حييت من زائر قد جاء مندفعا
حييت من زائر قد جاء مندفعا / يسير منخفضاً طوراً ومرتفعا
مؤملاً أن يرى بالعين ما سمعا /
لَقَد تجرد من أوراقه الشجرُ / في الغيط فاليوم لا ظل ولا ثمرُ
حييت من كاتب أثرى به الأدبُ / عليك في الشرق تبني فخرها العربُ
قد جئت بغداد إذ بغداد تضطربُ /
نزلت بالروض والأزهار ذاوية / هناك والروض لا غضّ ولا نضرُ
حييت من شاعر للحق مكتنهِ / لشعره الشرق ألقى سمع منتبهِ
أتى فرحب أهل الرافدين به /
بكيت والشعر حتى فاضَ دمعكما / فَيا لَها عبرات كلها عبرُ
الشعر أنت وأنت الشعر فيه هدى / بل شعرك الزهر في روق الرَبيع بدا
فطلُّهُ عند غيدان الصباح ندى /
شعر هو السحر منثوراً بدائعه / كأَنَّما هي في أسلاكها دررُ
شعر قد ازدانَت الأمصار قاطبة / به وقد بدت الآراء صائبة
فيه وأَصبحت الأمثال ذاهبة /
كالماء يجري من الأطواد منحدراً / فينفذ النور فيه ثم ينكسرُ
الشعر سيف وأَنتَ اليوم تصقله / الشعر بند وأَنت اليوم تحمله
الشعر روض وأَنت اليوم بلبله /
وأَنت ريحانه المهدي لنا أرجاً / جو العراقين من أرواحه عَطِرُ
يرحب الشعب بابن الذادة العربِ / بابن الدواوين والأقلام والكتبِ
بالعبقرية بالإبداع في الأدبِ /
الشعر أَصبح بالأستاذ مغتبطاً / وَبالحضور من الأستاذ يفتخرُ
أما العراق فإنا آملون لهُ / تقدماً قد أَرانا اللَه أَوَّلهُ
مكللاً بالسنى والشعر كلله /
وَالشعر يَرجو لَه مستقبلاً نضراً / وَأَول الغيث قطر ثم ينهمرُ
كابدتُ فيه كُلوحَ الليل والغسقا / حتى رأَيتُ ضياء للدجى خرقا
يَلوح في الأفق الشرقي مؤتلقا /
إن لم يكن ما أَراه في دجنته / سحراً فظنيَ فيه أنه السحَرُ
قابلتُ لَيلى فَلَم تمدد إليّ يدا / يا وَيلتا إن أتعابي ذهبن سدى
لا كنتُ من شاعر لما أَهين شدا /
أَزور لَيلى إليها الوجد يدفعني / وإن حظيَ من لَيلى هو النظر
بانت عشياً وما للبين من سببِ / فَساء من بعد ذاك البين منقلبي
يا لَيتَني كنت أَطوي الأرض في الطلب /
إذا اِجتمعت وَلَيلى عند رجعتها / فَقَد تعاتبني لَيلى وأعتذر
لما رأى الشمس تخفى صاحبي نشجا / يا صاحبي إن بعد الشدة الفرجا
ما زالَ لي في انعكاسات الشعاع رجا /
إن غابَت الشمس أبقت خلفها شفقاً / فيه لمن هي غابت عنه مدَّكر
إن الأمانيّ حاجات لصاحبها / يَلهو بصادقها طوراً وكاذبها
وَهَل خلت قط نفس من مآربها /
ما إن قضى وطراً في نفسه أَحدٌ / إلا تجدد فيها مثله وطر
قد كنت أَقدر أَن أَسعى على قدمي / وأن أغير سير الشعب بالقلمِ
حتى إذا نالَت الأيام من هممي /
عجزت عما عليه كنت مقتدراً / والمرء يعجز أَحياناً وَيقتدرُ
وَكنت حيناً عن الأحداث مبتعدا / كموسرٍ راح في لذّاته وغدا
لكنما الدهر لا يؤتي المُنى أَحدا /
جرت حوادث مثل السيل جارفة / ودَّ الفَتى أنه في جنبها حجر
وكنت جلداً على الأيام مقتدرا / أغالب الدهر والأحداث والقدرا
وَاليوم إذ بتّ أَشكو السمع والبصرا /
عِندي بَقايا قوى ألقى الخطوب بها / وإنما هي أَجناد ستندحر
حاولت مجتهداً أن ينهض العربُ / وأن يقوم بأعباء الهدى الأدبُ
طلبت أَمراً ولما ينجح الطلبُ /
ماذا يريدون مني أَن أَقوم به / من بعد ما بان فيّ الوهن والكبرُ
من كان حراً إلى المجد الأثيل صبا / وَالحر إن سيم خسفاً في الحياة أَبى
تباً لمن ناله ضيم وما غضبا /
البعض يَرجو سلاماً من ضراعته / وَالنفع إِن جاءَ من ذل هو الضرر
أَقول للغرب وهو اليوم ذو قدرِ / يُلقي على الشرق كف القاهر البطرِ
كفاك ما أَنت تأَتيه من الضرر /
للشرق أرهقت لا تخشى حزازته / يا غرب إنك مغرور به أشَرُ
يا أَيُّها الغرب إن الشرق مضطرب / يا أَيُّها الغرب إِنَّ الشرق مغتصب
خفف من الوطء فالأيّام تنقلب /
الشرق يشبه بركاناً به حممٌ / أَخاف من أَنه يا غرب ينفجر
ما جاز أن يهضم الإنسان أخوته / وأن يجرب في الإذلال قدرته
فالعدل إن يحسن الإنسان سلطته /
كن في سلوكك يا إنسان معتدلا / إلى متى أَنت للإِنسان تحتقرُ
يا سرحة الماء أَنت اليوم وافرة / وأنت ناعمة خضراء ناضرة
لا تأمني الدهر فالأيام قاهرة /
يا سرحة الماء إن جاء الخَريف غداً / فإنما هذه الأوراق تنتثرُ