أَذهبت رونق ماء النُصحِ في العَذلِ
أَذهبت رونق ماء النُصحِ في العَذلِ / فاربَعَ فلستَ بِمَعصومِ عَن الزَلَلِ
لِكُلِّ سَهمٍ يَعُدُّ الناس سابغة / تردُّه عَنكَ إِلّا أَسهم المُقَلِ
هامَ الفُؤادُ بِشَمسٍ ما يُزايلها / غَربٌ مِنَ البَينِ أَو غيمٌ مِنَ الكِلَلِ
يَنتابُ دَمعَ النَوى وَاللَهو وَجنَتَها / فقلَّما انفَكَ ظهر الخَدِّ مِن بَلَلِ
لا شيءَ أَكفَر مِن مِسواكَ إِسحلة / يُعلُّهُ الريق لَم يورق وَلَم يَطُلِ
يَخفى شهاب الهَوى في درِّ ريقتها / كَما استكنَّ نَقيع السُمِّ في العُسُلِ
وَفي أُصول الثَنايا بارِد عَلِلٌ / نَفسي الفِداء لِتِلكَ البارِدِ العَلِلِ
كأَنَّ ريقتها بعد الكَرى عَسَلٌ / أَستغفر اللَهَ بَل أَحلى مِنَ العَسَلِ
إِيّاكَ إِيّاكَ تَطريفاً بأَنمُلِها / فَهيَ الأَسِنَّةُ في العَسّالَةِ الذَبلِ
ما بالُ طرفك لا تنمي رَميَّته / كَأَنَّما هوَ رام مِن بَني ثُعَلِ
صَدَّت بِنَجدٍ وَزارَت في طَرابُلُسٍ / وَبَينَنا عَنَقٌ لِلسُّفن وَالإِبِلِ
في خرَّد نُهَّدٍ يعكسنَ أَعيُننا / لِضَوئِهِنَّ كَعَكس الشَمسِ للمُقلِ
تَنقادُ نَحوَ هَواهُنَّ القُلوب كَما اِنقادت / إِلى هِبَةِ اللَهِ العلى ابن علي
فَتىً عَن السُمرِ بِالسُمرِ الكُعوبِ وَعَن / بيضِ الوجوهِ بِبيضِ الهند في شُغلِ
يُزَيِّنُ الدَولَة الغَرّاء مَوضِعه / إِذا تَزَيَّنَت الأَملاكُ بِالدُوَلِ
يُنبي تَبسُّمه عَن نَشرِهِ أَبَداً / وَالغَيث آيَة صَوبِ الوابِل الهَطلِ
يزينها فَوقَ ما زانته فَهوَ بِها / في حُلَّةٍ وَهوَ من عَلياه في حُلَلِ
يَبُشُّ بِالوَفد حَتّى خلت وآفده / وَآفي يُهنِّيه بِالتأخير في الأَجَلِ
عَلا فلا يَستَقِرُّ المالُ في يَدِهِ / وَكَيفَ يُمسِكُ ما في قَنَّة الجَبَلِ
يَقضي بِحُكمِ الهُدى في المُشكِلاتِ كَما / يَقضي بِحُكمِ الظُبيِ في ساعَةِ الوَهلِ
قَد حالَفَ العَدلَ في أَحكامِهِ أَبَداً / وَالعَدلُ خَيرُ اقتِناء الفارِسِ البَطَلِ
تَخشى العِدى أَبَداً صَدرَ الجَوادِ فَقَد / ظَنَّ العِدى أَنَّه صَدرٌ بِلا كَفَلِ
في جَحفَلِ لَجبٍ لَولا تبسّطه / لخلته شهباً من كَثرَةِ الأُسُلِ
كَأَنَّ حُمَر المذاكي الخمر تَحتَهم / وَبيضُهم حبَبٌ يَطفو عَلى القُلَلِ
أَمَّلتُ ذلك عِلماً أَنَّهُ رَجُل / فَردٌ فأبصرت كل الناس في رَجُلِ
يُصغي إِلى سائِلي جَدوى يَديه كَما / يُصغي المُحِبُّ إِلى التَغريدِ وَالغَزَلِ
لَو شاءَ قالَ وَلَم يَكذِب بِمَخبَرِهِ / عَن كُلِّ فَضلٍ أَراهُ أَنَّ ذَلِكَ لي
لأَنَّه اختَرَعَ العَلياء سالفة / وَسائرُ الناسِ من تالٍ وَمُنتَحِلِ
قَد أَحكم الحاكِم المَنصور دولَتَهُ / بآلَ حَيدَرَةٍ في السَهلِ وَالجَبَلِ
وَرَفَّهت كتبهم أَقصى كَتائِبِهِ / عَن الزِيادَة للأَعداءِ وَالقفلِ
تَرضى الدَراريعُ عنهم وَالدُروعُ / وَأَصدافُ القنا وَصُدور البيضِ والأُسُلِ
تاهَت بِهِم دولة الإِسلامِ واِعتَدَلَت / بِعَزمِهِم كاِعتِدالِ الشَمسِ في الحَمَلِ
شادوا وَسادوا بِما يَبنونَ مِن كَرَمٍ / أَساسُ مجدهم المُستَحكِم الأَزلي
تَشابَهوا في اِختِلافِ من زَمانِهِمُ / عِندَ اللَهى وَالنُهى وَالقَولِ وَالعَمَلِ
كالرُمُ أَوَّلَه عَونٌ لآخِرِهِ / وَآخر الرُمحِ عون الأَكعبِ الأُوَلِ
تبعتَ في الجودِ وَالعَليا أَباك وَلَم / تَكذِب كَما تبعَ الوَسميّ صَوبَ وَلي
غَيثانِ أَيّهما جادَت أَنامله / في بَلدَةٍ نَبَتَت بِالمالِ وَالخَولِ
حَلَّيتما الدِين وَالدُنيا بعزِّكما / فَلا أَزالهُما الرَحمن بِالعَطَلِ
وَلا رَأَينا بِعَيني دَهرِنا مَرَهاً / فَأَنتُما في مآقيهِ من الكُحُلِ
وَعشتُما أَبَداً في ظِلِّ مَملَكَةٍ / قَد اِستَعاذَت مِنَ التَغيير وَالدُوَلِ
ما رَقرَقَ المزنُ فَوقَ الأَرضِ أَدمعه / وَحَنَّ ذو شَجَنٍ يَوماً لمرتَحِلِ