفرط البين ناهبه /
يا من على الخلق لا تحصى مواهبه /
أنت الغياث لمن ضاقت مذاهبه / أنت الدليل لمن حارت به الحيلُ
يرجوك حيث خطوب الدهر طارقةٌ /
وحيث ألسننا بالحمد ناطقةٌ /
فالطُفْ فعاداتُ خيرٍ منك سابقةٌ /
إنا قصدناك والآمال واثقةٌ / والكل يدعوك ملهوف ومبتهلُ
كن غافراً يا إلهي ذنب مجترمٍ /
يقضي الليالي بدمع فيك منسجمٍ /
وقد أتيتك والأوزار في عظمٍ /
فإن غفرت فذو منٍّ وذو كرمٍ / وإن سطوت فأنت الحاكم العدِلُ
عبد الغني له الأيام رائمةٌ /
من الصبى وعيون الحظ نائمةٌ /
فاسعفه يا من به الألباب هائمةٌ /
ثم الصلاة على المختار دائمةٌ / ما عطر الروضَ صوب لديمة الهطلُ
يا قلب أحبابنا جسمي بهم بالي
يا قلب أحبابنا جسمي بهم بالي /
بغيرهم لا تبالي بل بهم بالي /
ويا كراماً سواهم زال من بالي /
لا تحسبوا أنني عن حبكم سالي / وحقكم لم يزل حالي بكم حالي
لحسنكم لا أرى بين الورى شبهاً /
والعاذلون لقد زاد دوابكم عمهاً /
رفقا بقلبي الذي فيكم قضى ولهاً /
أرخصتموا في هواكم مدمعي سفهاً / وهو العزيز الذي عهدي به غالي
من ذا الذي في معاني الفضل يعد لكم /
وكل شيء من الأشياء فهو لكم /
ليست سمواتكم والأرض تشملكم /
يا ساكنين فؤادي وهو منزلكم / لا عشت يوماً أراه منكمو خالي
عنكم بدا الكون يزهو في لوائحِهِ /
والروض ينفح من ذاكي روائحِهِ /
وحرمة العهد منكم في سوانحِهِ /
أنتم بقلبيَ أدنى من جوانحِهِ / حقاً على رغم حسادي وعذالي
محبكم صادق في طيب مشربِهِ /
وأفق طلعتكم يزهو بكوكبه /
وسر تثبيت قلبي في تقلبه /
ما يلتقي مثلكم مثلي يهيم به / وكم يهيم بكم في الحي أمثالي
بكاسنا كلما ذقنا رحيقَكمو /
ملنا سكارى فشاهدنا بريقَكمو /
أحبابنا ليت أنقذتم غريقَكمو /
أوضحتمو لمحبيكم طريقَكمو / حاشاكمو تهجروني بعد إيصالي
إلى اللقا بعثتني كل باعثةٍ /
لجملتي بحجاب العز وارثةٍ /
وليلة الفوز منكم في محادثةٍ /
وحدت حبكمو عن كل حادثةٍ / وصنته عن دواعي القيل والقال
روض الجمال بأزهار الجلال هني /
في كل وجه لكم بين الورى حسن /
والله مذ جئتكم بالفقر رحت غني /
وما حدا باسمكم حادٍ فأطربني / إلا وَجُدْتُ له بالروح والمال
حقيقتي حضرة التجلي
حقيقتي حضرة التجلي / ومظهر الغيب بالتخلي
والقاب والقوس في التداني / وزينة الله في التحلي
ظهرت عنه به لديه / وقلت يا صاحبي وخلي
وفيه أطلقت بعد حبسي / وفك قيدي به وغلي
إرادة للخصوص أعطت / وقدرة أعطت التدلي
وعن بواقي الصفات مدت / حقيقتي كامتداد ظلي
إذا بدا نوره فماذا / وإن خفيْ نوره فمن لي
إن لم يكن وابل فمنه / قنعت يوم اللقا بطل
يا ويح صب عليه مضنىً / يذوب في مشهد التملي
سرى بجلد إليه بال / وجلَدٍ فيه مضمحل
رآه في كل ما رآه / فلم يقل بعده لعلِّي
له غرام بمن تجلى / به وما عنده تسلي
بشعب وادي النقا غزال / نفوره كان أصل ذلي
وغصن بان سبى فؤادي / بلين عطفٍ وحسن دل
يا قمراً طالعاً علينا / بوجهه المشرق المطل
وظلمة الكون قد تولت / والسر في ذلك التولي
نحن تقاديره قديماً / من كل بعض وكل كل
وقد تجلَّى بنا فصرنا / كبائن عنه مستقل
وهو الذي لم يزل على ما / عليه من قبل ذا التجلي
ونحن أيضا كما ذكرنا / هنا على حالنا المولِّي
ولكن الزيغ في قلوب / وفي عيون من المضل
يريك غير الذي تراه / وأنت كالساعد الأشل
فنزه الرب عن زمان / وعن مكان وعن محل
وعن معاني العقول طراً / من كل معنىً به مخل
وكل ما أدركت حواس / فعنه في المنزه الأجل
وكن به طاهراً نظيفاً / إن قمت يا أيها المصلي
واركع له عن سواه واسجد / إليه في حضرة التعلي
ودم على الصدق في الترجي / واشفق على قدرك الأقل
ولا تحل عنه وانتظره / غير سؤوم ولا مُمَلِّ
فإن جود الكريم باق / بكل غيث له مُهِلِّ
وبابه ما له انغلاق / عمن إليه أتى بذل
إن قلت إن الوجود نفس ال
إن قلت إن الوجود نفس ال / موجود يا أشعري فقل لي
كذاك إن الموجود نفس ال / وجود عكس بلا مخل
وقلت إن الوجود جنس / والجنس تمييزه بفصل
والفصل نفس الوجود أيضا / فالكل جنس مثلاً بمثل
فأين فصل الوجود يا ذا / بمقتضى علمك الأجل
فإن تقل فصله اعتبار / في العقل مثل اعتبار ظل
قلنا لك الإعتبار أمر / له ثبوت في كل عقل
وعنه شيء يقال وهو ال / موجود فارجع لحكم كل
وإن تقل إن كل شيء / وجوده حكم مستقل
مميز عن سواه ذاتاً / فليس فيه اشتراك جعل
نقول لا جنس فالوجود ال / مراد جزئيْ وليس كلي
خلاف ما حرروا وقالوا / في حكم قانون علم شكل
أو قلت إن الوجود غير ال / موجود والغير غير أصل
طراً على الشيء وهو لا شي / ء صار نعتاً له يجلي
بمن ترى النعت قائم وال / منعوت لا شيء فاستمع لي
وهل تقوم النعوت يوماً / بغير أشيا ولا محل
هذا سؤال على عقول / أتى بعلم ونفي جهل
فإن تكن عالما فحقق / جوانباً يا أجلَّ خِلِّ
لله في كل ما يبديه تعليلُ
لله في كل ما يبديه تعليلُ / والخلق تكثيرُه في الأمر تقليلُ
صح الجواب لقوم يسألون وما / صح الجواب لأن الفعل توكيل
في كل شيء له سر الوكالة إذ / لم يخرج الشيء عنه فهو تأصيل
وإن أردتم جواباً واحداً فقفوا / هنا فما هذه قيلَ التماثيل
معنى يراد ومعنى لا يراد سرت / حقائق الكل فيما فيه تكميل
الحمد لله لا جاه ولا مالُ
الحمد لله لا جاه ولا مالُ / وإنما هو علم الله والحالُ
فلا أخاف على جاه يزول ولا / مال عليه يدٌ تبغي وتحتالُ
عندي علوم وما عندي لها أحد / في عصرنا اليوم بين الناس حمّال
أبثها بين أقوامٍ فيوهمني / بعضٌ بإيمانه والبعض نقال
وهم يلومون في إفشائها وأنا / أخاف تدركني بالكتم أنكال
لعنٌ من الله في القرآن جاء لمن / أخفى بياناً له في الذكرِ إنزال
وإنما أنا أبديها فيؤمن ذو / هدىً وينكرها من فيه إضلال
يا ويحهم كلما أصغوا لها وجدوا / قبولها فدهتهم منه أثقال
فيعرضون اكتفاءً بالذي فهموا / والفهم فيها بدون الذوق بطّال
وغاية الأمر أن البعض ليس له / منها على الجدّ إلا القيل والقال
عقدتي كلها القرآن جملتُهُ / وسنة المصطفى علم وأعمال
واللهُ لي منهما بالكشف يوضح ما / لم تستعدَّ له في القوم أبطال
ذوقٌ أكاد به أدري الغيوبَ بلا / درايةٍ لكنِ الإيمان فعّال
والذل والإنكسار القلب مشتمل / عليها دائماً ما فيه إخلال
وفي الأذيةِ لي صبرٌ ولي جلدٌ / وليس لي في انتظار النصر إهمال
عندي التفاصيل من علم الإله ترى / وغيرنا عنده في العلم إجمال
دينٌ هو الشرع بادي والحقيقة قد / دارت به فأحاطت وهي أحوال
برٌّ وبحرٌ هما دين الإله فلا / تكفر بواحدة منهن تغتال
كن مؤمناً بهما إن لم يكن لهما / فيك اقتدارٌ فللرحمن إقبال
بالشرع مؤمنهم لا بالحقيقة قل / أو بالحقيقة لا بالشرع دجال
ومؤمن بهما في جنة وعُلىً / لكن له عن تجلي الحق أشغال
لأنه ما له ذوق يحققه / بالحق والقلب منه فيه إغفال
وصاحب الذوق سرٌّ لا يباح به / ما عنده قط في الأشياء أشكال
الله أكبر هذا الدين فهتُ به / جميعه ولغيري فيه أقوال
فمن يجد عنده رشداً يدين به / أو لا فذلك للباغين تمثال
ربي تجلَّى بأنواع الخلائق لي
ربي تجلَّى بأنواع الخلائق لي / تجلياً هو كشف القول والعملِ
فالقول كن فيكون اسمع مقالتنا / فإنها لك تهدي أوضح السبل
والفعل قدرتُه بعد الإرادة لم / يترك من الكون شيئاً غير منفعل
فانظر بعقلك فيما أنت تدركه / فإنه الخلق من عال ومنسفل
وانظر إلى ربك الفعال ثم إلى / كلامه الحق عين الأحرف الأول
بالجمع قرآنه والفرق أجمعه / فرقانه فتحقق فالمقام جلي
صفا الوجود فلا علم ولا عملُ
صفا الوجود فلا علم ولا عملُ / وإنما الكل أوهامٌ بها الخبلُ
تقدير مولاك يا هذا جميعك قد / بدا فكن ذائقاً قولي ولا زلل
قَشِّرْ وجودَكَ إنَّ القشرَ تأكُلُهُ / دوابُّنا أنت قشرٌ أيها الرجل
وعلمنا في أولي الألباب يعرفه / من قد تخفَّى بهم لما به جهلوا
تبارك الله لا حق سواه ولا / لباطل أثر يدري به البطل
يا من تصفَّى وجوداً خالصاً وبدا / مِنْ قشرِهِ إذ عليه كان يشتمل
قشرٌ هو العدمُ الموهوم ليس له / أصلٌ وما ثم لا سهلٌ ولا جبل
لما رأى الصعقَ موسى كان ليس هنا / موسى وقل جبل بالدك منجبل
نعم تصفَّيتَ من دعوى الوجود وقد / فنيت فاصدق إذا ما كنت تحتمل
أنت الذي هو أنت الكل أجمعهم / لا كل لكن علينا ضاقت الحيل
يحبني وأنا المعدوم لم أزلِ
يحبني وأنا المعدوم لم أزلِ / أحبُّه وهو موجود من الأزلِ
إنا كلانا محب واحد وهما ال / مصوران على أحوالنا الأول
حق هو الله فرد دائم أبداً / وباطل أنا مع قولي ومع عملي
يا أيها الباطل المغرور تطمع أن / ترى وجوداً بلا شبه ولا مثل
وإنما أنت رأيٌ قد أضلك في / بطلانه فاقتصر واعرض عن الجدل
نعم ترى أنت نور الوجه منه بدا / يغشى الكوائن من سهلٍ ومن جبل
الله نور السموات استمع خبراً / والأرضِ عن ربِّنا في الذكر منه تُلي
وتبصر النور مرشوشاً عليك كما / جاء الحديث به عن أشرف الرسل
فاجعل فناءك معراجاً إليه ولا / تكن جباناً وكن كالفارس البطل
هذا مقامك في دنيا وآخرة / واترك وجودك تقرب منه بل تَصِل
إن الوجود بدا في كل كائنة / معدومة وهو في حق الجميع جَلي
إن الحروف إشارات المداد فلا
إن الحروف إشارات المداد فلا / حرف هناك سوى ذات المداد طلا
طلا الحروف اللواتي صار صبغتها / وهماً وصبغته صارت وما انتقلا
بطونها كان في غيب المداد كما / ظهورها كان بالتقدير منه إلى
وهي التقادير منه والشئون له / وليس ثمَّ سواه فافهم المثلا
وإنهن سواه لا تقل هي هو / تخطى ولا هو أيضاً هنَّ مختبلا
فإنه كان من قبل الحروف ولا / حرف ويبقى ولا حرف هناك ولا
وهالك كل حرف في العيان سوى / وجه المداد بمعنى ذاته جعلا
فللحروف ظهور وهي خافية / وذاك عين ظهور للمداد حلا
والحرف ما زاد شيئاً في المداد ولم / ينقصه شيئاً ولكن فصّل الجملا
وما تغير الحروف المداد وهل / مع المداد وجود للحروف ألا
ألا فحقق مقالي ما الوجود هنا / سوى وجود مدادٍ عند من عقلا
وأينما كان حرف لم يزل معه / مداده فاعقل الأمثال ممتثلا
ونحن لم نضرب الأمثال فيه له / وإنما هو للأمثال قد بذلا
ونحن أمثاله اللاتي ضربن لنا / في خلقه قد فهمناها ولا جدلا
فكن بصيراً بأمر جلَّ عارفه / له المداد وأنواع الحروف جلا
واعلم بأن مداد الحرف فاعله / به محيط له فيه عليه ولا
والحكم ليس سوى حكم الحروف وما / لها وجود فحقق رتبة النبلا
إن الوجود الحقيقيْ ذات خالقنا / وهو الذي عز في سلطانه وعلا
وهو المداد يمد الكل أجمعهم / بذاته فهو فيهم كلهم كملا
وذاته في سوها لا تحل إذا / إذ لا سواها ولا فيها السوى حصلا
وإنما الكل سماها الشئون له / جميعها فهو فيها طبق ما نقلا
والكل منه إشارات يشير بها / وما الإشارة إلا فعل من فعلا
نحن الكتاب لأنا أحرفٌ كتبت / به على نفسه قد خَطَّنا وتلا
والكاتب الحق يمحونا ويثبتنا / كما يشاء فلا نبغي به بدلا
والروح عرش التجلي بالصفات بدت / والذات منا ثمان عرشه حملا
والنفس كرسيه السبع الطباق حوى / مناهيَ الحفظ فالوهم الذي قبلا
فالفكر فالعقل أيضاً فالخيال بدا / فالطبع فالحس فالأشياء قد شغلا
والجسم فيها الأراضي سبعة ظهرت / جلدٌ فعِرْقٌ فغضروفٌ به اشتملا
فالعظمُ ثم الغشا فالقلبُ داخله / ثم الشغاف بحب القلب قد عدلا
حتى العناصر فيها أربعٌ عرفت / صفرا دمٌ بلغمٌ سوداءُ قل مثلا
ثم المواليد فيها أربعٌ ظُفُرٌ / شَعرٌ وقملٌ وإنسانُ المنيِّ تلا
وكل واحدة مما ذكرتُ لها / بالأصل منها اتصال قط ما انفصلا
مراتب كلها عين الوجود بدت / بها بشكلٍ كبيرٍ واحد عملا
ثم اقتضت أنها تبدو معددة / في كثرةٍ باختصارٍ مَرْأَةً رجلا
ولا تعدد فيها عند عارفها / لأنها حضرة فيها لقد نزلا
أعنى به الغيب غيب الذات وهو هنا / محض الوجود وجود الحق منتقلا
وهي انتقالاته بالإعتبار له / تقلب في شئون ضمنها جهلا
الله أكبر عن هذا ومشبهه / من العلوم وعن عالٍ وما سفلا
ولكن القول منا كشف رتبته / لنا برتبة كشف حقق الأملا
خذ ما بدا لك من قولي على أدب / واسمع كلامي فإني أوضح السبلا
وما اختفى عنك فاكفف عنه قولك في / سر وجهر ولا تجعل به زللا
ودعه للكامل النحرير يعرفه / لأنه ما ابتغى عن ربه حولا
نحن النفوس لها الأجسام أودية / ومن قلوب الورى كم أسكنت جبلا
وكم تنقلت الأشجار من ملأ / وما تعرش ممن جدَّ أو هزلا
يا نحلُ أَوحى إليك الرب فاتخذي / من الجبال بيوتاً واسلكي ذُلَلا
وكل شيء سبيل الرب خلقته / إليه في الناس من يمشي به وصلا
هنالك العلم علم الله يخرج من / بطونها اختلفت ألوانه عسلا
بطونها حضرات الحق إذ هي قل / ظهوره فهو منها لابسٌ حللا
لأنها هي تقديراته وبها / يبدي الخلائق والأملاك والرسلا
مراتب وشئون فيه أجمعهم / محققون وأما ليس فيه فلا