القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 5
قال العراقُ وقد رحَلْتَ مُودِّعاً
قال العراقُ وقد رحَلْتَ مُودِّعاً / فاسمَع بعَيْشِك ما العِراقُ يقولُ
بَغدادُ لي خَدٌّ ودجلةُ دمعةٌ / أسفاً عليك مدَى الزّمانِ تَسيل
قد كنتَ حَلْياً فاستُرِدَّ مُعارُه / وكذاكَ حالاتُ الزّمانِ تَحول
للشّمسِ من أُفُقِ السّماء إذا هوَتْ / بدَلٌ ومالكَ لا عَدِمْتَ بَديل
أَصونُ سَمعَك عن شَكْوايَ إجْلالاً
أَصونُ سَمعَك عن شَكْوايَ إجْلالاً / وقد لَقِيتُ من الأيّامِ أَهْوالا
تَجمّعَتْ عِلَلٌ شَتَّى فما تَركَتْ / عليّ جِسماً ولا فِكْراً ولا حَالا
أشكو إلى اللهِ مَن عادَتْ بهمْ حُرَقاً / بَناتُ صَدْري وكانتْ قبلُ آمالا
وسَفرةٌ سَفَرَتْ لي في فِنائِهمُ / عن وجْهِ شَمطاءَ لا حُسْناً ولا مالا
لمَّا طَرَقْتُهمُ مُستَبضِعاً أَدَباً / وأين مَن كان يَقْرى الفَضْلَ أفضالا
حَمّلتُ عِيسي إليهمْ ثَروةً وصِباً / وعُدْتُ مُحتقِباً شَيْباً وإقْلالا
فإنْ جرَتْ عَبَراتي لم يكنْ عجَباً / فالخَدُّ كالقاع يَجْلو الماءَ والآلا
وزادني أسَفاً أنّي غداةَ غَدٍ / أُسامُ يا ابْنَ المُعافَى عنك تَرْحالا
مُفارِقاً منك نَفْساً حُرّةً ونُهىً / جَمّاً وعذْباً من الأخلاق سَلْسالا
وعالياً من هِضابِ المَجْدِ مُمتَنِعاً / وحالياً من رياضِ الفَضْلِ مِحْلالا
ومن سجايا اللّيالي سَعْيهُا أبَداً / حتّى تَعودَ مَغاني الأُنْسِ أطلالا
لا أصبحَ المجدُ من بالي ومن أربَى / إن كنتُ عنكَ بسَيْري ناعِماً بالا
لولا الفُرَيْخانِ والوَكْرُ الَّذي بَرّحَتْ / به الحوادثُ والمُكْثُ الّذي طالا
لَما تَبدّلْتُ من دارٍ تَحُلُّ بها / داراً ولو مُلِئتْ عَيْنايَ إبْلالا
ولا سلَلْتُ يدي من بَعْدِ ما عَلِقتْ / لديكَ من بُردةِ العَلياءِ أذْيالا
وكيف أَجْحَدُ ما أَولَيْتَ من نِعَمٍ / يا أكرمَ النّاسِ كُلِّ النّاسِ أفْعالا
ساروا يُريدونَ أمراً حاولوا أَمَماً / مُعَلِّقينَ به الآمالَ ضُلاّلا
وأكبَرُ الحَظِّ في الأيّامِ قُربُكمُ / مَن فاتَهُ ليتَ شِعْري ما الّذي نالا
قل للرّئيسِ أبي نَصْرٍ لقد نُصِرَتْ
قل للرّئيسِ أبي نَصْرٍ لقد نُصِرَتْ / بك المَعالي برَغْمِ المَعشَر الخُذَّلِ
وما دُعِيتَ ضياءَ الدّينِ عن عَبَثٍ / لكنْ لنورٍ على أهليه مُشْتَمِل
طلَعْتَ نجماً إذا استَنَّتْ بسِيرتِه / بنو الرّئاسةِ لم تَضْلِلْ عن السُّبُل
كم قد تَطَلّبْتُ في الدّنيا أخا كرَم / مَحْضٍ فلم أَرَ إلاّ أَحمدَ بْنَ عَلي
فتىً إذا جئْتَه تَبْغي فَواضِلَه / أعطاك كُلَّ الأماني ثُمَّ قال سَل
فَرْدٌ بلا مَثَلٍ في النّاسِ وهْو لهم / في كُلِّ معنىً حَميدٍ غايةُ المَثَل
تَخالُه رَجُلاً في النّاسِ تُبْصِرُه / إذا بدا لك وهْو النّاسُ في رَجُل
لن تَقْدِرَ النّاسُ أن تُحصي مَحاسِنَه / وإن قَنِعْتَ من التّفْصيلِ بالجُمَل
كأنّه البيتُ مَبذولٌ لزائره / رُكْناهُ وهْو عزيزٌ غَيرُ مُبتذَل
لأَشكُرنَّك ما ناحَتْ مُطوَّقةٌ / معَ الغُدُوِّ على أَيْكٍ أَوِ الأُصُل
أبقَيتِ بالجِزْعِ ما أبلَيتِ من طَلَلِ
أبقَيتِ بالجِزْعِ ما أبلَيتِ من طَلَلِ / لِمُشْبِهاتِك بالأجيادِ والمُقَلِ
غِزْلان وَجْرةَ يَخلُفْنَ الحِسانَ بها / وليس كُلُّ غزالٍ صِيغَ للغَزَل
وأين وَحْشُ الفلا منها إذا سنحَتْ / معَ الغداة لعَيْنٍ أو معَ الأُصُل
لو أنّ سالفةَ الأَدْماء حاليةٌ / لم تَحْكِ سالفةَ الحسناء في العَطَل
ولا المَهاةُ لها شِبْهاً إذا كُحِلَتْ / لوِ اكتفَتْ عينُها المَرهاءُ بالكَحَل
كم أَدمُعٍ ذُلُلٍ فاضَتْ غداتَئِذٍ / فسايَرتْ ما حدَوْا من أَينُقٍ ذُلُل
وأنفُسٍ كَرُمَتْ منّا نَفائسُها / لو لم تَسِرْ ظُعْنُهمْ في الصُّبْح لم تَسَل
أفدي الّتي رحلَتْ عنّا مُغاضِبةً / فقال وَجْدي لقَلْبي اثْرَها ارْتَحِل
فَرُحْتُ أتبَعُ ظُعْنَ الحَيّ يَحْمِلُني / نَهْدٌ من الخَيل مثلُ البَرْقِ ذو خُصَل
يَرْدي بذي صَبْوةٍ للخَوْفِ مُطّرِحٍ / بالسّيفِ مُتَّشحٍ للرُّمْحِ مُعْتَقِل
لمّا لَحِقْتُ بأُولَى العِيسِ سائرةً / عَلِقْتُ فضْلَ زِمامِ الرّاكبِ العَجِل
مُحاوِلاً ردَّها والخَيلُ مُعرِضَةٌ / وبينَ آذانِها سُمْرُ القَنا الذُّبُل
حتّى إذا ما دَنَتْ منّي مَنالَ يَدٍ / لو مَدَّ صَبٌّ وإنْ عَزَّتْ فلم تُنَل
قالَت وخَيلُ النّوَى للصّبر ناهبةٌ / وشمسُ غُرَّتِها في قَبْضةِ الطّفَل
أأنت يُوشَعُ تَبْغي أن أُرَدَّ وقد / غَربْتُ في شَفَقٍ من حُمْرةِ الكِلَل
كم دونَ جَذْبِ جَديلٍ يومَ ذاك لها / من فارسٍ لسَراةِ الخَيْلِ مُنْجَدِل
أحْلَلْتُ منه سِناني حيثُ حَلَّ به / منّي الهَوى فكلا القلبَيْنِ لم يَئل
وقلتُ خُذْ مَصْرَعاً في الحربِ من بطلٍ / بمَصْرَعٍ مثْلهِ في الحُبِّ من بَطَل
فاليومَ راجَعني لُبّي وشايَعَني / صَحْبي وأقْصَرتِ العُذَّالُ عن عَذَلي
زَررْتُ صَبْري على صَدْري مُضاعَفَةً / فما أُبالي برَشْقِ الأَعْيُنِ النُّجُل
بنسِجِ داودَ منّي القَلْبُ مُدَّرعٌ / إن كان طَرْفُكِ أضحَى من بني ثُعَل
ذَرى فؤادي وقد عَذَّبتِه زَمناً / بالمجدِ من بَعْدُ دونَ الوَجْدِ يَشْتَغِل
يا صادياً ملأ الأحشاءَ من ظَمَأٍ / ناراً وقد خَلَتِ الآفاقٌ من بَلَل
دَعْ عنكَ يُمنَى ويُسرَى غيرَ مُجدِيةٍ / واقْصِدْ أَمامك فاطْلُبْ مُنتَهى السُّبُل
واعْلَمْ إذا قلتُ رِدْ بالعيسِ بَحرَ نَدىً / أنّي على غيرِ عزِّ الدّينِ لم أَحُل
فالبَحرُ أسماؤه شتّى وأَشْهَرُها / على اصطلاحِ بني الآمال كَفُّ عَلي
في كلِّ أنمُلَةٍ منها إذا انْتَجعَتْ / تَجْري بحارُ ندىً للمُعْتَفي خَضِل
تُروي الورَى قَطْرةٌ منها لوِ انفَردَتْ / لكنْ لها الدَّهْرَ فَيْضٌ غيرُ مُنْفَصِل
مَنِ اشتَهى أن يَرى شَخْصَ الكمالِ فقُلْ / له بوَجْهِ كمالِ الدَّولةِ اكْتَحِل
أغَرُّ أشْرفَ سلطانُ الأنامِ به / على الممالِك مثلَ العارِضِ الهَطِل
إذا سَما وسَم الدُّنيا وُسومَ نَدىً / يُحْيي بها الأرضَ من سَهْلٍ ومن جَبَل
يَحْمي بها مَجْدَهُ من كَفّ مُجْتَذِبٍ / ومالَ سُلطانِهِ مِن كَفِّ مُخْتَزِل
مهما تأمّلَ أعيا كُلَّ ذيِ عَمَلٍ / إخفاءَ حالٍ وأحيا كُلَّ ذي أَمَل
فحاطَك اللهُ يا مَن حاط مَكرمةً / عبادَهُ بِندىً كالقَطْرِ مُتّصِل
من مُشْرِفٍ مُسْرفٍ في الجودِ تُبصِرُهُ / بالشِّينِ والسِّينِ يَغْدو غايةَ المَثَل
كم قلتُ حينَ ملأْتُ العَينَ من عَجَبٍ / لِما رأيتُ بأمرِ النّاسِ من خَلَل
ما للممالكِ تَغدو وهْي مُهمَلَةٌ / وللكُفاةِ وهمْ فيهِنَّ كالهَمَل
فكم تَرى رجلاً فيها بلا عمَلٍ / وكم تَرى عَمَلاً فيها بلا رَجُل
لو قَسَّم الماءَ ما بين الظِماء يَدٌ / بالعَدْلِ لم يَبْقَ فوق الأرضِ ذو غُلَل
حتّى انجلَتْ عُقَبُ الأيامِ عن فَطِنٍ / برَأْيِه صَحّت الدُّنيا منَ العِلَل
وجاءنا فكأنّ الشّرَّ ما خُلِقَتْ / أسبابُهُ وكأنَّ الخيرَ لم يَزُل
لم يُرضِه آنِفاً من بُعْدِ هِمَّتهِ / تَقْويمُهُ عَصْرَه من ذلك المَيَل
حتّى أَبَتْ نَفْسُهُ إلاّ مُؤاخَذةً / بما جنَى الدَّهرُ في أيّامِه الأُوَل
وأصبحَتْ دَولةٌ زادَتْ مَيامِنَها / لُقياه وهْي به من أكمَلِ الدُّوَل
يَسوسُها حَدِبٌ ماضٍ عزائمُه / أقلامُه دونها أمضَى مِن الأَسَل
ومُقْبِلُ الجَدِّ مَأْمولٌ مواهبُه / أبوابُه أبداً للنَّاسِ كالقِبَل
بادي الوقارِ يَراهُ مَن تَأمَّلَه / طَوداً ويَمْضي مَضاءَ السَّيفِ في القُلَل
كأنّه الفَلَكُ الدَّوّارُ حينَ يُرَى / وقد أظَلَّ الورَى عَجْلانَ في مَهَل
إن سارَ بالخَيلِ غَصَّ الجَوُّ من خَبَبٍ / نَقْعاً وإِن حَلَّ غَصَّ الأرضُ بالخَوَل
مُوفٍ على مُلْجَمٍ بالنَّجْمِ تَحسَبُه / للنّاظرِين وبالجَوزاء مُنْتَعِل
ذي غُرّةٍ وحُجولٍ وُضَّحٍ عَلِقَتْ / منها بأطرافِها خَمْسٌ من الشُّعَل
كأنّما هو من ماء الصَّباحِ له / لمّا توضْأَ لم يُسْبِغْ على عَجَل
ما إن رأى أحَدٌ من قَبْلِ فارسِه / شَمْساً مَطالِعُها أوْفتْ على زُحَل
للهِ ملْثومُ ظَهْرِ الكَفِّ من شَرَفٍ / أَدْنَى نَداهُ يُريكَ البَحرَ كالوَشَل
خِرْقٌ إذا جئْتَه تَرجو فواضِلَه / أعطاكَ فوقَ الأماني ثمّ قالَ سَل
عَجِبتُ من قَلَمٍ في كَفِّ ذي كَرَمٍ / في الجودِ مُنْسكِبٍ بالرَّأْيِ مُشْتَغِل
رمَى فقَرطَس أغراضي بلا خَطأٍ / لمّا وشَى متْنَ قِرطاس بلا خَطَل
وجال في ذلك المِضْمارِ يكتبُ لي / ما ذِكْرُه بَعدُ في الإضمارِ لم يَجُل
ولم يكُنْ من فمي يُمْلي على يَدِه / لكنّما جُودُه أمْلَى على أَملي
ألا فَحُيِّيتَ من ذي هِمّةٍ فعَلَتْ / بَنانُه ما لِساني بَعْدُ لم يَقُل
أَبدَى صَنيعُكَ تَقصيرَ الزّمانِ ففي / خَدِّ الرّبيع طُلوعُ الوردِ من خَجَل
قَومٌ سأَلْنا فلم يُعْطُوا وإن قَدَروا / فِداءُ ذي كَرَمٍ أعْطَى ولم نَسَل
لقد رقَيْتُ مُسيءَ الدَّهرِ لي بِرُقىً / فلَلْنَ عنّي شَبا أنيابِه العُضُل
وكم تَعصَّبَ من جَهْلٍ عليَّ إلى / أن رُعتُه فأبَى إلاّ التَعصُّبَ لي
شَرَحْتَ صَدْريَ عنْد الصَّدْرِ في حُجَجٍ / أَوردْتَها لي ومَنْ يَسْمَعْ بها يَخَل
حتّى أَنلْتَنِيَ التَّشريفَ مُؤْتَنِفاً / منه وأيَّ نوالٍ أنتَ لم تُنِل
جعَلْتَني ساحباً ذيلَ القشيبِ له / وكنتُ أقنَعُ لو مُتِّعْتُ بالسَّمَل
وسَرَّ عِليةَ أهْلِ العَصْرِ قاطبةً / ما قد صنَعْتَ على رَغْمٍ منَ السَّفِل
فدام دولةُ مولانا الوزيرِ لنا / ودُمتَ في ظِلِّ مُلْكٍ غيرِ مُنْتَقل
إن تَتْبَعِ العُرْفَ تَعْريفاً بدأْتَ بهِ / فلستَ بالرِّفدِ بعدَ الرِّفْدِ ذا بَخَل
الجاهُ والمالُ إن واليتَ بينهما / كالجَمْعِ لِلرِّيِّ بينَ العَلِّ والنّهَل
جاءتْكَ مَشمولةً صِرْفاً سُلافَتُها / من كَفِّ فكْرٍ على حُبِّيكَ مُشْتَمِل
إذا أُديرَتْ على الأسماعِ مالَ لها / عِطْفُ الكريمِ كمَيْلِ الشّاربِ الثَّمِل
فهاكَ من مادحٍ للشُّكْرِ مُرْتَجِلٍ / ما قال في ماجدٍ للبِرِّ مُرتَجِل
واسْمَعْ فذاكَ ثناءٌ غيرُ مُنتَحَلٍ / وانْظُرْ فهذا ولاءٌ غيرُ مُنتَحَل
بالشِّعْرِ يَفْخَرُ قَومٌ وهْو يَفْخَرُ بي / إن عُدَّ مِن قَوليَ المَشْهورِ أو عَمَلي
أقسمْتُ لولا مَعانٍ يَخْتَصِصْنَ به / لم يَلتَفِتْ نحوَهُ طَبْعي ولم يَمِل
فما يَقَرُّ بعيْني أن يُرَى أبداً / فِكْري بوَضْعِيَ عن فِعْلي له شُغُلي
كما غدا قِبَلَ الأيّامِ لو سمَحوا / لي مَطْمعٌ فللأقوامِ غدا قِبَلي
حنّتْ جِمالي وحَثّتْ للرَّحيلِ بها / صَحبي ولم تَبْقَ إلاّ حَلّةُ العُقُل
ولي تَفاصيلُ أوطارٍ بَقِينَ فقُمْ / بها عَليُّ كما قد قُمْتَ بالجُمَل
وراعِ في القُرْبِ أو في البُعْدِ أمْرَ فتىً / عليكَ وحدَك بعد اللهِ مُتَّكَلي
أمّا الصِّيامُ فكالضّيفِ المُنيخِ إلى / ذُراكَ قد حانَ منه وَشْكُ مُرتَحَل
فاسْعَدْ به راحلاً باليُمْنِ مُنقَضِياً / وعائداً ألْفُ عامٍ بَعْدُ في جَذَل
واعْدُدْ بكَفّيْكَ أعياداً مُعاوِدةً / ما شاقَ ركباً بلَيْلٍ حَنّةُ الإبِل
ودُمْ دَوامَ مديحي فيكَ إنّ له / إذا اعتَنَيْتَ بهِ عُمْراً بلا أَجَل
شِعْرٌ تَناهبَهُ الأسماعُ من طَرَبٍ / لدى الرِّوايةِ إن أُقصِرْ وإنْ أُطِل
والذِّكْرُ أحسَنُ ذُخْرِ المَرء فاغْدُ به / مُحَلِّياً لك مجْداً ليس بالعُطُل
واجْعَلْ لكَ العَرَضَ المَبذولَ واقيةً / طُولَ الزّمانِ لعِرْضٍ غَيْرِ مُبْتَذَل
اليومُ يومي ويومُ الأينُقِ الذُّلُلِ
اليومُ يومي ويومُ الأينُقِ الذُّلُلِ / فازجُرْ بنا طرباً يا حاديَ الإبلِ
صَوِّبْ خُطاها إلى أَرْضِ العراقِ فما / لطالبِ المجدِ عند الخُوزِ من شُغُل
أَمِلْ إليها مَطايانا فقد كفَلَتْ / تلك الإمالةُ بالإدراكِ للأمَل
لم يُثْبِتِ الرِّجْلَ في غَرْزٍ لها أَحَدٌ / وَمَدَّ كَفّاً إلى نَجْمٍ فلم يَصِل
ما للمَطايا ولا للرَّكبِ من شَبَهٍ / سِوى الحَواجبِ للأحبابِ والمُقل
كُلٌّ حَنايا تُصيبُ الدَّهْرَ أَسهمُها ال / أَغراضَ وهْي عنِ الأقواسِ لم تَزُل
للهِ مَعشرُ أُلاّفٍ قَطعْتُهمُ / يومَ الرّحيلِ على رَغْمي ولم أَصِل
وحَيرةُ الدَّمعِ في عيني وأَعينِهمْ / فلم يَغِضْ عند توديعٍ ولم يَسل
أَحبّةٌ عن هوىً لا عن قِلىً جعلوا / ركائبي للنّوى محلولةَ العُقُل
واستقْرَبوا البِيدَ والأغوارَ أَسلُكها / خوفاً عليَّ من الأعداء والغِيَل
ففرَّق الدَّهرُ ما بيني وبينهمُ / والدَّهرُ عادتُه التَّفريقُ لم يَزَل
وكم سألتُ الحيا سُقْيا منازِلهمْ / فقالتِ العيْنُ ما للأدمُعِ الهُمُل
فارقْتُ من لم تُطِقْ نفسي فراقَهُمُ / حتّى ارتحلْتُ وقلبي غَيرُ مُرتحِل
فما مَررْتُ برَسْمٍ من معاهدِهم / إلاّ بكَيْتُ بسَهْلٍ كان أَو جَبَل
فَنمّ أَرْضٌ بريحٍ في الدّيارِ لهمْ / ونمَّ ماءٌ بنارٍ في الجوانحِ لي
وعارِضي فيه بَرْقُ الشّيْبِ مُبتسمٌ / وعَبْرَتي فَوْقَه كالعارضِ الهَطِل
إذا رمَتْنيَ أَصحابي بأعيُنهمْ / جعلْتُ كُمّي مَغيضَ الدّمعِ من خَجَلي
حتّى إذا ما همُ في نُصْحِيَ اخْتلَفوا / قَسّمْتُ سَمْعيَ بينَ العُذْرِ والعَذَل
ويومَ أَصبحَ سِرْبُ الوَحْشِ مُعترِضاً / والرَّوضُ بالزَّهْرِ في حَيٍ وفي حُلَل
والرَّكْبُ مِيلُ الطُّلَى مُستشرِفينَ بها / على جَديليّةٍ يَمرَحْنَ في الجُدُل
طَرِبتُ للسِّربِ حتّى قال قائلُهمْ / ما للكبير وللغِزلانِ والغَزَل
ظَنّوا بأنّ دَمي مِمّا تطُلُّ دُمىً / بالنُّجْلِ من طَعَناتِ الأعينِ النُّجُل
وما درَوْا أنّ غيرَ اللّهْو من أَرَبي / وأنّ غيرَ رَسيسِ الوَجْدِ من عِلَلي
لم تُبقِ منّي صُروفُ الدَّهْرِ جارِحةً / بها من الوَجْدِ جُرْحٌ غيرُ مُندَمِل
قد زال ظُلمةُ ذاكَ اللّيلِ عن بَصَري / بشَيْبِ رأسٍ كرأْسِ الشَّمْعِ مُشْتَعِل
لكنْ سوانحُ وحْشٍ من بَوارحِها / مَيّزْتُها فجلتْ لي يُمْنَ مُرتَحَل
حتّى وَصلْتُ السُّرى بالسَّيرِ مُعتزِماً / عزْمَ امرئٍ غيرِ هيّابٍ ولا وُكَل
لا مُشتكَى لكريمٍ رابَهُ زمَنٌ / إلاّ السُّرى وذواتُ الأذرُعِ الفُتُل
لأَقرِيَنَّ ضيوفَ الهمِّ نازلةً / شُحومَ أسنمةِ العِيديّةِ البُزُل
حتّى أُبِلَّ بما يَجشَمْنَ من عِلَلٍ / أدنفِنني وأَبُلَّ الصَّدرَ من غُلل
فهزّ أعطافَها حدْوٌ يُطرِّبُها / هزَّ الغِناء لعِطْفِ الشّاربِ الثَّمِل
وقائلٍ قالَ قد كلّتْ ركائبُنا / ونحن من قَصْدِ بَغدادٍ على عَجَل
فقلتُ أرضٌ قِوامُ الدِّينِ نازلُها / فسُقْ إليها رَذايانا ولا تُبَل
فإنَّ أوجُهَنا منه إلى ملِكٍ / فِناؤه الدَّهرَ يُمشَى فيه بالقُلَل
إذا دنَوْنا أرحنا العيسَ إن رزَحتْ / من الخُطا وقَطَعْنا الأرضَ بالقُبَل
أشرِفْ به بيتَ مجدٍ عزَّ موقفُه / فلم يُذَلَّ له مَسعىً ولم يُذَل
رُكْناهُ للقُبَلِ الكفّانِ منه كما / أبوابُهُ الدَّهْرَ للقُصّادِ كالقِبَل
وأرْضُه حَرَمٌ ملآنُ من كَرَمٍ / إليه من كُلِّ أَرضٍ مُنْتَهَى السُّبُل
سمْحٌ إذا جِئْته يوماً لتسأله / أعطاكَ كُلَّ الأماني ثُمَّ قالَ سل
لا يَنْحَسُ الدَّهْرُ يوماً نجْمَ زائرِه / لأنّ مغناهُ أعلَى من مدى زُحَل
للهِ علْيا قِوامِ الدّينِ من مَلِكٍ / راجيهِ ذو سببٍ باللهِ مُتَّصِل
كَنِيُّ خيرِ عبادِ اللهِ كُلِّهمُ / من شائدي دُوَلٍ أو شارعي مِلَل
ثلاثةٌ أكنياءُ مِثْلُهمْ شرفاً / لم يمْشِ في الأرضِ من حافٍ ومُنْتَعل
ما في زماني لهمْ مِثْلٌ نُصادِفُه / وهكذا لم يكُنْ في الأزْمُنِ الأُوَل
كُلٌّ أبو القاسمِ المأْمولُ كُنيتُه / كذا قضَى اللهُ ربُّ العَرْشِ في الأزَل
وكُلُّهمْ خَتَموا أبناءَ جِنْسِهمُ / ختْماً فدوْلَتُهم مَحْسودةُ الدُّول
ففي النّبيِّينَ والفضلُ المُبينُ له / مُحمّدٌ ذو المعالي خاتِمُ الرُّسُل
وفي السّلاطينِ مَحمودٌ أجلُّ بني الدْ / دنْيا وفي الوزراء النّاصرُ بْنُ عَلِي
مَولىً تَجمّعَ فيه كُلُّ مُفْترٍقٍ / منَ المَحاسنِ بالتّفْصيلِ والجُمَل
تَخالُه رَجُلاً في النّاسِ تُبْصِرُه / إذا بدا لكَ وهْو النّاسُ في رَجُل
بالصّاحبِ العادلِ المَيْمونِ طائرُه / لم يَبْقَ في الأرضِ قُطْرٌ غَيرُ مُعْتَدِل
مَلْكٌ يُديرُ مُلْكَ الأرضِ أَجمعِها / برأْيِ مُكْتَهِلٍ في عُمْرِ مُقْتَبِل
لا إنْ تأَنّى مُضِيعٌ فُرصةً عرضَتْ / له ولا مِنْه تُخشَى زَلّةُ العَجَل
تَراه أَوقَر من طَودٍ وعَزْمَتُه / أَمْضَى من السّيفِ عند الحادِث الجَلل
كأنّه الفلكُ الدوّارُ إن نظَروا / فسَيْرُه أبداً عَجْلانُ في مَهَل
يُمزِّقُ الدَّهْرَ لَيلَ النّقْعِ حيث دَجا / له ذُبالٌ بأطرافِ القَنا الذُّبُل
يَرْمي ديارَ الأعادي وهْي قاصيةٌ / فالقومُ منه وإن شَطُّوا على وَجَل
بالحاكياتِ بُراقاً وهْي صافِنةٌ / والسّارياتِ بُروقاً وهْي في الشُّكُل
خَيلٌ سَوابقُ تُمسي من فَوارسِها / مُختالةً تحت لا مِيلٍ ولا وُكُل
إذا عدَتْ ورَمَوا من فَوقِها وصَلَتْ / إلى العِدا بالقنا والنَّبْلُ لم يَصِل
لصاحبٍ رأْيُه العالي ورايتُه / مُضَمَّنانِ سِجالَ الرِّزْقِ والأَجَل
عادتْ إلى الدّولةِ الغرّاءِ حضْرتُه / كأنّها حِلْيةٌ عادتْ إلى عُطُل
تَأْبَى الوِزارةُ أن تَبْغي به بَدَلاً / وهل لِذي بَدَنٍ بالرُّوح من بَدَل
إن الوزارة دارٌ أنت صاحبها / مَن حلَّها غاصبا يُذمَم وَيَنتَقِل
قد حَلَّتِ الّلاتُ بيتَ الله ثُمّ غدا / والّلاتُ زائلةٌ واللهُ لم يَزَل
وَلاّكَها اللهُ لمّا أنْ رآك لها / أهْلاً ومَن لم يُوَلِّ اللهُ يَنْعَزِل
فقُمْ لها يا قِوامَ الدّينِ مُنتصِراً / حتّى تُقوِّمَ ما قد نابَ مِنْ مَيَل
ما الأرضُ إلاّ قناةٌ في يدَيْكَ غدَتْ / فإن تُذِقْها ثِقافَ الرَّأْيِ تَعْتَدِل
يا ناصِرُ اسماً ووَصْفاً للصّريخ إذا / دعا برَغْمِ رجالٍ للهُدَى خُذُل
قد كان أَسلمَني دَهْري إلى نفَرٍ / أَيمانُهمْ بالنّدى قَوْلٌ بلا عَمَل
وها أنا اليومَ من نُعماكَ مُرتقِبٌ / تَقْليبِيَ الطَّرْفَ بينَ الخَيْلِ والخَوَل
كُلٌّ غدا دونَ قَولي فِعْلُهمْ أبداً / ودونَ فِعْلِكَ قَولي فاغْتفِرْ زَللَي
يَضيعُ مِثْلي إن لم يُعْنَ مِثْلُكَ بي / والسَّيْفُ يَبطُلُ إلاّ في يدَيْ بَطَل
أَعِدْ إليّ بعَيْنَيْ عاطِفٍ نظَراً / عَدْلاً وقُلْ للِساني عند ذاكَ قُل
وعِشْ لأمثاليَ الراجِينَ في نِعمٍ / ما أَورقَ العُودُ عَيْشَ النّاعمِ الجَذِل
أصبَحْتَ في عِقْدِ هذا المُلْكِ واسطةً / للدِّينِ منها وللدُّنيا أجَلَّ حُلي
كُلٌّ حَوالَيْكَ أمثالٌ نُشاهِدُها / وأنت ما بينَهمْ فَرْدٌ بلا مَثَل

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025