ممالِكَ الشّرقِ ما في الحقِّ من باسِ
ممالِكَ الشّرقِ ما في الحقِّ من باسِ / أشفى الجريحُ وضلّت حكمة الآسي
دَعِي القضاءَ وما تَبغِي زَلازِلُه / بالشّامخِ الضّخم أو بالشّاهقِ الرّاسي
واستقبلي ضَرباتِ الدّهرِ خاشعةً / ذَهَبْنَ بالقلبِ أم أَوْدَيْنَ بالرّاسِ
نداعِسُ الحادثاتِ السُّود ثائرةً / والموتُ يَصرعُ منّا كلَّ دَعّاسِ
هَوَى الأمينُ على أشلاءِ رفقتِه / في جوفِ أشدقَ للأبطالِ فَرّاسِ
طوى الدُّهورَ ووارَى في جوانِحه / مِلءَ الممالكِ من جنٍّ ومن ناسِ
يرمي الشُّعوبَ إذا استعصَتْ بطاغيةٍ / جَمِّ الصّواعقِ جبّارِ القُوَى قاسِ
باد الأُلى عَمروا الأيّامَ زاهيةً / فما ترى العينُ منهم غيرَ أرماسِ
الدَهرُ نَشوانُ ما ينفكُّ يَقْرَعُنا / بالحادثِ النُّكرِ قَرْعَ الكاس ِبالكاسِ
كبّرتُ للفارس المِقدامِ مُنْعَفِراً / بين الضَّجِيعَينِ مِن صِدقٍ ومن باسِ
أَوْلىَ الرجالِ بِسربالِ الحياةِ فَتىً / ضَافي السرَّابيلِ مِن نَسْج الوَغَى كاسِي
لكنَّهُ الموتُ لا يُرْمَى بأسلحةٍ / ولا تُرَدُّ عَواديهِ بِحُرَّاسِ
رَمَى الأمينَ بِنابٍ غاصَ نَافِذُه / في أُمَّةٍ رَهْنَ أنيابٍ وأَضْراسِ
يُلقِي الشّباكَ عليها كلُّ مُقْتنِصٍ / وَيُدمِنُ الفَتكَ فيها كلُّ نَهّاسِ
ما إن تَزالُ رُعاةُ السُّوءِ تجعلُها / مَرْعَى عَواسِلَ عَجْلىَ الشَّدِّ أطلاسِ
مَوقوفةَ السَّعي ما يَمشي الزّمانُ بها / كأنّ آمالَها شُدَّتْ بِأَمْراسِ
تُناشِدُ العهدَ أَقواماً فَراعِنةً / سَاسوا الشُّعوبَ فكانوا شرَّ سُوّاسِ
يَنقضُّ جَلّادُهم في كلِّ مَملكةٍ / يَرْمِي العبيدَ ويحمي كل نخّاسِ
بُوركت مِن مُؤمنٍ ما كَانَ أطهرَهُ / على تَصاريفِ دُنيا ذاتِ أرْجاسِ
مُسْتَيْقنِ النّفسِ لا يَغْشَى سرِيرتَهُ / ما في السّرائرِ مِن ظنٍّ وَوَسواس
يَشْقَى بهِ في رِداءِ الحقِّ كُلُّ فتىً / نَزّاعِ أَرْديِةٍ في القومِ لبّاسِ
جمِّ النّوازعِ لا تُحْصَى مذاهِبُه / ولا تُحدُّ مَناحيهِ بِمقياسِ
جِنسٌ من الشّرِّ ما يَنفكُّ واحِدُه / يَنشقُّ عن صُوَرٍ شتَّى وأجناسِ
الشَّرقُ يَرجفُ والإسلامُ في فَزَعٍ / عاني الممالِكِ يخشى كُلَّ دَسّاسِ
عَاليِ الضَّجيجِ لِيومٍ من مآتمهِ / كَيومِ حَمزةَ أو يوم ابْنِ عبّاسِ
صَيحاتُ تُونسَ مَا انْفكّتْ تجاوبُها / أنّاتُ بكين أو رَنّاتُ مِدارسِ
وَعْندَ مكَّةَ إذ أَوْدَى وَجارَتِها / ما عند بغدادَ مِن هَمٍّ وَإبْلاسِ
تَمضي الخطوبُ فَتُنْسَى بَعدَ شِدَّتِها / وما لِخطبِ بني الفاروقِ مِن ناسِ
راحوا به صَيِّباً مِن حِكمةٍ وَهُدىً / في صَيِّبٍ من دُموعِ الرُّسْلِ رَجَّاسِ
نُورٌ مِن الملأ الأعلى مَطالِعُه / يَنسابُ سَاطِعُه في كلِّ نبراسِ
الفارسُ العدلُ لم يَجهلْ على بَطَلٍ / ولم يُذِقْهُ الرَّدَى إلا بِقِسْطَاسِ
والكاتبُ الحُرُّ لم يَهْتِكْ حِمَى قَلَمٍ / بالتُّرَّهاتِ ولم يَعْبَثْ بِقِرْطَاسِ
مِن معشرٍ غَيرِ أنكاسٍ ولا وُهُنٍ / مُسْتَمْسِكينَ بِحبلِ اللهِ أكياسِ
لا تَسْتَبِيحُ الدَّنايا خِيسَ مَكْرُمَةٍ / إلا احْتَمَتْ مِن سَجاياهم بأخياسِ
هُمُ الكنانةُ تَرمي كلَّ مُرتَبِئٍ / ضَاحِي السّهامِ وتنفِي كلَّ عَسّاسِ
لسنا مَطايا الأَذى إن حَاجةٌ عَرَضتْ / للِغاصِبينَ وما كُنّا بِأحْلاسِ
لا يَصلحُ الأَمرُ إلا في مَدارجهِ / ولا تَطولُ الذُّرَى إلا بآساسِ
لا جَفَّ مَثواكَ مِن ناءٍ تحيَّتُه / ما في الفراديسِ مِن وَرْدٍ ومن آسِ
أكبرتُ رُزءكَ حتّى ما تُجاوِرُني / خضراءُ إلا ذَوَتْ مِن حرِّ أنفاسي
وكيف تملكُ نَفْسِي فيكَ تأسيةً / والحزنُ يملِكُ وِجداني وإحساسي
ليِ مِن مُصابِكَ إن نَفْسُ امْرئٍ سكَنتْ / نَفسُ الجَريح وقلبُ الجازعِ الآسي
أبكي الكِنانةَ حَيرى لم تُصِبْ سَعَةً / مِن الرّجاءِ ولم تَنْزَعْ إلى الياسِ
ما للمآتمِ والأعراسِ مِن خَطرٍ / مآتمي هي في الدُّنيا وأعراسي