المجموع : 16
أَهلاً بِوافدة تُهدي الحَشا تَبَلا
أَهلاً بِوافدة تُهدي الحَشا تَبَلا / قَد أَوصلت حَبل وَجدي بَعدما انفصلا
وَافت فهِمتُ بِها حَتى نثرتُ لَها / لآلئَ الدَمع إِكراماً لِمَن نَزَلا
سَكبتُ دَمعيَ حَتّى قيل أَغرقه / وَصحتُ وَجداً إِلى أَن قيل قَد ذهلا
وَتُيِّمَت مهجةٌ حَراءُ قَد فنيت / لَولا قطينُ الأَماني خلتُها طللا
وَارحمتَا لمحبٍّ فيكمُ كمدٍ / لَو شامهُ شامتٌ في الحُب ما عَذلا
وَحسنَها آنةً بالأنسِ ما ذُكِرَت / إِلا بَكيتُ وَحَق الجفن ما انهَملا
فَكَم أَرجِّي زَماني وَهوَ يَمنعني / عوداً لفائتِ أُنسٍ بَدرُهُ أَفلا
يا مَن بِهِ همتُ حَتّى لذَّ لي وَلهي / لا كانَ يَومٌ قَضى تَفريقَنا وَخلا
فَنيتُ وَجداً فَلولا الحَزم لافتضحت / سَرائري وَأَذاع الصَدرُ ما اِحتَمَلا
أَحبابَ قَلبيَ لَو عاينتمُ وَلهي / بَكيتمُ مدنفاً أَمضى الصِّبا أَملا
يَميل إن تَسرِ أَرواحُ الصَّبا طَرباً / مِن حيِّكم فَتخال الصَبَّ قَد ثَملا
يا سادَتي وَأَنا العَبد الذَليل بِمَن / أَذلَّني أَترى ما جئته قُبِلا
إِني أَراني وَلاصَبراً أَصون بِهِ / سرَّ الغَرام وَلا حَزماً يَقيني وَلا
يَرق لي الشامت المرتاح خاطره / يا خاطراً في فُؤادي صَدّ أَو وصلا
إِن قُلت ياقَلب هَل صَبري بمنتصر / يَقول كَلا فَإِن الصَبر قَد خذلا
فَالقَلب ذابَ جَوىً وَالعَين قَد فَنيت / مِنها الدُموعُ وَقَد ضَلَّ النُهى السُبلا
فَيا أَخا الحُب قُل لي بَعدُ هَل رَضيت / عَني الصَبابة إِذ صيرتني مثلا
ثبِّت فؤادَك هذا الرَكبُ مَرتحلُ
ثبِّت فؤادَك هذا الرَكبُ مَرتحلُ / وارفُق بقلبِك لا يذهب بِهِ الوَجلُ
وَانظر بِعينيك إِن تَأذنْ دموعُهما / وَامدُد يَديك إِن الأَعضاء تحتمل
وَانظر تَرى أَيَّ شَمسٍ مِنهُمُ غَربَت / وَكَم بدورٍ عَلى أَحداجها أَفلوا
وَإِذكر إِذا جدَّ حادي ركبهم وَعَدا / وَأَيقن القَلبُ أن قَد سارَتِ الإبل
قُل كانَ لي جيرةٌ أَهلٌ إِذا قَربوا / وَسادةٌ حَيثما كانوا بِما فعلوا
وَإِن تغير وَجهُ الشَمس من وَجَلٍ / وَالأُفقُ أَمسى بكُحلِ اللَيل يكتحل
هُناك قل يا تَرى كَم فَدفدٍ قطعوا / وَأَيّ وادٍ عَلى حُكمِ النَوى وَصلوا
بَل قومنا في ذرى أَطوادِهم طلعوا / وَودّعونا وَفي الأَرض الَّتي نَزلوا
فَاترك أَمانيك قَد مرّ الزَمانُ بِها / وَأَصبح اليَأسُ لا يَقوى لَهُ الأَمل
وَجانب الناسَ وَاشرب غَيرَ مشربِهم / وَاثبت عَلى الجدّ إِن جدّوا وَإِن هَزلوا
قالوا هوَ البَدر قُلت البَدر يَشبهُهُ
قالوا هوَ البَدر قُلت البَدر يَشبهُهُ / وَإِنما الفَرقُ في الأَعطافِ وَالمَيَلِ
وَقيل غُصنُ النَقا يَحكيه قُلتُ لَهُم / ما المَيْلُ من خُورٍ كَالميل من ثَمَلِ
مِن أَين للبدر أَو للغُصن غرّتُهُ / وَقَدُّه فَهوَ يَأتي المثلَ بالمثَل
لَو أنَّ لي بهما عن حُبِّه بَدَلاً / ما بتّ أَشكو إِلى الآمال من وَجل
وَقيل ظَبيُ النَقا يَحكيه ملتفتاً / وَما دَروا الفرقَ بَين الإنسيّ وَالجبلي
وَقيل خدّاه غَضُّ الوَردِ مثلُهما / وَالوَرد مما افتراهُ القَومُ في خَجل
وَقيل من عينه في نَرجسٍ شَبَهٌ / وَهَل يُقاسُ أَصفرارٌ مِنهُ بِالكَحَل
لِلّه كَم لَيلةٍ والت بوصلتِهِ / الدَهرُ دَهري وَأَوقاتُ الصَفا دُوَلي
يَسعى إِليّ براحٍ في يَديهِ وَهَل / رَأَيتَ بَدراً سَعى بِالشَمس في الحَمَل
آهٍ لَها من لَيالٍ بِالهَنا سَلفَت / لَم يَلقها نائلٌ في الأَعصُرِ الأُوَل
طالَت بِما تَشتَهي نَفسٌ بِمَن أَلفت / وَحَيثُ وَلّت كَأنّ الأَمرَ لَم يَطُل
يا صاحبي لا تسل عَما جَرى وَجَرَت / بِهِ المَدامعُ ما صبٍّ هَوى كَخلي
فَالقَلب منصدعٌ وَالقُرب ممتنعٌ / وَالحالُ في اليَأس وَالأَفكارُ في الأَمل
وَإِن تَرى بيَ حالاتٍ وَتُنكرُها / فاعرض وُقِيتَ النَوى إِيّاك من عَذَلي
فَلَم أَزَل أَرتَجي بَعد الفراق لقاً / مِن كافلٍ يَجمَع النائين لَم يَزَل
فربما كانَ في طيّ الأَسى أَمَلٌ / وَربما صحّت الأَجسامُ بِالعلل
أَفاق كلُّ فؤاد من غوايته
أَفاق كلُّ فؤاد من غوايته / وَأَنتَ يا قَلب حَتّى الحَشر مَشغولُ
ارفُق بنفسك لا تعجل بهلكتِها / ما كلُّ ما أَمّلَ الإِنسانُ محصول
إِن العُيون الَّتي أَغرتك لحظتُها / كم دُونَها في الهَوى العُذريّ مقتول
وَفي الهَوى وَالنَوى شَيءٌ تُساءُ بِهِ / وَقَد تسرّ وَكلٌّ عَنكَ مَجهول
ثَبِّت فؤادك أَو فاجزَع فَأَنتَ بِهِ / إما صريع وإَما عَنهُ مَخذول
شَطَّ المزارُ وَمَن تهواهمُ ارتحلوا
شَطَّ المزارُ وَمَن تهواهمُ ارتحلوا / فَاقصِر فَما في التلاقي بَعدَ ذا أَملُ
وَدّعتَهم وَالنَوى صَعبٌ مراكبُها / وَما دعوكَ وَلا والوا وَلا عدلوا
فَكَم تهتّكتَ يَوم البين إِذ عجلت / بِكَ المَطايا وَجادَ الدَمعُ إِذ بَخِلوا
يَكفيك من لَوعةٍ حالٌ تكاد لَهُ / تَبكي الأَعادي وَيبدي العذرَ من عذلوا
وَأَدمعٌ مستهلاتٌ تردّدُها / وَزفرةٌ تفصلُ النجوى فَتتصل
يا دَهر مِل فلعل الحَظ يَعتدلُ
يا دَهر مِل فلعل الحَظ يَعتدلُ / يا يَأس جُر فَعسى أَن يَنصرَ الأَملُ
يا حكمة فرّقت بَيني وَبينهمُ / طُولي فَللمرء من أَيامه دولُ
أَستودعُ اللَهَ من فارقتها وَأَنا / أَستودع اللَه إياها وَأَبتهل
وَدّعتها وَهِيَ تبدي الصَبرَ كاتمةً / وَالعَينُ في أَثري للحُزن تَنهمل
وَدّعتها وَعَزيزٌ أَن أَودّعها / وَسرتُ عَنها وَثمّ القَلب مشتغل
وَدّعتها وَفُؤادي قائل عجباً / وَهَل تطيق وَداعاً أَيُّها الرَجُل
فَسرت وَالقَلب مني أَيّ مضطرب / وَالقَلب مِنهُ بِرَأي العَين يَشتعل
وَقُلت يا حيّ لا تَنسى مودّتنا / فَربما طالَت الأَسفار وَاحتملوا
وَجئت أَرضاً أَتيناها عَلى قَدرٍ / لحكمة سرّها أَمضى بِهِ الأَزَل
فيها النهور صَفت في سيرها طَرَبٌ / فيها الغُصون زَهَت يَعتادها الميل
ظلالها أَرسلت فيها غَدائرها / وَوَجنة الزَهر سوّى حسنها الخَجَل
تَواضع السَهل حَتّى قالَ قائله / ارفقْ تعاظمت كبراً أَيها الجبل
وَجئت أَحياءَ لا زالَت ممتعةً / مَنيعةَ الجار لا تَغتالها الغِيَل
فَما قَضى الدَهر لي فيها عَلى وَطر / وَلا اهتدت بي إِلى آمالي السبل
وَساءَني ثمّ إفضال وَمكرمة / ما عاقَني خور ما ردّني فشل
لا لا فتلك أُمور ثمّ خافية / من دُونها يَنفد التفصيل وَالجُمَل
لَسَوف إمّا يَرى الأَعداء ما مكروا / أَو لا فيحجز فيما بَيننا الأَجل
وَقَد كَفى ما أُلاقي من نَوىً وَأَسىً / زَحزح ركابك علّ الدَهر يَنتقل
أَكلَّما حنّ مشتاق إِلى وَطَن / أَقول بلغت نيلاً أَيُّها الرجل
أَهلا نسيمَ الحمى وافى مع الطَفَلِ
أَهلا نسيمَ الحمى وافى مع الطَفَلِ / لو أَنني لَستُ في حلٍّ وَمرتحلِ
قَلبي يعاتب حظي في تنقُّلِه / وَهَل سمعتَ بظل غَيرِ منتقل
كم وصلةٍ حسنت لكنّ لذَّتَها / زالَت وَغصتَها في القَلب لم تَزَل
الحزمُ يصلح حرب اليَأس وَالأَملِ
الحزمُ يصلح حرب اليَأس وَالأَملِ / وَالعَزمُ يجمعُ خيرَ القَول وَالعَملِ
وفي التجارب تَأديبٌ وَمزدَجرٌ / عن الغُرور وَمنجاةٌ من الزلل
وَالعلم بِالناس وَالأَيام هوّنَهم / عِندي وَحقَّر منها ما تعاظمَ لي
وَالرشد سوّى بني الدُنيا بِأَجمعهم / ما بين ممتنعٍ منهم وَمبتذل
من يصحب الناس لم يأمن غوائلهم
من يصحب الناس لم يأمن غوائلهم / كخائض البحر لا ينجو من البللِ
ومن يقم آملاً فاليأس يقعدُه / وَمن ينم حالياً يخشى من العطل
وَصافي العيش لم يأمن له كدراً / كسالم الجسم لم يأمن من العلل
فلا تصاحب سوى حزمٍ وَتبصرةٍ / وَلا ترافق عَلى قَول سِوى العَمل
وَاقنع ففي الحرص ذلٌّ أَنتَ تذكرُه / وَغاية العمر محدودٌ إِلى أَجل
وَقل كثيرٌ عَلى ابن المَوت ما ملكت / يُمناه من عيشها زاداً لمرتحل
لكنهم جهلوا في الدَهر ما علموا / وَكلهم تاركٌ وَالجمع في دول
لا يَنتهى أَملٌ إِلا بدا أَملٌ / وَهكذا المرءُ بين اليأس وَالأَمل
يموت من يطلب الدُنيا وَزهرتها / موتَ الذباب عَلى صافٍ من العسل
وَأَريحُ الناس بالاً من يعيش بها / عَنقاءُ مغرب أَدنى منه للسبل
قَد حبب المَوتَ لي عَيشي لغصّته / حباً لخلوة قَبري لَو صَفا عملي
فَإِن تجد خالياً يلهيك منظرُه / كذّب ظنونك ما بين الأَنام خلي
يا عائِباً عاب تَركي السعي في سقمٍ
يا عائِباً عاب تَركي السعي في سقمٍ / أَعرض فثمَّ أَمورٌ أَيها الرجلُ
كَم للضرورات أَحكامٌ يحلُّ لها / ما حرّم اللَه وَالمحظور يُحتَملُ
خفّض عليك فإني عنك في شغلٍ / وَلَستُ إلا على الرحمن أَتّكل
لَم يَترك اللَهُ أَمرَ الخَلق مشتركاً / أَو يعجز الرزقُ من في كفه الأَجل
دع عالم الجدِّ وانظر قسمةَ الأَزلِ
دع عالم الجدِّ وانظر قسمةَ الأَزلِ / فإِن في الحَول ما يُغني عن الحيلِ
وَخَلِّ حسنَ حظوظٍ شَأنُها كدرٌ / من الحظوظ وَمِل وَاركن إِلى الكسل
وَلا تَقل لم يضع فضلٌ أَخا أَدبٍ / فَكم نبا صارمٌ في راحَتي بطل
يا قَلبُ عَنكَ دَواعي الغيِّ وَالغَزَلِ
يا قَلبُ عَنكَ دَواعي الغيِّ وَالغَزَلِ / وَاركن لنصح نصيحٍ لجّ في عذلي
أَما الهَوى فعلِمنا جلَّ غايته / وَأَنتَ جرّبتَ طعمَ الصاب وَالعَسل
أَفنيتَ عمرك في وَصفٍ وَفي شبهٍ / أَتعبت نفسك بين اليَأس وَالأَمل
وَطالما همت وَاستلهتك غانيةٌ / عَن حكمةِ الحَق بين الغنج وَالكحل
وَطالما بهداة اللهو بتّ عَلى / ضَلالةٍ وَخفي رشدٌ وَكان جلي
وَطالما ملتَ إِذ مال القدود هَوىً / وَكَم سَلَكتَ طَريقاً غَيرَ معتدل
وَكم غِواية عيشٍ بتَّ تَأملُها / ثم انجلت فَكأن الأَمرَ لَم يَطل
كَم لَيلة بتَّها تلهو بها فرحاً / وَاليَوم إن ذكرت تحمرُّ من خجل
أَين الذين بهم قَد رحت مهتتكاً / يهنيك أنّ الهَوى ولَّى مع الأول
وَعنكَ ذكرَ الهَوى من بعدما اتضحت / غاياتُه وَكفاك الجدُّ عن هَزل
إِن كُنت تَهوى حَبيباً لا تجربُهُ
إِن كُنت تَهوى حَبيباً لا تجربُهُ / فَالناس إن جرّبوا لم يخلو من زلل
وَاقنع بظاهرهم يزهى فباطنُهم / وَراءَ ستر من التغرير وَالحيل
وَاسمع مقالَ حكيمٍ قد تقدّمنا / في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
وَإن تكن تشتهي صَفواً بلا كدرٍ / فاصبر لنقص بني الأَيام وَاحتمل
يا آل ودي اذكرونا بعدَ رحلتنا
يا آل ودي اذكرونا بعدَ رحلتنا / إنّا سنذكرُكم أَو يَنقضي الأجلُ
العُمر وَلّى بحبي قربكم وَمَضى / وَحبّذا لَو قَضى ما أَمَّل الأَملُ
لما تمادَت عَوادي الدَهرِ في تَلفي
لما تمادَت عَوادي الدَهرِ في تَلفي / وَطالَ عُمري وَأعيتها به الحيلُ
تحارب اليأسُ والآمالُ فاصطلحا / عَلى التَساوي فَلا يَأسٌ وَلا أَملُ
مَشمولةٌ جُليت صهباءَ صافيةً
مَشمولةٌ جُليت صهباءَ صافيةً / مِن كَفِّ ساقٍ تثنّيها شمائلُهُ
يَبكي لفرقتها الإبريقُ إن فُصلت / وَيبسمُ الكاس أُنساً إذ تواصلُهُ