طالَ انتظارُكِ بين اليأسِ والأملِ
طالَ انتظارُكِ بين اليأسِ والأملِ / يا كعبةَ المجدِ حييِّ موكبَ البطلِ
هذا المآبُ المُرجَّى شُقَّةٌ قصُرَتْ / وغُربةٌ عن ثَراكِ الطُّهْرِ لم تطُلِ
يا لهفةَ القومِ هلْ ضَجُّوا لرؤيته / وجدَّدوا العهدَ من أيامهِ الأُولِ
تدفَّقَ النهرُ من أقصى منابعهِ / لهفانَ يسبقُ لمعَ البارقِ العَجِلِ
يثور تيَّارُهُ العاتي فيسأله / أيَّ الأساطيرِ من ماضيَّ خُيِّلَ لي
وأيَّ مضطربٍ في ضِفتيَّ مَشَتْ / فيه الملايينُ من ساعٍ ومحتفلِ
أعودةُ الثائرِ المنفيِّ من سفرٍ / لا يبلغُ الوهمُ منه مفرقَ السُّبُلِ
بل الشهيدُ المسجَّى في لفائفه / ضَنُّوا عليه بقبرِ الهانئِ الجذِلِ
ما أشبهَ اليومَ بالأمسِ الذي نَسَلوا / فيه على صعَقاتِ الحادثِ الجلَلِ
هذا الرفاتُ تراثُ المجدِ في وطنٍ / لواؤه عن ركازِ المجدِ لم يَمِلِ
أغلى الذخائرِ من ميراثِ نهضته / رفاتُ مستشهدٍ في الحقِّ مقتتلِ
مشى إليكِ به التاريخُ فاستلمي / معاقدَ الغارِ من فرْقيْه واقتبلي
حان اللقاءُ فما أعددتِ من كَلِمٍ / وما ادخرتِ من الأشواقِ والقُبَلِ
فاستشرفي النصرَ واستدني مطالعَه / هذا بشيرُ الهدى والحبِّ والأملِ
عواهل النيلِ أم أشباحُهم عبروا / من ضِفَّةِ النهر ملءَ السَّهْل والجبلِ
مَرُّوا خِفافاً على الوادي كأنهمُ / مواكبُ السُّحُبِ البيضاءِ في الطَّفَلِ
وفي أساريرهم ذكرى وأعينهم / أسرارُ ماضٍ على الأحقابِ منسَدِلِ
يستغفرون ليومٍ مَرَّ ما لهمُ / يَدٌ به جَلَّ فرعونٌ عن الغِيَلِ
ما كان مَن يَسلُب الموتى مضاجعَهم / ربُّ الصوالجِ والتيجانِ والدولِ
حيَّوا بأرواحهم سعداً ولو ملكوا / نبضَ الوتينِ مشوا في المشهد الحفِلِ
يا صاحبَ الخُلدِ كم للروح معجزةٌ / وكم تمثَّلَ روحُ الخلدِ في رجُلِ
لم ينتهِ الوحيُ والسحرُ الحلالُ ولمْ / تخْلُ الحياةُ من الرُّوادِ والرُّسلِ
ومن دمِ الشهداءِ الباعثين به / جيلاً من الحقِّ أو دنيا من الأملِ
ولم يَزَلْ لكَ صوتٌ كلما شرعوا / لها ذمَ البغي ثنَّاها على خجلِ
وطاف بالمدفعِ الداوي فأخرسَهُ / والنارُ في صدره تصطكُّ من وجَلِ
لواؤُك الضخمُ ما زالتْ مواكبهُ / تترَى وراياتُه حمراءَ كالشُّعَلِ
يمشي على قدَمٍ جَبَّارةٍ هزأت / بالصخرِ والموجِ والنيرانِ والأسَلِ
هذا طريقُكَ للبيتِ الذي ألِفَتْ / خُطاكَ بالأمسِ فاسلكهُ على مَهلِ
أنظرْ إليه فما حالتْ معالمهُ / ما للزمانِ بما خلَّدْتَ من قِبَلِ
أسالهُ اليومُ جرحاً لو مضتْ حِقَبٌ / لظلَّ في جنبِ مصرٍ غير مندملِ
فَليُلْقِ أروعَ ما أبدعتَ من خُطبٍ / جلالُكَ الأبديُّ المفردُ المثَلِ
وعِشْ كما أنتَ معنىً في ضمائرِنا / لا ينتهي وحيهُ يوماً إلى أجلِ
وصورة سمحةَ الإشراقِ ملهِمةً / أرقَّ من خَطراتِ الشاعر الغَزِلِ
ذكراك في الدهر أعمارٌ مخلدةٌ / حياة محتشدِ الأمجاد متَّصلِ
يطالعُ الناسَ منها أينما اتجهوا / شعاع كوكبِكَ الوقّادِ في الأزلِ