المجموع : 15
نَعَم سَهِرتُ نَديمَ الكَأسِ وَالوَتَرِ
نَعَم سَهِرتُ نَديمَ الكَأسِ وَالوَتَرِ / وَاللَيلُ يَقظانُ عَينِ الزُهْرِ وَالزَهَرِ
يا نائِمَ اللَيلِ ماذا فاتَ نائِمَهُ / مِن لَذَّةٍ تَشتَريها العَينُ بِالسَهَرِ
لا بُدَّ بَينَ الرِضا وَالسُخطِ مِن سَهَرٍ / يُقَلِّبُ اللَيلَ بَينَ الطولِ وَالقِصَرِ
وَأَنتَ يا قَمَري لا بُدَّ مِنكَ وَلَو / بَنَيتَ دارَكَ لي في دارَةِ القَمَرِ
يا مَورِدَ العَيشِ لَم يَترُكْهُ وارِدُهُ / عَلى الصَفاءِ وَلَم يَهجُرْهُ لِلكَدَرِ
ظَبيٌ إِذا ما أَدارَ الخَمرَ قُلتُ لَهُ / هَذا الَّذي لَم تُدِرهُ ظَبيَةُ الخَمَرِ
إِن نامَ زُرتُ خَيالاً أَو يَهُبَّ أَزُر / أَو يَمشِ أَسعَ وَإِن خَبَّ الخُطى أَطِر
وَما قَضى الدَهرُ لي مِن قُربِهِ وَطَراً
وَما قَضى الدَهرُ لي مِن قُربِهِ وَطَراً / إِلّا اِقتَضى الوَطَرُ المَقضِيُّ أَوطارا
يا مَن شَقيتُ بِهِ دُنيا وَآخِرَةً / تُرى عَرَفتَ سِوى الدارَينِ لي دارا
النارُ في هَذِهِ لِلقَلبِ تَدخُلُهُ / وَتِلكَ فَالجِسمُ فيها يَدخُلُ النارا
أَشقى البَرِيَّةِ مَنظوراً وَمُنتَظِراً / هَذا الضَعيفُ الَّذي يَهواكَ جَبّارا
إِنّا إِلى اللَهِ إِن لَم يَغتَفِر زَلَلي / أَستَغفِرُ اللَهَ سَتّارا وَغَفّارا
عَرَفتُ دارَكُمُ وَالرَكبُ يُنكِرُها
عَرَفتُ دارَكُمُ وَالرَكبُ يُنكِرُها / قَلبي وَإِن جَهِلَت عَيني يُخَبِّرُها
ما كادَها الريحُ قِدماً حينَ يَنسِفُها / وَإِنَّما خَلفَهُم أَمسى يُسَيِّرُها
لَقَد عَفَت وَذُيولُ الريحِ إِن سُحِبَت / لَم يَبقَ مِن رَسمِها باقٍ يُعَثِّرُها
يا دارُ كُنتِ لِأَفلاكِ الهَوى فَلَكاً / فَما اِستَطَعتُكِ أَفلاكاً أُسَمِّرُها
ما أَنتِ إِلّا عَروسٌ وَالرَبيعُ لَها / في كُلِّ عامٍ بِما يَشري يُشَوِّرُها
وَالدارُ كَالساكِنيها حُكمُ خالِقِها / يُميتُها وَإِذا ما شاءَ يَنشُرُها
كَم لِلسَحائِبِ عِندَ الدارِ مِن مِنَنٍ / مِشكورَةٍ وَلِسانُ الرَوضِ يَشكُرُها
كَم يَهتِكُ الدَمعُ سِرّاً كُنتُ أَستُرُهُ
كَم يَهتِكُ الدَمعُ سِرّاً كُنتُ أَستُرُهُ / وَيُمحِلُ الجَفنُ خَدّاً باتَ يُمطِرُهُ
يا مَن تَبَسَّمَ عَن دُرٍّ يُنَظِّمُه / ثَغراً عَلى أَنَّهُ بِاللَفظِ يَنثُرُهُ
عُنقودُ صُدغِكَ رَجعُ اللَحظِ يَعصِرُهُ / خَمراً بِريقِكَ شَمسُ الخَدِّ تَهصِرُهُ
ما كانَ أَقرَب قَلبَ الصَبِّ مِن كَلَفٍ / لَو لَم يَكُن طَرفُكَ السَحّارُ يَسحَرُهُ
إِذا تَقاضى ومن يَهوى إِلى حَكَمٍ / فالدَمعُ شاهِدُهُ وَالخَدُّ مَحضَرُه
أَلقى عَلى النَهَرِ الجاري لَهُ شَبَكاً / يُصطادُ فيهِ مِنَ النُوّارِ جَوهَرُهُ
في لَيلِ وَصلٍ كَلَيلِ الهَجرِ لَم يُنِرِ
في لَيلِ وَصلٍ كَلَيلِ الهَجرِ لَم يُنِرِ / وَلا صَفا بَل وَمَلآنٌ مِنَ الكَدَرِ
مِنَ الرَقيبِ مِنَ الغَيرانِ مِن حَدَقٍ / مِنَ النُجومِ وَلا أَنسَى مِنَ القِصَرِ
تَقَدَّمَ الوَقتَ فيهِ الوَقتُ مِن عَتَمٍ / بِلا عِشاءٍ وَمِن صُبحٍ بِلا سَحَرِ
كَخافِقِ الآلِ لَم تَبُرُد بِهِ غُلَلي / وَخاطِفِ البَرقِ لَم يُمتَع بِهِ بَصَري
وَأَنتَ يا ذَيلَ لَيلِ الوَصلِ تَخطُبُ لي / مِنَ العَشاءِ وَلَيلُ الهَجرِ في حَصَرِ
لَيتَ الدَياجي عَلى الآفاقِ مُقفَلَةٌ / فَلا تُفَضُّ عَنِ الأَسحارِ وَالبُكَرِ
وَلَيتَ أَغرِبَةً لِلبَينِ ما وَقَعَت / وَلَيتَ أَغرِبَةً لِلَّيلِ لَم تَصِرِ
وَصَدَّ صَقرُ الدُجى بازِيَّ صُبحَتِها / يَنقَضُّ خَلفَ بُغاثِ الأَنجُمِ الزُهُرِ
تَزهو بِدَولَتِكَ الدُنيا وَتَفتَخِرُ
تَزهو بِدَولَتِكَ الدُنيا وَتَفتَخِرُ / وَتَقتَضي سَيفَكَ العَليا وَتَنتَظِرُ
وَإِن أَساءَت بِنا الدُنيا وَما اِعتَذَرَت / مِنّا فَإِنَّكَ تُعطينا وَنعَتَذِرُ
أَمّا الكَواكِبُ وَالأَنوارُ شارِقَةٌ / فَتَستَعيرُ سَناهُ حينَ تَستَعِرُ
وَجهٌ نَدى بِشرِهِ مِفتاحُ كُلِّ مُنى / مَرامُها وَعِرٌ أَو قُفلُها عَسِرُ
لِكُلِّ ظامِئَةٍ مِن مائِهِ رَمَقٌ / في كُلِّ داجِيَةٍ مِن وَجهِهِ قَمَرُ
مُستَعظَمُ الخَبَرِ المَسموعِ إِذ ظَفِرَت / عَيني بِطَلعَتِهِ فَاِستُصغِرَ الخَبَرُ
قَد كانَ يَبلُغُ سَمعي مِن مَكارِمِهِ / ما قُلتُ هَيهاتَ أَن يَحظى بِذا بَشَرُ
فَالحَمدُ لِلَهِ حَمداً غَيرَ مُقتَصِرٍ / إِن قَصَّرَ السَمعُ عَمّا نالَهُ النَظَرُ
في كُلِّ سَمعٍ لَهُ مِن شاكِرٍ خَبَرٌ / في كُلِّ كَفٍّ لَهُ مِن آمِلٍ أَثَرُ
وَكُنتُ أَحتالُ أَن أَحظى بِزَورَتِهِ / فَاليَومَ قَد جُمِعَت لي عِندَهُ الخِيَرُ
مَكارِمٌ لا يَنالُ الحَصرُ غايَتَها / فَلا عَجيبٌ إِذا ما نالَني الحَصَرُ
هَذي المَوارِدُ وَالآمالُ وارِدَةٌ / فَليُنسِكَ الصَفوُ مِنها ما جَنى الكَدَرُ
مَوارِدٌ بِبُروقِ البِشرِ قَد مُزِجَت / كَذَلِكَ السُحبُ فيها البَرقُ وَالمَطَرُ
أَبقَت عَلى مائِها أَنوارُ غُرَّتِهِ / يا حُسنَ ما خَفَرَ الإِحسانَ ذا الخَفَرُ
أَهَذِهِ سِيَرٌ في المَجدِ أَم سُوَرُ
أَهَذِهِ سِيَرٌ في المَجدِ أَم سُوَرُ / وَهَذِهِ أَنجُمٌ في السَعدِ أَم غُرَرُ
وَأَنمُلٌ أَم بِحارٌ وَالسُيوفُ لَها / مَوجٌ وَإِفرِندُها في لِجِّها دُرَرُ
وَأَنتَ في الأَرضِ أَم فَوقَ السَماءِ فَفي / يَمينِكَ البَحرُ أَم في وَجهِكَ القَمَرُ
يُقَبِّلُ البَدرُ تُرباً أَنتَ واطِئُهُ / فَلِلتُرابِ عَلَيهِ ذَلِكَ الأَثَرُ
نَأى بِهِ المُلكُ حَتّى قيلَ ذا مَلَكٌ / دَنا بِهِ الجودُ حَتّى قيلَ ذا بَشَرُ
في كُلِّ يَومٍ لَنا مِن مَجدِهِ عَجَبٌ / وَكُلِّ لَيلٍ لَنا مِن ذِكرِهِ سَمَرُ
نَظَرتُ في نَجمِهِ فَالسَعدُ طالِعُهُ / لا يَنقَضي وَعَلى أَموالِهِ سَفَرُ
أَبا الفَوارِسِ وَالآباءُ مُشفِقَةٌ / وَهُم بَنوك وَما تُبقي وَلا تَذَرُ
تَلقى عَروسَ المَنايا وَهيَ حاسِرَةٌ / وَخدُّها فيهِ مِن فَيضِ الدِما خَفَرُ
وَالضَربُ بِالبيضِ مِن آثارِهِ عُكَنٌ / وَالطَعنُ بِالسمُرِ مِن آثارِهِ سُرَرُ
وَرُبَّ لَيلَةِ خَطبٍ قَد سَرَيتَ بِها / وَما سَرى كَوكَبٌ فيها وَلا قَمَرُ
سُمتَ العَويصَ بِعَزمٍ ما لَهُ ضَجَرٌ / أَو البَعيدَ بِباعٍ ما بِهِ قِصَرُ
وَأَنتَ في جَيشِ رَأي لا غُبارَ لَهُ / تَرمي العُداةَ بِقَوسٍ ما لَها وَتَرُ
هِيَ الحُروبُ الَّتي لا السَيفُ مُنثَلِمٌ / فيها وَلا الذابِلُ الخَطِيُّ مُنأَطِرُ
سِرنا وَسارَ شُجاعٌ وَهوَ يَقدُمُنا / وَعَزمُنا آمِرٌ وَالدَهرُ مُؤتَمِرُ
وَكانَ ذِكرُ اِسمِهِ فيهِ الحَياةُ لَنا / وَالذُخرُ إِنَّ الشُجاعَ الحَيَّةَ الذَكَرُ
كانَ الحُسامُ يَمانِيَّ الهَوى مَعَنا / فَما أَضَرَّ بِنا أَن أَصفَقَت مُضَرُ
وَبِتَّ وَالمَوتُ طَيفٌ قَد أَلَمَّ بِنا / فَما ثَنى الطَيفَ إِلّا ذَلِكَ السَهَرُ
سَقى بِكَ اللَهُ دُنيانا فَأَخصَبَها / وَالعَدلُ يَفعَلُ مالا يَفعَلُ المَطَرُ
لَمّا اِستَقَلَّت سُتورُ المُلكِ لاحَ لَنا / مُلكٌ بِهِ الجودُ عَينٌ وَالثَنا أَثَرُ
في كَعبَةٍ لِلنَدى لَو حَلَّها مَلِكٌ / تَهَيَّبَ النُطقَ حَتّى قيلَ ذا حَجَرُ
وَسائِلٍ لِيَ ما العَلياءُ قُلتُ لَهُ / في فِعلِهِ الخُبرُ أَو في قَولِهِ الخَبَرُ
ما أَنصَفَت مَجدَهُ نُظّامُ سيرَتِهِ / إِنَّ الَّذي سَتَروا فَوقَ الَّذي سَطَروا
نالَ السَماءَ بِأَطرافِ القَنا فَبَدَت / مِنَ النُصولِ عَلَيها أَنجُمٌ زُهُرُ
لا يُحدِثُ النَصرُ في أَعطافِهِم مَرَحاً / حَتّى كَأَنَّهُمُ بِالنَصرِ ما شَعَروا
أَجرَو دِماءَ العِدا بَينَ الرِماحِ فَما / يُقالُ عِندَهُمُ ماءٌ وَلا شَجَرُ
تَرى غَرائِبَ مِن أَفعالِ مَجدِهِمُ / يَرُدُّها الفِكرُ لَو لَم يَشهَدِ النَظَرُ
خَلائِقٌ في سَمَواتِ العُلا زُهُرٌ / مِنها تُنيرُ وَفي رَوضِ الثَنا زَهَرُ
الناسُ أَضيافُكُم وَالأَرضُ دارُكُمُ / فَهوَ المُقامُ فَلِم قالوا هُوَ السَفَرُ
ما أَنصَفَ الشُكرُ لَولا أَن تُسامِحَنا / فَأَنتَ تطنبُ جوداً وَهوَ يَختَصِرُ
كانَ الفَرَنجُ لَهُم نونٌ وَقَد حُذِفَت
كانَ الفَرَنجُ لَهُم نونٌ وَقَد حُذِفَت / وَجاءَنا فَرَجٌ ما كانَ يُذدَكَرُ
يا حُسنَ ما اِختُصِرَت قاماتُ قَومِهِم / كَذاكَ سَيفُكَ لِلقاماتِ يَختَصِرُ
أَمّا سُيوفُكَ لِلمَعنى فَتَفهَمُهُ / وَما عَلَيكَ إِذا لَم تَفهَمِ البَقَرُ
أَصلابُ أَظهُرِهِم تَحكي صَليبَهُمُ / كَلاهُما بِاللِقا وَالرُعبِ مُنكَسِرُ
سَعادَةٌ قابَلَت وَالرُمحُ مُضطَجِعٌ / وَعَزمُةٌ بَرَزَت وَالسَيفُ مُدَّثِرُ
وَلَيلَةٍ لَو سِوَاهُ كانَ كاشِفَها / ما ذابَ في دَمعِها نَجمٌ وَلا قَمَرُ
وَلّى العَدُوُّ وَعُثمانٌ وَراءَهُمُ
وَلّى العَدُوُّ وَعُثمانٌ وَراءَهُمُ / وَالمُسلِمونَ وَهَذا جُملَةُ الخَبَرِ
جاءَ البَشيرُ بِأَخبارٍ مُطَوَّلَةٍ / قالوا اِختَصِرها فَقُلتُ اللُطفُ بِالبَشَرِ
اِغضُض عِنانَكَ هَذا مُنتَهى السَفَرِ
اِغضُض عِنانَكَ هَذا مُنتَهى السَفَرِ / وَاِمدُد بَنانَكَ هَذا مُجتَنى الثَمَرِ
ها أَنتَ فَوقَ سَماءِ المَكرُماتِ فَزِد / عَفواً بِلا مِنَّةٍ صَفواً بِلا كَدَرِ
وَقَد بَدا لَكَ إِسفارُ القُبولِ عَلى / ثَلاثَةِ الوَجهِ وَالإِصباحِ وَالسَفَرِ
قُم سابِقاً بِثَناءٍ يُستَطابُ لَهُ / ما باتَ مُعتَلِجاً في خاطِرِ السَحَرِ
اغرُب فَمُذ كُنتَ لا تَأتي بِمُغرِبَةٍ / هَل جِئتَهُ عَن سِوى نُعماهُ بِالخَبَرِ
الجودُ أَمدَحُ مِمَّن قامَ يَمدَحُهُ / وَالناسُ ما سَمِعوا إِلّا مِنَ النَظَرِ
وَلا تَقُل عِندَ خَتمِ الشِعرِ تَمدَحُهُ / خُذها وَقُل لا تُؤاخِذها بِذا الحَصَرِ
بَلَغتُ أَوَّلَ عُمري أَرذَلَ العُمُرِ
بَلَغتُ أَوَّلَ عُمري أَرذَلَ العُمُرِ / فَلَم يَزِدني اِشتِعالُ الشَيبِ في الشَعرِ
وَالشَيبُ وَالشِعرُ كانا ساكِني خَلَدي / وَإِنَّما اِنتَقَلا مِنهُ إِلى نَظَري
أَمّا خَديعَةٌ أَحلامٍ أُغَرَّ بِها / في يَقظَتي فَلَمّا جاءَت عَلى فِكري
بِن يا شَبابُ وَلا تَستَبطِ صُحبَتِنا / لِلشَيبِ بَعدَكَ وَاِنظُر ما عَلى الإِثرِ
كانَ الحِمامُ أَمامَ الصَفوِ أَرفَقَ بي / مِنَ الحَياةِ الَّتي أَفضَت إِلى الكَدَرِ
عَلا البَيضَ قَتيرٌ كانَ أَولَهُ / هَذا البَياضُ الَّذي يَعلو عَلى الشَعرِ
ما ضَلَّ دونَ مُرادٍ في العِدا قَدَرٌ / فَلا تَقُل لي سِراجٌ في يَدِ القَدَرِ
فَاللَيلُ لَيلُ شَبابِ المَرءِ إِن سَلَكَت / فيهِ المَنِيَّةُ لَم تَسلُك بِمُعتَكِرِ
عُمرُ الفَتى لَيلَةٌ وَالمَوتُ صُبحَتُها / وَالشَيبُ بَينَ الدُجى وَالصُبحِ كَالسَحَرِ
إِذا كُنتُ لَستَ مَعي فَالذِكرُ مِنكَ مَعي
إِذا كُنتُ لَستَ مَعي فَالذِكرُ مِنكَ مَعي / يَراكَ قَلبي وَإِن غُيِّبتَ عَن بَصَري
العَينُ تُبصِرُ مَن تَهوى وَتَفقِدُهُ / وَناظِرُ القَلبِ لا يَخلو مِنَ النَظَرِ
يا فاضِلاً بَهَرَتنا مِن فَصاحَتِهِ
يا فاضِلاً بَهَرَتنا مِن فَصاحَتِهِ / بَلاغةٌ لَم تَكُن في قُدرَةِ البَشَرِ
أَرسَلتَها دُرَراً حَلَّت مَسامِعَنا / يا بَحرُ حَسبُكَ ما أَهدَيتَ مِن دُرَرِ
لَفظٌ وَخَطُّ وَكُلٌّ مِنهُما حَسَنٌ / مِن مُحسِنٍ فَهيَ مِلءُ السَمعِ وَالبَصَرِ
فَلَم أَزَل اَجتَني لَيلى مَحاسِنِها / وَأَجتَنيها فَقُل في الزُهرِ وَالزُهَرِ
لا أَتَّضِع إِلَيهِ
لا أَتَّضِع إِلَيهِ / حَتَى يَلينَ لِضِرسِ الماضِغِ الحَجَرُ
وَلا أَقصُرُ الهَوى عَلَيهِ / حَتّى يُقَصِّر عَن غاياتِهِ القَدَرُ
وَلا أُحالِفُ قُربَهُ / حَتّى يُحالِفَ بَطنَ الراحَةِ الشَعَرُ
وَلا أُصالِحُ قَلبَهُ / حَتّى يُرى طائِراً مِن مائِهِ الشَرَرُ
فَكَم تَعَللَّتُ فيهِ بِالمُنى / وَذَلِكَ الصَفوُ قَد أَودى بِهِ الكَدَرُ
وَكَم دَفَعتُ الأَسى فيهِ بِالأَسى / وَلا مَرَدَّ لِما يَأَتي بِهِ القَدَرُ
وَكَم غالَطتُ فيهِ الحَقيقَةَ / وَالحَقُّ أَبلَجُ لا تَخفى لَهُ غُرَرُ
وَكَم عادَيتُ فيهِ النَفسَ الصَديقَةَ / بَصيرَةُ الحُبِّ أَلا يَنظُرَ البَصَرُ
فَكانَ في إِخفاءِ أَسراري / كَمَن دَبَّ يَستَخفي وَفي الحَليِ جُلجُلُ
وَفي حِفظِ وَدائِعِ أَخباري / كَما اِستَخزَنَ الماءَ المُرَوّقَ مَنهَلُ
لا جَرَمَ أَنّي دافَعتُ بِهِ الغَرام / كَما دافَعَ الدينَ الغَريمُ المُماطِلُ
وَذُدتُ قَلبي عَن ذَلِكَ المَرام / كَما ذادَ ظَمآنا عَنِ الماءِ ناهِلُ
فَوَزنُ هَواهُ الآنَ في عَيني / كَما طارَ في ساقي الرِياحِ تُرابُ
وَعُذرُ غَدرِهِ في مِسمَعي / كَما طَنَّ في لَوحِ الهَجيرِ ذُبابُ
وَحاصِل حُبِّهِ في قَلبي / كَما لاحَ في لَوحِ القِفارِ سَرابُ
وَقَد رَجَعتُ عَن مَحَلِّهِ / كَما رَجَعَ المَغبونُ بَعدَ بِياعِهِ
وَما كانَ مِثلي نازِلاً بِمِثلِهِ / وَلَكِنَّ دَهراً ضاقَ باعي بِباعِهِ
أَلَم تَرَ أَنَّ المَرءَ تَذوي يَمينُهُ
أَلَم تَرَ أَنَّ المَرءَ تَذوي يَمينُهُ / فَيَقطَعُها عَمداً لِيَسلَمَ سائِرُهُ