حيثُ انتَهْيت من الهِجرانِ بي فقِفِ
حيثُ انتَهْيت من الهِجرانِ بي فقِفِ / ومن وراء دَمي سُمْرُ القَنا فخَفِ
يا عباثاً بِعِداتِ الوَصْلِ يُخلِفُها / حتّى إذا جاء ميعادُ الفراقِ يَفي
اِعْدِلْ كفاتنِ قَدٍّ منك مُعْتَدلٍ / واعْطِفْ كسائلِ صُدْغٍ منك مُنْعَطِف
ويا عَذولي ومَن يُصْغي إلى عَذَلٍ / إذا رنا أحورُ العَيْنَيْنِ ذو هَيف
تَلومُ قلبيَ أن أَصماهُ ناظرهُ / فيمَ اعتراضُك بينَ السَّهْم والهَدَف
سَلُوا عَقائلَ هذا الحيِّ أيَّ دمٍ / للأعيُنِ النُّجْلِ عند الأعيُنِ الذُّرُف
يَستوصِفونَ لساني عن مَحبّتِهمْ / وأنت أصدَقُ يا دَمعي لهمْ فصِف
ليستْ دموعي لنارِ الشّوقِ مُطفِئةً / وكيف والماءُ بادٍ والحريقُ خَفي
لم أنسَ يومَ رحيلِ الحيِّ مَوقفَنا / والعيسُ تَطلُعُ أُولاها على شَرَف
والعَينُ من لَفْتةِ الغَيرانِ ما حَظِيتْ / والدَّمْعُ من رِقْبةِ الواشِينَ لم يَكِف
وفي الحُدوجِ الغَوادي كُلُّ آنسةٍ / إن يَنكَشفْ سِجْفُها للشّمسِ تنكسِف
تُبِينُ عن مِعْصَمٍ بالوَهْمِ مُلْتَزَمٍ / منها وعن مَبْسِمٍ باللّحْظِ مُرَتشَف
في ذمّةِ اللهِ ذاك الرَّكبُ إنّهمُ / ساروا وفيهمْ حياةُ المُغْرَمِ الدَّنِف
فإن أَعِشْ بعدَهمْ فَرداً فيما عجَبي / وإن أَمُتْ هكذا وَجداً فيما أسَفي
قلْ للّذينَ رمَتْ بي عن دِيارِهمُ / أيدي الخُطوبِ إلى هذا النّوى القٌذُف
إن أبقَ أَرجِعْ إلى العهدِ القديمِ وإنْ / أَلْقَ الوزيرَ منَ الأيّامِ أَنتصِف
مَلْكٌ تَطوفُ البرايا حَولَ سُدَّتِه / ومَن يَجِدْ للأماني كَعبةً يَطُف
ظِلٌّ منَ اللهِ مَمدودٌ سُرادِقُه / مَدّاً من الطّرَفِ الأقْصَى إلى الطَّرَف
تُطيعُه الشُّهْبُ في الأفلاكِ دائرةً / والبِيضُ في الهامِ والأقلامُ في الصُّحُف
تَلوحُ بين بَني الدُّنيا فَضائلُه / كما تَبرَّجَتِ الأقمارُ في السُّدَف
بادي التَّواضعِ للزُّوّارِ من كَرمٍ / إنَّ التَواضعَ أقصَى غايةِ الشّرَف
في كفّهِ قَلمٌ يَعنو الزّمانُ له / ويَسْنَ الخطْبُ منه وهْو ذو عَجَف
الدّينُ والمُلْكُ منه كوكبا أُفقٍ / والجُودُ والبأسُ منه دُرَّتا صَدَف
من بُغْضِ لا ساعةَ التّوقيعِ في يَدِه / يكادُ في الطِّرْسِ لا يَجْري بلامِ أَلِف
أضفَى على النّاسِ ظِلَّ الأمنِ فابتَهجوا / حتّى تَناسَوا زمانَ الجَورِ والجنَف
فكَفَّ كُلَّ يدٍ بالظّلمِ باسطةٍ / وقَرَّ كُلَّ حشاً للخَوفِ مُرتجِف
وسار في كُلِّ قومٍ سيرةٍ وسَطاً / وقال لا شَرَفٌ للمَرْء في السَّرَف
فالله يَجْزيكَ سعْدَ المُلْكِ صالحةً / عن سالفٍ لكَ من نُعْمَى ومُؤتَنَف
إذْ أنت في نُصْرةِ السُّلطانِ مُنْفَرِدٌ / والقَومُ من كُلِّ ثاني العِطْفِ مُنْحَرِف
إذا أظلّتْه للأيّامِ مُظْلِمةٌ / مضَيْتَ مُعتزِماً فيها ولم تَقِف
وكُلّما أينعَتْ هاماتُ طائفةٍ / نادَيْتَ يا سيفُ قُمْ للمُلْك فاقْتَطِف
حتّى صفَتْ دَولةٌ كانتْ مكَدَّرةً / دَهْراً فقلتُ له خُذها ولا تَخَف
فاليومَ أضحَتْ غِراسُ الأُنسِ مُثْمرةً / فافخَرْ بأسلافِ عُرْفٍ عندَ مُعْتَرِف
واسعَدْ بإظْلالِ عيدِ الفُرسِ واحْوِ بهِ / منَ العُلا زُلفاً زُيدَتْ إلى زُلَف
فقد جَلا المِهْرَجانُ السَّعْدُ طلْعتَه / في صَدْرِ يومٍ بنُورٍ منك مُلْتَحِف
والأفْقُ يَسترقِصُ الجوزاءَ من طَرَبٍ / والأرضُ تَستوقفُ الأبصارَ من طُرَف
ما الشّمسُ في أوّلِ الميزانِ قام بها / وَزْنُ الزّمانِ فأضحَى غيرَ مُختَلِف
وإنّما اعتلَّ هذا الدَّهرُ من جَزَعٍ / لمّا اعتَلَلْتَ فلمّا أن شُفيتَ شُفي
يا مَن قَدِمْتُ على مأْنوسِ حَضْرتِه / بعد المَغيبِ وحُرُّ المَدْح من تُحَفي
لمّا هزَزْتَ إليّ العِطْفَ مكرمةً / والحُرُّ مُقتنَصٌ بالوُدِّ واللُّطُف
لثمتُ كفَّك شِكْراً وهْي طاميةٌ / يُروِي صدَى الوَفدِ منها أعذَبُ النُّطَف
فإن يكنْ مَنْطقي دُرّاً أفوهُ به / فقد تَرى أيَّ بحرٍ كان مُغْتَرَفي
لو فَرَّغ الدّهرُ فِكْري من شَواغلِه / أطلْتُ بالمجلسِ المَعْمورِ مُعتَكَفي
لكنْ أبَى ذاك صَدْرٌ غيرُ مُنشَرِح / لِما أُلاقي وهَمٌّ غَيْرُ مُتَّصِف
وزادَني قُرْبُ هذا العِيدِ مَوْجِدَةً / على زَمانٍ بما لا أَشتَهي كَلِف
أُهنِّئُ النّاسَ فيه مُظهِراً فَرَحاً / واللهُ يَعلَمُ ما أُخْفي من الأَسَف
ومن ورائي أُصَيْحابٌ تَركتُهمُ / في منزلٍ بخُطوبِ الدّهرِ مُكْتَنَف
لاذوا بِستُرٍ رقيقٍ من تَجمُّلِهمْ / إلاّ ينَلْهمْ وشيكُ الغَوثِ يَنْكَشِف
وقد رأَوْني بسَعْدِ الأرضِ مُتَّصِلاً / ويَنْظُرونَ بماذا عنه مُنْصَرَفي
ومن عجائبِ ما لاقَيتُ من زمنٍ / مُغْرَى الحوادِثِ بالأحْرارِ مُعْتَسِف
أنّ الطِّرازِيَّ أيضاً معْ حَقارتِه / يَمُدٌُ نحوَ معاشي كَفَّ مُخْتَطِف
ولو حلَفْتُ يَميناً أنَّ عِدَّتَه / من الحميرِ لَما استَثنَيْتُ من حَلِفي
ومَوضعي مَوضعي من حُسْنِ رأيكمُ / ففيمَ يَطمَعُ لولا شِدّةُ الخَرَف
يُذْري الدُّموعَ على أرْجانَ من سَفَهٍ / إنّ الكلابَ لَحسّادٌ على الجِيف
هذا وأرْجانُ مالي من فَوائدِها / مع الوِلايةِ غيرُ الحَمْلِ للكُلَف
إذا القُضاةُ تَجارَوْا في مسَائِلهمْ / لم تَهْذِ إلا بذِكْرِ البِيضِ والحَجَف
هذي خصومي وهذا فاعجبوا عملي / لقد بُليتُ بسُوء الكَيلِ والحَشَف
فاصدَعْ بأمْرٍ هَداكَ اللهُ من مَلِكٍ / يُميُّز اليومَ بينَ النُّكْرِ والعُرُف
وارفَعْ مَحلّي بلفظٍ منك مُشتهِرٍ / يَثْني الحسودَ بمَتْنٍ منه مُنقَصِف
وانظُرْ إلى خِلّةٍ بالحالِ مُزْريةٍ / تَبدو وأَرْخِ عليها السّتْرَ من ظَلَفي
وابسُطْ يميناً كصَوْبِ المُزْنِ ماطرةً / واسمَعْ ثَناءً كنَشْرِ الرَّوضَةِ الأُنُف
ما في بني زمني إلاّك ذو كرَمٍ / يظَلُّ يَأْوي الفتى منه إلى كَنَف
واسلَمْ ففيكَ لنا مِمّنْ مضَى خَلَفٌ / وليس عَنك فلا نَعدَمْكَ من خَلَف
في ظلِّ عُمْرٍ كَعُمْرِ الدَّهرِ مُتّصِلٍ / وشَمْلِ مُلْكٍ كنَظْمِ العِقْد مُؤتَلِف