المجموع : 5
قال العراقُ وقد رحَلْتَ مُودِّعاً
قال العراقُ وقد رحَلْتَ مُودِّعاً / فاسمَع بعَيْشِك ما العِراقُ يقولُ
بَغدادُ لي خَدٌّ ودجلةُ دمعةٌ / أسفاً عليك مدَى الزّمانِ تَسيل
قد كنتَ حَلْياً فاستُرِدَّ مُعارُه / وكذاكَ حالاتُ الزّمانِ تَحول
للشّمسِ من أُفُقِ السّماء إذا هوَتْ / بدَلٌ ومالكَ لا عَدِمْتَ بَديل
أَصونُ سَمعَك عن شَكْوايَ إجْلالاً
أَصونُ سَمعَك عن شَكْوايَ إجْلالاً / وقد لَقِيتُ من الأيّامِ أَهْوالا
تَجمّعَتْ عِلَلٌ شَتَّى فما تَركَتْ / عليّ جِسماً ولا فِكْراً ولا حَالا
أشكو إلى اللهِ مَن عادَتْ بهمْ حُرَقاً / بَناتُ صَدْري وكانتْ قبلُ آمالا
وسَفرةٌ سَفَرَتْ لي في فِنائِهمُ / عن وجْهِ شَمطاءَ لا حُسْناً ولا مالا
لمَّا طَرَقْتُهمُ مُستَبضِعاً أَدَباً / وأين مَن كان يَقْرى الفَضْلَ أفضالا
حَمّلتُ عِيسي إليهمْ ثَروةً وصِباً / وعُدْتُ مُحتقِباً شَيْباً وإقْلالا
فإنْ جرَتْ عَبَراتي لم يكنْ عجَباً / فالخَدُّ كالقاع يَجْلو الماءَ والآلا
وزادني أسَفاً أنّي غداةَ غَدٍ / أُسامُ يا ابْنَ المُعافَى عنك تَرْحالا
مُفارِقاً منك نَفْساً حُرّةً ونُهىً / جَمّاً وعذْباً من الأخلاق سَلْسالا
وعالياً من هِضابِ المَجْدِ مُمتَنِعاً / وحالياً من رياضِ الفَضْلِ مِحْلالا
ومن سجايا اللّيالي سَعْيهُا أبَداً / حتّى تَعودَ مَغاني الأُنْسِ أطلالا
لا أصبحَ المجدُ من بالي ومن أربَى / إن كنتُ عنكَ بسَيْري ناعِماً بالا
لولا الفُرَيْخانِ والوَكْرُ الَّذي بَرّحَتْ / به الحوادثُ والمُكْثُ الّذي طالا
لَما تَبدّلْتُ من دارٍ تَحُلُّ بها / داراً ولو مُلِئتْ عَيْنايَ إبْلالا
ولا سلَلْتُ يدي من بَعْدِ ما عَلِقتْ / لديكَ من بُردةِ العَلياءِ أذْيالا
وكيف أَجْحَدُ ما أَولَيْتَ من نِعَمٍ / يا أكرمَ النّاسِ كُلِّ النّاسِ أفْعالا
ساروا يُريدونَ أمراً حاولوا أَمَماً / مُعَلِّقينَ به الآمالَ ضُلاّلا
وأكبَرُ الحَظِّ في الأيّامِ قُربُكمُ / مَن فاتَهُ ليتَ شِعْري ما الّذي نالا
قل للرّئيسِ أبي نَصْرٍ لقد نُصِرَتْ
قل للرّئيسِ أبي نَصْرٍ لقد نُصِرَتْ / بك المَعالي برَغْمِ المَعشَر الخُذَّلِ
وما دُعِيتَ ضياءَ الدّينِ عن عَبَثٍ / لكنْ لنورٍ على أهليه مُشْتَمِل
طلَعْتَ نجماً إذا استَنَّتْ بسِيرتِه / بنو الرّئاسةِ لم تَضْلِلْ عن السُّبُل
كم قد تَطَلّبْتُ في الدّنيا أخا كرَم / مَحْضٍ فلم أَرَ إلاّ أَحمدَ بْنَ عَلي
فتىً إذا جئْتَه تَبْغي فَواضِلَه / أعطاك كُلَّ الأماني ثُمَّ قال سَل
فَرْدٌ بلا مَثَلٍ في النّاسِ وهْو لهم / في كُلِّ معنىً حَميدٍ غايةُ المَثَل
تَخالُه رَجُلاً في النّاسِ تُبْصِرُه / إذا بدا لك وهْو النّاسُ في رَجُل
لن تَقْدِرَ النّاسُ أن تُحصي مَحاسِنَه / وإن قَنِعْتَ من التّفْصيلِ بالجُمَل
كأنّه البيتُ مَبذولٌ لزائره / رُكْناهُ وهْو عزيزٌ غَيرُ مُبتذَل
لأَشكُرنَّك ما ناحَتْ مُطوَّقةٌ / معَ الغُدُوِّ على أَيْكٍ أَوِ الأُصُل
أبقَيتِ بالجِزْعِ ما أبلَيتِ من طَلَلِ
أبقَيتِ بالجِزْعِ ما أبلَيتِ من طَلَلِ / لِمُشْبِهاتِك بالأجيادِ والمُقَلِ
غِزْلان وَجْرةَ يَخلُفْنَ الحِسانَ بها / وليس كُلُّ غزالٍ صِيغَ للغَزَل
وأين وَحْشُ الفلا منها إذا سنحَتْ / معَ الغداة لعَيْنٍ أو معَ الأُصُل
لو أنّ سالفةَ الأَدْماء حاليةٌ / لم تَحْكِ سالفةَ الحسناء في العَطَل
ولا المَهاةُ لها شِبْهاً إذا كُحِلَتْ / لوِ اكتفَتْ عينُها المَرهاءُ بالكَحَل
كم أَدمُعٍ ذُلُلٍ فاضَتْ غداتَئِذٍ / فسايَرتْ ما حدَوْا من أَينُقٍ ذُلُل
وأنفُسٍ كَرُمَتْ منّا نَفائسُها / لو لم تَسِرْ ظُعْنُهمْ في الصُّبْح لم تَسَل
أفدي الّتي رحلَتْ عنّا مُغاضِبةً / فقال وَجْدي لقَلْبي اثْرَها ارْتَحِل
فَرُحْتُ أتبَعُ ظُعْنَ الحَيّ يَحْمِلُني / نَهْدٌ من الخَيل مثلُ البَرْقِ ذو خُصَل
يَرْدي بذي صَبْوةٍ للخَوْفِ مُطّرِحٍ / بالسّيفِ مُتَّشحٍ للرُّمْحِ مُعْتَقِل
لمّا لَحِقْتُ بأُولَى العِيسِ سائرةً / عَلِقْتُ فضْلَ زِمامِ الرّاكبِ العَجِل
مُحاوِلاً ردَّها والخَيلُ مُعرِضَةٌ / وبينَ آذانِها سُمْرُ القَنا الذُّبُل
حتّى إذا ما دَنَتْ منّي مَنالَ يَدٍ / لو مَدَّ صَبٌّ وإنْ عَزَّتْ فلم تُنَل
قالَت وخَيلُ النّوَى للصّبر ناهبةٌ / وشمسُ غُرَّتِها في قَبْضةِ الطّفَل
أأنت يُوشَعُ تَبْغي أن أُرَدَّ وقد / غَربْتُ في شَفَقٍ من حُمْرةِ الكِلَل
كم دونَ جَذْبِ جَديلٍ يومَ ذاك لها / من فارسٍ لسَراةِ الخَيْلِ مُنْجَدِل
أحْلَلْتُ منه سِناني حيثُ حَلَّ به / منّي الهَوى فكلا القلبَيْنِ لم يَئل
وقلتُ خُذْ مَصْرَعاً في الحربِ من بطلٍ / بمَصْرَعٍ مثْلهِ في الحُبِّ من بَطَل
فاليومَ راجَعني لُبّي وشايَعَني / صَحْبي وأقْصَرتِ العُذَّالُ عن عَذَلي
زَررْتُ صَبْري على صَدْري مُضاعَفَةً / فما أُبالي برَشْقِ الأَعْيُنِ النُّجُل
بنسِجِ داودَ منّي القَلْبُ مُدَّرعٌ / إن كان طَرْفُكِ أضحَى من بني ثُعَل
ذَرى فؤادي وقد عَذَّبتِه زَمناً / بالمجدِ من بَعْدُ دونَ الوَجْدِ يَشْتَغِل
يا صادياً ملأ الأحشاءَ من ظَمَأٍ / ناراً وقد خَلَتِ الآفاقٌ من بَلَل
دَعْ عنكَ يُمنَى ويُسرَى غيرَ مُجدِيةٍ / واقْصِدْ أَمامك فاطْلُبْ مُنتَهى السُّبُل
واعْلَمْ إذا قلتُ رِدْ بالعيسِ بَحرَ نَدىً / أنّي على غيرِ عزِّ الدّينِ لم أَحُل
فالبَحرُ أسماؤه شتّى وأَشْهَرُها / على اصطلاحِ بني الآمال كَفُّ عَلي
في كلِّ أنمُلَةٍ منها إذا انْتَجعَتْ / تَجْري بحارُ ندىً للمُعْتَفي خَضِل
تُروي الورَى قَطْرةٌ منها لوِ انفَردَتْ / لكنْ لها الدَّهْرَ فَيْضٌ غيرُ مُنْفَصِل
مَنِ اشتَهى أن يَرى شَخْصَ الكمالِ فقُلْ / له بوَجْهِ كمالِ الدَّولةِ اكْتَحِل
أغَرُّ أشْرفَ سلطانُ الأنامِ به / على الممالِك مثلَ العارِضِ الهَطِل
إذا سَما وسَم الدُّنيا وُسومَ نَدىً / يُحْيي بها الأرضَ من سَهْلٍ ومن جَبَل
يَحْمي بها مَجْدَهُ من كَفّ مُجْتَذِبٍ / ومالَ سُلطانِهِ مِن كَفِّ مُخْتَزِل
مهما تأمّلَ أعيا كُلَّ ذيِ عَمَلٍ / إخفاءَ حالٍ وأحيا كُلَّ ذي أَمَل
فحاطَك اللهُ يا مَن حاط مَكرمةً / عبادَهُ بِندىً كالقَطْرِ مُتّصِل
من مُشْرِفٍ مُسْرفٍ في الجودِ تُبصِرُهُ / بالشِّينِ والسِّينِ يَغْدو غايةَ المَثَل
كم قلتُ حينَ ملأْتُ العَينَ من عَجَبٍ / لِما رأيتُ بأمرِ النّاسِ من خَلَل
ما للممالكِ تَغدو وهْي مُهمَلَةٌ / وللكُفاةِ وهمْ فيهِنَّ كالهَمَل
فكم تَرى رجلاً فيها بلا عمَلٍ / وكم تَرى عَمَلاً فيها بلا رَجُل
لو قَسَّم الماءَ ما بين الظِماء يَدٌ / بالعَدْلِ لم يَبْقَ فوق الأرضِ ذو غُلَل
حتّى انجلَتْ عُقَبُ الأيامِ عن فَطِنٍ / برَأْيِه صَحّت الدُّنيا منَ العِلَل
وجاءنا فكأنّ الشّرَّ ما خُلِقَتْ / أسبابُهُ وكأنَّ الخيرَ لم يَزُل
لم يُرضِه آنِفاً من بُعْدِ هِمَّتهِ / تَقْويمُهُ عَصْرَه من ذلك المَيَل
حتّى أَبَتْ نَفْسُهُ إلاّ مُؤاخَذةً / بما جنَى الدَّهرُ في أيّامِه الأُوَل
وأصبحَتْ دَولةٌ زادَتْ مَيامِنَها / لُقياه وهْي به من أكمَلِ الدُّوَل
يَسوسُها حَدِبٌ ماضٍ عزائمُه / أقلامُه دونها أمضَى مِن الأَسَل
ومُقْبِلُ الجَدِّ مَأْمولٌ مواهبُه / أبوابُه أبداً للنَّاسِ كالقِبَل
بادي الوقارِ يَراهُ مَن تَأمَّلَه / طَوداً ويَمْضي مَضاءَ السَّيفِ في القُلَل
كأنّه الفَلَكُ الدَّوّارُ حينَ يُرَى / وقد أظَلَّ الورَى عَجْلانَ في مَهَل
إن سارَ بالخَيلِ غَصَّ الجَوُّ من خَبَبٍ / نَقْعاً وإِن حَلَّ غَصَّ الأرضُ بالخَوَل
مُوفٍ على مُلْجَمٍ بالنَّجْمِ تَحسَبُه / للنّاظرِين وبالجَوزاء مُنْتَعِل
ذي غُرّةٍ وحُجولٍ وُضَّحٍ عَلِقَتْ / منها بأطرافِها خَمْسٌ من الشُّعَل
كأنّما هو من ماء الصَّباحِ له / لمّا توضْأَ لم يُسْبِغْ على عَجَل
ما إن رأى أحَدٌ من قَبْلِ فارسِه / شَمْساً مَطالِعُها أوْفتْ على زُحَل
للهِ ملْثومُ ظَهْرِ الكَفِّ من شَرَفٍ / أَدْنَى نَداهُ يُريكَ البَحرَ كالوَشَل
خِرْقٌ إذا جئْتَه تَرجو فواضِلَه / أعطاكَ فوقَ الأماني ثمّ قالَ سَل
عَجِبتُ من قَلَمٍ في كَفِّ ذي كَرَمٍ / في الجودِ مُنْسكِبٍ بالرَّأْيِ مُشْتَغِل
رمَى فقَرطَس أغراضي بلا خَطأٍ / لمّا وشَى متْنَ قِرطاس بلا خَطَل
وجال في ذلك المِضْمارِ يكتبُ لي / ما ذِكْرُه بَعدُ في الإضمارِ لم يَجُل
ولم يكُنْ من فمي يُمْلي على يَدِه / لكنّما جُودُه أمْلَى على أَملي
ألا فَحُيِّيتَ من ذي هِمّةٍ فعَلَتْ / بَنانُه ما لِساني بَعْدُ لم يَقُل
أَبدَى صَنيعُكَ تَقصيرَ الزّمانِ ففي / خَدِّ الرّبيع طُلوعُ الوردِ من خَجَل
قَومٌ سأَلْنا فلم يُعْطُوا وإن قَدَروا / فِداءُ ذي كَرَمٍ أعْطَى ولم نَسَل
لقد رقَيْتُ مُسيءَ الدَّهرِ لي بِرُقىً / فلَلْنَ عنّي شَبا أنيابِه العُضُل
وكم تَعصَّبَ من جَهْلٍ عليَّ إلى / أن رُعتُه فأبَى إلاّ التَعصُّبَ لي
شَرَحْتَ صَدْريَ عنْد الصَّدْرِ في حُجَجٍ / أَوردْتَها لي ومَنْ يَسْمَعْ بها يَخَل
حتّى أَنلْتَنِيَ التَّشريفَ مُؤْتَنِفاً / منه وأيَّ نوالٍ أنتَ لم تُنِل
جعَلْتَني ساحباً ذيلَ القشيبِ له / وكنتُ أقنَعُ لو مُتِّعْتُ بالسَّمَل
وسَرَّ عِليةَ أهْلِ العَصْرِ قاطبةً / ما قد صنَعْتَ على رَغْمٍ منَ السَّفِل
فدام دولةُ مولانا الوزيرِ لنا / ودُمتَ في ظِلِّ مُلْكٍ غيرِ مُنْتَقل
إن تَتْبَعِ العُرْفَ تَعْريفاً بدأْتَ بهِ / فلستَ بالرِّفدِ بعدَ الرِّفْدِ ذا بَخَل
الجاهُ والمالُ إن واليتَ بينهما / كالجَمْعِ لِلرِّيِّ بينَ العَلِّ والنّهَل
جاءتْكَ مَشمولةً صِرْفاً سُلافَتُها / من كَفِّ فكْرٍ على حُبِّيكَ مُشْتَمِل
إذا أُديرَتْ على الأسماعِ مالَ لها / عِطْفُ الكريمِ كمَيْلِ الشّاربِ الثَّمِل
فهاكَ من مادحٍ للشُّكْرِ مُرْتَجِلٍ / ما قال في ماجدٍ للبِرِّ مُرتَجِل
واسْمَعْ فذاكَ ثناءٌ غيرُ مُنتَحَلٍ / وانْظُرْ فهذا ولاءٌ غيرُ مُنتَحَل
بالشِّعْرِ يَفْخَرُ قَومٌ وهْو يَفْخَرُ بي / إن عُدَّ مِن قَوليَ المَشْهورِ أو عَمَلي
أقسمْتُ لولا مَعانٍ يَخْتَصِصْنَ به / لم يَلتَفِتْ نحوَهُ طَبْعي ولم يَمِل
فما يَقَرُّ بعيْني أن يُرَى أبداً / فِكْري بوَضْعِيَ عن فِعْلي له شُغُلي
كما غدا قِبَلَ الأيّامِ لو سمَحوا / لي مَطْمعٌ فللأقوامِ غدا قِبَلي
حنّتْ جِمالي وحَثّتْ للرَّحيلِ بها / صَحبي ولم تَبْقَ إلاّ حَلّةُ العُقُل
ولي تَفاصيلُ أوطارٍ بَقِينَ فقُمْ / بها عَليُّ كما قد قُمْتَ بالجُمَل
وراعِ في القُرْبِ أو في البُعْدِ أمْرَ فتىً / عليكَ وحدَك بعد اللهِ مُتَّكَلي
أمّا الصِّيامُ فكالضّيفِ المُنيخِ إلى / ذُراكَ قد حانَ منه وَشْكُ مُرتَحَل
فاسْعَدْ به راحلاً باليُمْنِ مُنقَضِياً / وعائداً ألْفُ عامٍ بَعْدُ في جَذَل
واعْدُدْ بكَفّيْكَ أعياداً مُعاوِدةً / ما شاقَ ركباً بلَيْلٍ حَنّةُ الإبِل
ودُمْ دَوامَ مديحي فيكَ إنّ له / إذا اعتَنَيْتَ بهِ عُمْراً بلا أَجَل
شِعْرٌ تَناهبَهُ الأسماعُ من طَرَبٍ / لدى الرِّوايةِ إن أُقصِرْ وإنْ أُطِل
والذِّكْرُ أحسَنُ ذُخْرِ المَرء فاغْدُ به / مُحَلِّياً لك مجْداً ليس بالعُطُل
واجْعَلْ لكَ العَرَضَ المَبذولَ واقيةً / طُولَ الزّمانِ لعِرْضٍ غَيْرِ مُبْتَذَل
اليومُ يومي ويومُ الأينُقِ الذُّلُلِ
اليومُ يومي ويومُ الأينُقِ الذُّلُلِ / فازجُرْ بنا طرباً يا حاديَ الإبلِ
صَوِّبْ خُطاها إلى أَرْضِ العراقِ فما / لطالبِ المجدِ عند الخُوزِ من شُغُل
أَمِلْ إليها مَطايانا فقد كفَلَتْ / تلك الإمالةُ بالإدراكِ للأمَل
لم يُثْبِتِ الرِّجْلَ في غَرْزٍ لها أَحَدٌ / وَمَدَّ كَفّاً إلى نَجْمٍ فلم يَصِل
ما للمَطايا ولا للرَّكبِ من شَبَهٍ / سِوى الحَواجبِ للأحبابِ والمُقل
كُلٌّ حَنايا تُصيبُ الدَّهْرَ أَسهمُها ال / أَغراضَ وهْي عنِ الأقواسِ لم تَزُل
للهِ مَعشرُ أُلاّفٍ قَطعْتُهمُ / يومَ الرّحيلِ على رَغْمي ولم أَصِل
وحَيرةُ الدَّمعِ في عيني وأَعينِهمْ / فلم يَغِضْ عند توديعٍ ولم يَسل
أَحبّةٌ عن هوىً لا عن قِلىً جعلوا / ركائبي للنّوى محلولةَ العُقُل
واستقْرَبوا البِيدَ والأغوارَ أَسلُكها / خوفاً عليَّ من الأعداء والغِيَل
ففرَّق الدَّهرُ ما بيني وبينهمُ / والدَّهرُ عادتُه التَّفريقُ لم يَزَل
وكم سألتُ الحيا سُقْيا منازِلهمْ / فقالتِ العيْنُ ما للأدمُعِ الهُمُل
فارقْتُ من لم تُطِقْ نفسي فراقَهُمُ / حتّى ارتحلْتُ وقلبي غَيرُ مُرتحِل
فما مَررْتُ برَسْمٍ من معاهدِهم / إلاّ بكَيْتُ بسَهْلٍ كان أَو جَبَل
فَنمّ أَرْضٌ بريحٍ في الدّيارِ لهمْ / ونمَّ ماءٌ بنارٍ في الجوانحِ لي
وعارِضي فيه بَرْقُ الشّيْبِ مُبتسمٌ / وعَبْرَتي فَوْقَه كالعارضِ الهَطِل
إذا رمَتْنيَ أَصحابي بأعيُنهمْ / جعلْتُ كُمّي مَغيضَ الدّمعِ من خَجَلي
حتّى إذا ما همُ في نُصْحِيَ اخْتلَفوا / قَسّمْتُ سَمْعيَ بينَ العُذْرِ والعَذَل
ويومَ أَصبحَ سِرْبُ الوَحْشِ مُعترِضاً / والرَّوضُ بالزَّهْرِ في حَيٍ وفي حُلَل
والرَّكْبُ مِيلُ الطُّلَى مُستشرِفينَ بها / على جَديليّةٍ يَمرَحْنَ في الجُدُل
طَرِبتُ للسِّربِ حتّى قال قائلُهمْ / ما للكبير وللغِزلانِ والغَزَل
ظَنّوا بأنّ دَمي مِمّا تطُلُّ دُمىً / بالنُّجْلِ من طَعَناتِ الأعينِ النُّجُل
وما درَوْا أنّ غيرَ اللّهْو من أَرَبي / وأنّ غيرَ رَسيسِ الوَجْدِ من عِلَلي
لم تُبقِ منّي صُروفُ الدَّهْرِ جارِحةً / بها من الوَجْدِ جُرْحٌ غيرُ مُندَمِل
قد زال ظُلمةُ ذاكَ اللّيلِ عن بَصَري / بشَيْبِ رأسٍ كرأْسِ الشَّمْعِ مُشْتَعِل
لكنْ سوانحُ وحْشٍ من بَوارحِها / مَيّزْتُها فجلتْ لي يُمْنَ مُرتَحَل
حتّى وَصلْتُ السُّرى بالسَّيرِ مُعتزِماً / عزْمَ امرئٍ غيرِ هيّابٍ ولا وُكَل
لا مُشتكَى لكريمٍ رابَهُ زمَنٌ / إلاّ السُّرى وذواتُ الأذرُعِ الفُتُل
لأَقرِيَنَّ ضيوفَ الهمِّ نازلةً / شُحومَ أسنمةِ العِيديّةِ البُزُل
حتّى أُبِلَّ بما يَجشَمْنَ من عِلَلٍ / أدنفِنني وأَبُلَّ الصَّدرَ من غُلل
فهزّ أعطافَها حدْوٌ يُطرِّبُها / هزَّ الغِناء لعِطْفِ الشّاربِ الثَّمِل
وقائلٍ قالَ قد كلّتْ ركائبُنا / ونحن من قَصْدِ بَغدادٍ على عَجَل
فقلتُ أرضٌ قِوامُ الدِّينِ نازلُها / فسُقْ إليها رَذايانا ولا تُبَل
فإنَّ أوجُهَنا منه إلى ملِكٍ / فِناؤه الدَّهرَ يُمشَى فيه بالقُلَل
إذا دنَوْنا أرحنا العيسَ إن رزَحتْ / من الخُطا وقَطَعْنا الأرضَ بالقُبَل
أشرِفْ به بيتَ مجدٍ عزَّ موقفُه / فلم يُذَلَّ له مَسعىً ولم يُذَل
رُكْناهُ للقُبَلِ الكفّانِ منه كما / أبوابُهُ الدَّهْرَ للقُصّادِ كالقِبَل
وأرْضُه حَرَمٌ ملآنُ من كَرَمٍ / إليه من كُلِّ أَرضٍ مُنْتَهَى السُّبُل
سمْحٌ إذا جِئْته يوماً لتسأله / أعطاكَ كُلَّ الأماني ثُمَّ قالَ سل
لا يَنْحَسُ الدَّهْرُ يوماً نجْمَ زائرِه / لأنّ مغناهُ أعلَى من مدى زُحَل
للهِ علْيا قِوامِ الدّينِ من مَلِكٍ / راجيهِ ذو سببٍ باللهِ مُتَّصِل
كَنِيُّ خيرِ عبادِ اللهِ كُلِّهمُ / من شائدي دُوَلٍ أو شارعي مِلَل
ثلاثةٌ أكنياءُ مِثْلُهمْ شرفاً / لم يمْشِ في الأرضِ من حافٍ ومُنْتَعل
ما في زماني لهمْ مِثْلٌ نُصادِفُه / وهكذا لم يكُنْ في الأزْمُنِ الأُوَل
كُلٌّ أبو القاسمِ المأْمولُ كُنيتُه / كذا قضَى اللهُ ربُّ العَرْشِ في الأزَل
وكُلُّهمْ خَتَموا أبناءَ جِنْسِهمُ / ختْماً فدوْلَتُهم مَحْسودةُ الدُّول
ففي النّبيِّينَ والفضلُ المُبينُ له / مُحمّدٌ ذو المعالي خاتِمُ الرُّسُل
وفي السّلاطينِ مَحمودٌ أجلُّ بني الدْ / دنْيا وفي الوزراء النّاصرُ بْنُ عَلِي
مَولىً تَجمّعَ فيه كُلُّ مُفْترٍقٍ / منَ المَحاسنِ بالتّفْصيلِ والجُمَل
تَخالُه رَجُلاً في النّاسِ تُبْصِرُه / إذا بدا لكَ وهْو النّاسُ في رَجُل
بالصّاحبِ العادلِ المَيْمونِ طائرُه / لم يَبْقَ في الأرضِ قُطْرٌ غَيرُ مُعْتَدِل
مَلْكٌ يُديرُ مُلْكَ الأرضِ أَجمعِها / برأْيِ مُكْتَهِلٍ في عُمْرِ مُقْتَبِل
لا إنْ تأَنّى مُضِيعٌ فُرصةً عرضَتْ / له ولا مِنْه تُخشَى زَلّةُ العَجَل
تَراه أَوقَر من طَودٍ وعَزْمَتُه / أَمْضَى من السّيفِ عند الحادِث الجَلل
كأنّه الفلكُ الدوّارُ إن نظَروا / فسَيْرُه أبداً عَجْلانُ في مَهَل
يُمزِّقُ الدَّهْرَ لَيلَ النّقْعِ حيث دَجا / له ذُبالٌ بأطرافِ القَنا الذُّبُل
يَرْمي ديارَ الأعادي وهْي قاصيةٌ / فالقومُ منه وإن شَطُّوا على وَجَل
بالحاكياتِ بُراقاً وهْي صافِنةٌ / والسّارياتِ بُروقاً وهْي في الشُّكُل
خَيلٌ سَوابقُ تُمسي من فَوارسِها / مُختالةً تحت لا مِيلٍ ولا وُكُل
إذا عدَتْ ورَمَوا من فَوقِها وصَلَتْ / إلى العِدا بالقنا والنَّبْلُ لم يَصِل
لصاحبٍ رأْيُه العالي ورايتُه / مُضَمَّنانِ سِجالَ الرِّزْقِ والأَجَل
عادتْ إلى الدّولةِ الغرّاءِ حضْرتُه / كأنّها حِلْيةٌ عادتْ إلى عُطُل
تَأْبَى الوِزارةُ أن تَبْغي به بَدَلاً / وهل لِذي بَدَنٍ بالرُّوح من بَدَل
إن الوزارة دارٌ أنت صاحبها / مَن حلَّها غاصبا يُذمَم وَيَنتَقِل
قد حَلَّتِ الّلاتُ بيتَ الله ثُمّ غدا / والّلاتُ زائلةٌ واللهُ لم يَزَل
وَلاّكَها اللهُ لمّا أنْ رآك لها / أهْلاً ومَن لم يُوَلِّ اللهُ يَنْعَزِل
فقُمْ لها يا قِوامَ الدّينِ مُنتصِراً / حتّى تُقوِّمَ ما قد نابَ مِنْ مَيَل
ما الأرضُ إلاّ قناةٌ في يدَيْكَ غدَتْ / فإن تُذِقْها ثِقافَ الرَّأْيِ تَعْتَدِل
يا ناصِرُ اسماً ووَصْفاً للصّريخ إذا / دعا برَغْمِ رجالٍ للهُدَى خُذُل
قد كان أَسلمَني دَهْري إلى نفَرٍ / أَيمانُهمْ بالنّدى قَوْلٌ بلا عَمَل
وها أنا اليومَ من نُعماكَ مُرتقِبٌ / تَقْليبِيَ الطَّرْفَ بينَ الخَيْلِ والخَوَل
كُلٌّ غدا دونَ قَولي فِعْلُهمْ أبداً / ودونَ فِعْلِكَ قَولي فاغْتفِرْ زَللَي
يَضيعُ مِثْلي إن لم يُعْنَ مِثْلُكَ بي / والسَّيْفُ يَبطُلُ إلاّ في يدَيْ بَطَل
أَعِدْ إليّ بعَيْنَيْ عاطِفٍ نظَراً / عَدْلاً وقُلْ للِساني عند ذاكَ قُل
وعِشْ لأمثاليَ الراجِينَ في نِعمٍ / ما أَورقَ العُودُ عَيْشَ النّاعمِ الجَذِل
أصبَحْتَ في عِقْدِ هذا المُلْكِ واسطةً / للدِّينِ منها وللدُّنيا أجَلَّ حُلي
كُلٌّ حَوالَيْكَ أمثالٌ نُشاهِدُها / وأنت ما بينَهمْ فَرْدٌ بلا مَثَل