هَل تَعرِفُ اليَومَ مِن ماوِيَّةَ الطَلَلا
هَل تَعرِفُ اليَومَ مِن ماوِيَّةَ الطَلَلا / تَحَمَّلَت إِنسُهُ عَنهُ وَما اِحتَمَلا
بِبَطنِ خَينَفَ مِن أُمِّ الوَليدِ وَقَد / تامَت فُؤادَكَ أَو كانَت لَهُ خَبَلا
جَرَّت عَلَيهِ رِياحُ الصَيفِ حاصِبَها / حَتّى تَغَيَّرَ بَعدَ الأُنسِ أَو خَمَلا
فَما بِهِ غَيرُ موشِيٍّ أُكارِعُهُ / إِذا أَحَسَّ بِشَخصٍ نابِئٍ مَثَلا
يَرعى بِخَينَفَ أَحياناً وَتُضمِرُهُ / أَرضٌ خَلاءٌ وَماءٌ سائِلٌ غَلَلا
شَهرَي جُمادى فَلَمّا كانَ في رَجَبٍ / أَتَمَّتِ الأَرضُ مِمّا حُمِّلَت حَبَلا
كَأَنَّ عَطّارَةً باتَت تَطيفُ بِهِ / حَتّى تَسَربَلَ ماءَ الوَرسِ وَاِنتَعَلا
مِن خَضبِ نورِ خُزامى قَد أَطاعَ لَهُ / أَصابَ بِالقَفرِ مِن وَسمِيِّهِ خَضَلا
فَهوَ يَقَرُّ بِها عَيناً لِمَرتَعِهِ / وَالقَلبُ مُستَشعِرٌ مِن خيفَةٍ وَجَلا
حَتّى إِذا اللَيلُ كَفَّ الطَرفَ أَلبَسَهُ / غَيثٌ إِذا ما مَرَتهُ ريحُهُ سَحَلا
داني الرَبابِ إِذا اِرتَجَّت حَوامِلُهُ / بِالماءِ سَدَّ فُروجَ الأَرضِ وَاِحتَفَلا
فَباتَ مُكتَلِئاً لِلبَرقِ يَرقُبُهُ / كَلَيلَةِ الوَصبِ ما أَغفى وَما غَفَلا
فَباتَ في حِقفِ أَرطاةٍ يَلوذُ بِها / إِذا أَحَسَّ بِسَيلٍ تَحتَهُ اِنتَقَلا
كَأَنَّهُ ساجِدٌ مِن نَضخِ ديمَتِهِ / مُسَبِّحٌ قامَ بَعضَ اللَيلِ فَاِبتَهَلا
يَنفي التُرابَ بِرَوقَيهِ وَكَلكَلِهِ / كَما اِستَمازَ رَئيسُ المِقنَبِ النَفَلا
كَأَنَّما القَطرُ مَرجانٌ يُساقِطُهُ / إِذا عَلا الرَوقَ وَالمَتنَينِ وَالكَفَلا
حَتّى إِذا الشَمسُ وافَتهُ بِمَطلَعِها / صَبَّحَهُ ضامِرٌ غَرثانُ قَد نَحَلا
طاوٍ أَزَلُّ كَسِرحانِ الفَلاةِ إِذا / لَم تُؤنِسِ الوَحشُ مِنهُ نَبأَةً خَتَلا
يُشلي سَلوقِيَّةً غُضفاً إِذا اِندَفَعَت / خافَت جَديلَةَ في الآثارِ أَو ثُعَلا
مُكَلَّبينَ إِذا اِصطادوا كَأَنَّهُمُ / يَسقونَها بِدِماءِ الأُبَّدِ العَسَلا
فَاِنصاعَ كَالكَوكَبِ الدُرِيِّ جَرَّدَهُ / غَيثٌ تَقَشَّعَ عَنهُ طالَما هَطَلا
حَتّى إِذا قُلتُ نالَتهُ سَوابِقُها / كَرَّ عَلَيها وَقَد أَمهَلنَهُ مَهَلا
فَظَلَّ يَطعُنُها شَزراً بِمِغوَلِهِ / إِذا أَصابَ بِرَوقٍ ضارِياً قَتَلا
كَأَنَّهُنَّ وَقَد سُربِلنَ مِن عَلَقٍ / يَغشَينَ موقَدَ نارٍ تَقذِفُ الشُعَلا
إِذا أَتاهُنَّ مَكلومٌ عَكَفنَ لَهُ / عَكفَ الفَوارِسِ هابوا الدارِعَ البَطَلا
حَتّى تَناهَينَ عَنهُ سامِياً حَرِجاً / وَما هَدى هَديَ مَهزومٍ وَما نَكَلا
وَقَد تَبيتُ هُمومُ النَفسِ تَبعَثُني / مِنها نَوافِذُ حَتّى أُعمِلَ الجَمَلا
إِذ لا تَجَهَّمُني أَرضُ العَدُوِّ وَلا / عَسفُ البِلادِ إِذا حِرباؤُها جَذَلا
يَظَلُّ مُرتَبِئاً لِلشَمسِ تَصهَرُهُ / إِذا رَأى الشَمسَ مالَت جانِباً عَدَلا
كَأَنَّهُ حينَ يَمتَدُّ النَهارُ لَهُ / إِذا اِستَقَلَّ يَمانٍ يَقرَءُ الطولا
وَقَد لَبِستُ لِهَذا الدَهرِ أَعصُرَهُ / حَتّى تَجَلَّلَ رَأسي الشَيبُ وَاِشتَعَلا
مِن كُلِّ مُضلِعَةٍ لَولا أَخو ثِقَةٍ / ما أَصبَحَت أَمَماً عِندي وَلا جَلَلا
وَقَد أَكونُ عَميدَ الشَربِ تُسمِعُنا / بَحّاءُ تَسمَعُ في تَرجيعِها صَحَلا
مِنَ القِيانِ هَتوفٌ طالَما رَكَدَت / لِفِتيَةٍ يَشتَهونَ اللَهوَ وَالغَزَلا
فَبانَ مِنّي شَبابي بَعدَ لَذَّتِهِ / كَأَنَّما كانَ ضَيفاً نازِلاً رَحَلا
إِذ لا أُطاوِعُ أَمرَ العاذِلاتِ وَلا / أُبقي عَلى المالِ إِن ذو حاجَةٍ سَأَلا
وَكاشِحٍ مُعرِضٍ عَنّي غَفَرتُ لَهُ / وَقَد أُبَيِّنُ مِنهُ الضِغنَ وَالمَيَلا
وَلَو أُواجِهُهُ مِنّي بِقارِعَةٍ / ما كانَ كَالذِئبِ مَغبوطاً بِما أَكَلا
وَموجَعٍ كانَ ذا قُربى فُجِعتُ بِهِ / يَوماً وَأَصبَحتُ أَرجو بَعدَهُ الأَمَلا
وَلا أَرى المَوتَ يَأتي مَن يُحَمُّ لَهُ / إِلّا كَفاهُ وَلاقى عِندَهُ شُغُلا
وَبَينَما المَرءُ مَغبوطٌ بِمَأمَنِهِ / إِذ خانَهُ الدَهرُ عَمّا كانَ فَاِنتَقَلا
دَعِ المُغَمَّرَ لا تَسأَل بِمَصرَعِهِ / وَاِسأَل بِمَصقَلَةَ البَكرِيِّ ما فَعَلا
بِمُتلِفٍ وَمُفيدٍ لا يَمُنُّ وَلا / تُهلِكُهُ النَفسُ فيما فاتَهُ عَذَلا
جَزلُ العَطاءِ وَأَقوامٌ إِذا سُئِلوا / يُعطونَ نَزراً كَما تَستَوكِفُ الوَشَلا
وَفارِسٍ غَيرِ وَقّافٍ بِرايَتِهِ / يَومَ الكَريهَةِ حَتّى يُعمِلَ الأَسَلا
ضَخمٌ تُعَلَّقُ أَشناقُ الدِياتِ بِهِ / إِذا المِئُونَ أُمِرَّت فَوقَهُ حَمَلا
وَلَو تَكَلَّفَها رِخوٌ مَفاصِلُهُ / أَو ضَيِّقُ الباعِ عَن أَمثالِها سَعَلا
وَقَد فَكَكتَ عَنِ الأَسرى وِثاقَهُمُ / وَلَيسَ يَرجونَ تَلجاءً وَلا دَخَلا
وَقَد تَنَقَّذتَهُم مِن قَعرِ مُظلِمَةٍ / إِذا الجَبانُ رَأى أَمثالَها زَحَلا
فَهُم فِداؤُكَ إِذ يَبكونَ كُلُّهُمُ / وَلا يَرَونَ لَهُم جاهاً وَلا ثِقَلا
ما في مَعَدٍّ فَتىً يُغني رَباعَتَهُ / إِذا يَهُمُّ بِأَمرٍ صالِحٍ عَمِلا
الواهِبُ الماءَةَ الجُرجورَ سائِقُها / تَنزو يَرابيعُ مَتنَيهِ إِذا اِنتَقَلا
إِنَّ رَبيعَةَ لَن تَنفَكَّ صالِحَةً / ما أَخَّرَ اللَهُ عَن حَوبائِكَ الأَجَلا
أَغَرُّ لا يَحسِبُ الدُنيا تُخَلِّدُهُ / وَلا يَقولُ لِشَيءٍ فاتَ ما فَعَلا