المجموع : 13
يا جامع المال كُلْهُ قبل آكلهِ
يا جامع المال كُلْهُ قبل آكلهِ / فإنّما المالُ في الدّنيا لمن أكلا
أنتَ المجارى إِلى ما بتّ تجمعه / فاِسبقْ إليه صروفَ الدَّهرِ والأجلا
إنْ تُبقِ مالَكَ حيناً لم تُبَقَّ له / إمّا بطلتَ فَناءً عنه أو بطلا
أمَّا الكريمُ فيمضِي مالُهُ معه / ويترك المالَ للأعداء مَن بَخِلا
إِنْ كنتُ أزمعتُ عن وجدى بكم هرَباً
إِنْ كنتُ أزمعتُ عن وجدى بكم هرَباً / فلا سقاني الظّما عَلّاً ولا نَهَلا
ليس التبدّلُ في الأهواءِ مِن خُلُقِي / ولو تبدّلتُ منكمْ لم أجدْ بدلا
من غير جرمٍ ولا عذرٍ لمعتذرٍ / مللتُمُ كَلِفاً لا يعرف المَلَلا
أتَارِكي أتلافى اليأس بالأملِ
أتَارِكي أتلافى اليأس بالأملِ / وراجعي أتقاضى الحزمَ بالزّلَلِ
لا تحملنِّي على وعْرٍ فأركبُهُ / ولو توسّمتَ منه طلعة الأجلِ
ولا تُعِلنّني رَنْقاً فألفظُهُ / ولو لوجهٍ يراه النّاسُ للقُبَلِ
واِستبقِ صَمتي لمغرورٍ أقمتُ له / ظهرَ الرّجاء على رِجْلٍ من العِلَلِ
دعني يغمّد حلمي ما اِنْتَضَتْ هممي / أو لا فهاك جوابي خُذْه مِن أَسَلِي
إنْ لم أذَرْك تُلاقيني فتنكرني / فلا أطاعتْ سيوفي أصعبَ القُلَلِ
ولا حملتُ القنا في يومِ معركةٍ / وصارَمَتْنِي ظهورُ الخيل عن مَلَلِ
أأنتَ أشجعُ أم دهرٌ يسالمني / ويشرئبُّ إلى بِشْرِي فدع أملي
ألقى إليَّ زَماناً كان يجعله / حِبالةً لاِقتناصِ الفارس البطلِ
وقال قُدْنِي إلى ماشئتَ أسْعَ له / يا مالكاً مالكَ الأرقابِ والدُّوَلِ
وما اِحتَفلتُ بشئٍ ظلّ يبذله / لأنّ أكثرَ منه في يديّ ولِي
ما زالَ يَخدعني باللّطف والحِيَلِ
ما زالَ يَخدعني باللّطف والحِيَلِ / حتّى اِستجبتُ على كُرهٍ إلى الغزلِ
للَّه قلبُ عميدٍ خرّ منجدلاً / لمّا رأته لحاظُ الأعينِ النُّجُلِ
ما كانَ هَذا الهوى لي في الحساب ولا / هذي الصّبابةُ لولا الحسنُ من عملِي
جاء الهوى عَرَضاً لم أجْنِهِ بيدي / كأنّه ليس منّي وهْو من قِبَلي
ناشدتُكم أن تقرّوا من قلوبكم / فبين حنبيَّ قلبٌ ما تَحَيَّزَ لِي
كم قد نصحتُ لعذّالي وقلتُ لهمْ / عذلتُمُ اليومَ مشغولاً عن العَذَلِ
يعصيكُمُ قلبُهُ الغاوي ومن خَجَلٍ / يُطيعكمْ لفظُهُ قولاً بلا عَمَلِ
يا ربِّ لا تجعل المنظورَ من أجلي
يا ربِّ لا تجعل المنظورَ من أجلي / يلقاك بالسّيّءِ المكروهِ من عملي
وَاِجعلْ مسيري إلى لُقياك يوم ترى / حشرَ الأنامِ على نهجٍ من السُّبُلِ
في واضحٍ جَدَدٍ تأبى العثارَ به / رِجْلي فلا هَفْوَتي فيه ولا زللي
وأعطني الأمنَ في يومٍ تكون به / قلوبُ خلقك ملقاةً على الوَجَلِ
كم ذا أُؤمّل عفواً لستُ أكسبُهُ / ويلٌ لجلدِيَ يوم النّارِ من أملي
وأُسْتَغَرُّ بما أمّلتُ تخدعني / لَيُّ الحوادثِ إذْ أرْخَتْ من الطِّوَلِ
كانّني وزنادُ الخوف تلذعني / بما أخاف وأرجو غير محتفلِ
قولٌ جميلٌ وأفعالٌ مقبَّحةٌ / يا بُعدَ ذا القول في الدّنيا من العملِ
يا بُؤسَ للدّهرِ غُرّ العالِمون به / والجاهلون معاً في الأعصر الأُوَلِ
مَضوْا جميعاً فلا عينٌ ولا أثرٌ / حانوا وحالوا وهذا الدّهرُ لم يَحُلِ
كأنّهمْ بعدما استمْطَوْا جنائزهمْ / لم يمتطلوا صَهَواتِ الخيلِ والإبلِ
قالوا فرغتَ من الأشغال قلت لهمْ / لو لم أَكن باِنتظار الموتِ في شُغُلِ
إنّي لأعلمُ علماً لا يخالجه / شكٌّ فأطمع للدّنيا ويطمع لي
بأنّه لا مَحيصٌ عن مدى سفري / وَلا دواءٌ لما أشكوه من عللي
وإنّني سوف ألقى ما يُطيح به / كيدي وتذهب عنه ضُلَّلاً حِيَلي
وكيف يطبق جَفناً بالكرى رجلٌ / وراءه للرّدى حادٍ من الأجلِ
أم كَيف يصبح جذلاناً وليس له / علمُ الإلهِ بعُقْبى ذلك الجَذَلِ
يا راقداً ونداءُ اللَّه يوقظه / ألّا تزوّدتَ فينا زادَ مرتحلِ
ما لي أراك على ربِّ الورى بَطِراً / وأنتَ في النّاس ملآنٌ من الفَشَلِ
وكم تجود بجمّاتِ الثّوابِ غداً / وأنتَ توصف فينا اليومَ بالبُخُلِ
للَّه مَن لا تراه غِبَّ حادثةٍ / مجرَّحاً بشفارِ اللّومِ والعَذَلِ
يرنو إلى الدّهر من أجفان صادقةٍ / بدا لها منه ما يخفى على المُقَلِ
فالعزُّ في هجرة الدّنيا وما ضمنتْ / والذّلُّ في طلب الأموال والدُّوَلِ
أمَا ترى الدّهرَ لا يبقي على حال
أمَا ترى الدّهرَ لا يبقي على حال / طوراً بأمنٍ وأطواراً بأوجالِ
أبغي النّجاءَ وما أنجو وإنْ غفلتْ / عنّى المنون كما لم ينجُ أمثالي
شواردٌ من مصيباتٍ ثبتن لنا / يصبن ما شئن من نفسٍ ومن مالِ
متى ينلْن الفتى قالوا دنى أجلٌ / يا هلْ أرى في اللّيالي غيرَ آجالِ
بذلٌ يؤوب إلى منعٍ وعافيةٌ / تجرّ داءً ونُكسٌ بعد إبلالِ
وما سُررتُ بأيّامِ الكمال فما / يعرو الفتى النّقصُ إلّا عند إكمالِ
يا ليت شعرِيَ والأهواءُ مولعةٌ / برجم مستترٍ في الغيب دخّالِ
بأيّ نوعٍ من المكروه تخرجني / هذي النّوائب عن أهلي وعن مالِي
وأيُّ عَلْقَمَةٍ في كفّ حادثةٍ / أُجنى لها كي أُسقّاها وتُجنى لِي
ما للنّوائبِ يُعفِين الثُّمامَ كما / يَعنُفنَ بالنّبعِ أوْ يقذفن بالضّالِ
وما لهنّ وما يبغين من أَرَبٍ / يفنينَ نفسي وَقد أبقين أسمالِي
نلقى المخاوفَ في الدّنيا ونأمنُها / ونطلب العزَّ في الدّنيا بإِذلالِ
وتُستَذَمُّ لنا في كلّ شارقةٍ / وما لها مُبغضٌ منّا ولا قالي
لِذاذةٌ لم تُنَل إلّا بمؤلمةٍ / وصحّةٌ لم تدمْ إِلّا بإعلالِ
فَما أَمنتُ بها إلّا على حَذَرٍ / ولا فرغتُ بها إلّا بأشغالِ
ومُسمِعٍ جاء من أَرْجان يُسمعني / قولاً يكثّر من همّي وبَلْبالي
أهدى على زعمه بَرْدَ اليقين به / فشبّ بين ضلوعي جمرةَ الصّالي
نعى إليَّ قِوامَ الدّين حادثةٌ / أحال ما جاء منها كلَّ أحوالي
فلو أطَقتُ فنفسي لا تَضِنُّ به / شققتُ قلبي ولم أعرضْ لسِرْبالي
وَلم تنلْ عَقْرَ نفسي في المصاب يدي / فبتّ أعقِرُ أطلابي وآمالي
أَقول والرّبعُ مغبرٌّ جوانبُهُ / مَنْ بدّل المنزل المأهولَ بالخالي
مَنْ أخرج اللّيثَ مِن ذاك العرين ومَن / حطّ المحلِّقَ في العلياءِ مِن عالِ
مَنْ زعزع الجبلَ العاديّ منبته / ومَن طوى ذلك الجوّال في جالِ
مَنْ حلّ عُقْلَ المنايا فيه ثمّ رمى / قوائمَ السّابقِ الجاري بعُقّالِ
مَنْ ساجل الغيثَ هطّالاً بأَذْنِبَةٍ / مَنْ كايَلَ البحر مكيالاً بمكيالِ
مَنْ طاول الشُّمَّ حتّى طالهنّ ذراً / مَن وازن الصُّمَّ مثقالاً بمثقالِ
سائل بملكِ الورى لِمْ زلّ أخمَصُهُ / وهو الّذي كان ثبتاً غيرَ زوّالِ
وكيف أعجزه هولٌ ألمَّ به / وهو المدفّعُ أهوالاً بأهوالِ
وكيف أصحر بالبيداء منفرداً / مُخدَّمٌ بين أكنانٍ وأظلالِ
وكيف حطّ مُلِظٌّ في بُلَهْنِيَةٍ / من ناعم العيش داراً غيرَ مِحْلالِ
وكيف لم يُعطني من ثِقْلهِ طَرَفاً / قَرْمٌ تحمّل عنّي كلَّ أثقالي
وكيف ضلّ بأيدي الحادثات فتىً / مُعطي النّجاةِ وهادي كلّ ضلّالِ
مَنْ للسَّرير الّذي تعنو الجباهُ له / مقسومةً بين تعظيمٍ وإجلالِ
مَنْ للرّواقِ إذا حفّ الوفودُ به / سامين نحو شَرودِ النطقِ قوّالِ
مَن للعُفَاةِ إذا اِبتلّوا بنائِلِهِ / صباح يومٍ شديد الهضم للمالِ
مَن للسّوابق يَعرَوْرى مناسجَها / وتنثني بالدّمِ القاني بأَجْلالِ
نزائعٌ كالنّعامِ الكُدْرِ نفّرها / صَراصِرٌ من حديد الظُّفرِ نشّالِ
أو كالسّراحين تَفْرِي كلَّ مقفرةٍ / غَرْثى من الزّاد تَنْسالاً بتَعْسالِ
مَن للقنا طالَ حتّى قالَ مُبصرهُ / ما هُزّ هذا القنا إلّا بِأَطوالِ
مَن للصّوارِمِ تَعْرى مِن مَغامِدها / وتكتسي أغمُداً في هامِ أبطالِ
مَن لِلمكيدة حكّتْه لتبلُوَه / تحكُّكَ القُلُصِ الجَرْبى بأجذالِ
مَن للكتائبِ خُرساً غيرَ ناطقةٍ / يُجلجل الطّعنُ فيها أيّ جَلجالِ
فيهنّ كلُّ هضيم الكَشْح مُعْتَرِقٍ / مُشَذَّبٍ كسَحوقِ النّخلِ طُوّالِ
إذا مشى في فضولِ الدّرع تحسبه / مقلّباً نَخْوةً أعطافَ رِئْبالِ
ذو ناظرٍ توقد الأَضغانَ لحظتُهُ / كصلّ رملةِ وادٍ بين أصلالِ
قد كنتَ توعدني العِدَّ الغزيرَ نَدىً / فالآن أقنعُ بعد العِدِّ بالآلِ
وما قنعتُ وبي في غيره طمعٌ / واليأسُ أرْوَحُ ولّاجٍ على البالِ
وكنتَ لِي وَزَراً في كلّ مُعضلةٍ / أُمسي أُشمّر فيها فضلَ أذيالي
وكنتَ أدنى وقد ناديتُ منتصراً / إليَّ في الخطب من نفسي ومن آلي
يا طالِبَيَّ خذا منّي اِقتراحَكما / ما مانعٌ دون ما أخشى ولا والِ
وَاِستعجلا في يديّ اليومَ ثأركما / بذلتُ ما لم أكن فيه ببذّالِ
قد ذَعْذَع الموتُ نُصّاري وحاميتي / وضعضع الموتُ أطوادى وأجبالي
ونالني بالأذى مَن كان يرمُقني / قُبَيل هذا الرّدى بالمربأ العالي
أصبحتُ فيك أُزيرُ الشّكّ معرفتي / عمداً وأصرف ذاك الخُبْرَ عن بالي
وأسأل الرّكبَ عندي مثل علمهمُ / أرجو تَعِلَّةَ إلباسي وإشكالِي
قبرٌ على الكوفة الغرّاء نتبعه / في كلّ يومٍ بإرنانٍ وإعوالِ
كأنّما مِسْكةٌ في تربةٍ فُتِقَتْ / من طيب عَرْفِكِ أو ناجود جِرْيالِ
لم يدفنوك به لكنّهمْ هَرَقوا / وما دَرَوْا سَجْلَ إحسانٍ وإجمالِ
وإنّني آنفٌ سَقيَ السّحاب له / فتربةٌ أنتَ فيها غيرُ مِمْحالِ
جادتكَ مِن صَلواتِ اللَّه أوعيةٌ / غزيرةٌ ذاتُ إسجامٍ وإسبالِ
مُلِثَّةُ الوَدْقِ تسري اللّيلَ أجمعَهُ / فإنْ غدَت وصلتْ صبحاً بآصالِ
لا مسّ منك البِلى ما مسّ من بشرٍ / فإنْ بَلِيتَ فما معروفك البالي
وناب عنك جميلٌ كنتَ تَعمله / حيث النّجاءُ لمن ينجو بأعمالِ
فالذّكرُ عندي مقيمٌ إنْ نُسِيتَ وإِنْ / سُلِيتَ يوماً فغيري قلبُه السّالي
لو كنتَ في مثل حالي لم تُرِدْ عَذَلي
لو كنتَ في مثل حالي لم تُرِدْ عَذَلي / تسومني هجْرَ مَنْ في هجره أجلي
دعْ عنك عَذْلي فإنّ العذل منك وما / هذي الصّبابةُ من عندي ولا قِبَلي
وفي الهوادج مَن لو شاء علّلني / يوم الرّحيل وقد سرنا على عجلِ
بوقفةٍ لم يُردني يوم ذاك بها / وهي الشّفاءُ لما أشكوه من عِلَلي
فلو مررنا على وادي العُذَيْب درى / مَن عالج الشّوقَ أنّي عنك في شُغُلِ
كم ثَمَّ من مُهجةٍ تقضِي بلا قَوَدٍ / ومن دمٍ طُلَّ من وجدٍ على طَلَلِ
ومن فؤادٍ إذا سِيقت ركائبُهمْ / طَوعَ النّوى من شَرافٍ سيقَ في الإبلِ
تسوقه النُّجْلُ إذْ بانتْ ويوقظُهُ / على الهوى لَمَعانُ المَبْسَمِ الرَّتِلِ
ومعشرٍ بمنىً أضحتْ شفارُهمُ / يَلِغْنَ في ثغَراتِ الأيْنُقِ البُزُلِ
وبالمحصَّب ينتابُ الجمارَ به / عصائبٌ جئن من سهلٍ ومن جبَلِ
والبائتين بِجَمْعٍ والرّكائبُ قد / مَلّتْ هنالك من شدٍّ ومن رَحَلِ
ونازلي عرفاتٍ شاخصين إلى / ذُؤابةِ الشّمسِ أن تدنو إلى الطَّفَلِ
لقد تبوّأ فخرُ الملك منزلةً / علياءَ شطّتْ على الأَيدي فلم تُنَلِ
ملساءَ يحسبها الأقوامُ في مَلَكٍ / وإنّما هي بالتّحصيلِ في رَجُلِ
يا موحشي ببعادي منه في وطني / ومن بلادي ومن أهلي ومن خُللِي
وتاركي بعد أنْ كانتْ زيارتُه / حَلْياً بجيدِيَ مملوءاً من العَطَلِ
إنّي جليدٌ على الأهوالِ قاطبةً / ولستُ في فرقتي إيّاك بالبطلِ
أنتَ الّذي نلتُ منه وهو مُخْتَفِرٌ / فَوقَ الّذي كان يسمو نحوه أملي
من ناظماتِ سموطِ الفخرِ باقيةً / يحول صبغ اللّيالي ويه لم تَحُلِ
ومن مقالٍ إذا فاه الرُّواةُ به / كأنّه في قديم الدّهر لم يُقَلِ
كم لي بحضرتك الغرّاءِ من قدمٍ / ووقفةٍ لم أخفْ فيها من الزَّلَلِ
أروح أسحب فيها ذيلَ مفتخرٍ / وساحبُ الفخر ينسى ساحبَ الحُلَلِ
ماذا بقربك من عزٍّ ومفخرةٍ / وما بكفّك من غُنمٍ ومن نَفَلِ
وما بساحتك الغرّاء من شَرَفٍ / وتُربِ مجلسك المعمور من قبَلِ
وأيُّ ذي خنْزُواناتٍ يُدِلُّ بها / بعُقْرِ دارك لم يُعْدَدْ من الخَوَلِ
إنّ العراقَ إلى نجواك طامحةٌ / طماحةَ الهِيمِ نحو العارض الهَطِلِ
وإنّ مَن بات خوفٌ منك يَعقِلُهُ / قد همّ أو كاد أنْ ينجو من العُقَلِ
فلامَحوا الغَدرَ لمّا أن بعُدتَ ومذْ / رِيعوا بقربك أغضوا عنه بالمُقَلِ
قد قلتُ للقوم غرّتهمْ بشاشَتُه / وربّما شَرِق المُشتارُ بالعَسَلِ
لا تُحْرِجوه إلى شعواءَ قاطعةٍ / فتخرجوا فيه من أمْنٍ إلى وَجَلِ
فالصّلحُ ممّن درى الضُرَّ المحيطَ به / ولا دفاعَ له صلحٌ على دَخَلِ
عُوتِبتُمُ فأبيتم نصحَ ذي شفقٍ / وبالظُّبا يُعتبُ الآبي أو الأَسَلِ
أرخى لكمْ فحسبتُم لا زمامَ لكم / وليس يفْرِق فَوْتاً مُمِسكُ الطِّوَلِ
وقد وأَلتُمْ مراراً في نِكايتِهِ / وربّما عثر الجاني فلم يُؤَلِ
فاِسلَم لنا فخرَ هذا الملك واِبقَ على / مرّ الزّمان بظلٍّ غير منتقلِ
وقد مضى عنك شهرُ الصّومِ منسلخاً / يُثني عليك بخير القول والعملِ
فاِسعَدْ بذا العيد واِقبلْ ما حباك به / من المسرّةِ فيما شئت والجَذَلِ
مُبَرَّءاً من لِمامِ السّوءِ أجمعهِ / مملَّكاً أنفسَ الأعمارِ والمُهَلِ
ومن عجائب أمري أنّني أبداً
ومن عجائب أمري أنّني أبداً / أريدُ من صحّتي ما ليس يبقى لِي
هل صحّةٌ من سقامٍ لا دواءَ له / وكيف أبقى ولمّا يبقَ أمثالي
وما أُريد سوى عينِ المحال فلا / سبيلَ يوماً إلى تبليغ آمالي
واللَّه لا كان لِي مالٌ أضِنّ به
واللَّه لا كان لِي مالٌ أضِنّ به / ولا رددتُ بغير النُّجْحِ سُؤّالي
ولا اِدَّخرتُ سوى جودٍ ومكرُمةٍ / ذَخائراً لم أبتْ فيها بأوجالِ
المالُ مالي إِذا يوماً سمحتُ به / وما تركتُ ورائي ليس من مالي
وفي غدٍ أنا مرموسٌ بمقفرةٍ / ملْساءَ عاطلةٍ من جانبِ الخالِ
خالٍ وإنْ كنتُ ذا أهلٍ وذا نَشَبٍ / عارٍ وإن كان بالبَوْغاء سِربالي
أمَا ترى الدّهرَ مسلولاً صوارمُه
أمَا ترى الدّهرَ مسلولاً صوارمُه / تفري وتقطع منّا كلَّ موصولِ
معلَّلاً كلّما يدوِي ويُسقِمُه / وربّما ضرّ ذا سُقمٍ بتعليلِ
أمّلْتُ فيه أموراً ما ظفرتُ بها / وعاد يسحب ذيلَ المنعِ تأميلي
فعدِّ مثواك عن شيء منيتَ به / فلا اِنتِفاعٌ لمشغولٍ بمشغولِ
ما صِيدَ قلبُك إلّا باِبنةِ الكِلَلِ
ما صِيدَ قلبُك إلّا باِبنةِ الكِلَلِ / وكم نجا النَّبلَ مَن لم ينجُ من مُقَلِ
دعتْ هوايَ إليها فاِستَجاب لها / غنيّةٌ عن سوادِ الكُحلِ بالكَحَلِ
بيضاءُ تفضح صبحَ اللّيلِ إنْ نشرتْ / ذُؤابةً في فروع الفاحمِ الرَّجِلِ
وَلَو رأتْ وجهَها شمسُ النّهارِ وقدْ / ألْقَتْ معارجها غابتْ من الخَجلِ
وَلَم يَطُر بِيَ لولا حبُّها غَزَلٌ / فساقني حسنُها كرهاً إلى الغَزَلِ
فلو رآها عذولٌ تاب معتذراً / من أنْ يعود إلى شيءٍ من العَذَلِ
مرّتْ بنا وفؤادي لِي فما برحتْ / حتّى كأنّ فؤادي قطُّ لم يكُ لِي
وزارني طيفُها وَهْناً فأَوْهمني / زيارةً كنتُ أرجوها فلم أَنَلِ
هي الزّيارةُ معسولاً تطعُّمُها / وليسَ فيها لنا شيءٌ من العَسَلِ
لو كان طيفُك أوْلانا زيارَته / على الحقيقةِ ما ولَّى على عَجَلِ
عَطِيّةُ النومِ مَنعٌ لا اِنتِفاعَ بها / للعاشقين وجودُ الطّيف كالبُخُلِ
فَكيفَ جِئتِ إلينا غيرَ سائرةٍ / على جوادٍ ولا حِدْجٍ على جملِ
وَكيفَ لَم توقِظي صحبي وقد هجعوا / برنّةِ الحَليِ أوْ مِن فَغْمَةِ الحُلَلِ
قد قلتُ للرّكب حثّوا كلَّ سَلْهَبَةٍ / جَرْداءَ أو جَسْرَةٍ من أينُقٍ بُزُلِ
في مَهْمَهٍ لا ترى فيه لناجيةٍ / في ظهرها الكُورُ غيرَ الشدِّ والرَّحَلِ
حُطّوا بعَقْوَةِ ركنِ الدّين واِبتَهِجوا / بالمَنهلِ العَذْبِ أو في المنبَتِ الخَضِلِ
حيثُ الملوك ملوكُ الأرض خاشعةٌ / لمالك الأرضِ والأعناقِ والدُّوَلِ
وجانبٌ تُنهبُ الأموالُ فيه فما / يرضى لمن أمّل الأموالَ بالأملِ
ومطرحٌ ليس فيه للملامِ يدٌ / ولا معابٌ لتفصيلٍ ولا جُمَلِ
ما فيهِ إلّا صريحٌ أو علانيةٌ / بالاِتّفاقِ ولا صلحٌ على دَخَلِ
كم موقفٍ ثمَّ فيه ليس محتكمٌ / غيرَ الصّوارمِ والخطّيّةِ الذّبلِ
حيث النّجاءُ مَروقٌ كفُّ طالبه / ومَوْقِدُ الحربِ يرمي القومَ بالشُّعَلِ
شهدتَه بجَنانٍ ما ألَمَّ به / ذعرٌ ولا مسّه مسٌّ من الوَجَلِ
ثَبْت المقامة في دحضٍ مزالقُه / لو زالتِ الصُّمُّ يوماً عنه لم يزُلِ
وأنتَ في ظهر ملطومٍ بغرّته / كأنّه شِدّةً قَدْ قُدَّ مِن جَبَلِ
لا يعرف الطَيشَ في سِلْمٍ وممتلئاً / في ساعة الرَّوع ممّا شئتَ من خَبَلِ
مُحَكَّمٌ فيه أنّى شاء فارسه / للرّيث إنْ رامه طوراً وللعَجَلِ
فقل لمن شكّ جهلاً في شجاعته / وإنّه قانصٌ نفسَ الفتى البَطَلِ
من أين تحكم إِلّا في يديه ظُباً / يوم الكريهة في الأجسام والقُلَلِ
أَوْ مَن سواه تروّى فتقَ طعنتِه / نحرَ المدجّجِ طمآناً من الأَسَلِ
مَن عالج الملك لولاه وقد طرأتْ / على ضواحيه صعباتٌ من العِلَلِ
مَن راشَهُ بعد أنْ حُصَّتْ قَوادِمُهُ / مَن صانه وهو في أظفارِ مبتذلِ
مَن ذبّ عنه ببيصٍ ما عَرفن وقد / سُلِلْن في نصره عَوْداً إلى الخِلَلِ
مَن ردّ عنه نيوباً للخطوب وقد / هَفَوْن بالرّأي أو برّحْن بالحِيَلِ
مَن كفّ أيدِيَ أقوامٍ به عبثوا / وردّهنّ بما يكرهن من شَلَلِ
لا تحسبنّي كأقوامٍ خبرتَهمُ / قيدوا بأرشيةِ النَّعماءِ والنَّفَلِ
بلا قرارٍ على دارٍ يحلّ بها / ولا مقامٍ على شيءٍ من السُّبُلِ
فإنّني لك صافٍ غيرُ ذي كَدَرٍ / وواردٌ منك عِدّاً غيرَ ذي وَشَلِ
وإنْ تبدّل قومٌ عنك واِنتَقلوا / فليس لِي منك عُمْرَ الدّهرِ من بَدَلِ
وإنْ يحولوا ويَضحَوا غيرَ مَن عهدوا / فإنّني لم يَزُلْ ودّي ولم يَحُلِ
وإنْ يُمَلّوا وما مُلَّ الجميلُ بهمْ / فإنّني مُعتَقٌ من رِبْقَةِ المَلَلِ
خوّلتنِي منك إكراماً يُخَيَّل لِي / أنّ الأنامَ لما خوّلتني خَوَلي
وما جذلتُ لشيء في الزّمان وقدْ / أَسحبتني باِجتبائي حُلَّةَ الجَذَلِ
فإنْ وردتُ زلالاً غبَّ معطشةٍ / ففي ولائك عَلِّي اليومَ أو نَهَلِي
ومذْ وصلتُك دون النّاس كلّهم / فقد قطعتُ على خُبْرٍ بهمْ وُصُلِي
ومذْ جعلتُ لظهري منك مستَنَداً / غَنِيتُ عن أَكَمِ القِيعانِ بالجبلِ
فَاِسعَدْ بذا العيد وليمضِ الصّيامُ فقد / أثنى عليك بخير القولِ والعملِ
يمضي بلا هفوةٍ في عرضه مرقتْ / ولا عثارٍ ولا شيءٍ من الزَّلَلِ
وعشْ مُوَقّىً خطوبَ الدّهرِ محتمياً / عمادُ عزّك عن ثلمٍ وعن مَيَلِ
وثوبُ فخرك لا يُطوى على شَعَثٍ / وشمسُ ملكك لا تُدني إلى طَفَلِ
رأيتكْم في أمورٍ غير مسفرةٍ
رأيتكْم في أمورٍ غير مسفرةٍ / ما يَنقَضي شُغُلٌ إلّا إلى شُغِلِ
فإِنْ تكنْ تلكمُ الأشغالُ قاطعةً / عَن غَيركمْ فَشفاها اللَّه من عللِ
وإنْ يكن ذاكَ تعويقاً لشرّكمُ / فينا فيا حبّذا الأشغالُ من عُقَلِ
لا خير فيمن تناساه الرّجاءُ فما / تسري إليه بنيّاتٌ من الأملِ
ولم يَبِتْ أحدٌ منه وإن بعدتْ / عنه محلّته إلّا على وَجَلِ
لا تقطعنّ رجاءَ العيش بالعِللِ
لا تقطعنّ رجاءَ العيش بالعِللِ / فالعمرُ أقصر أوقاتاً من الشُّغُلِ
وما السّرورُ على خَلْقٍ بمتّئدٍ / وما النّعيم على الدّنيا بمتّصلِ
قضى الزّمانُ بان يبتزّ نِحلَتَه / ما يُبرِم الصّبحُ تُعريه يدُ الطَّفَلِ
أقول إذا لامني في الحبّ جاهله / لو كنتَ لاقيتَ ما ألقاه لم تَقُلِ
خفّضْ عليك فإِنّي غيرُ منعطفٍ / على ملامٍ ولا مُصغٍ إلى عَذَلِ
إذا نزعت هوىً في ثوب غِرّتِه / فإنّ سرَّ الصِّبا في خمرةِ الغَزَلِ
وشافعُ الحبّ لا تنفكّ طاعتُه / أدنى إلى النّفس من همٍّ إِلى جَذَلِ
لا تأنسنّ بلين الصّعبِ في كَلَفٍ / فاللّيثُ يصبو ويعلو منكِبَ البَطَلِ
ولا يغرّنْك حلمٌ في مواطنه / فالدّهر يُغضِي ويقضِي أعضل العُقَلِ
وكيف يُدني منَ التّشمير في حَدَثٍ / مَن داؤه في ظهور الخيلِ والإبلِ
أدنى شعارَيْه درعٌ في تفضّلِه / وكفُّه منبتُ العَسّالةِ الذُّبُلِ
يرضى النِّجادَ بديلاً من تمائمه / وأحمرَ النَّقْعِ من مُحمرّةِ الحُلَلِ
وَلا وسادَ له إلّا جوارحُه / ولا يمُهِّد إلّا جَلْدَةَ السُّبُلِ
ما يَعجِمُ الخطبُ لِي عوداً على خَوَرٍ / ولا يكشّفُ منّي القلبُ عن وَهَلِ
وَلا اِمتطيتُ صنيعاً ذُمَّ راكبه / ولا أدار لساني القولَ في خَطَلِ
هيهاتَ أَرهب مِن هَذا الورى أَحداً / وقد رأيت شمولَ العجز والفَشَلِ
إِنَّ الرّجالَ وإنْ راعتْك كثرتُهمْ / إذا خبرتَهمُ لم تُلفِ من رجلِ
مَن لم تكن غايةَ العلياء بغيتُه / فلن أُلابِسَهُ إلّا على دَخَلِ
للَّه يومٌ أتاني وهو مبتسمٌ / لقيتُ فيه نفوسَ القومِ بالأجلِ
على حصانٍ حصينٌ مَنْ تَجلَّله / كأنّه قَد تعلّى ذروةَ الجبَلِ
رَحْبِ الجبين قصيرِ الظّهر من سَعَةٍ / كأنّ راكبه منه على الكَفَلِ
لمّا طلعتُ بصدق العزمِ مشتملاً / رأى الكماة بوجهي مالئ المُقَلِ
وغُرّةُ الشّمسِ بالقَسْطالِ في كِلَلٍ / وبالبصائر خدُّ الأرضِ في خَجَلِ
قل للنّوائب إمّا كنتَ مخبرَها / بيني وبينك قرعُ البيضِ والأَسَلِ
في فتيةٍ عشقوا الحربَ العَوانَ فما / يزورُ عشقَهمُ شيءٌ سوى المَلَلِ
لا يَرهبونَ المَنايا أنْ تلمّ بهمْ / ولا يخافون يوماً جرعةَ الثُكُلِ
إليكِ عنِّيَ أخلاقَ اللّئامِ فما / يُجيد سمعي إلى نجواكِ من مَيَلِ
مَن شاءَ أَن يتحامَى الهُونُ حوزتَه / يكنْ بوفدِ الأماني غيرَ محتفلِ
لا يقنُصُ الدّهرُ قلبي في حبائله / ولا يَميل اِعتِزامي في صِبا أملِ
لا زلتِ يا أعينَ الحسَّاد مُطرَفةً / دوني ويا قلبَهمْ لا زلتَ في خَزَلِ
من يحسدِ المجدَ غَصّانٌ بحسرتِهِ / وعاشقُ المجد لا يُلفى على مَلَلِ
لا تنظرنّ اِمرءاً من غير حاسده / فليس يُدرك صدقاً ناظرُ الحُوَلِ