القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الأعْمَى التُطِيليّ الكل
المجموع : 9
لا عينَ يَبْقى منَ الدنيا ولا أثرَا
لا عينَ يَبْقى منَ الدنيا ولا أثرَا / فكيفَ تسمَعُ إن دُكَّتْ وكيف تَرَى
حسبُ الفتى نظرةً في كلِّ عاقبةٍ / لولا تمنُّعُهُ عَنّتْ له نَظَرا
ما أشبهَ الموتَ بالمحيا وأجدرَ مَن / لا يعرفُ الوِردَ أن لا يعرف الصَّدرا
أعدَّ زادَيْكَ من قولٍ ومنْ عَمَلٍ / إنَّ المُقامَ إذا طال اقتضى السَّفرا
وافرُغْ لشانيك من قولٍ ومن عملٍ / كلٌّ سيجري مَداهُ طالَ أو قَصُرا
وسلْ عن الناسِ هل صاروا مَصيرَهُمُ / فما أظنُّكَ ممنْ يجهلُ الخبرا
قضيتُ حاجة نفسي غيرَ مشكلة / في الموتِ لم أَقْضِ من علمٍ بها وطرا
أدنو إليها فتنأى لا تلوحُ سوى / لبسٍ من الظنِّ لا عُرْفاً ولا نُكُرا
وقد أصيحُ بمثل النفسِ من شَفَقٍ / ودونها ما يفوتُ السمَ والبصرا
هيهات أعياكَ ما أعيا الزمانَ فلا / تَرْتَبْ وإنْ تستطعْ فاقدرْ كما قدرا
يا منْ رأى البرقَ بات الليلُ يكلؤُهُ / كأنه من ضُلوعي مُشبِهٌ سَعَرا
نازعتُهُ السُّهدَ حتى كدتُ أَغلبُهُ / والليلُ عنديَ قد أَوْفَى بما نَذَرا
والنجمُ حيرانُ منْ أَيْنٍ ومن ضَجَرٍ / فلو هوى أو عَدا مجراه ما شَعَرا
والصبحُ يطلبُ في جُنْح الدجى خَلَلاً / يَلوحُ منه ولو أَلفاه ما جسرا
مُزْجَىً أحمُّ النواحي كلما عَرَضَتْ / له الرُّبى باتَ يُغْشِيهَا ربىً أُخَرا
من كلِّ وطفاءَ لم تكذِبْ مخيلتُها / لو أنها شيمةٌ للدهر ما غدرا
سَدَّتْ مهبَّ الصَّبا أعجازُ ريقها / عن سُدْفَةٍ دونها من هوله غررا
بحرٌ ولا شكَّ إلا لمعَ بارقةٍ / يكاد يَفْرَقُ منها كلما خَطَرا
قد طبَّقَ الأرضَ منها عارضٌ غَدِقٌ / ما غضَّ من طله أنْ لم يكنْ مَطرا
إذا انتحى بلداً أَبْصَرْتَ ساحتَه / كأنَّه وجهُ معروفٍ إذا شُكِرا
فذاك أسْقِي به قبراً بقرطبةٍ / شهدتُهُ فرأيتُ الفضلَ قد قُبرا
قبرٌ تضمَّنَ من آلِ الربيع سناً / شمسٍ توارتْ تروقُ الشمسَ والقمرا
قبرٌ تركنا به العليا مغمَّسَةً / ما بين قَسْوَةِ أحجارٍ ولين ثرَى
قبرٌ تركنا به روضَ المنى خَضِلاً / والشمسَ طالعةً والدمعَ منهمرا
فقلْ لطلاّبِها والسائلين لها / ولو حَثَوْنا عليها الأنجمَ الزُّهُرا
سحُّوا عليه سجالَ الدمع مُتْرَعَةً / فربما انشقَّ عما يفضحُ الزَّهَرا
وآبْكُوا به كعبةً أمسَتْ مناسكُها / ساكنةَ القبر لا حِجْراً ولا حَجَرا
ولا تخافُوا عليها أن تضيعَ به / فإنما هو جَفْنٌ وهي فيه كرى
بالنسك إذ كلُّ أرْضٍ روضةٌ أُنُفٌ / حُسْناً وكلُّ سماء حُلّةٌ سِيَرا
بالحِلْمِ حينَ نَطيشُ الهُضْبُ من نَزَقٍ / وَتَسْقُطُ الشهبُ من آفاقِها ضَجَرا
بالجودِ إذ لا تُوَاسي العينُ ناظرَهَا / ولو أتَى يَجْتَديها السمعُ والبصرا
يا حسرةً ملأتْ صدرَ الزمانِ أسىً / أَمْسَى وأصْبَحَ عنها ضيّقاً حَصِرا
زالتْ جبالُ سروري مِنْ مَواضِعِها / واستشعرَ الخوفَ منها كلُّ ليثِ شرى
وزالتِ الأرض أو زَلَّتْ بساكنها /
هَبي فقد كاد يَمْضي الليلُ وابتدري / مداكِ منه فلو يَسْطيعُ لابتدرا
وكم أصاخَ المُصَلَّى لو شعرتِ به / إلى تلاوتِك الآياتِ والسُّوَرَا
وكم أتاهُ العَذارَى يلتقطْنَ به / من دَمْعِ أجفانِكِ المرجانَ والدُّرَرَا
وَفينَهُ كُنْهَهُ وانظمنها سُبَحاً / فربما ذُمَّ بعضُ الحَلْي أو حُظِرَا
وإن أبيتنَّ إلا عِقْدَ غانيةٍ / فامنحنهُ الحُوْرَ لا نَمْنَحْنَهُ البَشَرا
من كلِّ مكنونة كالدرّ آنسةٍ / تَضْحَى بَهَاءً وإنْ لم تَبْرَحِ الخُمُرا
لمن تركتِ اليتامى إذ تَرَكْتِهِمُ / شُعْثَ المفارقِ لا ماء ولا شجرا
حَوْلي ذَرَاكِ وكانوا يلبثونَ به / لا تَبْعَدِي أو فلا يَبْعَدْ ذراكِ ذرا
يا حاملي نعشها أنَّى لخَطْوِكُمُ / فقد حملتمْ به أُعجوبةً خَطَرا
ضَعُوه يحْمِلُهُ من ههنا نَفَسٌ / يُورِي الحنينَ ودمعٌ يُغْرِقُ الذكرا
قد أُزْلِفَتْ جنةُ الفردوسِ واطَّلَعَتْ / جاراتُكِ الحورُ يستهدينكِ الأثرا
وبتنَ منتظراتٍ والمدى أمَمٌ / وقلَّ ما باتَ مسروراً مَنِ انتظرا
هلِ الحياةُ وإنْ راقتْ بشاشَتُها / إلا الغمامُ تَسَرّى والخيالُ سرى
أما الحياءُ فشيءٌ أنتَ غايتُهُ / وإن تَغَاضَى جهولٌ أو إنِ ائْتَمَرا
استبقِ قلبكَ إنْ قلبُ الأريبِ هفا / وكفَّ دَمْعَكَ إنْ دَمْعُ اللبيبِ جرى
وعاودِ الصبرَ يوماً منك تحظَ به / فكم وَسَمْتَ به الآصالَ وَالبُكَرا
وكن كَعَهْديَ والألبابُ طائشةٌ / والبيضُ تَلْتهمُ الهاماتِ والقِصرا
وللرَّدى مأربٌ في كلِّ رابئةٍ / وقد دعا الجَفَلى داعبه والنَّقرى
لا تنسَ حظّكَ منْ حُسْنِ العزاء فما / أبديتَ في مثلها جُبْناً ولا خَورَا
لم آتِ قاصي ما أوْسعْتُها هممي / من السُّمودِ ولكن جئتُ معتذرا
عبدٌ أتى تالياً إذ لم يجدْ فَرَطاً / لعله حينَ لم يحججْ قد اعتمرا
يَفْديكَ كلُّ جبانٍ في ثيابِ جَرِي
يَفْديكَ كلُّ جبانٍ في ثيابِ جَرِي / نازَعْتَهُ الوِرْدَ واستأثرتَ بالصَّدَرِ
لما رأى الخُبْرَ شيئاً ليسَ يَنْكِرُهُ / أحالَ بالدينِ والدنيا على الأثر
ولِّ السُّهى ما تولَّى من تكذُّبه / إن المزيَّة عند الناس للقمر
وهيَ الشِّفارُ إذا الإقدامُ جرَّدَها / ألوتْ بما تَدَّعِيهِ العينُ للسَّهَر
والناسُ كالناسِ إلا أن تجرِّبَهُمْ / وللبصيرةِ حكمٌ ليس للبصر
كالأيْكِ مُشْتَبِهاتٌ في منابتها / وإنما يقعُ التفضيلُ بالثَّمر
ولَّى رجالٌ غضاباً حين سُدْتُهُمُ / لا ذنبَ للخيل إذ لا عُذْرَ لِلْحُمُر
واستشرفوا كلما أحرزتُ طائلةً / وللسنان مجالٌ ليسَ للإبر
طُوْلُوا وإلا فَكُفُّو من تطاولكمْ / إن المآثرَ أعوانٌ على الأثر
مَلِلْتُ حمصَ وَمَلَّتني فلو نَطَقَتْ / كما نطقتُ تَلاَحَيْنَا على قَدَر
وَسَوَّلَتْ ليَ نَفْسي أنْ أُفارِقَها / والماءُ في المزن أصْفَى منه في الغُدُر
هيهاتِ بل ربّما كان الرحيلُ غداً / كالمالِ أُحْيِي به فَقْراً من العمر
كم ساهرٍ يستطيلُ الليلَ من دَنَفٍ / لم يدرِ أن الرَّدَى آتٍ مع السحر
أمَا اشْتَفَتْ منِّيَ الأيامُ في وطني / حتى تُضَايِقَ فيما عَنَّ من وطر
ولا قَضَتْ من سوادِ العين حاجَتَها / حتى تَكُرَّ على ما كانَ في الشَّعَر
كم ليلةٍ جُبْتُ ثِنْييْ طُولها بفتىً / شتَّى المسالكِ بين النفع والضرر
حتى بدا ذنبُ السرحانِ لي وله / كأنما هو زَنْدٌ بالصَّبَاحِ يَرِي
في فتيةٍ يُنْهِبُونَ الليل عَزْمَتَهم / فليس يَطْرُقُهُمْ إلاَّ على حذر
لا يَرْحَضون دُجَاه كلما اعتكَرَتْ / إلا بمالٍ ضياعٍ أو دمٍ هَدَر
لهم همومٌ تكادُ العيسُ تعرفها / وربَّما اشتملتْ بالحادث النكر
باتت تَخَطَّى النجومَ الزُّهْرَ صاعدةً / كأنَّما تَفْتَليها عن بني زُهُر
القائلي اقْدُمي والأرضُ قد رَجَفَتْ / إلاَّ رُبىً من بقايا البيضِ والسُّمُر
والهامُ تحتَ الظُّبا والبيضُ قد حَمِيَتْ / فما تَطَايَرُ إلاَّ وهي كالشَّرر
أثناءَ كلِّ سنان عُلَّ في زَرَدٍ / كأنه جدولٌ أفْضَى إلى نَهَر
والخيلُ شُعثُ النَّواصي فوقها بُهَمٌ / حُمْسُ العزائمِ والأخلاقِ وَالمِرَر
شابت من النقع فارتاب الشباب بها / فَغُيِّرَتْ من دمِ الأبطالِ بالشَّقَر
والشَّيبُ مما أظنُّ الدهرَ صحَّفَهُ / معنىً من النّقصِ عمّاهُ عن البشر
لو يعلمُ الأفْقُ أن الشيبَ مَنْقَصةٌ / لم تَسْرِ أنجمه فيه ولم تَسِر
وليس للمرء بعد الشيبِ مُقْتَبَلٌ / نهايةُ الروضِ أن يعتمَّ بالزّهرِ
أما ترى العِرْمِسَ الوجناء كيف شَكَتْ / طولَ السّفار فلم تَعْجِزْ ولم تَخُرِ
تسري ولو أنَّ جَوْنَ الليلِ معركةٌ / من الرّدى كاشراً فيها عن الظُّفر
باتتْ تَوَجَّى وقد لانت مواطئها / كأنَّها إنّما تخطو على الإبر
من كلِّ ناجيةِ الآمال قد فَصَلَتْ / من الرّدَى فحسبناها من البُكُر
تَخشى الزمام فتثني جِيدَها فَرَقاً / كأنَهُ من تثنّي حَيَّةٍ ذكر
تجري فللماءِ ساقاً عائمٍ دَرشبِ / وللرياحِ جَنَاحا طائرٍ ذكر
قد قَسّمتْهَا يدُ التدبيرِ بينهما / على السَّواءِ فلم تَسْبَحْ ولم تطر
أمْلَلْتُها فاستبانتْ نصفَ دائرةٍ / لو كُلِّفَتْ شَأوَهَا الأَفلاك لم تَدُرِ
بهيمةٌ لو تُوَفَّى كنه شِرَّتها / لفاتتِ الخيلَ بالأَحْجَالِ والغُرَرِ
أما إيادٌ فحازتْ كلَّ مَكْرُمَةٍ / لولا مكانُ رسولِ اللهِ منْ مُضَر
وأوقدوا ونجومُ الليل قد خَمَدَتْ / في لجِّ طامٍ من الصنَّبْرِ مُعْتَكر
ألقى المراسيَ واشتدتْ غَيَاطِلُهُ / على ذُكَاء فلم تَطْلُعْ ولم تَغُرِ
وَأتْرَعَ الوَهْدَ من إزبادِ لجته / كالترس يَثْبُتُ بين القَوْسِ والوتر
فالأرض مَلساءُ لا أمْتٌ ولا عِوَجٌ / كنقطةٍ منْ سَرَابِ القاعِ لم تَمُر
أفَادني حُبُّكَ الإبداعَ مكتهلاً / وربما نَفَعَ التعليمُ في الكبر
أين ابنُ بابَكَ أو مهيارُ من مِدَحٍ / نَسَقْتُها فيك نَسْقَ الأنجم الزهر
إذا رَمَيْتُ القوافي في فرائصها / لم أرْمها مُتْلِجاً كفَّيَّ في قُتَر
أبا العلاءِ وحَسْبي أن تُصيخَ لها / إقرارَ جانٍ وإن شئتَ اعتذار بري
أنا الذي أجتني الحرمانَ من أدبي / إنّ النواظرَ قد تُؤتَى من النظر
اركبْ إلى المجدِ أنضاء الأعاصيرِ
اركبْ إلى المجدِ أنضاء الأعاصيرِ / وَجُبْ مع السَّعْد أحشْاءَ الدياجيرِ
ومُدَّ بالجودِ كفاً ربما وَسِعَتْ / مُلْكَ الأنامِ وتصريفَ المقادير
وَجَرِّدِ السيفَ مطروراً تصولُ به / يمينُ عزمٍ كحدِّ السيفِ مطرور
ذا رونقٍ لو نواتيه المُنَى لجرى / مَعَ السّماحِ على تلك الأسارير
وَنُبْ عن الدينِ والدنيا فقد برئا / إليك منْ كلِّ تقديمٍ وتأخير
أشبهتَ آباءَك الصيدَ الذين سَعَوا / في البأس والجودِ سَعْيا غيرَ مكفور
من كلِّ ذي أثر في كلِّ حادثةٍ / يسْمُو به كلُّ فخرٍ عنك مأثور
وذي جَنَابٍ متى تُلْمِمْ بجانبه / فاربعْ بسيناءَ واخلعْ جانبَ الطور
ترى الدنانيرَ تهمي من أكفهمُ / سحّاً وأوجههمْ مثلُ الدنانير
قومٌ إبادٌ أبوهم حين تَنْسِبُهُمْ / مجدٌ لعَمْرُ أبيهمْ غيرُ منزور
أكلما جَنَّ ليلٌ جُبْتُ غيهبه / بواضحٍ من سنا مرآك مشهور
أو لاح صبحٌ بدتْ سيماكَ باهرةً / بين البشائر منه والتباشير
في جُنْح كلِّ ظلامٍ لا تزودُ به / كُدْرُ القطا غيرَ نَجْثٍ بالمناقير
ترى الكواكبَ حَيْرَى في دُجَاهُ كما / جالتْ حَجَى الماء في خُضْرِ القوارير
وكل هاجرةٍ تَغْلي مراجلُها / كأنما مُصْطَلاها قلبُ موتور
يبيتُ حرباؤُهَا بالليلِ منتصباً / وإن أطلَّ فلم ينظرْ إلى النور
تحمى الشكائمُ في أشْدَاقها حَنَقاً / كأنَّما هيَ منه في التنانير
تعصي القنا وهي أدناها إلى كَرَمٍ / أثناءَ مُنْتَصِبٍ منها ومجرور
مهلاً فقد نِلْتَ في أمنٍ وفي دَعَةٍ / ما نال غيرُك في خَوْفٍ وتغرير
لك البسيطةُ تطويها وتنشرُهَا / عن مُقْتضَى كلِّ مطويٍّ وَمَنْشُور
والبحرُ مُضْطَرمُ الأمواجِ زاخرُها / ترى المعارفَ فيه كالمناكير
موْفٍ على النفسِ مستوفٍ حُشاشتها / يُصوِّرُ الموتَ فيها كلَّ تصوير
قُلْ ما بدا لك إلا في غواربه / تسمو بملْ عيون مثلها صور
طوْراً كما هزَّ من عطفيه ذو خَنَثٍ / ناغى الصّبابين تَنْزيف وتَفْتير
وتارةً مثلَ ما يهتاجُ مُخْتَبلُ / عالَ الأُسَى غِبَّ تعذيبٍ وتعذير
ركبتَه تَتَصدَّى الموجَ عن عُرُضٍ / على مباحٍ مِنَ الأهواء محظور
إذا طما مَوْجُهُ أو طمَّ قمتَ له / بمخبرٍ عنه في البأساءِ مخبور
وكلما اربدَّ يستشري نداكَ له / فَطَبَّقَ الأرضَ مسجورٌ كمسجور
كما تَخَلّلَ برقٌ عُرْضَ ساريةٍ / فلم يَزِدْهُ نَدَاها غيرَ تسعير
تراك كنتَ عَصا مُوسى براحتِهِ / أو كانَ عَزْمُكَ هوْلض النفخِ في الصور
تَسْمو بهمّكَ والأهوال ساميةٌ / وللردى ثَمَّ سهمٌ غير مغمور
بكرٌ عوانٌ فتاةٌ كهلةٌ ذَهَبَتْ / أُعْجُوبَةً بين تأنيثٍ وتذكير
حُبْلَى لها فَتَكاتٌ في أجِنّتها / على اقتدار لهم فيها وتكدير
واهاً لهم بين جَنْبَيْها وأنفسُهُمْ / تَجِيشُ بين التراقي والحناجير
كأنَّهمْ بين مَثْنَاها وَمَلْعَبها / ظنونُ حيرانَ أو أنْفَاسُ مَبْهُور
عامتْ وطارتْ وقالتْ للرِّياحِ ألاَ / عُوْجي على أثَري إن شئْتِ أو طيري
حتى تَرَقَّتْ مِنَ اللأْوَا إلى مَلِكٍ / مُؤَيَّدٍ منكَ في اللأَوْاءِ منصور
أما الزمانُ فلا أشْكو ولا أذَرُ
أما الزمانُ فلا أشْكو ولا أذَرُ / لا يَصْنعُ الدهرُ ما لا يَصْنعُ القدر
لو أنْ حظّيَ من دنيايَ أُمْنَحُهُ / جاءتْ إليَّ الليالي وهي تعتذر
ماذا أقولُ وقد أخنى على جِدَتي / رَيْبُ الزمانِ وخطبٌ كلُّهُ ضرَر
تأبَى خلائِقُهُ إلا مُنَاقَضَتي / حتى كأنّيَ في لَهْوَاتِهِ صَبْرُ
حَسْبي من الدّهْرِ أن لو صاب مقصده / ما كان مُعْتَمداً بالكُلْفَةِ القَمرُ
لا تُنْكِروا ذُرْأةَ الأيام فيّ فقد / أبْدى العِيانُ لكم ما ضَيَّعَ الخَبَرُ
لو كان بالقَدْرِ يَسْمُو مَن له خَطَرٌ / ما كانَ يَسْكُنُ قَعْرَ اللجَّةِ الدُّرَرُ
أوْ كانَ يُرْزَقُ بالعقل اللبيبُ لما / كانتْ تعيشُ إذنْ من جهلها البقرُ
إن البُزاةَ إذا ما نُكّسَتْ هَزأتْ / منها العصافيرُ والصدّاحةُ القُمُر
وَحسْبُ نَدْبٍ من الدنيا إذا عتبت / أن يَسْتَقِلّ به من صَبْرِه أمَرُ
فما مواصلةُ الأغمادِ واصلةٌ / ما لا يقوم على إمضائه السُّمُر
كم قد حَذِرْت النّوى لو كان يَنْفَعُني / أو كان يعْصِمُني منْ وقْعِها الحذر
وإن كفّاً رمتْ بيني وبينهمُ / بالبينِ عنهمْ لَمَا تُبْقي ولا تَذَر
وَحكّمَتْ فيهمُ صَرْفَ الردى ولقد / كانوا وما إن به مِنْ ذِكْرِهِ كدر
كأنَّ دمعيَ لما بِنْتُمُ مقةً / ذابَ العقيقُ به أو أَثمَرَ الشَّقِرُ
وحبَّذا لَوْعَةٌ في جَنْبِ مُعْتَقِدٍ / ما لا تَبُوحُ به في قلبه الذِّكَرُ
وطيبُ مُرْتَشَفٍ في حُسْنِ مُؤْتَلِفٍ / في مثلِ مُرْتَعَفٍ أوْدَى به النظر
يكادُ يَنْقَدُّ من لينٍ وَيَجْرَحُهُ / أنْ صُرِّفَتْ في تَنَاهِي حُسْنِهِ الفِكر
ما حمل الله في الانجاد من عضب / ما حمل القلب ذاك الدل والخفر
ولا انتضى صارماً يوم الوغى بَطَلٌ / كما انْتَضَى من ظُبَاهُ ذلك الحور
ولا عتا سَقَمٌ في جِسْمِ ذي شَجَنٍ / بمثلِ ما عاثَ فيَّ البينُ والسهر
لا تحسبُوا أدْمُعي ماءً تجودُ به / عيني ولكنَّه مِنْ لوعتي شرر
يا حادياً نَحْوَهُمْ بلّغْ تحيتنَا / لُقّيتَ خيراً ولا يَشْعُرْ بكَ السَّفَر
وقلْ هنالكَ إن الصبَّ حمله / عنه السلام إليكمْ أيها النَّفر
تأتي مواهبُهُ المعسولُ ساكبُهَا / عن السّحاب يعيها السّمْعُ والبصر
يا غيثُ يا ليثُ يا فضّال يا وَزَرُ / يا نجمُ يا كوكبٌ يا شمسُ يا قمر
أنت الذي لم يَقُدْ جيشاً لمنزلة / إلا وزُلْزِلَ عنها البدوُ والحضر
إن كان صُوِّرَ هذا البأسُ في صِفَةٍ / فإنت لا شكَ منها النابُ والظفر
ورُبّ ليلٍ من النقع اخترقت ضحىً / والهصر منتظمٌ والهام منتثر
ولا نجومَ سوى الأرماحِ تشبهه / وليس فجرٌ سوى التحجيلِ ينفجر
رماهمُ بكتابٍ من كتيبته / عنوانُهُ واسْمُهُ الأحجالُ والغُرر
ولا خطيبَ لدى الأقوام يُنْشِدُهُمْ / شرحَ القضيّةِ إلا الصارمُ الذكر
ماذا يضرُّك من إدمانِ منطقِه / للصمتِ في مأزق آياتُهُ العبر
قد أعْرَبتْ دونه الآفاقُ مُنْهلَةً / والخيلُ مرسلةً والسيفُ ينتقر
لا غَروَ أنْ سمحتْ كفُّ الزمانِ به / فقد يجودُ بِعَذْبِ السَّلْسَلِ الحجر
وقد تجيبُ نجومُ السّعْدِ عنه فلا / يَعْرُو السحابَ بها طلٌّ ولا مطر
يَحِيدُ عنك لسانُ القول معترفاً / كما يَحِيدُ لنور الجَوْنَةِ البصر
وكيف وصفُك حالاً فاتَ عالمها / حدّ العقول فلا عينٌ ولا أثر
طالتْ مآثرُهُ كُنْهَ الوجودِ فلا / يَعيبُهُ ويكَ إلا أنه بشر
إذا رضيتَ نبا غربُ الزمان وإن / أعرضت يوماً فبئس الذكرُ والخبر
لا تَقْذِفَنْهُ بِأعْراضٍ يُطَوِّقُهُ / طَوْقَ الهجين فما في باعِهِ قِصَر
يا آخذي بِذنُوبِ الدهرِ بادرةً
يا آخذي بِذنُوبِ الدهرِ بادرةً / من عتبه لم أكُنْ منها على حذر
هيَ الليالي ولم تجهل عواقبَها / فانظر وأنت على حالٍ منَ النظر
وقد صَفَوْتُ فَرِدْني ثُمَّ معذرةً / إليك من كَدَرِ الأيّامِ لا كَدَري
واعلمْ بأنّ الليالي غيرُ آليةٍ / حتى تُفَرِّقَ بين القوس والوَترِ
صحّت لديّ أبا مروان عن طُرُقٍ
صحّت لديّ أبا مروان عن طُرُقٍ / قضيّةٌ نامَ عنها الزهرُ والثمر
نلتَ المنى من غزالٍ وصْلُهُ حُرَمٌ / يَلينُ قَداً ولكن قَلْبُهُ حجر
أحْلى من الأمن وصْلاً لو ظفرتُ به / لكن تُسَوِّفني عيناهُ والنظر
يَجولُ ماءُ الصّبا في صحْن وجنته / وَيُنبتُ الوردَ أحياناً بها الخفرُ
هو الغزالةُ في إشراق غُرّتِهِ / وابنُ الغزالةِ لحظاً زاتَهُ الحور
أتى به الدهر فرداً في محاسِنِهِ / فقلْ كثيب وقلْ غصنٌ وقلْ قمر
يا كعبةَ الحُسْنِ طاف العاشقون بها / لهم بأرْجائِها حجٌّ وَمُعتَمر
هاتِ اسقِني لا على شيءٍ سوى ذِكَرِي
هاتِ اسقِني لا على شيءٍ سوى ذِكَرِي / راحاً من الدَّمْعِ في كأسٍ من السهر
وَغَنني بزفيري بين تلك وذي / مكانَ صَوْتِكَ بينَ النايِ والوتر
أما ترى اليوم كيف اسوَدَّ سَائِرُهُ / وَهَبْهُ ليلاً أما يُفْضي إلى سَحَر
وَأيْنَ أنْجُمُه أم غالَ أنْفُسَها / هذا الردى المُتقَفّي أنْفُسَ البشر
لا بل عَنَاها فأنْسَاهَا مَطالِعَها / معنىً ترَّددَ بين الشمس والقمر
إحدى قوارعِ رضوى نالها قَدَرٌ / هلاَّ تناولها شيءٌ سوَى القدر
إذن للاقى رداهُ دون عَقْوَتِها / حيرانَ من قلقٍ حَرّانَ من ضجر
بحيثُ لا يهتديَ سهْمٌ إلى غَرَضٍ / لو نَصَّلُوهُ ببعضِ الأنْجُمِ الزُّهُر
هو الحمامُ ولم يَضْرِبْ له أجَلاً / فلا تَقُلْ لَيْتَني منه على حَذَر
يغتالُ حتى أبا شبلين ذا لُبَدٍ / رَحْبَ الذراع حديدَ النابِ والظفر
يظلُّ في غِيلهِ من رأسِ شاهقةٍ / ممَّا بهِ من بقايا الهامِ والقصر
يدعو الفراشَ بألْهُوبَيْنِ من ضَرَمٍ / كأنما اسْتُوْدِعَا وَقْبَيْنِ في حجر
وَرْدٌ له كلّ يومٍ من هنا وهنا / وِرْدٌ من الدّمِ لا يُفْضي إلى صَدَر
كلٌّ سَيُودِي وإنْ طالت سَلاَمَتُهُ / يا حاملَ الحربِ لا تغترّ بالظَّفَر
هذا عليٌّ على عُجْبِ الزّمان به / لم يَسْقِهِ الصفوَ حتى شابَ بالكدر
سَمَتْ إليه فما ارتابتْ ولا ندمت / نكراءُ جَلَّتْ له عَنْ حادثٍ نكر
عن مصرعِ الدينِ والدنيا وما وسعا / لعمرُ صَرْفِ الليالي إنّهُ لجري
يا قبرَ أمِّ عليٍ هل علمت بها / إنّ السيادةَ بين الشُّرْبِ والمدر
أُنثى ولكنْ إذا عَدُّوا فضائِلَها / لم يدْعِ الفضلَ من أنثى ولا ذكر
تتلو الكتابَ ونتلو من مآثرها / آياً كآيٍ ولم تظلم ولم تَجُرِ
قوّامةُ الليل تتلوه وتقنته / على اختلافَيْهِ منْ طول ومن قصر
حتى إذا الصبحُ جلّى ليلَها فَزِعَتْ / إلى صيامٍ بمرضاةِ الإله حري
كأَنَّ محرابَها والليلُ مُعتكرٌ / في هالة البدر بين البيضِ والعُشر
والحورُ قد برَزَتْ من كُلِّ مطّلَعٍ / تكادُ تُفْصِحُ بالإصغاء والنظر
وإنك ابنَ أبي صفوانَ قد علموا / تَنَاسُقَ المجدِ بين العَيْنِ والأثر
من معشرٍ لم يزِدْهُمْ صَرفُ دهرهمُ / إلا الجرَاءَ على أزماته الكُبَر
لم يَذْهبُوا وبلى والله قد ذهبوا / كالمُزْنِ أفضَتْ بما فيها إلى الغُدُر
نَتْلونثاهُمْ ونغذو فضلَ أنْعُمِهِمْ / لولا اشتياقٌ إلى الأشكال والصور
هنيهةً ثمّ تبديهمْ قبورهُمُ / مثلَ الكمام قد انشقّتْ عنِ الزهر
هُو الهوى وقديماً كنتُ أَحْذَرُهُ
هُو الهوى وقديماً كنتُ أَحْذَرُهُ / السُّقْمُ مَوْرِدُهُ والموتُ مَصْدَرُه
يا لوعةً هي أحلى منْ مُنى أملٍ / الآنَ أعْرفُ شيئاً كُنتُ أنكِرُه
جدٌّ منَ الشَّوق كان الهزلُ أوَّلَه / أقلُّ شيءٍ إذا فكّرْتَ أكْثره
ولي حَبِيبٌ وإن شطَّ المَزَارُ به / وقدْ أقُولُ نأَى لولا تَذكُّرُه
حمامنا فيه فصل القيظ محتدم
حمامنا فيه فصل القيظ محتدم / وفيه للبرد صرٌّ غر ذي ضرر
ضدان ينعم جسم المرء بينهما / كالغصن ينعم بين الشمس والقمر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025