أَهدَت إِلى النَفس رَيّا نَشرِها العَبِقِ
أَهدَت إِلى النَفس رَيّا نَشرِها العَبِقِ / وَالطيبُ في الزَهر يُوحي طَيِّب الخُلُقِ
رَقَّت رَسائِلُها في الكَونِ فَاِتَخذَت / مِن النَسيم بَريداً شاعَ في الأُفُقِ
وَما رَأَيتُ بَريداً خَفَّ مَحمَلُه / مِثلَ النَسيمِ حَكى المَعنى بِلا وَرَقِ
أَنباؤُهُ كَحَديثِ الحُبِّ عاطِرَة / أَو ذِكرَياتِ شَبابٍ ناعِمٍ أَنِقِ
ظَلَّت تُنَسِّقُها كَفٌّ مُنعَّمةٌ / تَكادُ تَحسبُها مِن ذَلِكَ النَسقِ
تداعبُ الزَهرَ في رِفق أَناملُها / كَالنَومِ داعَبَ جَفنَ الساهِرِ الأَرِق
كِلاهُما بِالهَوى يَرنُو لِصاحِبِهِ / فَاِعجب لِمُختلفٍ بِالحُب مُتَّفِق
تَحنو عَلَيهِ فَتُنسيهِ مَنابِتَه / في الرَوض يَندى بِمنهلّ الحَيا الغَدِق
كِلاهُما زَهَرٌ في كَفِّ صاحبه / فَاِنعَم بِزَهرين مَلثومٍ وَمُنتَشَق
هَذا يُعيد بريّا نَفحِهِ رَمَقاً / وَذاكَ بِالوَجدِ لا يُبقي عَلى رَمَقِ
هَذا عَلى الصَدر يَسبي العَينَ مَنظَرُه / وَذاكَ في القَلبِ يُغرى لاعِجَ الحُرَق
كَم صوّرَ الزَهرُ مِن مَعنىً يَجيشُ بِهِ / قَلبُ الشَجيِّ وَيُعيي فِطنَةَ اللَبِق
وَكَم لَهُ في الهَوى نُعمى تَقلَّدها / صَرعى الغَرام مَكانَ الطَوق في العُنق
وَكَم يُحمِّلُهُ العُشاقُ لَوعتَهُم / صَوناً لِمَكنونِها عَن طائِشٍ نَزِق
كَم حَمَّلوها إِلى أَحبابِهم قُبَلاً / يا طِيبَ مُصطَبحٍ مِنها وَمُغتَبِق
وَاِستَودَعوهُ حَديثاً مِن صَبابَتِهم / فَصانَ سرَّ الهَوى عَن سَمع مُستَرِق
وَكَم رَوى دَمعَةً عَن عَينِ والِهَةٍ / وَكَم حَوى زَفرَةً عَن قَلب مُحتَرق
وَكَم عَلى صَفحاتِ الزَهر مِن كُتُبٍ / في الشَوقِ يَعيا بِها ذو المَنطقِ الذَلِق
كَم زَهرَةٍ وَصَلت في الحُبِّ مُنقَطِعا / وَجَدَّدت في حِبال الوُدِّ مِن خَلَق
وَللأَزاهير لُطفٌ في سِفارتها / كَم أَلَّفَت في هَواها كُلَّ مُفتَرِق