لن ترضي الله حتى تخلص الورعا
لن ترضي الله حتى تخلص الورعا / ولن ترى ورعا بالجهل مجتمعا
حق العبادة فرض لن تؤديه / ان كنت تجهل مفروضا وممتنعا
أمانة الله تسطيع الأداء لها / اذا علمت بعون الله ما شرعا
ولم يجد صانع اتقان صنعته / حتى يكون على علم بما صنعا
ومن مضى في طريق لا دليل لها / ولا معالم تهدي ضل وانقطعا
وفاقد العين محتاج لقائده / لولاه لم يدر مهما جار أو سدعا
فاستنهض النفس في ادراك ما جهلت / حتى ترى العلم في حافاتها سطعا
فهذه النفس مرآة جبلتها / ما قابلت كائنا الا بها انطبعا
مضيئة الذات والاكدار عارضة / لنورها فاذا استجليته انصدعا
والعلم أشرف ما أوليت من خطر / ما حل في موضع لله فاتضعا
فاطلبه لله يفتحه بلا تعب / لا تحتجز غير ما يرضى به طمعا
واليسر يصحب مرتاد العلوم اذا / كان ارتيادا عن الأكوان منقطعا
والعلم بحر محيط لست محصيه / فكن بأنفعه في الدين مقتنعا
ولو فرضنا انحصار العلم في بشر / وقصده غير وجه الله ما نفعا
فاصرف الى الله وجه القصد معتقلا / عقائل العلم فالانسان حيث سعى
والعلم بالله أولى ما عنيت به / وما سواه الى ادراكه نزعا
فابغ المعارف آلات لصنعته / اذ يتقن الصنع بالآلات من صنعا
ولا تقولن علم ليس ينفعني / بكل علم يعيش العبد منتفعا
فاطلب وأطلق بلا قيد ولا حرج / وقف اذا كان عنه الشرع قد منعا
وقدم العلم بالطاعات تقض به / حقا لمحظوره أو ما إليه دعا
دع المهندس في الاشكال مختبطا / وصاحب النجم يرعى النجم ان طلعا
واقصد فقيها بنور الله مشتعلا / يريك ما ضاق عنه الجهل متسعا
فلا يهمك يوم الحشر هندسة / ولا سؤال عن المريخ كم قطعا
ولن ترى من كتاب خطه ملك / يوم القيامة الا الذنب والورعا
فاعمل بعلم واشغل كاتبيك به / فلا يفوتك ما تملي وما جمعا
لا تنفق العمر بطالا فلست ترى / يوم الندامة للأعمال متسعا
في لمحة العمر امكان ومزرعة / وسوف يحصد في عقباه ما زرعا
اذا حشرت بلا علم ولا عمل / عرفت كونك بالتفريط منخدعا
أدرك بقية أيام تمر بلا / مهل فان نجاز العمر قد قرعا
وأيقظ العزم ان نامت لواحظه / في الجد لله لا وهنا ولا هلعا
واصرف حياتك من بدء لخاتمة / في علم دينك للقرآن متبعا
هو المهم الذي ترجى عواقبه / ان مت أحياك أو قدمته شفعا
مزية العلم أعلا نعمة رفعت / عبدا ولولاه لم يذكر من ارتفعا
ما فوق مرتبة المختار مرتبة / ولا وساعة تسمو فوق ما وسعا
وكل علم لمخلوق تقدمه / أو سوف يعقبه من بحره نبعا
وكل ذرة نور أو مقام هدى / فمن مشارق نور المصطفى طلعا
وكل ذلك والقرآن يأمره / قل رب زدني علما فوق ما جمعا
لأن للعلم شأنا كل مرتبة / وكل شان رفيع دونه اتضعا
والنفس قابلة للازدياد فلا / تضيق عنه اتساعا كيفما اتسعا
فارقمه في لوحها واجعله مرشدها / الى حقائق أعمال لها وضعا
فلتطلب العلم للأعمال يخدمها / كالسيف يحمله للضرب من شجعا
ماذا تريد بعلم لا يردك عن / شر ولست به للخير متبعا
ليس الحمار من الأسفار يحملها / بغير أثقالها اياه منتفعا
بئس المثال لمن أوعى العلوم ولم / تفده إلا فلان عالم برعا
وان طلبت به الدنيا فموبقة / أحرى بها من خسيس الجهل ان تقعا
جرده من كل شيء لا يشاكله / ما أقبح العلم مهما قارن الطمعا
واشرف العلم ما يهدي لصالحه / تكون ذخرا وما عن سيء ردعا
ليس السيادة في مال ولا نشب / لكنها العلم مهما رافق الورعا
لله نخبة ابرار فقدتهم / كانوا الأمان فأبقوا بعدهم فزعا
كانوا البحار فابقوا بعدهم يبسا / كانوا السحاب فأبقوا بعدهم قزعا
صحبتهم وغيوث العلم هاطلة / وفارقوني فضن الغيث وانقطعا
أولئك القوم ملح الأرض ان فسدت / فأين هم وفساد الأرض قد قرعا
ما للمعارف من افلاكها نزلت / والآن حلت بطون الأرض والتلعا
من لي بهم في زمان بعض موعده / رفع العلوم وهذا العلم قد رفعا
ورفعه موت من يبغي به عملا / برا ولو حل فيمن ضل وابتدعا
عسى لطائف روح الله منشئة / بعد الاياس سحابا يمطر الطمعا
فتنجلي غبرة الأيام عن خلف / صدق يقوم بنفع الحلق مضطلعا
فان لي املا في فنية نجب / وريثما حاولوا ادراكه خضعا
تنالوا المجد من أركان سالفهم / برق الفضيلة في أعطافهم لمعا
لهم وجوه مصابيح مشعشعة / كأنما البدر في أغصانها طلعا
نجد أماجد في أحسابهم فلق / ومن أياديهم البيضاء قد نبعا
زهر المناقب ينشق المجاد بها / عن حاجب الشمس أو عن صبحها انصدعا
مثل الكواكب في علم وفي عمل / وفي قلوب وفي صيت لهم شسعا
تنافسوا في اقتناء المجد واستبقوا / والكل جلى لمجد ليس مخترعا
سمت بهم همة كالشمس نيرة / فكل هم عزيز تحتها ركعا
وناصبوا الدهر والأيام كالحة / بفضل حرية الأحرار فاندفعا
ونظموا عقد مجد باجتماعهم / لا زال عقدا بعين الله مجتمعا
" تناول المجد" صعب غيرانهم / تناولوه وما شدوا له النسعا
بخ بخ يا سراة المجد انكم / ذكرتم المجد ما أعطى وما منعا
ما زال ينتخب الأحرار في زمن / مقطم الوجه حتى فيكم وقعا
فكنتم الغرة الزهراء فيه ولم / يبصر بأكمل منكم لا ولا سمعا
لنا الهناء بأن المجد بشرنا / منكم بأكرم من في مفخر نزعا
وان مستقبلا يأتي لنزعتكم / من دون حصر المعالي ليس مقتنعا
وانكم ولسان الصدق يشهد لي / وصلتم من حبال العرف ما انقطعا
ومن شعرتم بأن الجهل منقصة / والعلم يعلي برغم الجهل ما اتضعا
أسستم لعلوم الدين مدرسة / كهالة الشمس أنوارا ومنتفعا
ضمت شبيبة اطهار نفوسهم / أصفى من الدر بالأصداف ملتفعا
تعطشوا لاكتساب العلم اذ فهموا / كون الجهالة في حكم الحجى شنعا
مشمرين ذيول الجد همهم / ان يعبدوا الله بالوجه الذي شرعا
أوحت اليهم عقول غير قاصرة / ضرورة العلم فانقادوا لها تبعا
على نشاط وعزم لا يعارضه / معارض فكأن البحر مندفعا
بشراكم يا وعاة العلم ان لكم / يوما سيرجع فيه الجهل منهزعا
وتسعدون بألباب منورة / يصونها الله ان تستمرئ البدعا
يا عمدتي يا غيوث الأرض حسبكم / مسح الملائك تبريكا ومنتفعا
هل تقبلوني فردا من رجالكم / حتى نعيش على هذا الفلاح معا
قد اختصصتم بشأن كله شرف / هل تسمحون بأن يبقى لنا شرعا
ما زلت ادعوا الى أمثال نهضتكم / فكنتم يا رجال الفضل مستمعا
فثبت الله مسعاكم وزادكم / تقدما في العلا ما كوكب طلعا