أمنكمُ عبقت مسكية النَّفَس
أمنكمُ عبقت مسكية النَّفَس / صَباً تنسمت منها برءَ منتكس
نمت بما استودعت والفجر جمرته / ما دب إيقادها في فَحْمة الغلس
ردت على مقلتي طيب الرقاد فها / إنسانها بلذيذ النوم في أُنُس
فيالها نفحة خالست نسمتها / لما تيقنت أن العيش في الخُلَس
وللنسيم إشارات إذا التبست / فسرها عند مثلي غير ملتبس
فما قعودك بي عن بيت دسكرة / يغنيك لألاؤها في الليل عن قبس
يديرها ثمل الأعطاف قامته / لو مثلت لغصون البان لم يَمِس
سعى بها والدجى من حَلْي أنجمه / عار ولكن بأنوار الكؤوس كُسِي
والسحب تضحك ثغر النور أدمعها / والجو في مأتم والأرض في عُرُس
ظبيٌ وقائع قلبي في محبته / بين اللمى وفتور الجفن واللعس
نبهته ونجوم الأفق تسبح في / بحر الظلام فمن طام ومنغمس
فقام يمسح ما في الطرف من سنة / وقد تَمَشَّى الكرى في الأعين النعس
فسكنت سَوْرَةُ الصهباء شِرَّتَه / واستنزعت بعض ما في الخلق من شَرَس
فما ضممت الذي في العطف من هَيَف / حتى استكنَّ الذي في الطرف من شوس
فلا عدمت طَلاَ صادته كأس طِلَى / فما ثنى عِطفه عن يدِّ ملتمس
هذا وركب عفاة قد عدلت بهم / إلى مغاني الغنى عن أربع دُرس
عافوا ورود وعود الباخلين فما / أجروا مطالبهم منها على يبس
فقلت نُصُّوا ركاب الحمد واخدة / إلى مقر العلا في أرض نابلس
إلى مقر تناجيني جلالته / كأنني واقف في حضرة القدس
لُوذُوا بداود محيي الجود وانتجعوا / أغرَّ ليس على نعماه من حرس
نصوا إلى الناصر السلطان عيسكمُ / فنوء تلك الأيادي غير منحبس
لا تعدلوا عن ندى نَدْبٍ أَغَرَّ يدٍ / طلق الأسرة مرهوب السطا نُدس
إن صاب فارج ملث الغيث منهمراً / أو صال فاخش وثوب الضيغم الشرس
ذو العلم يشرق والألباب مظلمة / فاسلك مساقط ذاك النور واقتبس
فَاوِضه تلق عباب البحر ملتطماً / والْعِيُّ قد أَلْجَم الأفواه بالخرس
تضيء في ظلمات الشكِّ فكرته / كما أضاء ظلام الليل بالقبس
ريان من كرم ملآن من همم / ترفعت فهي لا تدنو إلى دنس
خفت إلى بابه عيسٌ فأثقلها / بأنعم أنقذت من جَدِّيَ التعس
أحلني ذروة العلياء منتزعاً / والفن أوطأ لي من ذروة الفرس
ورد عني صروف الدهر حين طغت / لها وقائع في أيامها الحمس
يهمي نداه إذا استصحيت ديمته / كأنني قلت يا أمواله انبجسي
لبيك يا رِيَّ آمالي التي ظمئت / ومحسن الصنع عندي والزمان مُسي
تفديك نفسي وأبكار القريض وما / مقدار نفسي وما أهديت من نفسي
أنت الذي رشتني إذ حَسَّني زمني / بالأمس وانتشتني والدهر مفترسي
غرستني فاجتنيت الحمد من مدحي / وليس يجني ثماراً غير مفترس
فدم دوام الثريا فهي خالدة / مقيمة وعلى أعناقها قدسي