القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو القاسم الشابي الكل
المجموع : 2
يا ليلُ مَا تصنعُ النَّفْسُ التي سَكَنتْ
يا ليلُ مَا تصنعُ النَّفْسُ التي سَكَنتْ / هذا الوجودَ ومن أعدائها القَدَرُ
ترضى وتَسْكُتُ هذا غيرُ محتَمَلٍ / إِذاً فهل ترفُضُ الدُّنيا وتنتحرُ
وذا جنونٌ لَعَمْري كُلُّهُ جَزَعٌ / باكٍ ورأيٌ مريضٌ كُلُّه خَوَرُ
فإنّما الموت ضَرْبُ من حبائِلِهِ / لا يُفلتُ الخلقُ مَا عاشوا فما النَّظرُ
هذا هو اللغْزُ عَمَّاهُ وعَقَّدَهُ / على الخليقةِ وَحْشٌ فاتكٌ حَذِرُ
قَدْ كبَّلَ القَدَرُ الضَّاري فرائِسَهْ / فما استطاعوا له دفعاً ولا حزَروا
وخاطَ أعينَهم كي لا تُشاهِدَهُ / عينٌ فتعلمَ مَا يأتي وما يَذَرُ
وحاطَهُمْ بفنونٍ من حَبائِلِهِ / فما لَهُمْ أبداً من بطشِه وَزرُ
لا الموت يُنْقِذُهُمْ من هولِ صولَتِهِ / ولا الحياةُ تَساوى النّاسُ والحَجَرُ
حارَ المساكينُ وارتاعوا وأعْجَزَهم / أن يحذَروه وهلْ يُجديهمُ الحَذَرُ
وهُمْ يعيشونَ في دنيا مشيَّدةٍ / منَ الخطوب وكونٍ كلَّه خَطرُ
وكيف يحذرُ أعمَى مُدْلِجٌ تَعِبٌ / هولَ الظَّلامِ ولا عَزمٌ ولا بَصَرُ
قَدْ أيقنوا أنَّهُ لا شيءَ يُنقِذُهُمْ / فاستسلموا لِسُكونِ الرُّعْبِ وانتظروا
ولو رأوه لسارتْ كي تحارِبَه / من الوَرَى زُمَرٌ في إثرِها زُمَرُ
وثارتِ الجنّ والأملاكَ ناقمةً / والبحرُ والبَرُّ والأفلاكُ والعُصرُ
لكنّهُ قوّةٌ تُملي إرادتَها / سِرًّا فَنَعْنو لها قهراً ونأتمرُ
حقيقةٌ مرّةٌ يا ليلُ مُبْغَضَةٌ / كالموتِ لكنْ إليها الوِرْدُ والصَّدَرُ
تَنَهَّدَ اللَّيْلُ حتَّى قلتُ قَدْ نُثِرَتْ / تِلكَ النُّجومُ وماتَ الجنُّ والبَشَرُ
وعادَ للصَّمتِ يُصغي في كآبته / كالفيلسوف إلى الدنيا ويفتكرُ
وقَهْقَهَ القَدَرُ الجبَّارُ سُخْريةً / بالكائناتِ تَضاحَكْ أَيُّها القَدَرُ
تمشي إلى العَدَمِ المحتومِ باكيةً / طوائفُ الخَلْقِ والأشكالُ والصُّوَرُ
وأنت فوقَ الأسى والموت مبتسمٌ / ترنو إلى الكون يُبْنَى ثمَّ يندَثِرُ
عِشْ بالشُّعورِ وللشُّعورِ فإنَّما
عِشْ بالشُّعورِ وللشُّعورِ فإنَّما / دُنْياكَ كونُ عواطفٍ وشعورِ
شِيدَتْ على العَطْفِ العميقِ وإنَّها / لَتَجِفُّ لو شِيدَتْ على التَّفْكيرِ
وتَظَلُّ جامِدَةَ الجمالِ كئيبةً / كالهيكلِ المتهدِّم المهجورِ
وتَظَلُّ قاسيَةَ الملامِحِ جهْمةً / كالموتِ مُقْفِرَةً بغيرِ سُرورِ
لا الحُبُّ يرقُصُ فوقها متغنِّياً / للنَّاس بَيْنَ جداولٍ وزُهورِ
مُتَوَرِّدَ الوجناتِ سَكرانَ الخطى / يهتزُّ من مَرَحٍ وفَرْطِ حُبورِ
متكلِّلاً بالورْدِ ينثرُ للورى / أَوراقَ وردِ اللَّذّةِ المنضُورِ
كلاّ ولا الفنُّ الجميلُ بظاهرٍ / في الكونِ تحتَ غَمامةٍ من نُورِ
متَوشِّحاً بالسِّحْرِ ينفُخُ نايَهُ / المشبوبَ بَيْنَ خمائلٍ وغديرِ
أَو يلمسُ العودَ المقدَّسَ واصفاً / للموت للأَيَّامِ للدَّيجورِ
مَا في الحَيَاةِ من المسرَّةِ والأَسى / والسِّحْر واللَّذّاتِ والتغريرِ
أَبداً ولا الأَملُ المجنَّحُ منْشِداً / فيها بصوتِ الحالمِ المَحْبُورِ
تِلْكَ الأَناشيدَ التي تَهَبُ الوَرَى / عزْمَ الشَّبابِ وغِبْطَةَ العُصفورِ
واجعل شُعورَكَ في الطَّبيعَةِ قائداً / فهوَ الخبيرُ بتيهِهَا المَسْحُورِ
صَحِبَ الحياةَ صغيرةً ومشى بها / بَيْنَ الجماجمِ والدَّمِ المَهْدورِ
وعَدَا بها فوقَ الشَّواهِقِ باسماً / متغنِّياً مِنْ أَعْصُرِ ودُهورِ
والعقلُ رغْمَ مشيبهِ ووقَارِهِ / مَا زالَ في الأَيَّامِ جِدّ صغيرِ
يمشي فَتَضْرَعُهُ الرِّياحُ فيَنْثَني / متَوَجِّعاً كالطَّائرِ المكسورِ
ويظلُّ يسأَلُ نفسه متفلسفاً / متَنَطِّساً في خفَّةٍ وغُرورِ
عمَّا تحجِّبُهُ الكَواكبُ خلفَها / مِنْ سِرِّ هذا العالَم المستورِ
وهو المهشَّمُ بالعواصفِ يا لهُ / مِنْ ساذجٍ متفلسفٍ مغرورِ
وافتحْ فؤادكَ للوجودِ وخَلِّهِ / لليَمِّ للأَمواجِ للدَّيجورِ
للثَّلجِ تنثُرُهُ الزَّوابعُ للأسى / للهَوْلِ للآلامِ للمقدورِ
واتركْهُ يقتحِمُ العواصفَ هائماً / في أُفْقِها المتلبِّدِ المقرورِ
ويخوضُ أَحشاءَ الوُجُود مُغامِراً / في ليلها المتهيِّبِ المحذورِ
حتَّى تُعانِقَهُ الحَيَاةُ ويرتوي / من ثَغْرِها المتأجِّج المَسْجُورِ
فتعيشَ في الدُّنيا بقلبٍ زاخرٍ / يقظِ المشاعرِ حالمٍ مسحورِ
في نشوةٍ صوفيَّةٍ قُدُسيَّةٍ / هي خيرُ مَا في العالِمِ المنظورِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025