هَلْ فِي الزَّمَانِ لَنَا حُكْمٌ فَنَشْتَرِطُ
هَلْ فِي الزَّمَانِ لَنَا حُكْمٌ فَنَشْتَرِطُ / أَمْ تِلْكَ أُمْنِيَةٌ فِي طَيِّهَا قَنَطُ
نَبْكِي عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ ثُمَّ يُضْحِكُنَا / مَا لَيْسَ فِيهِ لَنَا بُقْيَا فَنَخْتَلِطُ
وَكَيْفَ نَرْجُو مِنَ الأَيَّامِ عَافِيَةً / وَصِحَّةُ الْمَرْءِ مَقْرُونٌ بِهَا السَّقَطُ
نَرْعَى مِنَ الدَّهْرِ غَيْثَاً نَبْتُهُ أَسَفٌ / لِلرَّائِدِينَ وَرَوْضاً زَهْرُهُ شَطَطُ
فَلا يَغُرَّنْكَ مِنْ دَهْرٍ بَشَاشَتُهُ / فَإِنَّمَا هُوَ بِشْرٌ تَحْتَهُ سخطُ
لا يُدْرِكُ الْغَايَةَ الْقُصْوَى سِوَى رَجُلٍ / ثَبْتِ الْعَزِيمَةِ مَاضٍ حَيْثُ يَنْخَرِطُ
إِنْ مَسَّهُ الضَّيْمُ نَاجَى السَّيْفَ مُنْتَصِراً / أَوْ هَمَّهُ الأَمْرُ لَمْ يَعْلَقْ بِهِ الثَّبَطُ
فَاقْذِفْ بِنَفْسِكَ في أَقْصَى مَطَالِبِهَا / إِنَّ النَّجَاحَ بِسَعْي الْمَرْءِ مُرْتَبِطُ
قَدْ يَظْفَرُ الْفَاتِكُ الأَلْوَى بِحَاجَتِهِ / وَلَيْسَ يُدْرِكُهَا الْهَيَّابَةُ الْخَلِطُ
وَإِنْ شَأَتْكَ الْمُنَى فَاقْنَعْ بِأَقْرَبِهَا / فَلَيْسَ فِي كُلِّ حِينٍ يُدْرَكُ الْوَسَطُ
لا تَعْفُلَنَّ إِذَا أُمْنِيَّةٌ عَرَضَتْ / فَإِنَّما الْعَيْشُ فِي هَذَا الْوَرَى لَقَطُ
إِنِّي وإِنْ كَانَتِ الأَيَّامُ قَدْ أَخَذَتْ / مِنِّي وأَخْنَى عَلَيَّ الضَّعْفُ وَالشَّمَطُ
فَقَدْ أَذُودُ السَّبَنْتَى عَنْ فَرِيسَتِهِ / وَأَفْجَأُ الْبَطَلَ الْحَامِي فَأَخْتَبِطُ
وَأَصْدَعُ الْجَيْشَ وَالْفُرْسَانُ مِنْ مَرَحٍ / تَحْتَ الْعَجاجِ بِأَطْرَافِ الْقَنَا نُخُطُ
فَمَا بِنَصْلِي إِنْ لاقَى ضَرِيبَتَهُ / نَكْلٌ وَلا فِي جَفِيرِي أَسْهُمٌ مُرُطُ
وَرُبَّ يَوْمٍ طَوِيلِ الْعُمْرِ قَصَّرَهُ / جَرْيُ السَّوَابِقِ وَالْوَخَّادَةُ النُّشُطُ
كَأَنَّمَا الْوَحْشُ مِنْ تَلْهَابِ جَمْرَتِهِ / مُبَدَّداً تَحْتَ أَشْجَارِ الْغَضَى خَبَطُ
تَرى بِهِ الْقَوْمَ صَرْعَى لا حِرَاكَ بِهِمْ / كَأَنَّهُمْ مِنْ عَتِيقِ الْخَمْرِ قَدْ سَقَطُوا
وَلَيْلَةٍ ذَاتِ تَهْتَانٍ وَأَنْدِيَةٍ / كَأَنَّمَا الْبَرْقُ فِيها صَارِمٌ سَلِطُ
لَفَّ الْغَمَامُ أَقَاصِيها بِبُرْدَتِهِ / وَانْهَلَّ فِي حجْرَتَيْهَا وَابِلٌ سَبِطُ
بَهْمَاءَ لا يَهْتَدِي السَّارِي بِكَوْكَبِهَا / مِنَ الْغَمَامِ وَلا يَبْدُو بِهَا نَمَطُ
يَكَادُ يَجْهَلُ فِيهَا الْقَوْمُ أَمْرَهُمُ / لَوْلا صَهِيلُ جِيَادِ الْخَيْلِ وَاللَّغَطُ
يَطْغَى بِهَا الْبَرْقُ أَحْيَاناً فَيَزْجُرُهُ / مُخْرَنْطِمٌ زَجِلٌ مِنْ رَعْدِهَا خَمِطُ
كَأَنَّمَا الْبَرْقُ سَوْطٌ والْحَيا نُجُبٌ / يَلُوحُ فِي جِسْمِهَا مِنْ مَسِّهِ حَبَطُ
كَأَنَّهُ صَارِمٌ يَرْفَضُّ مِنْ عَلَقٍ / بِالأُفْقِ يُغْمَدُ أَحْيَاناً وَيُخْتَرَطُ
مَزَّقْتُ جِلْبَابَهَا بِالْخَيْلِ طَالِعَةً / مِثْلَ الْحَمَائِمِ فِي أَجْيَادِهَا الْعُلُطُ
وَقَدْ تَخَلَّلَ خَيْطُ النُّورِ ظُلْمَتَهَا / كَمَا تَخَلَّلَ شَعْرَ اللَّمَّةِ الْوَخَطُ
كَأَنَّهَا وَصَدِيعُ الْفَجْرِ يَصْدَعُهَا / مِنْ جَانِبٍ أَدْهَمٌ قَدْ مَسَّهُ نَبَطُ
وَمَرْبَعٍ لِنَسِيمِ الْفَجْرِ هَيْنَمَةٌ / فِيهِ وَلِلطَّيْرِ فِي أَرْجَائِهِ لَغَطُ
كَأَنَّمَا الْقَطْرُ دُرٌّ في جَوَانِبِهِ / يَكَادُ مِنْ صَدَفِ الأَزْهَارِ يُلْتَقَطُ
وَلِلنَّسِيمِ خِلالَ النَّبتِ غَلْغَلَةٌ / كَمَا تَغَلْغَلَ وَسْطَ اللِّمَّةِ الْمُشُطُ
وَالرِّيحُ تَمْحُو سُطُوراً ثُمَّ تُثْبِتُهَا / فِي النَّهْرِ لا صِحَّةٌ فِيها وَلا غَلَطُ
وَلِلسَّمَاءِ خُيُوطٌ غَيْرُ وَاهِيَةٍ / تَكَادُ تُجْمَعُ بِالأَيْدِي فَتُرْتَبَطُ
كَأَنَّهَا وَأَكُفُّ الرِّيحِ تَضْرِبُها / سُلُوكُ عِقْدٍ تَوَاهَتْ فَهْيَ تَنْخَرِطُ
فَالضَّوْءُ مُحْتَبِسٌ وَالْمَاءُ مُنْطَلِقٌ / وَالْجَوُّ مُنْقَبِضٌ وَالظِّلُّ مُنْبَسِطُ
لُذْنَا بِأَطْرَافِهِ وَالطَّيْرُ عَاكِفَةٌ / عَلَيْهِ وَالنُّورُ بِالظَّلْمَاءِ مُخْتَلِطُ
فِي فِتْيَةٍ رَضِعُوا ثَدْيَ الْوِفَاقِ فَمَا / فِيهمْ إِذَا مَا انْتَشَوْا جَوْرٌ وَلا شَطَطُ
تَحَالَفُوا فِي صَفَاءِ الْوُدِّ وَاجْتَمَعُوا / عَلَى الْوَفَاءِ طَوَالَ الدَّهْرِ وَاشْتَرَطُوا
كَالْغَيْثِ إِنْ وَهَبُوا وَاللَّيْثِ إِنْ وَثَبُوا / وَالْمَاءِ إِنْ عَدَلُوا وَالنَّارِ إِنْ قَسَطُوا
تَكَشَّفَ الدَّهْرُ عَنْهُمْ بَعْدَ غُمَّتِهِ / كَمَا تَكَشَّفَ عَنْ مَكْنُونِهِ السَّفَطُ
مِيلٌ بِأَبْصَارِهِمْ نَحْوِي لِيَسْتَمِعُوا / قَوْلِي وَكُلٌّ لأَمْرِي طَائِعٌ نَشِطُ
إِنْ سِرْتُ سَارُوا وَإِنْ أَصْعَدْ إِلَى نَشَزٍ / كَانُوا صُعُوداً وَإِنْ أَهْبِطْ بِهِمْ هَبَطُوا
يَمْشُونَ حَوْلِي كَمَا يَمْشِي الْقَطَا بَدَداً / فَإِنْ مَضَى بقَطٌ مِنْهُمْ أَتَى بَقَطُ
إِنْ يَكْنُفُونِي مِنْ حَوْلِي فَلا عَجَبٌ / لا يَسْقُطُ الطَّيْرُ إِلَّا حَيْثُ يَلْتَقِطُ
نَمْشِي بِهِ بَيْنَ أَشْجَارٍ كَأَنَّ عَلَى / أَفْنَانِهَا مِنْ بُرُودِ الْيَمْنَةِ الرِّيَطُ
مِثْل الطَّوَاوِيسِ فِي أَذْنَابِهَا عَجَبٌ / لِلنَّاظِرِينَ وَفِي أَجْيَادِهَا عَنَطُ
كَأَنَّهُنَّ جِمَالاتٌ مُوَقَّرَةٌ / تَمُورُ مَوْراً عَلَى أَثْبَاجِها الْغُبُطُ
وَلِلْفَوَاخِتِ فِي أَفْنَانِهَا هَزَجٌ / قَدْ مَاجَ مِنْ لَحْنِهِنَّ السَّهْلُ وَالْفُرُطُ
خُضْرُ الْجَنَاحَيْنِ وَالأَطْوَاقِ تَحْسَبُهَا / أَطْفَالَ مَلْكٍ لَهَا مِنْ سُنْدُسٍ قُمُطُ
حَتَّى إِذَا حَلَّ ضَاحِي الْيَوْمِ حَبْوَتَهُ / وَكَادَتِ الشَّمْسُ بَيْنَ الْغَرْبِ تَنْهَبِطُ
رُحْنَا نَجُرُّ ذُيُولَ الْعِزِّ ضَافِيَةً / وَكُلُّنَا بِنَعِيمِ الْعَيْشِ مُغْتَبِطُ
يَوْمٌ مِنَ الدَّهْرِ أَهْوَى لَو بَذَلْتُ لَهُ / مَا شَاءَ فِي مِثْلِهِ لَوْ كَانَ يَشْتَرِطُ