صَبٌّ نَأَى فَأَفاعي البَينِ تلسعه
صَبٌّ نَأَى فَأَفاعي البَينِ تلسعه / وَلَيسَ عِندَ ذَوي الآلامِ يَنفَعُهُ
مشرق شَقَّ عنه ثَوبَ سَلوَتِهِ / حُزناً وَأَضحى سَلبياً مِنهُ ينزَعُهُ
في كُلِّ يَومٍ له من فِرطِ لَوعَتِهِ / جِنيَّةٌ في رَضى الأَحبابِ تَصرعُه
يا صاحِبيَّ أَصبِحاني راح عذركما / كَأَساً تردَّدَ في بؤسي تَشعشُعُه
وَخَلِّياني وطرف الحُبِّ أَركضه / حَتّى تَكَلُّ عَناءً منه أَربعُهُ
أَستودع اللَهَ في أَرض الحِجازِ رشاً / في رَوضَةِ القَلبِ مأواهُ وَمربَعُهُ
إِن يُعظِمُ البين قَلبي من تَعذُّبهِ / فَلِلصَّبابَةِ ثدي راح يُرضعُهُ
ما بنت عنه قِلىً مَنّي لصُحبَتِهِ / وَلا لودٍ سَها عنه يضيعُهُ
بَل غالَني فيهِ واشٍ ما قدرتُ عَلى / مرادهِ في مضرّاتي فأدفعُهُ
وآشٍ وَشا في أَذائي جهدَ طاقته / فَلا تَهنّا بحلو العيشِ يَجرَعُهُ
موكَّلٌ بِنَبات الخَيرِ يَحصُدُهُ / وَلا يَرى مِن صَوابِ الأي يَزرَعُهُ
قَد كانَ يَحكُمُ ما يَهوى فَأَقبَلُهُ / وَما أَتى مِن خِطابٍ كُنتُ أَسمَعُهُ
فَرُحتُ أَفرقُ مِن مَوتي بِمَنزِلِهِ / إِذ كانَ لَيسَ لَهُ حِفظٌ فَيُردِعُهُ
بِاللَهِ يا وَجدُ رِفقاً بِالفُؤادِ فَما / أَطيقُ أَكثَرَ مَمّا أَنتَ تَصنَعُهُ
كَيفَ العَزاء لمن في الغرب مُهجَتُهُ / وَجسمه بَلدُ الفِسطاطِ مَرتَعُهُ
صَبٌّ سَرى النَوم عَن جفنيهِ مُرتَحِلاً / فَالدَمع في إِثرِهِ جارٍ يُشَيِّعُهُ
وَأَنتَ يا وَصلُ عُج في رَبع فُرقتنا / عَساكَ تَجمع شَملاً عِزَّ مَجمَعُهُ
وَأَسقِهِ من حَيا التَقريب ساريَة / فَإِنَّهُ داثِر قَد مُجَّ مَوضِعُهُ
عَسى اللَياليَ بِأَوطاي الَّتي سلفت / يرجعن فيهِ رُجوعاً لا تُوَدِّعُهُ
فَكَم تركنا هلال الكأسِ طالعة / فيهِ تُغَيِّب هَمَّ النَفسِ مطلِعُهُ
سَماؤُهُ كَفَّ من كَفَّ الغَرامَ بِهِ / مَمدودَةٌ نَحوَ حَبل الصَبرِ يَقطَعُهُ
وَالرّاح رائِحَةٌ فينا وَغادِيَة / عَلى مَجالِسِ رَبعٍ جَلَّ مرتَعُهُ
راحٌ هيَ الرِيحُ فاجعلها عَلى طربٍ / تِجارة قَبلَ خُسرٍ لَيسَ يَنفَعُهُ
وَمُت بِها مَوتُ مَن يُرجى الحَياة لَهُ / فَمَيِّتُ الرّاحِ مَيتٌ صَحَّ مَرجِعُهُ
مَخبيَّةُ الدَهرِ كانَت في ذَخائِرِهِ / فَجادَ من صَفوِها ما كانَ يَمنَعُهُ
كَأَنَّها شفقٌ وَالمزجُ يكسِبُها / غَيماً سرياً بِلا ريثٍ يُقشِّعُهُ
وَلائِمٌ لامَني جَهلاً فَقُلتُ لَهُ / لي في الصَبابَةِ عُذرٌ لَيسَ تَدفعُهُ
لي فاصِرف اللَومَ قَلبٌ شاعَ منكَشِفاً / في مَذهَبِ الحُبِّ يا هَذا تَشَيُّعُهُ
وَمهجة لإِمام الحُسنِ يتبعها / فَالوجه عَهدٌ عَلَينا لَيسَ يَخلَعُهُ