المجموع : 7
لا زلت غوثاً إذا ناداك ملهوفُ
لا زلت غوثاً إذا ناداك ملهوفُ / بحيث أنت ومن والاك مكنوفُ
تالله ما ضاع معروف نفحت به / نحوي ولا بار مدح فيك موصوف
قد قلت إذ طلعت نعماك تخبرني / إني بفضلك ما عُمِّرت ملحوف
لا يعتبد أحد شعري بنائله / فإنه بأبي العباس مظلوف
أيقنت إذ وامضتني منك بارقة / أني بسيبك مربوع ومخروف
ما زلت أذكر معروفاً بعثت به / خلفي وقصرك بالمدّاح محفوف
والفلس رب يخر الساجدون له / والشعر منصرف عنه ومصروف
وآمرين بغير الرشد قلت لهم / لا ألفظ العذب إن العذب مرشوف
تالله أبى قليلاً طاب ملبسه / وهل قليلُ مُسوس الماء معيوف
أليس قد جاءني والطير ساكنةٌ / والنفس آمنة والوجه مكفوف
أنّى أرتّب شعري فوق نافلة / عاجت علي ووجه الرزق مصروف
لئن زهوت بشيء لا زمان له / إني إذا لزهيد الرأي مضعوف
لو كنتمُ من ذوي التمييز أعجبكم / زوج إلى زوجة تهواه مزفوف
عرف يزف إلى كفٍّ مُدَفَّعةٍ / طرف العيون بنور الله مطروف
ما أستقل قليلاً أنت باذله / ذكراك إياي بالمعروف معروف
أليس قد لاحظتني منك خاطرة / إن الشريف لمن دوني لمشروف
وجهت نحوي معروفاً تعاظمني / إلا لقدرك إن الحق مكشوف
والعَود أحمدُ قولٌ قد جرى مثلاً / وعرف مثلك بالعودات موصوف
فأجره لي إن النفس قد ألفت / آثار كفيك والمعروف مألوف
لا ينقطع وثنائي غير منقطع / كلّا بل الحسي قبل البحر منزوف
جدواك أكرم من أن لا أصادفها / وقفاً ومدحي عليك الدهر موقوف
قد سار باسمك مدح لم أوفِّكَهُ / وقد يبلغك الغايات محذوف
فاكمل بحيث ترى فيه نقيصته / فالبدر وافٍ بحيث الشهر منصوف
يا أحمد الخير يا من لا يعد له / بدء جميل بسوء العود مخلوف
سلِّم من الريث والإقلاع جائزتي / فالعرف بالريث والإقلاع مأووف
وما أزيدك إقبالاً على كرم / وإن غدا وهو عند الناس مشنوف
أنت الذي لو سكنا ظلَّ يعطفُه / لين المَهَزِّ إذا ما اهتزَّ معطوف
قد كان يحميك حمد الناس علمُهُمُ / بأن قلبك بالمعروف مشعوف
وواضعٍ قدماً في المجد قلت له / إن المقام الذي حاولت زحلوف
خلِّ العلا لأبي العباس يكفِكَها / والْعَب فحسب وليد الحيِّ خذروف
فتى له عزمات في مذاهبه / تمضي فتقضي وصفُّ الزحف مصفوف
يا من يعاديه مهلاً إنه رجل / مزلزل بأعاديه ومخسوف
يكيد فالسيف مقطوع هناك له / والدرع مهتوكة والرمح مقصوف
فقرنه الدهر مغلوب وهاربه / طِلبٌ ولو حملته الريح مثقوف
سالمه تسلم وإن خالفت موعظتي / فأنت في مخلب العنقاء مخطوف
خذها فإنك أخّاذ نظائرها / منوَّهٌ بك في العزّاء مهتوف
يا أجبن الناس من ذم وأجرأهم / والجيش بالجيش في الهيجاء ملفوف
يا راعياً أصبح القوم الخماص به / في بطنة ما لمن ضافته شرسوف
وُلِّيتَ أمراً فلا المُرعي أمانتَه / فيها مخونٌ ولا المرعيُّ معسوف
يا من إذا اختبرت يوماً مذاقتُه / ففيه طعمان معسول ومذعوف
يا من معاطفه لا الصمُّ حاش له / ولا مكاسره الخوارة الجوف
أدعوك دعوة ملهوفٍ معوّلُهُ / وكم أجيب بغوث منك ملهوف
وإنني لأرجي منك تلبية / وذاك في قلب من يدعوك مقذوف
كأنني بك قد ألبستني نعماً / كأنها الفوف لا بل دونها الفوف
ولان لي كل شيء بعد قسوته / فالجذعُ جُمّارةٌ والعظمُ غضروف
يا آل وهب ألا ينهى سماحكم
يا آل وهب ألا ينهى سماحكم / إلحاح كل ملث الودق وكَّافِ
أآنس الغيث ضعفاً من أكفكم / بل ساجلته فأغرته بإسراف
شبهته بنداكم عند غَتِّكُمُ / بفضلكم كلَّ إسراف وإلحاف
تالله أجهل ما عقبى مؤمِّلكم / علمي بفوز يديه علم عرّاف
أصبحتم شأنكم إثباتُ أجنحة / وشأن سابور قدماً نزعُ أكتاف
من ذا يساويكم أمن يقاربكم / في رحب أفنية أو لين أكناف
أو حلم أنديةٍ أو خصب أوديةٍ / أو طيب أردية أو حسن أعطاف
كفيتمونا خطوباً لا كفاء لها / يا آل وهب كفانا فقدكم كافي
ما نسأل الدهر إتحافاً بغيركم / فأنتم كل إتحاف وإتراف
المرثديون سادات تعدُّ لهم
المرثديون سادات تعدُّ لهم / من وائل مأثرات المجدِ والشرفُ
تصرم المجد بالأقوام عن هَرِمٍ / ومجدهم حدَثٌ في العين أو نصفُ
وما علي بن عبد الله إن وُرِدت / جَمّاتُه بثماد الضحل تُنتزفُ
متى وصفناه ألفينا محاسنه / من الوفور على أضعاف ما نصف
تفديك أنفس ملتاحين أعينُهم / معلقات بريٍّ منك يؤتنف
سقيا الزُّجاج وإن جلت مصرَّدةٌ / فسقِّناها عليها القار والخزف
أنتِف لنا لهو أيام نعيش بها / فالدهر أجمع إن راعيته نُتَف
إذا ضحكتم ضحكنا في مفارحكم
إذا ضحكتم ضحكنا في مفارحكم / وإن بكيتم فمنا الأدمع الذُّرُفُ
وإن رضيتم رضينا عن مسالمكم / وإن غضبتم فنحن الشيعة الأنف
حتى إذا ما رتعتم في ربيعكم / فنحن إذ ذاك فيه وحدنا العُجف
يا رب عهد ووعد من ذوي كرم / يستهلكان ويبقى الغدر والخُلُف
حتى متى تتقضى دولة أُنُفٌ / يا أهل ودي وتأتي دولة أنف
وليس منكم لمن يرجو منافعكم / في العسر واليسر إلا الرد والحلف
كأنكم قد نسيتم والذكاء لكم / أن الكرام إذا ما استعطفوا عطفوا
أتشبعون ونطوي في جواركم / من عسرةٍ تَلَدُ الإخوان لا الطُرف
طاف الخيال وعن ذكراك ما طافا
طاف الخيال وعن ذكراك ما طافا / فكان أكرم طيف طارق ضافا
طيف عراني فحياني وأتحفني / بالنرجس الغض والتفاح إتحافا
عينان جاورتا خدين ما خلقا / إلا شقاء يراه الغرُّ إترافا
وكم ألمَّ فأهدت لي محاسنه / من الفواكه والريحان أصنافا
رمَّانَ عدنٍ وأعناباً مهدَّلةً / وأقحواناً يسقِّي الراح رفّافا
ويانعاً من جنى العناب تتبعه / قلب المودع تذكاراً وتأسافا
أسرى بأنواع ريحان وفاكهة / يأبين قطفاً وإن خيَّلن إقطافا
لله ضيفك من ضيف قرى نُزُلاً / من الغرور عميد القلب مكلافا
قِرىً هو البرح إعقاباً وإن وجدت / منه النفوس مذاق العيش إسلافا
أقر عينيَّ في ليلي وصبَّحني / وجداً أفاضهما بالماء شفّافا
لا خير في قرة للعين معقبة / دمعاً يخدد في الخدين ذرّافا
أعجب بوجد مزور قاد زائرَه / بل لم تزل ذِكَرٌ يجلبن أطيافا
هبَّ الضمير ونام الطرف فاجتلبت / ذكراك والنوم زوراً طالما جافى
صافيته فحباك النومُ زورته / وكان ذلك حق النُّبهِ لو صافى
وافاك والليل قد ألقى مراسيَه / خيال من ليس بالوافي ولو وافى
في شيعة كالنجوم الزهر معتمة / أحدقن بالبدر أشباها وألافا
بيض كُسينَ حُليّاً لا كفاء لها / حسناً فأكسفنها بالحسن إكسافا
شُبِّهن بالدر إذ ألبسن فاخره / بل كن دراً وكان الدر أصدافا
يا حسن ليل وإصباح جمعنهما / والليل مُلقٍ على الآفاق أكنافا
غُرٌّ تجلَّلنَ أسدافاً مرجَّلة / على وجوه وضاء جُبن أسدافا
ومِسنَ في حُللٍ الأفواف عاطرة / فخلتهن لبسن الروض أفوافا
من كل مجدولة إن أقبلت عطفت / أعطافها من قلوب الناس أعطافا
وإن تولت فريَّا الخلق تتبعها / أردافُها من قلوب الناس أردافا
لو أن لي عند من أحببته مقةً / لصدَّقَ الحلمَ إلثاما وإرشافا
لكنّ هيفاء تلقى الله صادية / إلى الدماء التي حُرِّمنَ مهيافا
تبّاً لحكم الغواني والمقرِّ به / فما رأى فيه راءٍ قطُّ إنصافا
أُسعفن بالملك عفواً فائتلين معاً / أن لا يرى طالب منهنَّ إسعافا
يا سائلي بالغواني من صبابته / سائل بهن فقد صادفت وصّافا
هن اللواتي إذا لاقيتهن ضحى / لاقيت صداً وإشراقا وإخطافا
مثل السيوف إذا لاقيت مصلتَها / لاقيت حداً وإمهاء وإرهافا
أرضيننا حسن قدٍّ زانه بشر / صاف وأسخطننا مطلاً وإخلافا
بخلن عنا بما يسألن من وتح / نزر وأجحفن بالألباب إجحافا
وإنني للذي غادرنه عُطُلاً / بغير لب وإن أحسنت أوصافا
أسقمن قلبي بألوان مصححة / وأعين أدنفت بالغنج إدنافا
يا مكذِباً ليَ في دعواي شكَّكه / أن فتَّر الدمعُ وبلاً منه وكّافا
بواطن الحبِّ أدهى من ظواهره / كما علمت وشر الداء ما اجتافا
ما للأحبة قد ضَمَّنَ صبوتَنا / بعد الإنابة سكِّيتاً وهتّافا
طوراً حماماً وطوراً منزلاً خَرِساً / ما لم تُرجِّع به الأرواح زفزافا
أو طارقاً في حريم النوم يطرقُنا / أو بارقاً لعزاء القلب خطّافا
أو حنة من حنين النيب ما برحت / تهيج للصبِّ أبراحاً وأشعافا
كلٌّ يُجدُّ لنا شجواً يذكرنا / إلفاً فيمنحنا الأحزان ألّافا
لا تعجبنَّ لمرزوق أخي هوجٍ / حظاً تخطّى أصيلَ الرأي طرافا
فخالقُ الناس أعراءً بلا وبر / كاسي البهائم أوباراً وأصوافا
ما زلت أعرف أهل العجز في دعة / لا يكلفون وأهل الكيس كُلَّافا
أما ترى هذه الأنعام قد كفيت / فما تساوم بالأخفاف خفَّافا
يكفي أخا العجز ما يقضي القدير به / من لا ترى منه عند الحكم إجنافا
وكلبِ خصبٍ زهاه الحظ قلت له / لا تستوي والأسود السود غُضّافا
أطغاك جهلٌ بما أعطتك مرحمةٌ / قدماً أطالت على الحُرَّاص رفرافا
دع من قوافيك ما يكفيك إن لها / في مدح أحمد إعناقاً وإيجافا
فامدح به الشعر مدحاً تستفيد به / وفراً وتكبت حساداً وشُنّافا
أضحى أبو جعفر الطائي منتجَعاً / ومستجاراً لمن رجَّى ومن خافا
قرمٌ إياسٌ وأوسٌ من عشيرته / وحاتمٌ كَرُمَ السلّاف سلّافا
تقدموا وعلوا قدماً وشُمَّ بهم / روح الحياة فكان القوم أُنَّافا
كانوا مراعي للأرباع ممرعة / في كل حين وللمرتاع أكهافا
سُلّاف صدق فلا زال المليك لهم / بمثل أحمد في الخُلّاف خَلّافا
أغر أبلج ما ينفك معتقلاً / للحمد مبتذلاً للمال متلافا
مُسهِّلاً سبل الجدوى لطالبها / لعرضه ولدين الله ظلّافا
أزمانه بنداه الغمر أشتيةٌ / وإن غدت بجناه الحلو أصيافا
كأنه والعفاة الطائفين به / بَنيَّةُ الله والحجاج طوافا
أفردته برجائي وانفردت به / وظل قوم على الأوثان عكافا
يدعون من لا يجيب الهاتفين به / وإن أمَلُّوه تدعاء وتهتافا
ألفيت من خالص الياقوت جوهره / لما وجدت صنوف الناس أخزافا
يُضحي إذا خَزِيَ المدّاح مادحه / كذائف المسك لا يخزيه ما ذافا
كم حالبين ضروعَ العيش درتَه / يمرون منهن ضَرَّاتٍ وأخلافا
لولا أبو جعفر الطائي ما مُنِحوا / إلا قروناً من الدنيا وأظلافا
سهل الخليقة لم يَشرِك سياسته / عنف وإن كان بالملحاح معنافا
إذا المصاعيب لم تُركَب تجلَّلها / قسراً فأعطت مع الإركاب إردافا
ما نعرف الوعد والإيعاد من رجل / سواه إلا أمانيّاً وإرجافا
منابذ لأعاديه وثروتِه / فليس يألوهما ما اسطاع إتلافا
ممن يرى المنع إسرافاً وحق له / أليس ما يتلف الأعراض إسرافا
إذا لوى القومُ يوماً دَينَ مادحِهم / أعطى عطاياه قبل المدح إسلافا
إلى ذراه أنيخت بعد متعبة / أنضاء ركب أملّوا الأرض تطوافا
ثم استثيرت فثارت وهي مثقلةٌ / وقد أتته تباري الريح إحفافا
أمسى أبا منزلٍ والجود خادمه / والأرض داراً له والناس أضيافا
أولى المضيفين بالدفء الملوذ به / مشتىً وأجدرهم بالظل مصطافا
يُرعِي العفاةَ رياضَ العُرف مؤتنفاً / بهم ويرعى رياض الحمد مئنافا
أضحت سياسته رصفاً ونائله / نثراً فأنطق نثّاراً ورصّافا
سما فحلق منه أجدل لَحِمٌ / لما أسفَّت بغاث الطير إسفافا
من العِتاق يجلِّي قشعماً دَرِباً / حتى إذا ما استبان انقضَّ غطرافا
ما زال فاروق ما التفت شواكله / وللجيوش بشرواهن لفّافا
لم تستمع قط ذكراه ولم تره / إلا تواضعت واستوضعت إشرافا
ألقى إليه أمين الله حربته / فصادفت منه لقف الكف لقّافا
مظفّراً هز عطفيها مظفَّرةً / إذا تلقت صدوراً صرن أكتافا
منصورة في يدٍ منصورة أبداً / من مُحرِبٍ لم يزل في الروع دلّافا
يُغشي القناة قناة الظهر معتمداً / على القناتين قصّاماً وقصّافا
مصمماً غير وقاف وآونة / تلقاه عند حدود الله وقّافا
ما انفك يقتل مُرّاقاً ويأسرهم / أمضى من الحَين أرماحاً وأسيافا
حتى غدا الطرف الأقصى به وسطاً / من بعد ما كانت الأوساط أطرافا
أجلى السباع وأخلى كل مسبعةٍ / فغادر الأرض أحراما وأخيافا
ثم استهل على الدنيا بنائله / حتى غدت فلوات الأرض أريافا
لا يُوهنِ الله بطشاً منه تعرفه / مزلزلاً بأعادي الله خَسَّافا
ولا يَغِضْ ماء كفٍّ منه ممطرةٍ / تساجل المزن تهطالاً وتوكافا
إذا رمى أحمد الطائي طائفةً / أضحت مقاتلها للنبل أهدافا
وإن سقى أرض أخرى صوب راحته / هزت جناناً من النعماء ألفافا
ظهير صدق إذا آخِيَّةٌ ضعفت / وزادها ظهراء السوء إضعافا
عم التدابير إلطافاً يردُّ به / على الأواخيِّ إثخاناً وإكثافا
راخى خناق بني اللأواء كلِّهمِ / وشدَّ آساس ملك كُنَّ أجرافا
أخو عطايا إذا ما شاء بدلها / ضرباً يُخَذرِفُ بالأوصال خذرافا
وراء بيض أياديه إذا غُمِطَت / بيضٌ يطيح بها بيضاً وأقحافا
إن سالم استنزل الأرزاق واسعة / أو حارب اتخذ المقدار سيّافا
سائل صديقاً عن الطائي هل ذهبت / دماء قتلاه أو جرحاه أطلافا
ألم تر القتل أقوى طائعين له / عقوبة لم يقارف فيه أحيافا
يداً خؤوناً ورجلاً منه أقسمتا / تَستعملان طَوال الدهر إسكافا
وإن يكن كان أردى مفلحاً عرضاً / فقد تصيب سهام الدهر خِطرافا
وقد يميل على من كان مال له / ويعقب البؤس من غذّاه سرهافا
أردى كُليباً لجسّاسٍ وكان له / ربّاً وأعدى على بسطام شرخافا
واسأل به فارساً إذ سار تطلبه / سيراً حثيثاً يغول الأرض خَشّافا
في فيلق بات في الظلماء كوكبها / يهدي وأصبح للأبصار طرافا
ففوَّزَ اللص حتى قاد من معه / وكلُّ مالٍ إذا ضيعته سافا
من بعد ما كلبوا جوعاً فكلهم / أضحى ظليماً لشريِ الدوِّ نقّافا
جاروا عن القصد فاستنهاهمُ حكمٌ / عدل وما جار في حكم ولا حافا
وانحاز عن بدد منهم وما ادكرت / خيل الأمير أواريَّاً وأعلافا
لكن تطارد كي يغترَّ مارقةً / أخرى إذا ما دهاها كرَّ عطافا
وللهنات لقاح ليس يعرفه / عَيرٌ وإن كان للأبوال كرّافا
تحت الأمور أمور لو تبيَّنها / عَير الفلاة لأضحى العير خضّافا
ما كان دهر قصيرٍ جدعَ معطسه / لما أطَفَّ له موساه إطفافا
لكن أراد به أمراً فأدركه / ولم يردِّد على ما فات إلهافا
فلينتظر فارسٌ أوراد عائدة / لا يستطيع لها الزوَّادُ كفكافا
وأين يهرب من خيل تخال بها / عقبان مُبردَةٍ يطلبن إلجافا
دوَّخن شيبان أمّا في رؤوسهمُ / تُدوِي الطبيب إذا أغشاه مجرافا
وقلن ذوقوا جناكم إن جانيكم / ما زال للحنظل الخطبان نقافا
كم جاهل كان بالطائيِّ جرَّبه / صلّاً إذا طلب الأعداء زحافا
يُحرِّمُ الغسلَ إيلاءً ويطلقه / برّاً فيوخفه بالثأر إيخافا
ووقعة منه في الأعراب قد جعلت / أوطانهم إِسوةَ الأحقاف أحقافا
تحالفوا مذ تحداهم فخلتُهمُ / على الهزائم لا الإقدام أحلافا
ظلوا قتيلاً ومصفوداً وذا هربٍ / تقضي بإدراكه الطير التي اعتافا
أسير قتل وإن أضحى طليق يد / قد أزهفت نفسه الآجال إزهافا
ومن سرت نقم الطائي تطلبه / ألفى الذي وعدته الفوتَ مخلافا
يا هارباً منه إن الليل غاشية / لا بد منها وإن أوشكت إحصافا
كيف النجاء لناج من أخي طلب / مثل الظلام إذا ما عمَّ إغدافا
كأنما كل نفس حين يطلبها / قد أعلقت سبباً منه وخُطَّافا
فاطلب رضاه وأيقن أن سخطته / لا حرز منها إذا طوفانها طافا
تلق ابن حرَّين لا تلقاه مجترماً / فظاً على مستميح العفو حلّافا
بل سيداً قرنت بالحلم حفظته / فلم تفز قط إلا كان ميقافا
يهم بالطول همّامٌ به عجلاً / وإن أراد عقاباً كف كفّافا
يسوس نفساً على الأغياظ صابرة / ما زال يؤلفها المكروه إيلافا
مغفل حين يُستعفَى وتحسبه / عند انتقاد وجوه الناس صرّافا
تلقاه للعيب ستاراً وإن دمست / ظلماء لاقيته للغيب كشافا
إذا ارتأى تبعت آثارُه سدداً / لا كالذي يتبع الآثار مقتافا
ما إن يزال له رأي يصيب به / لو أنه حيوان كان عرّافا
تخاله باتقاء الذنب متقياً / في يوم هيجاء مِرداةٍ وقذافا
يخشى الملام ويغشى الحرب مرتدياً / فيها رداء من الكتّان هفهافا
لم يُلفِه الغمز خواراً وتعطفه / بالرفق منك فتلقى منه عطافا
يلين للريح إن هزته ليِّنَةً / ولا يلين إذا هزته معصافا
لا يترك الحق مغبوناً لسائمه / خسفاً ولا يتعدى الحق حيّافا
كم قد أعد لقوم حسن مقدرة / وكم يُعدّون أكفافاً وأجدافا
قَراهم الصفح إذ حلوا بعَقوته / وأتبع الصفح إكراماً وإلطافا
لم يعد أن أرعف الأقلام يرفدهم / ولو عتوا رعف الخرصان إرعافا
جاءوا يخافون ناراً لا خمود لها / فأُزلفت لهم الجنات إزلافا
لكن تَطاردَ كي يغترَّ مارقةً / أخرى إذا ما دهاها كرَّ عطافا
ورائدٍ قال ألفينا خلائقه / كالشهد طعماً ومثل المسك مستافا
خلائق علمتنا كيف نمدحه / ورقَّقتنا وكنا قبل أجلافا
كم قد بدأنا وعاودنا فأوسعنا / بذلاً ولم نستطع للبحر إنزافا
بحر من العرف لا تلقى الظماء به / محلِّئين ولا الوُرَّاد عُيّافا
تمَّت معانيه منه في امرئٍ نصفٍ / زولٍ أطال على الأحوال توقافا
قد سنَّ من شفرتيه البأسُ بغيته / وشاف من صحفتيه الجود ما شافا
كذا الأهلة تستوفي محاسنها / إذا نضت من شهور الحول أنصافا
ممن يرى كل ما يفنى بمنزلةٍ / سيان ما التذّ منها والذي عافا
لا بالمروع إذا أهوالها عَظُمَت / ولا المروق اذا زيّافها زافا
تبلو به محنةُ الدنيا وفتنتُها / طوداً كهمِّك إرساءً وإشرافا
لا يُستخفُّ لدى ريح تهبُّ له / ولا عليه ولا تلقاه رجّافا
يُجنُّ قلباً وقوراً في جوانحه / مستنفراً عند ذكر الله وجّافا
لا عيب فيه سوى عتق يردُّ به / عتق الجواد إذا جاراه إقرافا
كم رام ذو الجد والأجداد غايتَهُ / فقام ذو الجد والأجداد زحافا
يا ذا العلاء الذي أرسى قواعده / على الحضيض وجاز النجم أعرافا
أما وقدرك إن الله عظمه / لقد غدا فوق ما خُوِّلتَ أضعافا
وما رمتك يد بالحظ خاطئةٌ / كلا لعمري وما أعطتك إسرافا
وما رأى الناس أمراً أنت صاحبه / ظهراً تبدل بالإسراج إيكافا
فاسلم على الدهر في نعماء سابغة / حتى يُمَسِّيَك العصران إدلافا
من كان أصبح ظلّاماً لسوقته / من الملوك فقد أصبحت منصافا
لا تترك الدهر مغروراً بغرته / ولا تُرى للصحيح الجلد قرّافا
ما كابد الأسر عان في يدَي زمن / إلا رجا بك فاءً واصلت كافا
ولا وأى عنك حسن الظن موعده / إلا غدت وهي حاء واصلت قافا
وعائب لك بالإسراف قلت له / لا زلت عن حسن الأفعال صدافا
أصبحت في رفضك الإسراف محتقباً / أجر امرئٍ آف منه النجل ما آفا
عُوِّضت من وزر مجد أجر منقصةٍ / بلوى من الله فاترك ذكر من عافى
ماذا تعيب لحاك الله من ملك / لم يرض قط من المعروف سفسافا
أنال حتى أعفَّ الملحفين معاً / بنائل سد أفواها وأجوافا
إن كان أثبت بالإسراف سيئةً / فقد محاها بأن لم يبق إلحافا
أهلاً بمعصية باءت بمعصية / وعمَّت الناس إغناء وإعفافا
وهائبٍ لك لم يسألك قلت له / دع عنك عجزك لا يعقبك تلهافا
سل الأمير ولا تحرمك هيبته / فقد غدا لجبال المال نسّافا
سله وان عز واستعلت مراتبه / وكان حداً على الأعداء جلافا
لا يؤيسنَّك غَدقٌ من جُرامته / وإن سما واستحد الشوك والتافا
فليس تمنع مما فيه منعتُهُ / إلا إذا خرَّق الخرّاف خرافا
إليك رادفت عزمي فوق ناجية / كالريح تعصف بالركبان إعصافا
أرسى عليها قتود الرحل أن خُلِقت / أخفَّ ما دب فوق الأرض إخفافا
تقلِّب الليل عيناً غير نائمة / ومنسماً بحصى المعزاء خذّافا
سفينةٌ من سفين البر محكمةٌ / تجري إذا ما اتخذت السوط مجدافا
جاءت بعسّاف أهوال على ثقة / أن سوف تلقاك للأموال عسافا
أهدى إليك هديّاً من كرائمه / يحفُّها حشَدُ الآمال زفافا
حسناء معجبة للناس مطربة / لا تستعين على الإطراب عزّافا
من سيدات القوافي ما يزال لها / راو تظل به السادات حُفّافا
مَليٌ من الحمد والتحميد حاملة / ألطاف حُرٍّ يرجّي منك ألطافا
أهدى غرائب يرجو أن تحوز له / غرباً يروّيه من جدواك غرافا
أذال فيها لك النفس التي لقيت / من العفاف وطول الظلف إقشافا
فحاكها والذي يبغي كفايته / وإن شتا غيره في الريف أوصافا
حوك امرئٍ لم يكن من قبل مكتسباً / بالشعر سأَّالةً للناس ملحافا
كخصف آدم من أوراق جنته / ولم يكن قبل ذاك الخصف خصّافا
كساك من زينة الدنيا لتكسوه / من سترها فاكسُهُ يا خير من كافى
وافعل به غير مأمور بعارفة / فعلاً يزفُّ نَعام الشكر إزفافا
أطرفه بالجود في دهر غدا عُطُلاً / من كل عرف فلم يُعدمك إطرافا
من كان أغضبه قولي وآسفه / فزاده الله إغضاباً وإيسافا
وليحذر الشاعر العرِّيض بادرتي / فربما صادف العريض حذّافا
لا يجهلن حليم إنني رجل / من كان أخطل جهل كنت جحّافا
الدين والعلم والنعماء والشرفُ
الدين والعلم والنعماء والشرفُ / تأبى لجارك أن يُمنى له التلفُ
مؤيدات من الأركان أربعة / يأوي إليهن محروم ومضطعَف
أبا علي وأنت المرء ليس لنا / جار سواه إذا خفنا ولا كنف
أشكو إليك ظُلاماتٍ يتابعها / من ليس يحسن منه الظلم والجنف
مؤملي والذي أشجي الخطوب به / أضحى وأمسى وأدنى ظلمه سرف
أظلني سوءُ رأي منه متصلٌ / وليس لي من بلاء سيِّئٍ سلف
إلا مدائح ما تنفك سائرة / لركبها كل يوم نية فذف
وخدمةً سبقت أيامَ دولته / ما مثلها زلفة إن عدت الزلف
يممته إذ وجوه الناس كلهم / فيها إلى الجانب المعمور منصرف
ما زلت ممتطياً تلقاءه قدمي / لا يطَّبينيَ عنه السعي والحرَف
أهدي له الأنس في أيام وحشته / وعندي الصبر والتأميل والظلف
لا أجتديه ولا أمتاح نائله / ولا أزول ولي في الأرض مصطرف
حتى إذا فتح الله الفتوح له / أصبحت لولا استتاري كدت أختطف
ظلماً توحَّدني منه بلا سبب / وليس لي منه إن حاكمت منتصف
تظاهرت غمم سود وليس لها / ألا بوجهك بعد الله منكشف
ولم تزل يا ابن بدر بدر مضحيةٍ / يبدو فينجاب للساري به السدف
فداو حالي بما فيه مصحَّتُها / فإن حاليَ حال داؤها الدنف
كلِّم رئيسي كلاماً في تعطفه / إن الكرام إذا ما استعطفوا عطفوا
وليس دهري إلا أن يتاركني / بحيث لا جفوة منه ولا لَطَف
لا رغبة عن مطيف بالمطيف به / لكن نفسي شموس حين تُعتَنف
وإنني لبصير العين ثاقبها / أن لا نظير له في الناس يُؤتنف
لكنه عمَّ تجويداً وتوفية / وخصني منه سوء الكيل والحشف
وإنني لَلضنين القبضتين به / ولَلضنين بقدري حين أُعتسف
وإن تركي حظاً من صحابته / لحاجة قرنت في النفس والأسف
ممن لحاني بظهر الغيب قلت له / لا تشغلنّك عن أعمالك الكُلَف
مولاي لا عوض منه ولا خلف / والقدر لا عوض منه ولاخلف
ها إنها خطبة قام الخطيب بها / بكر ولكنها في حزمها نَصَف
وقد قصدتك كالصادي أُليح له / في مهمهٍ ماءُ مزنٍ صانه رصف
فليس لي يا ابن بدر عنك منصرف / ولا بودي وشكري عنك منحرَف
وكيف لي بخلاف فيك أركبُه / وليس في فضلك المشهور مختلف
فاحشد لغائر قدر إن حشدت له / نما وزاد وإلا فهو منتسَف
يا من إذا ما أناخ المستضام به / أضحى يقاتل عنه العز والأنف
يا من إذا اهتضم القدر استقاد له / فلم يبت وهو مطلول ولا طلف
ما عُفرُ شابةَ في أعلى معاقله / ولا عقاب شَرَورى ضمَّها لَجَف
يوماً بأمنع مني يوم تمنعني / كلاً ولا قسور في أذنه غضف
دوني الدروع إذا ما كنت لي وزراً / والبَيض والبِيض والخطيُّ والحجف
فإنني لعزيز يوم تنصرني / وفيك عند اعتداء الدهر منتصف
يا أبعد الناس غوراً حين نسبره / وأقرب الناس غوراً حين يغترف
أصبحت بحر غَناء غير منتزف / لاقاه بحر ثناء ليس يُنتَزف
فالفَظْ بِدُرِّ نثيرٍما له صدف / ألفَظ بدر نظيم ما له صدف
كن لي كما كنت للراجين كلهم / لا زال قصرك بالراجين يكتنف
قل للكرام بني وهب معاقلنا / قولاً يُقَرُّ به طوعاً ويُعترف
العادلين موازيناً إذا حكموا / والراجحين إذا ما شالت الكِفف
يا آل وهب أدام الله دولتَكم / لقد رعيتم فلا خوف ولا عجف
حتى غدوتم لآمال الورى قِبَلاً / لها عليها طوال الدهر معتكف
فما لعبدكمُ المسكين بينكمُ / كأنه لمرامي دهره هدف
وأنتم النخلة الطولى التي بسقت / قدماً وبورك منها الأصل والطرف
ولم تزل ليَ آمال مسلَّفةٌ / وفيكم الآن للخُرّاف مخترف
فإن زوى عني الجُمَّار طلعته / فلا يصبني بحدي شوكه السعف
أمري وأمركم بازٌ على علم / مُرَمَّقٌ بعيون الناس مُشتَرف
فالله الله في أحدوثة حسُنت / لا تهدموها بظلم إنها الشرف
هُبَّا خليليَّ قد قضيتما وطراً
هُبَّا خليليَّ قد قضيتما وطراً / من الكرى فاستعيضا لذة أنفا
لا تبلغا الدهر أقصى إربة لكما / فاستبدلا لكما من آخر طرفا