لَقَد نعتك عَلى بعد لي الصحفُ
لَقَد نعتك عَلى بعد لي الصحفُ / فَبت من شدة الأشجان أرتجفُ
لَم يبد حينئذ مني عَلى جلدي / إلا وجوم وإلا أَدمعٌ تكف
لَقَد أَصابَت وليَّ الدين كارثة / أَودت به وَكَذاك الشمس تنكسف
أَرى الدواوين بعد اليوم ناقصة / تعوزها كلمات منك تقتطف
كَم من وجوه تَرى في مصر شاحبة / لرزئها وَقُلوب للأسى تجف
قالوا وَلي يُراعي الوقت ملتزماً / وَالحزم ذلك يأَتيه الألى حصفوا
هب ذاكَ عيباً تشين الحرَّ قالتُهُ / فأي شمس أَضاءَت ما بها كلف
أتعبت نفسك في الإصلاح مجتهداً / بما كتبت وأنت الناحل الدنف
حتى مرضت فبت اللَيل مشتكياً / من طول إظلامه وَاللَيل منتصف
وإن داءك من بعد اِستحالته / أعيا الأطباء في مصر كَما اِعترَفوا
واِشتد من غير إنذارٍ فمت به / كَذَلِكَ الغصن بالنكباء ينقصف
وَرب داء عياء لا دواء له / يأَتي المَريض عَلى أَعقابه التلف
ما كانَ أعدله لَو كانَ يمهله / لكنما الموت في الأحكام معتسف
كانَ الجَدير به إبقاء جذوته / إذ لَيسَ في نشر أنوار الهدى سرف
ما كُنتُ أَجهَل مذ شق الهدى بصرى / أنَّ الَّذي هُوَ ماش للونى يقف
وَللحياة نواميس ملازمة / وَيل لِمَن هُوَ عنها كانَ ينحرف
كل امرئٍ واقف منها عَلى جرف / وَسَوفَ ينهار في يوم به الجرف
يسوؤني أن داراً أَنتَ نازلها / ما إن لها فسحة تَكفي وَلا غرف
ما أكبر الحزن في قلب امرئٍ كلف / شطت بمن هُوَ يَهواهم نوى قذف
ما جاءَ وصف وَليٍّ في مصاحبة / إلا وَفضل وليٍّ فوق ما وصفوا
قابلته في فروق لَيلَةً وَلَقَد / رأَيت فيه أديباً كله طرف
أَبقَت مُقابلتي إياه حينئذٍ / ذِكرى له في فؤادي لَيسَ تنصرف
وَلست أنسى انتصارات له صدقت / في محنَتي بل أنا بالفضل معترف
أسفت إذ قيل لي أن الوليّ قضى / وَهَل يفيد عَلى من قد قَضى الأسف
قَد كانَ زينة مصر في كتابته / كأنما هُوَ في آذانها شنف
يَقول من كانَ يلقى نظرة صدقت / عليه ما هُوَ إلا روضة أُنُف
أَخشى وَقَد سارَ سير المصلحين بهم / أَن لا يَسير عَلى آثاره الخلف
كانَ الوليّ لعمري في كتابته / من الألى لصروح الوهم قد نسفوا
ما إِن هنالك تَقليد فينقصه / وَلا جمود عَلى ما خطه السلف
يا كَوكباً قَد تَوارى بعد مطلعه / بمن تخفف عنا بعدك السدف
يا مصر إنك أنت اليوم آسية / عَلى الوليّ وَما بغداد تختلف
إن الوَلي قضى بالرَغم عَن أَملي / وَما قَضى منه ذاك المجد وَالشَرف
في الروض نَور كَثير لا عداد له / لكنما الزهرة الحَسناء تقتطف
منها أَتى وَإليها عاد منطفئاً / ما إن عَن الأرض للإِنسان منصرف
وَما رأَيتَ بما قد عشت من عمر / كالمَوت سيلاً لمن لاقاه يجترف
لَقَد يسوؤك يا من ضمه جدث / أن القبور بيوت ما لها شرف
ما أَعجب الأرض أُمَّاً غير مشفقة / من بعد أَن تلد الأبناء تلتقف
كَم من أناس لأصحاب لهم دفنوا / وَمن دموع عَلى أَجداثهم ذرَفوا
وَكم أناس ذَوي جاه وَمنزلة / بَكى عليهم أناس بعد ما هَتَفوا
كل امرئٍ سوف تأَتيه منيته / وَعلَّ في الروح سراً سوفَ ينكشف
الدهر أَنحى عَلى الإنسان يقتله / فَمَن ترى منه للإِنسان ينتصف
ما زالَ يَرمي سهام الموت عَن كثب / وَكل ذي مهجة يوماً له هدف
وَهَل تسر حَياة قَلب صاحبها / وَفي أكف الردى من حبلها الطرف