عادَ الهُمومُ وَما يَدري الخَلِيُّ بِها
عادَ الهُمومُ وَما يَدري الخَلِيُّ بِها / وَاِستَورَدَتني كَما يُستَورَدُ الشَرَعُ
فَبِتُّ أَنجو بِها نَفساً تُكَلِّفُني / ما لا يَهُمُّ بِهِ الجَثّامَةُ الوَرَعُ
وَلَومِ عاذِلَةٍ باتَت تُؤَرِّقُني / حَزّى المَلامَةِ ما تُبقي وَما تَدَعُ
لَمّا رَأَتنِيَ أَقرَرتُ اللِسانَ لَها / قالَت أَطِعنِيَ وَالمَتبوعُ مُتَّبَعُ
أَخشى عَلَيكِ حِبالَ المَوتِ راصِدَةً / بِكُلِّ مَورِدَةٍ يُرجى بِها الطَمَعُ
فَقُلتُ لَن يُعجِلَ المِقدارُ عُدَّتَهُ / وَلَن يُباعِدَهُ الإِشفاقُ وَالهَلَعُ
فَهَل عَلِمتِ مِنَ الأَقوامِ مِن أَحَدٍ / عَلى الحَديثِ الَّذي بِالغَيبِ يَطَّلِعُ
وَلِلمَنِيَّةِ أَسبابٌ تُقَرُّبُها / كَما تَقَرَّبَ لِلوَحشِيَّةِ الذُرُعُ
وَقَد أَرى صَفحَةَ الوَحشِيِّ يُخطِئُها / نَبلُ الرُماةِ فَيَنجو الآبِدُ الصَدَعُ
وَقَد تَذَكَّرَ قَلبي بَعدَ هَجعَتِهِ / أَيَّ البِلادِ وَأَيَّ الناسِ أَنتَجِعُ
فَقُلتُ بِالشامِ إِخوانٌ ذَوُو ثِقَةٍ / ما إِن لَنا دونَهُم رَيٌّ وَلا شَبَعُ
قَومٌ هُمُ الذِروَةُ العُليا وَكاهِلُها / وَمَن سِواهُم هُمُ الأَظلافُ وَالزَمَعُ
فَإِن يَجودوا فَقَد حاوَلتُ جودَهُمُ / وَإِن يَضَنّوا فَلا لَومٌ وَلا قَذَعُ
وَكَم قَطَعتُ إِلَيكُم مِن مُوَدَّأَةٍ / كَأَنَّ أَعلامَها في آلِها القَزَعُ
غَبراءَ يَهماءَ يَخشى المُدلِجونَ بِها / زيغَ الهُداةِ بِأَرضٍ أَهلُها شِيَعُ
كَأَنَّ أَينُقَنا جونِيَّ مَورِدَةٍ / مُلسُ المَناكِبِ في أَعناقِها هَنَعُ
قَوارِبَ الماءِ قَد قَدَّ الرَواحُ بِها / فَهُنَّ تَفرَقُ أَحياناً وَتَجتَمِعُ
صُفرُ الحَناجِرِ لَغواها مُبَيَّنَةٌ / في لُجَّةِ اللَيلِ لَمّا راعَها الفَزَعُ
يَسقينَ أَولادَ أَبساطٍ مُجَدَّدَةٍ / أَردى بِها القَيظُ حَتّى كَلَّها ضَرَعُ
صَيفِيَّةٌ حَمَكٌ حُمرٌ حَواصِلُها / فَما تَكادُ إِلى النَقناقِ تَرتَفِعُ
يَسقينَهُنَّ مُجاجاتٍ يَجِئنَ بِها / مِن آجِنِ الماءِ مَحفوفاً بِهِ الشِرَعُ
باكَرنَهُ وَفُضولُ الريحِ تَنسُجُهُ / مُعانِقاً ساقَ رَيّا ساقُها خَرِعُ
كَطُرَّةِ البُردِ يَروى الصادِياتُ بِهِ / مِنَ الأَجارِعِ لا مِلحٌ وَلا نَزَعُ
لَمّا نَزَلنَ بِجَنبَيهِ دَلَفنَ لَهُ / جَوادِفَ المَشيِ مِنها البُطءُ وَالسَرَعُ
حَتّى إِذا ما اِرتَوَت مِن مائِهِ قُطُفٌ / تَسقي الحَواقِنَ أَحياناً وَتَجتَرِعُ
وَلَّت حِثاثاً تُواليها وَأَتبَعَها / مِن لابَةٍ أَسفَعُ الخَدَّينِ مُختَضِعُ
يَسبِقنَ بِالقَصدِ وَالإيغالِ كَرَّتَهُ / إِذا تَفَرَّقنَ عَنهُ وَهوَ مُندَفِعُ
مُلَملَمٌ كَمُدُقِّ الهَضبِ مُنصَلِتٌ / ما إِن يَكادُ إِذا ما لَجَّ يُرتَجَعُ
حَتّى اِنتَهى الصَقرُ عَن حُمٍّ قَوادِمُها / تَدنو مِنَ الأَرضِ أَحياناً وَما تَقَعُ
وَظَلَّ بِالأُكمِ ما يَصري أَرانِبَها / مِن حَدِّ أَظفارِهِ الجُحرانُ وَالقَلَعُ
بَل ما تَذَكَّرُ مِن هِندٍ إِذا اِحتَجَبَت / بِاِبنَي عُوارٍ وَأَمسى دونَها بُلَعُ
وَجاوَرَت عَشَمِيّاتٍ بِمَحنِيَةٍ / يَنأى بِهِنَّ أَخو داوِيَّةٍ مَرِعُ
قاصي المَحَلِّ طَباهُ عَن عَشيرَتِهِ / جُرءٌ وَبَينونَةُ الجَرداءِ أَو كَرَعُ
بِحَيثُ تَلحَسُ عَن زُهرٍ مُلَمَّعَةٍ / عَينٌ مَراتِعُها الصَحراءُ وَالجَرَعُ