حتّام يِشفى الفَتى والدَّهرُ يَدفعُهُ
حتّام يِشفى الفَتى والدَّهرُ يَدفعُهُ / وليسَ من ظُلُماتِ الموتِ يُرجعُهُ
يَسعَى إِلى الشّاطئِ المجهُولِ منه ولا / يُلقي المراسي على موجٍ يُرَوِّعه
أيا بُحيرَةُ هل بعدَ الحبيبةِ لي / سَلوى وذاكَ الهوى باقٍ تفجُّعه
وفيكِ فلذَةُ قلبٍ ذائبٍ وَقعَت / بل واقعٌ فيكِ قلبُ الصبِّ أجمعه
أُحبُّ مَوجَكِ حباً للتي وقفَت / عليهِ يوماً وقد جاءت تُوَدِّعه
ما كادَ عامٌ يولّي بعد فرقَتِنا / حتى رجعتُ وقلبي الشَّوقُ يَدفعه
وجئتُ أجلسُ وحدي حيثُما جَلست / يا حبّذا حَجرٌ دَمعي يُرصِّعه
كذا على الصّخر كانَ الموجُ مُنمزِقاً / كما تمزَّقُ من مُضناكِ أضلُعه
كذا تَناثرَ في ليلِ الهوى زَبدٌ / فكانَ من قَدَمَيها اللّثمُ يُقنعه
هل تذكرينَ مساء فيه نُزهتُنا / مرّت سريعاً وأحلى العيشِ أسرَعه
إذ كانَ قارِبنا يَسري ولا نَفَسٌ / تحتَ السماءِ وفَوقَ الماءِ نَسمَعه
وللمجاديفِ وَقعٌ فيكِ يُطربنا / ولحنُها نغَمُ الأمواجِ يتبعه
إذا رنيمٌ شجيٌّ ليسَ من بشر / راعَ الضفافَ التي أمسَت ترجعه
والصّخرُ والموجُ والأغصانُ شاعرةٌ / والرّيحُ تخفضهُ طَوراً وترفَعه
فطارَ قلبي وقد أصبَحت من طَرَبي / كنائمٍ زخرفُ الأحلامِ يخدعه
لم أنس والله ماقالت وقد زفرت / ففاضَ من جَفنها الفتّانِ مَدمعه
يا دهرُ مهلاً ويا ساعات لذّتِنا / قِفي قَليلاً لوَصلٍ منكِ نَنزَعه
مِنَ الغرامِ دَعينا نَشتفي فَنفي / حقَّ الشبابِ الذي جئنا نشيِّعه
ما أكثرَ الهمَّ في الدنيا الغرورِ فكم / دَعا المنيَّةَ مَن بَلواهُ تَصرَعه
خُذي حياةَ ذوي البؤسى وشقوتَهُم / وانسي السعيدَ فإنَّ الحبَّ يُطمِعه
سألتُ دَهري وُقُوفاً في سعادَتِنا / ففَرَّ مني كأنَّ الصَّوت يُفزِعه
وقلتُ يا ليلُ طُل رِفقاً بعاشقةٍ / ففرَّقَ الصبحُ ما كنّا نُجَمِّعه
فلنَهوَ فلنَهوَ ولنَنعَم على عَجَلٍ / إذا ظَفِرنا بِعِلقٍ لا نُضيِّعه
ولنغتنم فرصةَ اللذّاتِ هاربةً / فالقلبُ تُهنِئه الذّكرى وتُوجعُه
والوقتُ كالمرءِ لم يبلغ شواطئَه / والحسنُ في الحزنِ روضٌ جفَّ ممرعه
يا دهرُ رِفقاً بأهلِ الحبِّ إنَّ لهم / في عَيشِهم وطراً ما زلتَ تمنعه
حتى على أقصرِ اللذّاتِ تحسدُنا / وقد غَصَصنا بما في الهمِّ نجرعه
على الهوى قد جرى دَمعي وسالَ دمي / وما الذي بعد طيب الوَصلِ أصنعه
تقلّص الظلُّ من رَوضي وها قَدحي / مُكَسَّرٌ بعد ما قد كنتُ أترعه
وَلّى نعيمي كبؤسي عاجلاً فذَوَى / عليهِ قلبي وأبكاني تمنُّعه
ألستُ أقدرُ أن أُبقي لهُ أثراً / في مُهجتي وعلى الأحشاءِ أطبعه
ما مرَّ فاتَ فلا دمعٌ ولا ندمٌ / يَشفي فؤادي وليسَ الصّبرُ ينفعه
يا ذاهبَ العمرِ كم ذكرٍ وكم ألمٍ / تَطوي وتخرقُ ما الإنسانُ يَرقَعه
قُل ما فعلتَ بأيامٍ تُدفِّنُها / والحسنُ والحبُّ ماءٌ غاضَ منبعه
ألا تُعيدُ لقلبي لذةً هَرَبت / ومن ليالي الهوَى حينا تمتِّعه
يا حبذا ما مَضى لو كان يرجعُ لي / وحبّذا المنزلُ المهجورُ مربعه
أيا بحيرةُ يا صخراً أصمَّ ويا / غاباً كثيفاً وكهفاً شاق بَلقعه
صانت محاسنك النُّعمى مجدّدةً / ثوباً من النضرِ تكسوهُ وتخلعه
ناشَدتُكِ الله أحيي ذكرَ ليلتِنا / لكلِّ قلبٍ يدُ البَلوى تُصَدِّعه
إن كنتِ هادئةً أو كنتِ هائجةً / بحيرةَ الحبّ فيكِ الذكرُ أُودعه
فليَحيَ في ضفَّةٍ خضراءَ مُزهِرةٍ / وفي خمائلِ وادٍ طابَ مَرتَعه
وفي الصّخور التي تحنو عليكِ وفي / صنوبرٍ زَادني وَجداً تَخَشُّعه
وفي هديرِ صَدى الضفّاتِ ردَّدَه / والغصنُ مُدَّت لضّم الغصنِ أذرعه
وفي نسيمٍ لهُ في الدَّوحِ هَينمةٌ / كأنها لحنُ تَطريبٍ نُوقِّعه
وفي ضياءٍ على ماءٍ يُفَضّضُ ما / شَجا من الكوكبِ الدريِّ مطلعه
فالرّيحُ إن زَفَرت في رَوضةٍ نضرت / ومالَ بالقصَبِ الشّاكي تلوُّعه
وإن سَرى أرَجٌ تحيا به مُهَجٌ / فأنعَشَ السّاهرَ العاني تَضوُّعه
ليسمعِ الناسُ صَوتاً هاتفاً أبداً / في ليلِ حبٍّ خليُّ البالِ يَهجَعه
لقد أحبَّا فما طالَ اجتماعُهُما / والحبُّ إن زالَ أبكى العينَ موضِعه