نجيّت بالسدّ بغداداً من الغرق
نجيّت بالسدّ بغداداً من الغرق / فعمّها الأمن بعد الخوف والفرق
قد قمت بالحزم فيها والياً فجرت / أمورها في نظام منك متّسِق
لقد نجحت نجاحاً لا يفوز به / من خالق الحزم إلا حازم الخلق
ويح الفرات فلو كانت زواخره / تدري بعزمك لم تطفح على الطرق
ولا غدت تجرف الأسداد قاذفةً / منها بسيل على الأنحاء مندفق
حيث الحويرة أمست منك طالبة / رتقاً لسدّ بطامي السيل منفتق
باتت تجيش بتيّار وبات لها / أهل العراقين في همٍّ وفي قلق
حتى إذا أيقنت أرض العراق بأن / تفنى من الظمء أو تفنى من الغرق
شمّرت عن همم تعلو النجوم وقد / أمسى الزمان إليها متلع العنق
فكدت تملأ فرغ الواديين بما / حشرت من طبق يأتيك عن طبق
لما خرجت وكان الخرق متّسعاً / والناس ما بين ذي شك ومتَثق
قالوا نحا شقّةً قصوى وما علموا / بأن عزمك يدني أبعد الشقق
فصدّق الله ظنّا فيك أحسنه / قومٌ وكذب ظنّ الجاهل الخرق
إذ جئت والسدّ تحت الغمر مكتسحٌ / والنهر يرغو بموج فيه مصطفق
وثلمة السدّ كالمهواة واسعة / يهوي بها السيل من فوق إلى العمق
سللت صارم رأيٍ قد أزلت به / ما كان في السيل من طيش ومن نزق
فما تموجّ ماء النهر من غضب / وإنما أخذته رعدة الفرق
ثبّتّ عزمك في أمر يذلّ به / عزم الحصيف لما يحوي من الزلق
تقضى النهار برأب الثأي مجتهداً / وتقطع اليل بالتدبير والأرق
حتى بنيت وكان النهر منفلقاً / سدّاً عليه رصيناً غير منفلق
أرسيته جبلاً قامت ذراه على / أصل مع الموج تحت الماء معتنق
فراحت الناس تمشي فوقه طرباً / والنهر ينساب بين الغيظ والحنق
وصار معكس فخر أنت مرجعه / كالنور يرجع معكوساً إلى الحدق
وقد ركزت به الرايات خافقة / ما بين طاقين مرفوعين في نسق
من كل أحمر قانٍ وسطه قمر / يتلوه نجم بلون أبيض يقق
فظلّ حاسدك المغبون منطوياً / على فؤاد بنار الجهل محترق
ودّ الفرات حياءً منك يومئذ / لو غار يسلك تحت الأرض في نفق
لما اقتدحت زناد الرأي مفتكراً / في الخطب ألهبت منه فحمة الغسق
فأدبر الهمّ وانشقّت غياهبه / كما قد انشقّ سجف الليل بالفلق
أن الأمور إذا استعصت نوافرها / أخذتهنّ من التدبير في وهق
وإن تصاممت الأيام عن طلب / أسمعتهنّ بصوت منك صهصلق
تنحلّ بالرأي منك المشكلات لنا / كالنور ينحلّ ألواناً من الشرق
وكلما زدت تفكيراً بمعضلة / زادت وضوحاً لنا حتى على الشفق
فالفكر منك كأبعاد الفضاء بلا / حدٍّ يسابق خطف البرق في الطلق
يحكي الأثير إذا أجرى تلاطمه / أبدي سواطع نور منه منبثق
لك الثناء علينا أن نخلّده / نقشاً على الصخر لا رقماً على الورق
تاللّه لو بلغت زهر النجوم يدي / من كل جرم بصدر الليل مؤتلق
رتبتها حيث كل الناس تقرؤها / سطراً بمدحك مكتوباً على الأفق