المجموع : 3
أَهَلَّ بالبَيْنِ فانْهَلَّتْ مدَامِعُهُ
أَهَلَّ بالبَيْنِ فانْهَلَّتْ مدَامِعُهُ / وآنس النَّفرَ فاستكَّتْ مسامِعُهُ
وَوَدَّعَ المَنزِلَ الأَعلى فأَوْدَعَهُ / فِي القَلبِ لاعِجَ بثٍّ لا يُوادِعُهُ
يا معهداً لَمْ يُضِعْ عَهدَ الوفاءِ لَهُ / مُكسَّفُ النورِ عافي القدْرِ ضائِعُهُ
ولا ثَنى عَبَراتي عنْ تَذَكُّرِهِ / دَهْرٌ تَقارَعُ فِي صدري قوارِعُهُ
حَسبي ضُلوعٌ ثَوَت فِيهَا مَصائِبُهُ / وَمُقلَةٌ رَبَعتْ فِيهَا مَرابعهُ
سَقاكَ مثلُ الَّذِي عفَّى رُباكَ عسى / يُنبيكَ كيْفَ غريبُ الرَّحْلِ شاسِعُهُ
صباً كَتَصعيدِ أَنفاسي وصوبُ حياً / تُريكَ عبْرةَ أَجْفانِي مَدامِعُهُ
سحٌّ إذَا شَفَّ صحنَ الخدِّ ضائِرُهُ / شفى تباريحَ مَا فِي القلبِ نافِعُهُ
لله من وَطَنٍ قلبي لَهُ وطنٌ / يَبلى وأَبلى وَمَا تبلى فجائِعُهُ
لا يسأَمُ الدَّهْرُ من شَوقٍ يُطالِعُني / مِنهُ ومن زَفرةٍ منِّي تُطالِعُهُ
فطالَما قَصَّرَتْ لَيلي مَقاصِرُهُ / لَهواً وَمَا صَنَّعت صُبحي مَصانِعُهُ
وطالما أَيْنعتْ حولِي حدائِقُهُ / والعيشُ غضٌّ أَنينُ الرَّوضِ يانِعُهُ
وكم أُظِلَّ مَقِيلي وَسْطَ جَنَّتِهِ / بكُلِّ فرع حَمامُ الأَيكِ فارِعُهُ
إِنْ تُسعِدِ اليومَ أَشجاني نوائِحُهُ / فكم وكمْ ساعَدَتْ شَجْوي سَواجِعُهُ
وكم وَفى ليَ فِيهِ من حبيبِ هوىً / خَلَعتُ فِيهِ عِذاري فَهو خالِعُهُ
رَوْضٌ لعَيْن الهوى راقَتْ أَزاهِرُهُ / ومَشرَبٌ للصَّبَا طابَتْ مَشارِعُهُ
وكم صَدَعْتُ فؤادَ اللَّيلِ عن قَمرٍ / لَهُ هَوىً فِي صميمِ القلبِ صادِعُهُ
خالَستُ فِيهِ عيوناً غيرَ هاجِعةٍ / والحَزمُ عنِّي غضيضُ الطرفِ هاجِعُهُ
وفي نِجادِي جريُّ الإِلفِ مُقْدِمُهُ / وَفِي عِناني مُشيحُ الجذْلِ دارِعُهُ
فما تجاوَزْتُ قَرْنَ الموتِ مُعتسفاً / إِلّا وقِرني رخيم الدَّلِّ بارِعُهُ
تَحِيَّتي منه تَقبيلٌ ومُعتنَقٌ / يَشدُّنِي غُلُّهُ فِيهِ وجامعُهُ
لم أخلَعِ الدِّرعَ إِلّا حِينَ شَقَّقَهُ / عن صفحِ صَدريَ مَا تَحوي مدارِعُهُ
ولا تَوَقَّيتُ سَهماً مِنْ لَواحِظِهِ / يُذيبُ سَيفي وَفِي قَلبي مَواقِعُهُ
غُصنٌ تَجرَّعَ أَنداءَ النَّعيمِ فما / يُطوَّقُ الدُّرَّ إِلّا وهو جارِعُهُ
غَضُّ القباطِيِّ تَحْتَ الوَشي ناعِمُها / مُخلخَلُ الجيدِ فَوْقَ العقدِ رادِعُهُ
يَميسُ طَوْراً وسُكرُ الدَّلِّ عاطِفُهُ / وتارَةً وانثناءُ الوَشيِ لاذِعُهُ
فاستفرَغَ الخَصرُ كُثبانا تُباعِدُهُ / وأنبتَ الصدْرُ رُمَّاناً تُدافِعُهُ
وفي السوالِفِ خوْفُ الصُّدغِ يَجرحُهُ / تِمثالُ صُدْغَيهِ مِسكاً فهو مانِعُهُ
فَبِتُّ تَحْتَ رِوَاقِ اللَّيلِ ثانِيَهُ / والشوقُ ثالثُهُ والوَصْلُ رابعُهُ
والسحرُ يسحرُ من لفظٍ يُنازِعُني / والمِسكُ يَعبقُ من كَأْسٍ أُنازِعُهُ
راحاً يَمُدُّ سناها نُورُ رَاحتهِ / لولا المها لجرَتْ فِيهَا أَصابعُهُ
كَأَنما ذاب فِيهَا وردُ وَجْنته / وشجَّها ريقُها المعسول مائعُهُ
جنى حياةٍ دَنتْ مِنِّي مطاعِمُهُ / من بعدِ مَا قَدْ نَأتْ عنِّي مطامِعُهُ
قَدْ أَنهَبَ المِسكَ والكافورَ خازِنُهُ / وأرخَصَ الوَرْدَ والتفاحَ بائِعُهُ
فيا ضَلالَ نُجومِ اللَّيلِ إِذْ عَدِمَتْ / بَدْرَ السماءِ وَفِي حِجري مَضاجِعُهُ
ويا حَنينَ ظِباءِ القفْرِ إذ فَقدَتْ / غَزَالَهُنَّ وفي رَوْضي مَرَاتِعُهُ
مَجالُ طَرْفِي وَمَا حازَتْ لواحِظُهُ / وحرُّ صَدري وَمَا ضَمَّتْ أَضالِعُهُ
وَالطِّرْفُ مرْآةُ عيني أَستَدِلُّ بِهِ / عَلَى الصَّباحِ إذَا مَا خِيفَ ساطِعُهُ
جَوناً أزيدُ به لَيلَ الرَّقيبِ دُجىً / ويستثيرُ ليَ الإِصباحَ لامِعُهُ
فباتَ يَعجبُ من ظبيٍ يُصارِعُني / وَقَدْ يحِنُّ عَلَى لَيثٍ أُصارِعُهُ
وَمَا رأَى قبلَها قِرْناً أُعانِقُهُ / إِلّا وَوَدَّعَ نفساً لا تُراجِعُهُ
حَتَّى بَدا الصُّبحُ مُشمَطّاً ذَوائِبُهُ / يُطارِدُ اللَّيلَ مَوْشِيّاً أكارِعُهُ
كَأَنَّ جَمْعَ ضلالٍ حانَ مَصرَعُهُ / وأنتَ بالسيفِ يَا مَنصورُ صارِعُهُ
أَوْ كاشتِجَارِ رِماحٍ أنتَ مُشْرعُها / فِي بابِ فتحٍ مُبينٍ أَنتَ شارِعُهُ
جَيشٌ يَجيشُ برَعْدِ المَوْتِ يقدُمُهُ / إِلَى عِدَاكَ قضاءٌ حُمَّ واقِعُهُ
صباحُ بارِقةٍ لولا عَجاجَتُهُ / وَليلُ هابيةٍ لولا لوامِعُهُ
دلائِلُ اليُمْنِ فِي الهَيجا أَدِلَّتُهُ / وأَنجُمُ السَّعدِ بالبشرى طَلائِعُهُ
يُهدى بِهَدْيِ لِواءٍ أَنتَ عاقِدُهُ / للهِ واللهُ بِالتأْييدِ رافِعُهُ
لِمَوْعِدٍ غيرِ مكذوبٍ عواقِبُهُ / فِي مَتْجَرٍ غَيرِ مُزْجاةٍ بضائِعُهُ
مَثنى جِهادٍ وصوْمٍ ضمَّ شملَهُما / عَزْمٌ يُسايرُهُ صَبرٌ يشايِعُهُ
فلا ظَلامُ قَرارٍ أَنتَ ساكِنُهُ / ولا نَهارُ مُغارٍ أَنتَ وادعُهُ
تَهيمُ فِي الأَرْضِ عن حِصنٍ تُنازِلُهُ / وتَخرِقُ البيدَ عن جيشٍ تُقارِعُهُ
حَتَّى جَدَعْتَ أُنُوفَ الشِّركِ قاطِبةً / بأَنفِ مَعقلِ كُفرٍ أَنتَ جادِعُهُ
غابُ الأُسودِ الَّذِي غُرَّ الضَّلالُ بِهِ / فَخادَعَ اللهَ منهُ وهوَ خادِعُهُ
فإِنْ شَجتْ ثغرَكَ الأَقصى مَرابصُهُ / فقد شَجتْ أَرْضَه القصوى مَصارِعُهُ
وإِنْ يَرُعْ نازِحَ الأَوْطانِ عَنكَ فقدْ / راعَ العدى منهُ يومٌ أَنتَ رائعُهُ
صَبَّحتَهُ من رِياحِ النَّصرِ عاصفةً / لا تتَّقي بَعدَها خَسفاً بَلاقِعُهُ
كَأَنَّ نافخ صُورِ الموتِ أَصعقَهُ / فَهدَّ أَسوارَهُ العليا صَواقِعُهُ
فَمقعَصٌ ناشِزٌ عنهُ حلائِلُهُ / ومُرْضَعٌ ذاهِلٌ عنهُ مَراضِعُهُ
وهامَ تَحْتَ بُرُوقِ المَوْتِ كلُّ رَشاً / اللَّيثُ كافِلُهُ والليثُ فاجِعُهُ
هذا مُعانِقهُ يأْساً فَمُسلِمُهُ / وذا مُعانِقهُ إِلفاً فَشافِعُهُ
عواطِلاً أَنتَ حَلَّيتَ الخُيولَ بِهَا / جيشاً غدائِرُها فِيهِ بَراقِعُهُ
أَورَدتها المِصرَ والأَبصارُ طامِحةٌ / لِصنعِ مَا لَكَ ربُّ العرشِ صانِعُهُ
والأَرضُ تَلبسُهُ طَوْراً وتَخلعُهُ / والجِسرُ حامِلُهُ كَرْهاً فواضِعُهُ
طوْدٌ منَ الخيلِ أَعلاهُ وأَسفلُهُ / بَحْرٌ من السَّيلِ مُلتجٌّ دَوافِعُهُ
والشَّمسُ لابسةٌ منهُ قِناعَ دُجىً / واليومُ أَزْهرُ وَجهِ الجوِّ ماتِعُهُ
بيُمنِ حاجِبِكَ الميمونِ طائِرُهُ / وَسَعدِ قائِدِكَ المسعودِ طالعُهُ
أَنجبتَهُ كاسْمِهِ تَحيا عُلاكَ بِهِ / كَهلُ التجارِبِ شَرْخُ العزْمِ يافِعُهُ
ساقِي الحياةِ لمنْ سالَمْتَ مُطعِمُها / ذُعافَ سُمٍّ لِمَنْ حارَبتَ ناقِعُهُ
أَوْفى بِهِ فِي رِداءِ الحِلمِ لابسُهُ / وَعَلَّهُ بلِبانِ الحَرْبِ راضِعُهُ
مَنْ أَشرَقَتْ بسجاياهُ مَقاوِلُهُ / وأَعرَقَتْ فِي مَساعيهِ تبابعُهُ
وقَلَّدَتْهُ تُجيبٌ حَلْيَ سابقها / حَتَّى غدا السابقَ المتبوعَ تابعُهُ
واحْتازَ إِرْثَ الأُلى آوَوْا وَهُمْ نَصرُوا / باسمٍ يُصدِّقُهُ فِعلٌ يُضارِعُهُ
فإِنْ تضايَقَتِ الدُّنيا بمُغتَربٍ / فَمُنذِرٌ بعدُ رَحْبُ الصدرِ واسِعُهُ
وإِنْ دَجا فلَقٌ يوْماً بذي أَمَلٍ / فَذُو الرِّياساتِ طَلقُ الليلِ ناصِعُهُ
ومن سواه لمقطوعٍ أَواصِرُهُ / ومن سواه لمردودٍ شَوافِعُهُ
ومن سواهُ لخطبٍ جَلَّ فادِحُهُ / ومَن سواهُ لِخرقٍ قلَّ راقِعُهُ
ومن يُسيمُ نَداهُ فِي خزائِنهِ / كَأَنَّه فِي أَعاديهِ وَقائِعُهُ
واسْتودَعَ اللهُ للإِسلامِ فِي يدِهِ / مكارِماً حُفظتْ فِيهَا ودائعُهُ
يا واصِلاً بالندى مَا اللهُ وَاصِلُهُ / وقاطِعاً بالظُّبى مَا اللهُ قاطِعُهُ
اسْعدْ بفخرٍ وفِطرٍ أنت حاصِدُهُ / مِنْ برِّ فتحٍ وصَوْمٍ أَنتَ زارِعُهُ
ومَشهدٍ لِلْمُصلَّى قَدْ طَلَعتَ لَهُ / كالبدرِ مُشرِقَةً مِنهُ مطالعُهُ
في جيشِ عزٍّ ونصرٍ أَنت غُرَّتُهُ / وشملِ دينٍ ودُنيا أَنتَ جامِعُهُ
مُعظَّمُ القَدْرِ فِي الأَبصارِ باهِرُهُ / وخافِضُ الطَّرْفِ للرَّحمنِ خاشِعُهُ
ومَوقفٍ لَكَ فِي الدَّاعينَ رَفَّعَهُ / إِلَى السمواتِ رائيهِ وسامِعُهُ
بكَ استُهِلَّ بِهِ فصلُ الخطابِ وَمَا / أَسَرَّ ساجِدُهُ الدَّاعِي وراكِعُهُ
وسَلَّموا من صَلاةِ العيدِ وافتتَحوا / إِليكَ أَزْكى سَلامٍ شاعَ شائِعُهُ
جَمعاً يؤُمُّ إِليكَ القصرَ مُستَبِقاً / الحَمدُ قائدُهُ والحَمدُ وازِعُهُ
حَيْثُ المكارمُ مَرفوعٌ معالمُها / ونَيِّرُ الدينِ معمورٌ شَرائِعُهُ
وتالِدُ المُلكِ محفوظٌ بخاتَمِهِ / من طينةِ المَجدِ والرَّحمنُ طابعُهُ
واسْلَمْ لَهمْ ولمنْ أَوْفَى بِهِ أَمَلٌ / فاتَ المنايا إِلَى يُمناكَ نازِعُهُ
يعلُو الجِبالَ بأَمثالِ الجبالِ أَسىً / يَحدوهُ جدٌّ عَثورُ الجَدِّ ظالِعُهُ
وَرُبَّ لُجَّةِ بحرٍ تَحْتَ بَحرِ دُجىٌ / قاسى إِلَى بحرِكَ الطَّامي يَنابِعُهُ
وَمِنْ شمائِلِكَ المُعيي بَدائِعُها / فِي الأَرْضِ جَاءَتْكَ تستَملي بدائِعُهُ
فلا تَواَضعَ قَدرٌ أَنتَ رافِعهُ / وَلا تَرْفَّعَ قَدْرٌ أَنتَ واضِعُهُ
مَا أَحْسَنَ الصَّبْرَ فيما يَحْسُنُ الجَزَعُ
مَا أَحْسَنَ الصَّبْرَ فيما يَحْسُنُ الجَزَعُ / وأَوْجَدَ اليَأْسَ مَا قَدْ أَعْدَمَ الطَّمَعُ
وللمنايا سِهامٌ غيرُ طائِشةٍ / وذو النُّهى بجميلِ الصَّبْرِ مُدَّرِعُ
فإِن خَلَتْ للأَسى فِي شجوها سُنَنٌ / فطالَما أُحْمِدَتْ فِي كَظْمِها البِدَعُ
وللفجائِعِ أَقدارٌ وأَفْجَعُها / للنَّفْسِ حَيْثُ ترى أَظفارَها تَقَعُ
كَأَنَّ للموتِ فينا ثأْرَ مُحْتَكِمٍ / فما بغيرِ الكريمِ الحُرِّ يَقْتَنِعُ
قَدْ خَبَّرَتْ نفسُ إِسماعِيلَ فِي يدِهِ / أَنْ لَيْسَ عن حُرُماتِ المَجْدِ يرتَدِعُ
فاحْتَسِبُوا آلَ إِسماعِيلَ مَا احْتَسَبَتْ / شُمُّ الرُّبى من غَمامِ الغَيْثِ يَنْقَشِعُ
واحْتَسِبُوا آلَ إِسماعِيلَ مَا احْتَسَبَتْ / خيلُ الوغى من لواءِ الجَيْشِ يَنْصَرِعُ
مَاذَا إِلَى مِصْرَ من بِرٍّ ومن كَرَمٍ / بعَثْتُمُ مَعَ وَفْدِ اللهِ إِذْ رَجَعُوا
حَجُّوا بِهِ بِهِلالِ الفِطْرِ وانْقَلَبُوا / فاسْتَوْدَعُوهُ ثَرى مِصْرٍ وَمَا رَبَعُوا
فأيُّ قَدْرٍ رفيع حانَ مَحْمِلُهُ / فِي النَّعْشِ يوماً عَلَى أَكتافِهِمْ رَفَعُوا
وأَيُّ مُخْتَشِعٍ للهِ مُتَّضِعٍ / حُرِّ الشمائِلِ فِي حَرِّ الثَّرى وَضَعُوا
وغادَرُوهُ ولا غَدْرٌ بما فَعَلُوا / وَوَدَّعُوهُ ولا بَاكٍ لِمَنْ وَدَعُوا
تغدُو عَلَيْهِ حَمامُ الأَيْكِ باكِيَةً / وتَسْتَهِلُّ عَلَى أَكْنافِهِ القَلَعُ
والرِّيحُ تُهْدِي لَهُ من كُلِّ عارِفَةٍ / عَرْفاً وتحمِلُ عنه فَوْقَ مَا تَدَعُ
فاسْتَشعِرُوا آلَ إِسماعِيلَ تَغْزِيَةً / يُهْدى لَهَا واعِظٌ منكُمْ ومُسْتَمِعُ
فإِنْ غَدَا شَعْبُكُمْ فِي اللهِ مُفْتَرِقاً / فإِنَّ شَعْبَكُمُ فِي المَجْدِ مُجْتَمِعُ
وإِنْ يُصَدِّعْ قُلُوباً صَدْعُ شَمْلِكُمُ / فالصَّبْرُ كالشَّمْسِ حَيْثُ الفَجْرُ يَنْصَدِعُ
وإِنْ جَزِعْتُمْ فَرُزْءٌ لا يقومُ لَهُ / فيضُ الدُّموعِ ولا يُشْفَى لَهُ وَجَعُ
وإِنْ صَبَرْتُمْ فمِنْ قومٍ إذَا بُعِثُوا / لَمْ يُوهِ عَزْمَهُمُ ذُعْرٌ ولا فَزَعُ
قَدْ وَطَّنُوا أَنْفُساً للدَّهْرِ لَيْسَ لَهَا / إِلّا مِنَ الذَّمِّ أَنْ يَدْنُو لَهَا جَزَعُ
كَأَنَّهُمْ فِي نَعيمِ العَيْشِ مَا نَعِمُوا / وَفِي الفجائِعِ بالأَحْبابِ مَا فُجِعُوا
للهِ من حُرَمِ الأَموالِ مَا بَذَلُوا / جُوداً ومن حُرَمِ الجِيرانِ مَا مَنَعُوا
وَمَا كَسَوْكُمْ مِنَ المَجْدِ الَّذِي لَبسُوا / واسْتَحْفَظُوكُمْ من الصَّبْرِ الَّذِي شَرَعُوا
فارْبِطْ لَهَا يَا أَبا مَرْوانَ جأْشَ فتىً / سَما فَأَتْبَعَ حَتَّى عادَ يُتَّبَعُ
وَقَدْ عَضَضْتَ عَلَى نابِ البَزُولِ فَلا / يغبنك حُسْنَ العزاءِ الأَزْلَمُ الجذَعُ
دَهْرٌ شَجَاكَ وَقَدْ وَفَّاكَ تَعْزِيَةً / جَلَّتْ فَلَيْسَتْ بِغَيْرِ القلبِ تُسْتَمَعُ
بُشْرى لِمَنْ زُوِّدَ التَّقْوى لِمُنْقَلَبٍ / حَيَّاهُ مُدَّخَرٌ فِيهِ ومُطَّلَعُ
بِمِيتَةٍ فِي سبيلِ اللهِ أَسْلَمَهُ / فِيهَا إِلَى رَبِّهِ الأَبناءُ والشِّيَعُ
فِي حجَّةٍ بِرُّها فِي اللهِ مُتَّصِلٌ / بالمُحْرِمِينَ عنِ الأَوْطَانِ مُنْقَطِعُ
لَبَّى من الغايَةِ القُصْوى فجاوَبَهُ / حُورُ الخِيامِ إِلَى لُقْيَاهُ تَطَّلِعُ
واسْتَفْتَحَ الكَعْبَةَ العَلْياءَ فافْتُتِحَتْ / لَهُ إِلَى الجَنَّةِ الأَبوابُ والشِّرَعُ
فكَيْفَ تُوحِشُكَ الدُّنيا إِلَى شِيَمٍ / لِذِكْرِها فِي الوَرى مَرْأَىً ومُسْتَمَعُ
تُتْلى فَيَعْبُقُ منها كُلُّ ذِي تَفَلٍ / طيباً ويَعْذُبُ منها الصَّابُ والسَّلَعُ
قَدْ حَمَّلَتْ أَلسُنَ المُثْنِينَ مَا حَمَلَتْ / وَأَوْسَعَتْ أَيْدِيَ العافِينَ مَا تَسَعُ
كالغَيْثِ يَنْأَى وَمَا يَخْفى لَهُ أَثَرٌ / والمِسكُ يُوعى وَمَا يُوعى لَهُ فَنَعُ
لِطَيِّبِ الذِّكْرِ من حِلْمٍ ومن ورَعٍ / لَوْ كَانَ للموتِ حِلْمٌ عنهُ أَوْ وَرَعُ
ومانِعِ الجارِ من ضَيْمٍ ومن عَدَمٍ / لَوْ أَنَّهُ من حِمامِ الحَيْنِ يَمْتَنِعُ
ووَازِعِ الخطبِ عن قُرْبٍ وعَنْ بُعُدٍ / لَوْ أَنَّ صَرْفَ الرَّدى من بَعْضِ مَا يَزَعُ
وإِنْ أَقمْتَ أبا مَرْوَانَ سُنَّتَها / شَجْواً فَذُو اللُّبِّ فِي السُّلْوانِ يَبْتَدِعُ
فارْدُدْ زَفِيرَكَ عَمَّا لا مَرَدَّ لَهُ / وارْجِعْ دُمُوعَكَ عَمَّنْ لَيْسَ يُرْتَجَعُ
واسْتَخْلِفِ العَارِضَ المُنْهَلَّ يَخْلُفُهُ / رَوْضٌ تَصِيفُ بِهِ مِصْرٌ وتَرْتَبِعُ
من كُلِّ بَحْرِيَّةٍ شامٍ يُشامُ بِهَا / حادِي الجَنُوبِ فلا رَيْثٌ ولا سَرَعُ
يَنُوبُ عن ضَرَمِ الأَحشاءِ بارِقُها / وعن دُمُوعِكَ فِيهَا الوَابِلُ الهَمِعُ
تزورُ فِي مِصْرَ قَبْراً قَلَّ زائِرُهُ / لكِنَّهُ لِلْعُلا والمَجْدِ مُضْطَجَعُ
وأَكرَمُ الغَيْثِ غَيْثٌ عادَ مُنتَجِعاً / من لَمْ يزَلْ لِلنَّدى والجُودِ يُنْتَجَعُ
قَدْ عادَتِ الشمسُ فِي أَعلى مطالِعِها
قَدْ عادَتِ الشمسُ فِي أَعلى مطالِعِها / ولُجَّةُ البحرِ فِي أَعلى مَشَارِعها
وعزَّ نَظْمُ الهدى فِي كَفِّ ناظِمِهِ / وراقَ مُجْتَمَعُ الدنيا بِجامِعِها
وعادَ نُورُ جفونٍ فِي نواظِرِها / بِهِ وقَرَّتْ قلوبٌ فِي مواضِعِها
وقابَلَتْها اللُّهى فِي كَفِّ باذِلِها / وحوزَةُ الملكِ فِي أَكنافِ مانِعِها
وحطَّ رَحْلَ الوغى عن ظهرِ صائِفَةٍ / شابَتْ رؤوسُ الأَعَادِي من وقائِعِها
كادَتْ تَهُدُّ الصخورَ الصُّمَّ روعَتُها / لولا تَمَكُّنُ وَقْرٍ فِي مَسامِعِها
هَوْلٌ نَفى الجِنَّ عن أَخفى مَلاعِبِها / وأَوْحَشَ الوحشَ فِي أَقْصى مَرَاتِعِها
تقودُها دعوةُ التوحيدِ قَدْ أَخَذَتْ / عَهْداً من اللهِ فِي تشفيعِ شافِعِها
وغُرَّةٌ أَشرَقَتْ فِي كُلِّ مُظْلِمَةٍ / بثاقِبِ الهَدْيِ والأنوارِ ساطعِها
بِريحِ نصرٍ إِلَى الأَعداءِ تَقَدُمُها / كَرِيحِ عادٍ جَلَتْها عن مَصانِعِها
فإِن يعوذُوا بآنافِ الجِبالِ فقد / جاءَتْ أُنُوفُهُمُ فِي سَيْفِ جادِعها
أَو عَلَّلُوا بِفِرارٍ أَنفُساً عَلِمَتْ / أَنَّ الفِرارَ دواءٌ غَيْرُ نافِعِها
فَما النجاةُ تَمارى فِي تَفَكُّرِها / ولا الحياةُ تَرَاءى فِي مَطامِعِها
بلِ الرَّدى منكَ مكتوبٌ عَلَى مُهَجٍ / قَدْ أَصْبَحَتْ بارِزاتٍ فِي مَضاجِعِها
ولا بِسَيْفِكَ عَجْزٌ عن معاقِلِها / ولا سِنانُكَ نابٍ دُونَ دارِعِها
وَمَا تَرَجَّلْتَ إِلّا ريثَما نَزَلُوا / عَلَى الأَحِبَّةِ فِي أَدْنى مَصارِعِها
وأَنتَ جارٍ من العَلْيا عَلَى سُنَنٍ / تَدَارُكُ الحربِ من أَزْكَى شرائِعِها
واللهُ جارُكَ فِي حِلٍّ ومُرْتَحَلٍ / وسَاحَةِ الأَرْضِ دانيها وشاسِعِها
حَتَّى يُثيرَ لَكَ الآفاقَ مُؤْتَنِفاً / كواكِباً تُسْعِدُ الدنيا بطالِعِها