يا مَن رأَى ظُعُنَ الحَيِّ الّذي شَحَطا
يا مَن رأَى ظُعُنَ الحَيِّ الّذي شَحَطا / كأنّها بينَ أحناء الضُّلوعِ قَطا
شَرقيّةٌ غربَتْ دارُ الجميعِ بها / وفَرّقَتْ في البلادِ الجِيرةَ الخُلطَا
تَأْتي طِلاعَ الفَلا من كلِّ ناجيةٍ / عَنْسٍ إذا صَعِد الحادي بها هَبطا
عزيزةٌ تَمنعُ الأبطالَ جانبَها / وتَنهضُ الخيلُ من قُدَّامِها فَرَطا
جُرْدٌ تَمُرُّ فُويْقَ الأرضِ طائرةً / حتّى كأنّ قَطاها في الحِضارِ قَطا
إذا دَجا ليلُ نَقْعٍ من سَنابِكها / أطارَ قَرْعُ الحَصى في فَرْعِه شَمَطا
إنّ المَطيَّ الّذي هاجَ الحُداةُ له / وَجْداً يَهُزُّ على أثباجِه الغُبُطا
لم يَخْطُ من عزّةٍ إلاّ على كَبِدٍ / ولم يُثِرْ منه غيرَ الدَّمْعِ حين خَطا
من كلِّ أدماءَ أغشَوا تحتها نَمَطاً / من الحرير وعالَوا فوقها نَمَطا
وفَرَّجوا سُجْفَها عن عارضَيْ قَمَرٍ / يَسْرِى على نُورِه باللّيلِ مَن خَبَطا
دَعُوا الظُّبَى حَشْوَ أجفان الحُماةِ له / كَفَى بما هو من أجفانِه اخْتَرطا
تَمْرِي ظُباءُ من الآماقِ مُنْسَفكاً / ما لم يَسِلْه من الأعناقِ مُعتَبِطا
أُذْرِي الدّموعَ ويَلْحَى اللاّئمون معاً / على الزّمانِ الّذي قد فَرَّق الخُلَطا
لُوموا على ذاك أو كُفّوا لشأْنِكم / بَرْحُ الفِراقِ على بَرْحِ المَلامِ غِطا
عَتْبي على القَدَرِ الجاري وأَيُّ فتىً / يُعدَى على حَكَمِ الأقدارِ إن قَسَطا
فليتَ شِعْري بأيِّ الأمرِ من زَمني / أُصيبُ من عُقدَةِ الأحزانِ مُنتَشَطا
وما مَلكْتُ المُنَى والدَّهرُ فيه رضاً / فكيف أملِكُها منه وقد سَخِطا
لَقِيتُ مِمّا يُشيبُ الرأسَ أَعظَمَهُ / لو أنّ شَيباً إذا استوحَيْتَه وَخَطا
وقد نَسِيتُ وما أنسَى بحادثةٍ / عَيشاً تَلقّيتُ في رَيعانِه غِبَطا
أَبِيتُ منه على ذِكْرٍ يُؤرِّقُني / شَوقاً إلى سالفِ العَهدِ الّذي فَرَطا
في ليلةٍ كُلُّ جُزْءٍ مِن غَياهبِها / من طولِها لَيلةٌ لو قُسِّمَتْ نُقَط
فدامَ للمُلْكِ مَجْدُ المُلْكِ عُدَّتَه / من اللّيالي قَريرَ العينِ مُغْتَبِطا
دامَ الهُمامُ الّذي يَهْمِي ندىً وردىً / إذا أَجدّ رِضاً في النّاسِ أو سُخُطا
السّيفَ عَضْباً إذا ما هَبوةٌ ذُكِرَتْ / والغَيثَ سكْباً إذا ما جانبٌ قَحَطا
والسَّيْلَ عَزْماً إذا ما الخَطْبُ بادَهُه / والطَّودَ حِلماً إذا ما الجاهلُ اخْتلَطا
لمّا رأى أنّ أعمالَ الورَى رُتَبٌ / يَظَلُّ يَختَطُّ منها أهلُها خِطَطا
تَوسَّط المُلْكُ في أَسنَى مَراتبِه / وكان من حَقِّ دُرِّ العِقْدِ أن يَسِطا
لم يَعتَمِدْ في العُلا من أَمرِها طَرَفاً / ولم يقَعْ رأْيُه في نَقْدِها غَلَطا
لو لم يكُنْ وسَطُ الأشياءِ أَشْرَفَها / ما اختارَتِ الشّمْسُ من أفلاكها الوَسَطا
زاد الممالِكَ باسْتِعْلائِه شَرَفاً / وَفّى البريّةَ للرّاجي بما شَرَطا
لو عَدَّ في أَقصَرِ الألحاظِ مُمتَحَناً / ما يَحسُبُ النّاسُ طولَ الدَّهْرِ ما غَلِطا
هذا على أنّه لو رامَ في سنةٍ / حسابَ ما جادَ في يومٍ لمّا ضَبَطا
تلك اليمينُ الّتي ما هَزَّ أنمُلَها / إلا وفي يَدِ شاني مَجْدِه سُقِطا
غَدا بها مالُه المَوفُور مُبتَذَلاً / وراح مالُهُمُ المَوهوبُ مُنضَبِطا
للهِ أروعُ يأْبَى رأْيُه أبداً / جَعْدَ المساعي ويَرضَى العُلا سَبِطا
لا يَمْهِلُ الدّاءَ إلا ريْثَ يَحسِمُه / والحزْمُ في نَزْعِ نابِ الشرِّ حين سَطا
ولا يَغَرُّ بوُدٍّ تحته ضَمَدٌ / كم زَهرةٍ قَتلَتْ مرعىً بها حَبَطا
يا ابنَ الأعزِّينَ من رَيْبِ الزّمانِ حِمىً / والأكثرِينَ على حَدِّ العَدُوِّ سُطا
والأَطْولينَ إلى فَرْعِ العلاء يَداً / والأبعدِينَ إلى شَأْوِ الكرامِ خُطا
أنت الّذي لم يُغادِرْ فَضْلَ مَرتبة / إلا وعاطاهُ أَغلَى مَأْخذاً فعَطا
فوقَ الوِزارةِ لو فكّرتَ مَنزلةً / وإن بكَى الحاسدُ المَفْؤودُ أو نَحَطا
من أصبحَتْ وزراءُ العَصرِ عن يَدِه / مَن شاء أدنَى ومَن لم يَرضَه شَحَطا
فَلْيشكُرِ المُلْكُ ما أولَيتَ من منَنٍ / ولن يُصيبَ مَزيدَ البِرِّ مَن غَمَطا
لولاكَ كانَ أصابَ العظْمَ كاسِرُهُ / ولاقَتِ الشّحمةُ البيضاءُ مُشتَرَطا
فَللْتَ عنه شَبا خَطْبٍ رأيتَ بِها / أديمَهُ عن مَدامِي نَحرِه كُشِطا
أيّامَ لا حِسَّ من خَيلٍ ولا خَوَلٍ / تَمُدُّ هذي الصُّفوفُ الغُلْبَ والسُّمُطا
فقد أفاض عليه اليومَ رَونَقَهُ / وراشَ نُصحُكَ منه نَبلَهُ المُرُطا
وقَدَّمَتْ عُصَبُ العافِينَ عن ثِقةٍ / وَفْدَ الأماني إلى وِرْدِ النّدَى فَرَطا
وراحَ كُلُّ فتىً ألقَى عَصاهُ وقد / أصابَ من وَرَقِ الدُّنيا به خَبَطا
إليكَ أَعملْتُها في كُلِّ غامضةٍ / ألقَى الظّلام بها بَرْكاً وَمَدَّمَطا
مُصطفّةً كالمَدارِي في سَوادِ دُجىً / يَبِتْنَ يَفْرُقْنَ منه لِمّةً قَطَطا
منَ اللّواتي يَزيدُ السّيرُ أَيديَها / سَبْقاً إذا الفَضْلُ من أَنساعِها مَعَطا
بسَطْتُ ما قد تَطوَّى من أَزِمَّتِها / حتّى طوَيْتُ بها القاعَ الّذي انْبَسَطا
كم قد غَشِينا بها في مَرِّها خِطَطاً / وكم لَقينا بها من دَهْرِها خُطَطا
إلى كريمِ كِرامٍ في الزّمانِ إذا / قاموا كُسالَى إلى أُكرومةٍ نَشِطا
فأَرْعنى سَمعك المَفْدِيَّ صاحبُه / وعُدَّ غَيرَ الّذي قد قُلتُه لَغَطا
وخُذْه كالدُّرِّ وهْو الدُّرُّ أَسرُدُه / في سلكِ خدْمتِكَ العَلياءِ مُنْخَرِطا
مِمّا يكادُ إذا غنّى الرُّواةُ به / يُحِسُّ سامعُه في أُذْنهِ قُرُطا
لِسابقٍ في المعالي لو يَصيرُ لها / مُقرَّباً بفِناء المجدِ مُرتَبِطا
قُلْ للأكابرِ زادَ اللهُ مُلكَهمُ / لا تَحرِمُوا الفَضْلَ منكمْ سِيرةً وَسَطا
عَطْفاً على الشِّعْرِ عَطْفاً إنّه عَمَلٌ / إن لم تُثيبوا عليه أنتمُ حَبِطا
يَضيعُ مثْليَ فيما بَينَ أَظهُرِكُمْ / عارٍ منَ العارِ لا يُلقَى عليه غِطا
أُجِيدُ وَسْمَ عُلاكمُ بالمديحِ لها / وأَخرجُ الدَّهرَ من إنعامكمْ عُلُطا
عامٌ تَقضّى وعامٌ بعدُ تابعُه / لقد تَكلّفْتُ من تأميلِكمْ شَطَطا
فانْعَرْ بها أَيهُا الحادي على طَرَب / إذا التقَى الصُّبْحُ بالظّلماءِ واخْتَلَطا
واقْذِفْ منَ المَنزلِ النّائي بأَرحُلِنا / إلى كريمٍ يُوفّي الظّنَّ ما اشْتَرطا
وعَدِّ عن مَعشرٍ قَلّتْ مَواهِبُهُمْ / فلو يكونُ ندىً في الجَوِّ ما سَقَطا
وثِقْ على كلِّ حالٍ بالقَبولِ لنا / لا يَعدَمُ الدُّرُّ بين النّاسِ مُلتِقطا
ورُبّما عاد بالإحسانِ سادَتُنا / فقد يُغاثُ الفتَى من بَعدِ ما قَنِطا
صَبْراً على الدَّهرِ صَبْراً يُستعانُ به / إنّ الحُظوظَ سِراعٌ مَرَةً وبِطا