خاض الدجى وظلام الليل مختلط
خاض الدجى وظلام الليل مختلط / صوت به الوجد مثل السيف مُختَرَط
يبثّ في الليل حزناً لو أحسّ به / لبان في لِمَّتيهِ الشيب والشمط
أبديه منقبضاً منه على شَجَن / فيملأ الليل أرناناً وينبسط
أرسلت منه أنيناً فات أوله / سمعي وآخره بالقلب مرتبط
والليل أرسل وحفاً من غدائره / كأنه بثريّا الأفق يمشتط
والنجم في القبة الزرقاء تحسبه / فرائداً وهي من فيروزج سفط
كم قلت والليل جَثْل الشعر فاحمه / شعراً به كاد فرع الليل ينمعط
ينجاب ليل العمى عن قلب سامعه / كالفجر إن لاح فالظلماء تنكَشط
لهفي على حِكَم ما زلت أنثرها / درّاً ثميناً وما في القوم ملتقط
ضاع الدواء الذي قد كنت أوجِره / مَن ليس يشرب أو من ليس يستعط
تقول لي أن غبطت القوم تجربتي / لا تغبطنّ فما في القوم مُغتَبَط
قل للألى نطقوا بالضاد مُدَّغَماً / لم يُدغم الضاد آباء لكم فرطوا
أيَحسُن اللحن إذ آباؤكم فصحُوا / أم يحسن العجز إذ آباءكم نشِطوا
فيكم غُلُوّ وتقصير وبينهما / ضاع المراد أنتم أمة وَسَط
إني ابتُليت بقوم يبعرَون على / أعقابهم وإذا عنّفتهم ثَلَطوا
شَطّوا بأقوالهم حتى لقد غضِبوا / إذ قلتُ يا قوم في أقوالكم شَطَط
فبدّلوا القول إن صحّت عزائمكم / فعلاً وإلا فإني يائس قَنِط
قد حِرت في الأمر أني حين أسخطهم / يرضَون عني وإن أرضيتهم سخطوا
فاز الذي كان في أحواله وسطاً / فالمُرّ يُعقَى وإن الحُلو يُستَرَط
قل للأعاريب قد هانت مكارمكم / حتى ادَعاها أُناس كلّهم نَبَط
برئت للعرب العرباء من فئة / يُنَموْن للعرب إلا أنهم سَقَط
أين المكارم إن هم أصبحوا عرباً / فإنها في طباع العرب تُشتَرَط
إن يغمِطوني لأني جئت أنهضهم / فأيّ مستنهض ذي نجدة غَمَطوا
هم كالضفادع فاسمعهم إذا رَطَنوا / فما هنالك إلا اللغوُ واللَغَط
يستنثِرون صغَاراً من معاطسهم / ولا يُبالون أن قالوا وأن ضَرَطوا
العار يرحل معهم أينما رحلوا / والخِزي يهبِط معهم أينما هبطوا
من كل أشوهَ لاحت من مغَامِزه / في وجه كل حياة حوله نُقَط
قد رَثَّ عِرضاً وإن جَدّت مآزره / من كل مُخزية في وجهه شَرَط
تراه يشخر عند الأكل من جَشَع / كأنما هو عند الأكل يمتخط
الخلق كالخطّ لا تقرأ لئامهمُ / واشطبعليهم بنعل إنهم غَلَط
إن رمت تشبع من مجد فكُلْ همماً / كأكلك السَمنَ ملبوكاً به الأقِط
نفسي تَجيش لأمر لو صدعت به / لزُلزلت دونه البُلدان والخِطط