القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الملك الأَمجَد الكل
المجموع : 8
كم دونَ مسراكَ مِن بيدٍ وأخطارِ
كم دونَ مسراكَ مِن بيدٍ وأخطارِ / ومِن أصَمَّ صليبِ الكعبِ خطّارِ
في كفَّ أروعَ دامي الظُّفْرِ مُنْصَلِتٍ / رَحْبِ الذَّراعِ على الأهوالِ صبّارِ
مُشَيَّعٍ هبواتُ النقعِ تستُره / أضحتْ له كعرينِ الضيغمِ الضاري
حُرًّ يسيرُ إلى الحربِ العوانِ وقد / أبدتْ نواجذَها ما بينَ أحرارِ
حُمْسٍ برودُهمُ الزغَّفُ الَّلاصُ اِذا / أمستْ برودُ أُناسٍ سُحْقَ أطمارِ
يلقى الأسودَ بآسادٍ غَطارِفَةٍ / في جَحْفَلٍ لَجِبٍ كالسَّيلِ جَرّارِ
ما فيهمُ في مجالِ الكرَّ غيرُ أخي / بأسٍ على صَهَواتِ الخيلِ كرّارِ
يا خافقَ القلبِ لمّا شامَ بارقةً / في حِندسِ الليلِ تبدو ذاتَ أنوارِ
لم يدرِ عن أيَّ أرضٍ لاحَ مومِضُها / تحتَ الدُّجُنَّةِ لمّا لاحَ يا حارِ
شِمْ ثغرَ سُعدى فقد حيّاكَ بارِقُهُ / ليلاً ودعْ عنكَ شَيْمَ البارقِ الساري
وعاذلٍ قلتُ لمّا لامني سَفَهاً / له أتؤثرُ بالتعنيفِ أِقصاري
لا تلْحَني أن همتْ عينايَ مَن أَسَفٍ / على مرابعِ أوطاني وأوطاري
أضحى الأقاحيُّ مفتّراً بعرْصَتِها / لمّا تحدَّرَ فيها دمعيَ الجاري
تلك الديارُ سقىَ الوسميُّ ساحتَها / مِن جفنِ كلَّ مُلِثَّ القطرِ مِدرارِ
منازلٌ كنتُ أحيانَ الشبابِ بها / أختالُ بينَ قَماريًّ وأقمارِ
أجرُّ فضلَ ذيولِ اللهوِ مِن مرحٍ / في روضةٍ أُنُفٍ غَنّاَء مِعْطارِ
تأرجتْ برياحِ الوصلِ ساحتُها / كأنَّما فُتَّ فيها فأْرُ عطّارِ
فمَنْ يعيدُ لياليَّ التي سَلَفَتْ / لذيذةً بأُصيحابي وسُماري
أعدْ حديثَ الهوى يا مَنْ يحدَّثُني / عنه ألذَّ أحاديثٍ وأسمارِ
ما كنتُ لولا نوى الأحبابِ / ذا شَرَقٍ بالدمعِ جوّابَ آفاقٍ وأمصارِ
أحثُّ كلَّ عَفَرناةٍ هَمَلَّعَةٍ / مَوّارةٍ وأمونِ السيرِ مَوّارِ
في مهمهٍ قَذَفٍ أُمسي وأُصبحُ في / أرجائِه حِلْفَ أقتادٍ وأكوارِ
اِذا قطعتُ بها يَهْماءَ مُقْفِرَةٍ / بدتْ لديَّ موامٍ ذاتُ أقفارِ
تثني الجرانَ إلى المشتاقِ شاكيةً / مُرَدَّداً بينَ اِخفاء واِظهارِ
تختبُّ فيهنَّ بي كالهَيْقِ معنِقةً / مِن فوقِها نضوُ أزماعٍ وأسفارِ
مرَّتْ به في عُبابِ الآلِ سابحةً / كأنَّها منه في لُجًّ وتيّارِ
تنحو الأحبَّةَ لمّا أن نأتْ بهمُ / نُجْبٌ تسابقُ منها كلَّ طيّارِ
نأوا فلولا المنى ما عشتُ بعدَهمُ / وكم أعيشُ على وعدٍ وانظارِ
وما تدرَّعتُ أدراعاً مضاعفةً / للصبرِ إلا وعفّاهنَّ تَذكاري
تذكُّراً لزمانٍ فاتَ فارطُه / وطيبِ أوقاتِ آصالي وأسحاري
قد كانَ فيهنَّ لو دامتْ بشاشتُها / للصبَّ لذَّةُ أسماعٍ وأبصارِ
وقفتُ في الدارِ مِن بعدِ الخليطِ وقد / أقوتْ معاهِدُها مِن ساكني الدارِ
أكفكِفُ الدمعَ خوفَ الكاشحينَ على / مواطنٍ أقفرتْ منهمْ وآثارِ
دعني من اللومِ يا مَنْ لامني سفهاً / فما يفيدُكَ تعنيفي وانذاري
الدارُ دارُ أحبائي الذين مَضَوا / والوجدُ وجديَ والأفكارُ أفكاري
فما الوقوفُ إذا استثبتُّ معلمها / عليَّ في رسمِها العاري مِنَ العارِ
فكم سكبتُ على الأطلالِ مِن كَمَدٍ / دمعاً ألثَّ على تربٍ وأحجارِ
وبتُّ أرتاحُ أن هبَّتْ يمانيةٌ / تسري مِنَ الليلِ في بحرٍ مِنَ القارِ
لعلَّها عنهمُ بالقربِ تُخبِرُني / وأنْ تُسِرَّ بذكرِ الوصلِ أسراري
آثرتُ عودَهمُ مِن بعدِ ما ذهبوا / يا بُعدَ مَطْرَحِ أهوائي واِيثاري
لم يبقَ بعدَ رحيلِ الحيَّ مِن اِضَمٍ / اِلا تذكُّرُ أنباءٍ وأخبارِ
مذْ بانَ بانتْ لذاذاتي وهذَّبَني / دهري وقدَّمتُ دونَ اللهوِ أعذاري
فليس لي موئلٌ أن شفَّني وَلَهٌ / اِلاّ ترنُّمُ أغزالي وأشعاري
اذا تناشدَها الركبانُ أثملَهمْ / لفظٌ لأبرعِ نظّامٍ ونثّارِ
فمَنْ يساجِلُني فيها وأينَ له / منها عذوبةُ اِبرادي واِصداري
فكم خناذيذِ أشعارٍ سبقتُهمُ / سبقَ الجوادِ بها في كلَّ مضمارِ
بارَوا قريضي فبارُوا بالذي نظمتْ / قرائحي مِن كلامٍ غيرِ خوّارِ
ذابوا لديهِ كما ذاب الرَّصاصُ اِذا / رفَّعتَه حينَ تبلوه على النارِ
مِن أينَ للغابطِيْ فضلي واِنْ كَثُروا / كمثلِ عُوني إذا تُجلى وأبكاري
تُجلى فتشغِفُهْم منها بدائعُها / حسناً واِنْ جَهِلوا علمي ومقداري
فُيذعِنونَ إذا ما هزَّهم غزلي / هزَّ النسيمِ فروعَ البانِ والغارِ
لا باركَ اللهُ في يومِ الفراقِ فكم
لا باركَ اللهُ في يومِ الفراقِ فكم / أجرى دموعاً على الخدَّينِ تنهمرُ
اليومُ عامٌ إذا الأحبابُ لم أرهمْ / والشهرُ دهرٌ وساعاتُ النوى عُمُرُ
ما لم تزوروا فالمامُ الكرى زورُ
ما لم تزوروا فالمامُ الكرى زورُ / أنَّى وقد صاحَ حادي عيسكمْ سيروا
سرتمْ فكم حنَّ مشغوفٌ بكم دَنِفٌ / في الربعِ حُزناً وكم قد أن مهجورُ
طوى على لهبِ الأشواقِ أضلعَه / وحشوُها منه تأجيجٌ وتسعيرُ
تُذكي الغرامَ وفي وجدي وزفرتِه / لو لامسَ الصخرَاِضرامٌ وتأثيرُ
جمعتمُ بين اشجاني وبينكمُ / وكلُّ ذنبٍ سوى التفريقِ مغفورُ
حسبي من الوجدِ أجفانٌ مباعَدَةٌ / ما تلتقي وحشاً بالشوقِ مسجورُ
وادمعٌ كلما أنشْدتُ مِن طربي / شِعرى فضدّانِ منظومٌ ومنشورُ
تنهلُّ في أربعُ الأحبابِ نائبةً / عنِ الغمامِ وجيبُ الليلِ مزرورُ
مرابعٌ عَفَّتِ النّكباءُ ما ثلَها / مِن بعدِ ما مرَّ دهرٌ وهو معمورُ
وللزمانِ بأهليهِ / ولو كَرِهوا
وبالدَّيارِ تصاريفٌ وتغييرُ /
يا مُنحَني الجِزْعِ لا زالَ السحابُ له / عليكَ بالغيثِ ترويحٌ وتكبيرُ
يروي ثراكَ فيبدو في رياضِكَ مِن / بدائعِ النَّورِ للرائي أزاهيرُ
وينثني البانُ ريانَ الغصونِ اِذا / ما ميّلَتهُ النُّعامى وهو مَمْطُورُ
تنوحُ مِن فوقهِ الورقاءُ ساجعةً / والصبحُ لائحةٌ منه التباشيرُ
لنوحها فوقَ أفنانِ الأراكِ وقد / غابَ الهديلُ مِن الأشواقِ تكريرُ
فاِنْ يَهِمْ بحنينِ الوُرقِ حِلْفُ هوًى / شوقاً فاِنَّ حليفَ الشوقِ معذورُ
مذ بانَ أحبابهُ عنهُ وجيرتُهُ / أمسى الكرى وهو عن عينيهِ مذعورُ
وعوَّضتْه النوى مِن بعدِهم حُزناً / وكانَ بالقربِ منهمْ وَهْوَ مسرورُ
فأصبحَ الدهرُ مذموماً فليتهمُ / عادوا ليرجِعُ عندي وهو مشكورُ
وما على جَلَدي عارٌ وقد نَزَحُوا / اِذا اغتدى وَهْوَ مغلوبٌ ومقهورُ
حَمَّلْتُهُ الحبَّ يعني ثِقلُه اِضَماً / فبانَ فيه مِنَ الاعياءِ تقصيرُ
أحبابَنا كانَ سرّي قبلَ بينكمُ / وقبلَ فيضِ دموعي وهو مستورُ
أيام كنتُ بقربي منكمُ جَذِلاً / للبِشْرِ تُبْرِقُ مِنْ وجهي اساريرُ
واليومَ قد صارَ حظَّي مِن دنوكُّمُ / نَزْراً وقد كانَ منه وهو موفورُ
أُعلَّلُ القلبُ أن أضحى يُطالِبُني / بالوصلِ منكمْ فيُمسي وهو مغرورُ
حتى كأنَّ التئامَ الشملِ لا بَعُدَتْ / أيامُ أُنسي بأهلِ الودَّ محظورُ
هل تُدِنينَّهمُ عيسٌ مزمَمةٌ / بُدْنٌ مراسيلُ أو وجناءُ عَيْسُورُ
مِنْ بعدِ ما حجزتْ بيني وبينهمُ ال / بيدُ البلاقعُ والأعلامُ والقُورُ
أظَنُّ فيها حليفُ الكُورِ مُنْتَصِباً / فيه اليفايَ تخويدٌ وتهجيرُ
حتى تعودَ ليالي الوصلِ مشرقةً / بهم وذيلُ سروري وهو مَجْرُورُ
دمٌ أريقَ بأسيافِ الهوى هَدَرُ
دمٌ أريقَ بأسيافِ الهوى هَدَرُ / في يومِ رامةَ والأظعانُ تبتكِرُ
زَمُّوا المطيَّ فكم مِن مقلةٍ ثَعَبَتْ / في عَرْصَةِ الدارِ ما لا يَتْعَبُ النَهَرُ
وأجَّجَ البينُ في الأحشاءِ نارَ هوًى / بعدَ الحبائبِ أمستْ وهي تَستعِرُ
أضحتْ مُمَنَّعةً بالسمهريِّ فلو / زالَ الوشيجُ تولَّى منعَها الخَفَرُ
وكلمَّا اضطرمتْ أطفأتُ سورتَها / بأدمعٍِ في الربوعِ العُجمِ تنتصرُ
تُسمي وتصبحُ قي الأطلالِ دافقةً / فليس تُخشى إذا ما أخلفَ المطرُ
أحبَّةٌ رحلوا فالدمعُ مستبقٌ / من مقلتَّي على الأثارِ يَبتدِرُ
في منزلٍ تُرْبُهُ مِن بعدِما ذهبتْ / كرُّ السنينَ على أصابِه عَطِرُ
لا ذنبَ لي عندَ مَنْ رثَّتْ عهودُهمُ / اِلاّ بوادرُ شيبٍ جَرَّهُ الكِبَرُ
والبيضُ عندَهمُ كالبيضِ مصلتةً / على الرءوسِ وذنبٌ ليس يُغْتَفَرُ
آليتُ لاحِلتُ عن دينِ الوفاءِ كما / قد كانَ يعهدُ من حالي واِنْ غدروا
ياريحُ لا أرجٌ منهمُ وقد رحلوا / عن الجَنابِ ولاعِلمٌ ولاخَبَرُ
مُرِّي على أَثَرِ الأحبابِ واحتملي / الَّي نشراً يحاكي عَرْفَهُ القَطُرُ
يضوعُ طيباً وقد مَّرتْ سعادُ بهِ / كما تَضَوَّعَ غِبَّ الدِّيمةِ الزَّهَرُ
أشكو الفراقَ اليها وَهْيَ لاهيةٌ / كأنَّما قلبُها مِن قسوةٍ حجرُ
أسأتْ مِن بِعدِها إذا لم أمتْ كمداً / يوَم الرَّحيلِ فقلْ ليكيف أعتذرُ
وبا زمانَ تناجينا على أمَمٍ / تُراكَ بعدَ تمادي البينِ تَنْتَظِرُ
هيهاتَ ساروا وأبقَوا للنوى حَرَقاً / تبيتُ تُضرِمُها الأشجانُ والفِكَرُ
ووكلوني برعي الفرقدينِ وقد / نامتْ عيونُ تحامَي أهلَها السَّهَرُ
واليومَ لم يبقَ لي إلا تذكُّرهُمْ / اِنَّ التحرُّقَ يُذكي جمَرهُ الذِّكَرُ
للّهِ كم في الديارِ الخُرسِ مِن وَصَبٍ / فيه لأهلِ الهوى والوجدِ معتبرُ
صبُّ يُرى أبداً مِن بعدِ بعدِهمُ / عِقْدُ الدموعِ على خدَّيهِ يَنْتثَرُ
براهُ بريَ المُدى بُعْدُ الخليطِ فما / يكادُ يُثبِتَه مِن سُقمِه النَّظَرُ
يبكي على أَثَرِ الأظعانِ في دِمَنٍ / وفي رسومِ ديارٍ مالها أثرُ
عفَّى معالِمَها طولُ الزمانِ وما / تَبيتُ تُحدِثُه للأربعِ الغِيَرُ
وعاذلٍ دأْبهُ عَذْلي فقلتُ له / مالي على العذلِ والتأنيبِ مُصْطَبرُ
بَلومُني وزنَادُ الحبِّ مضطرمٌ / في القلبِ يَقدحُ ما لا يقدحُ العُشَرُ
خَفِّضْ عليكَ فمالي عنهمُ عِوَضٌ / يا مَنْ يلومُ ولا في عيرِهمْ وَطَرُ
وفي الهوادجِ أقمارٌ إذا سَفَرَتْ / تُغنيكَ أنوارُها أن يَطْلُعَ القمرُ
هِيفُ المعاطفِ كالباناتِ رنَّحها / مرُّ النسيمِ غدا أوراقَها الشَّعَرُ
بانوا فعادَ زمانُ القربِ مذ هجروا / بعداً وعانيتُ ليلاً مالَهُ سَحَرُ
وكادَ مِن سَهَري فيه ومِن قَلقَي / يمَلُّ في جنحهِ تعليلَي السّمَرُ
كم كانَ في عنفوانِ الوصلِ يُذكِرنُي / هذا الصدودَ الذى جُرِّعتُه الحَذَرُ
سقاكَ يا مَنحنى الوادي القطارُ فكم / أظلنَّي في ذراكَ البانُ والسَّمُرُ
أين الأحبَّةُ لاحتْ لي معالِمَها / مجهولةً قد محا آثارَها الدَّهَرُ
وأين تلكَ القدودُ الملدُ مائسةً / تكادُ مِن ثِقَلِ الأردافِ تنأَطِرُ
غابوا فأضحتْ مغاني الأنسِ خاليةً / حتى كأنهَّمُ فيهنَّ ما حضروا
هل في المنازلِ بعدَ القومِ آثارُ
هل في المنازلِ بعدَ القومِ آثارُ / نعمْ معالمُ لا تُغني وأحجارُ
اِذا وقفتَ بها بكّاكَ ما حلُها / وآيةُ الشوقِ أن تبكي لكَ الدارُ
منازلٌ لم تزلْ مأوًى لغانيةٍ / دمعي عليها واِنْ لم يُجْدِ مِدْرارُ
نأت فلم يبق مذ زمت ركائبها / للبين إلا أحاديث وأخبار
مِن بعدِ ما كانتِ الأيامُ تُتْحِفُني / بقربِها زمناً والوصلُ أطوارُ
أبكي وقد باعدَتْها عن مرابِعها / نوًى لعوبٌ بها والدهرُ غدّارُ
وفي الدموعِ اِذا ما الصبرُ أعوزَني / على الصبابةِ أعوانٌ وأنصارُ
أين الأحبَّةُ كانوا في الديارِ لَهاً / وهمْ شُمُوسٌ منيراتٌ وأقمارُ
بانوا فلي مِن دموعي بعدَ بينهمُ / وفي ازديادِ الهوى العذريَّ أعذارُ
يا حارِ عنديَ سِرٌّ لا أبوحُ بهِ / اِلاّ إليكَ وللعُشّاقِ أسرارُ
شوقٌ تضاعفَ حتى ليس لي قِبَلٌ / به ونارُ غرامٍ دونَها النارُ
ومقلةٌ لم تذقْ بعدَ النوى وَسَناً / أنَّي ومِن دونِهمْ بيدٌ وأخطارُ
قد ملَّ تَسهادَها إلا ظلامُ بعدهمُ / وملَّني فيه حدّاثٌ وسمّارُ
تنامُ عينُ الخليَّ القلبِ مِن شَجَنٍ / ولي على السَّهَرِ المقليَّ اِصرارُ
اِيهٍ حديثَكَ عن نَعمانَ أين مضى / سكانُه فحديثُ الوجدِ أسمارُ
حَدَّثتَني ما أجدَّ الذكرَ أيسرُه / أعِدُْهُ أن الهوى والشوقَ تَذكارُ
فكم أثارتْ لنا ذكراهمُ حُرَقاً / كأنَّ ذكراهمُ في الربعِ آثارُ
وكم وقفتُ به مِنْ وقفةٍ صدعتْ / قلبي وقد أزمعَ الحبابُ أو ساروا
مخاطباً لعراصٍ كم زهتْ بهمُ / وهكذا الدهرُ اِقبالٌ واِدبارُ
مَلُّوا الثواءَ بها فاستبدلوا بدلاً / عنها وبانوا فهم في القلبِ حُضّارُ
فهل عليَّ إذا بكَّيتُ دراسَها / بعدَ الخليطِ الذى ودَّعتُه عارُ
ومهمهٍ قذفتْ بي في مجاهلهِ / الى الأحبَّةِ أحلاسٌ وأكوارُ
يختبُّ في هبواتِ المُورِ مُنْصَلتاً / بي بازلٌ قلِقُ الأنساعِ مَوّارُ
أحثُّهُ والهوى مِن فوقِ غاربهِ / يَحثُّني فهو في الحالينِ صبّارُ
وما المدامةُ كالابريزِ صافيةً / قد شَقَّ عنها ثيابَ القارِ خمّارُ
تضوعُ طيباً وقد دارتْ زجاجتُها / كأنَّما عَلَّها بالملكِ عطّارُ
يسعى بها رشأٌ في الشَّربِ تحسبُه / كالبدرِ قد بتَّ منه الخصرَ زُنّارُ
أمالَهُ في خفاراتِ الصَّبا مرحٌ / بينَ النَّدامى فغارَ البانُ والغارُ
يوماً بألعبَ منه بالعقولِ وقد / سَجا له ناظرٌ لِلُّبَّ سحّارُ
ولا الخمائلُ قد أضحتْ موشَّعَةً / تُصْبِيكَ منهنَّ أنهارٌ وأزهارُ
تَرِفٌ فيها غصونٌ مِن حدائقها / وتستبيكَ على الباناتِ أطيارُ
يوماً بأحسنَ مِن نظمٍ أوشَّعُهُ / والناسُ مِن بعدِه في الشَّعرِ أنظارُ
يروقُ سمعَكَ منها شُرَّدٌ عُرُبٌ / مختارٌة والنُّضارُ الطلقُ مُخْتارُ
ذنبي إلى البيضِ ذنبٌ غيرُ مغتفَرِ
ذنبي إلى البيضِ ذنبٌ غيرُ مغتفَرِ / لما توضَّحَ صبحُ الشيبِ في شَعَري
حورٌ شقنَ فؤادي مِن لواحظِها / بكلَّ سهمٍ عريقِ النَّزعِ في الحَوَرِ
فاعجبْ لهنَّ سِهاماً غيرَ طائشةٍ / مِنَ الجفونِ بلا قوسٍ ولا وترِ
كم نِمْنَ عنَّي وقد أغفلنَ ما جابتْ / يدُ التفرُّقِ مِن وجدي ومِن سَهَري
وكم خَفَرْتُ ذِمامَ النسكِ مِن وَلَهٍ / يعتادُني لذواتِ الدلَّ والخَفَرِ
بي مِن رسيسِ الهوى داءٌ يخامرُني / طولَ الزمانِ إلى ما صُنَّ بالخُمُرِ
مهفهفاتٌ يغارُ الغصنُ حين يرى / قدودَها بينَ منآدٍ ومنأطِرِ
أنكرنَني بعدَ عِرفاني وما بَرِحَ / الزَّمانُ يُعْقِبُ صفوَ العيشِ بالكَدَرِ
أيامَ غصنُ شبابي في بُلَهْنيَةٍ / أزهو بما فيه مِن زَهْرٍ ومِن ثَمَرِ
يا منزلاً أدمعي وقفٌ عليه اِذا / ضَنَّ السحابُ على الأطلالِ بالمَطَرِ
أوطانَ لهوي وكم قضَّيتُ مِن وَطَرٍ / فيهنَّ بالغيدِ والأوطانُ بالوطرِ
ومربعٍ ووصالُ السُّمرِ تكنفُني / أوقاتُه في ظِلالِ الضّالِ والسَّمُرِ
مضى لنا فيه أوقاتٌ مساعِفَةٌ / مُسْتَعْذَباتُ جَنَى الروضاتِ والبُكَرِ
أين الزمان الذي قد كنت أحمده / على التداني بلاعي ولا حصر
لم يخطرِ البينُ في بالي فأحذرَهُ / ولا تعيبتُ ما فيه مِنَ الخطرِ
ألهو بكلَّ غريرٍ مِن محاسِنه / أبيتُ منه ومِن وجدي على غَرَرِ
يا وجهَهُ أَرَني بدراً إذا طَلَعَتْ / منه بوادِرُ تُغنيني عنِ القمرِ
في كلَّ ذاتِ قوامٍ غصنُه نَضِرٌ / ما حظُّ عاشِقها منها سوى النظرِ
ما هبَّتِ الريحُ مِن نجدٍ معطَّرةً / لولا الولوعُ بريّا بَردِها العَطِرِ
ولا جرتْ أدمعي والشملُ مجتمعٌ / اِلاّ لما علمَ الأحبابُ مِن حَذَري
خوفاً ولولا ذاكَ ما وقفتْ / ركائبي بين وِرْدِ العَزْمِ والصَّدَرِ
كلاّ ولا كنتُ بعدَ القربِ مقتنعاً / منهمْ على عُدَواءِ الدارِ بالأثرِ
هم الأحبَّةُ أن خانوا واِنْ نقضوا / عهدي فما حلتُ عن عهدي ولا ذِكَري
فكم أضاعوا محبّاً في الغرامِ بلا / ذنبٍ وكم طُلُّ فيه مِ دمٍ هَدَرِ
يشكو أذى الهجرِ في سرًّ وفي علنٍ / شكوًى تؤثَّرُ في صلدٍ مِنَ الحجرِ
وهي الديار فكم جددنَ مِن حُرَقٍ / للمستهامِ بما فيهنَّ مِن أثرِ
يَزورُها بعدَما بانتْ أوانسُها / عنها فيمسحُ فضلَ الدمعِ بالأُزُرِ
وفي الجوانحِ نارٌ بعدَ بينهمُ / للشوقِ تَفْعَلُ فِعْلَ النارِ في العُشَرِ
فهل أُرى وبيوتُ الحيَّ دانيةٌ / مني خليّاً مِنَ الأشجانِ والفِكَرِ
هيهاتَ هذا فؤادٌ لا يُغَيَّرُه / عن المحبَّةِ ما فيها مِنَ الغِيَرِ
يا راقدَ الطرفِ طرفي في يدِ السَهرِ
يا راقدَ الطرفِ طرفي في يدِ السَهرِ / داءٌ بُلِيتُ به مِن رائدِ النظرِ
نَمْ وادعاً ودعِ المشتاقَ تُقِلقُهُ / مما تخطَّتكَ أنواعٌ مِنَ الفِكَرِ
جنايةٌ ناظري كانَ الكفيلُ لها / وآفةُ المرءِ بينَ القلبِ والبصرِ
ما مرَّ يوم وبالي منكَ في دَعَةٍ / اِلاّ وأُعقِبَ ذاكَ الصفوُ بالكدرِ
تلهو وقد جدَّ بي ما قد علمتَ بهِ / اِنَّ الأحبَّةَ اعوانٌ على الضَّرَرِ
أكادُ والقلبُ تهفوبي نوازعُه / إليكَ مثلَ جناحِ الطائرِ الحَذِرٍِ
أذوبُ شوقاً لكنّي أخو جَلَدٍ / فيه وانْ كانَ طعمُ الصَّبْرِ كالصَّبِرِ
والسُّمرُ دونَ وصالِ السُّمرِ مُشْرَعَةٌ / فكم أعلَّلُ روحي عنه بالسَّمَرِ
وكم أبيتُ وعيني غيرُ هاجعةٍ / أرعى لوامعَ برقٍ طائرِ الشررِ
ماأ قلتُ وهو على الأجزاعِ معترضٌ / يا ساهرَ البرقِ أيقظْ راقِدَ السَّمُرِ
ولا طلبتُ وقد أودى السهادُ بنا / مِن نازلِ الجِزعِ أعواناً على السَّهَرِ
قفْ بي على منزلٍ بالربعِ قد دَثَرا
قفْ بي على منزلٍ بالربعِ قد دَثَرا / أبدى الزمانُ لنا في طيَّهِ عِبَرا
أين الأحبَّةُ قد كانت وجوهُهمُ / حسناً تُخَجَّلُ فيه الشمسَ والقمرا
وقفتُ فيه فلم ألمحْ لهم أثراً / بين الطلولِ ولم أسمعْ لهم خَبَرا
أحبَّةٌ كان مستوراً حديثُهمُ / حتى تطاولَ عمرُ البينِ فاشتهرا
لولاهمُ ما نهاني الوجدُ مقتدراً / عما يحاولهُ منّي ولا امَرا
أجَّجتُ نارَ غرامي في ملاعبهِ / بفائضِ الدمعِ في الأطلالِ فاستقرا
وأَخْجَلَتْ سُحُبُ الجفانِ هاطلةً / سُحْباً حملنَ لسُقيا تُربهِ المطرا
يا ربعُ قد كنتَ لي قبلَ النوى وطناً / بلغتُ فيكَ على رغمِ العِدى وَطَرا
أشكو إليكَ نوًى باتتْ تُؤرّقُني / وكنتُ مِن قبلِها لا أعرفُ السَّهَرا
ما لي ومالكَ قد جدَّدتُ لي شَجَناً / بالراحلينَ وقد أحدثتَ لي ذِكّرا
عُلالةً أشكتي ما بي إلى طللٍ / مثلي عليه دليلُ الشوقِ قد ظهرا
نهنهتُ دمعي وخاطبتُ الديارَ أسًى / حتى إذا لم يُجبني رسمُهنَّ جرى
ونحتُ في جنباتِ الربعِ مِن وَلَهٍ / شوقاً فكدتُ به أستنطقُ الحجرا
وهبَّ معتلُّ أنفاسِ النسيمِ على / تلكَ الرياضِ بليلاً نشرُه عَطِرا
منازلٌ طابَ نفّاحُ النسيمِ بها / وطابَ سكانُها قِدْماً فطِبنَ ثرى
تلكَ الديارُ سقاها الدمعُ مُنبجِساً / شؤبوبُه دائمَ التسكابِ منهمرا
وبارقٍ ما روتْ ليلاً شرارتُه / اِلاّ وقابلَ مِن وجدي بكم شررا
ضاءَ الظلامَ وقد كانتْ ذوائبُه / في الأفقِ عاقدةً مِن شَعرِه طُرَرا
فما خَبا البرقُ إلا مِن زِنادِ هوًى / ما بين جنبَّي أبدى نُورَه وورى
وزارني طيفُ مَن أهوى زيارتَه / حتى إذا ما رآني ساهراً نَفَرا
سرى اليَّ ودونَ الملتقى قَذَفٌ / في الليلِ يركبُ من أهوالِه الخَطَرا
عجبتُ كيف سرى والليلُ مُنْسَدِلٌ / جِلبابُه نحوَ عينٍ ما تذوقُ كَرَى
فلستُ أدرى وقد شابتْ مفارقُه / أضوءُ برقٍ بدا أم وجهُه بَدَرا
وقائلٍ ودموعي بعدَ فرقتهِ / في الخدَّ تُخْجِلُ مِن تَسكابِها النهرا
ما بالُ دمعكَ ما ينفكُّ منسفحاً / اِمّا على مربعٍ أو ظاعنٍ هَجَرا
تُبدي بتَذكارِ أيامٍ به سَلَفَتْ / اِن غابَ عن منتدى الأوطانِ أو حضرا
وما يفيدُكَ مِن بعدِ الفراقِ اِذا اتخذتَ / ذكرَ ليالي المنحنى سَمَرا
وهل تردُّ لكَ الذكرى زمانَ هوًى / قد كنتَ تَحمَدُ فيه الوِردَ والصَّدَرا
فقلتُ لي راحةٌ في الدمعِ أسفحُه / اِذا مُنِعْتُ إلى أهلِ الحِمى النظرا
وفي الربوعِ إذا خاطبتُ أرسمَها / بالشَّعرِ وانحلَّ خيطُ الدمعِ فانتثرا
ووشَّحتْ كلماتي كلَّ ناحيةٍ / منها فصارتْ على لَبّاتِها دُرَرا
شِعرٌ له نفثاتُ السحرِ خالصةً / مِن دونِ شعرِ أُناسٍ قلَّما سَحَرا
له إذا أنشدوه في مجالسهمْ / عَرْفٌ يُخَجَّلُ في ناديهمُ القُطُرا
فلستُ أخشى عليه أن يُمَلَّ اِذا / فاه الرواةُ به أن قلَّ أو كَثُرا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025