رَنا فسلَّ على العُشّاقِ أحوَرهُ
رَنا فسلَّ على العُشّاقِ أحوَرهُ / سيفاً عليهمْ ذِمامُ البيضِ يخفِرُهُ
وماسَ تيهاً فثنّى في غلالتِه / قدّاً بحُمرِ المَنايا سالَ أسمَرُهُ
واِفترَّ عن لُؤلُؤٍ ما لاحَ أبيضُهُ / إلّا وياقوتُ دمعي سالَ أحمرُهُ
يا غَيرةَ البانِ إذ يُثنى مُوشّحُهُ / وخَجلةَ البرقِ إذ يَبدو مؤشّرُهُ
بمُهجَتي دَعجاً يجري بمُقلته / لا أعرفُ الموتَ إلّا حين أنظرُهُ
وبالجُفونِ جَمالاً تحت بُرقُعِهِ / لا يُسفِرُ الصبحُ إلّا حين يَسفِرُهُ
في بيعةِ الحُسنِ منه ينجلي صنمٌ / دينُ المسيح به يَقوى تنصّرُهُ
له مُحيّاً لِحاظي إنْ تُعَندِمهُ / ثوبُ الدُجُنّةِ من لَوني يُعَصْفِرُهُ
قاسَمْتُه الوردَ لَونَيهِ فأحمرُه / في وجنتَيْهِ وفي خدَّيَّ أصفَرُهُ
مُهفْهَفُ القدِّ لَغويُّ النِطاقِ حَوى / معنىً كمَحذوفِ نحويٍّ يقدّرُهُ
مجرّدُ الخدِّ من شعرٍ يدبُّ به / خالٌ إلى المِسكِ منسوبٌ مصغّرُهُ
للحتفِ في جفنهِ السّاجي مُضارعةٌ / لذلك اِشتُقَّ من ماضيهِ مَصدَرُهُ
متوّجٌ بنهارِ الشيبِ عمّمني / لمّا تقنّع بالدّيجورِ نيّرُهُ
ما كرَّ في جيشهِ مِهْراجُ طرّته / على سَنا البدرِ إلّا فرّ قيصَرُهُ
ولا اِستثارَ دُخانَ النّدِّ عارضُه / إلّا وشَيبُ قَذا لي شبَّ مِجمَرُهُ
تشبّهَ الطّيبُ في خدّيْه إذ نَبتا / فَاِبيضّ كافورُه واِسودّ عنبرُهُ
فسِحرُ عَينيهِ عن هاروتَ يسنُدُه / وخطُّ خدّيهِ عن كافورَ يَسطُرُهُ
تستودعُ الدّرَّ من ألفاظهِ أذُني / نظْماً فتَسرِقُه عَيني فتنْثُرُهُ
أمَا وقُضبانِ مَرجانٍ بجنَّتِها / من فوقِ أُنبوبِ بلّورٍ يُسوِّرُهُ
وشينِ شَهدةِ معسولٍ بمَلثمِه / وقافِ قامةِ عسّالٍ يُزنّرُهُ
لولا حَريرُ عِذارَيه لمَا نسجَ الد / ديباجَ شِعري ولا فِكْري يُصوّرُهُ
إلى مَ يا قلبُ تُصفي الودَّ ذا مَلَلٍ / لا يستقرُّ ولا يَصفو مُكدِّرُهُ
إنّ المَلولَ وإن صافاكَ ذو عجَبٍ / إن حالَ مُسْكِرُه أو مُجَّ سُكَّرُهُ
يا خَيبةَ السّعيِ قد ولّى الشبابُ ولا / أدرَكْتُ سُؤلي وعُمري فاتَ أكثَرُهُ
فما وَفى لي حبيبٌ كنتُ أعشَقُه / ولا صَفا لي خليلٌ كنتُ أُوثِرُهُ
ولا اِختَبرْتُ صديقاً كنتُ أمنحُه / صفوَ السريرةِ إلّا صِرْتُ أحذَرُه
يا دَهرُ ويحكَ إنّ الموت أهونُ من / مُذمَّمٍ بكَ يؤذيني وأشْكُرُهُ
ما لي وما لَك لا تنفكّ تُقعِدُني / إن قُمتُ للمجدِ أو حَظّي تُعثِّرُهُ
لقد غَدا البُخلُ شخصاً نَصْبَ أعيُننا / فأصبحَ الجودُ عهداً ليس نَذكرُهُ
وعاد يطوي لِواءَ الحمدِ رافعُه / لولا بَدا بَركاتِ المجدِ تنشُرُهُ
ربُّ النّوالِ الذي لولا مواهبُه / سِمطُ القَوافي لدينا بارَ جوهرُهُ
المُتْبِعُ الهِبةِ الأولى بثانيةٍ / وأكرمُ المُزنِ ما يوليكَ مُمطِرُهُ
سرُّ الإله الذي للخَلْقِ أبرزَهُ / لُطفاً وكادَ فؤادُ الغَيبِ يُضمِرُهُ
مملَّكٌ يركبُ الأمرَ المَخُوفَ ومنْ / فوق الأفاعي به يَمشي غضَنْفَرُهُ
كأنّما الموتُ مَلزومٌ بطاعَتِه / في كلِّ ما هو يَنْهاهُ ويأمرُهُ
يضمُّ منهُ غديرُ الدِرْع بحرَ نَدىً / ويحتوي منهُ بدرَ التِّمِّ مِغْفَرُهُ
سمحٌ تحرّج نهرَ السائلينَ ولا الْد / دُرُّ اليتيمُ عنِ الرّاجينَ يقهَرُهُ
يُعطي الجزيلَ فلا عُذراً يقدّمُه / للطّالبينَ ولا وَعْداً يؤخِّرُهُ
تملّك الحَوْزَ فلْتَهرُب ثَعالبُهُ / فقد تكفّلَ جيشَ المُلكِ قَسْوَرُهُ
مهذّبٌ فطِنٌ كادت فراستُه / عمّا بقلبِكَ قبلَ القولِ تُخبرُهُ
لا يلحَقُ الذُلُّ جاراً يستعزُّ به / ولا يرى الأمنَ مرعوبٌ يُذعِّرُهُ
بعدلِه الظالمُ المَرهوبُ يخذُلُه / وجانبَ البائِسِ المَظلومِ ينصُرُهُ
إنْ زارَهُ سائِلٌ عافٍ يعظّمُه / وإن تآتاهُ جبّارٌ يحقّرُهُ
لُفَّتْ على الهامةِ العُليا عِمامتُه / وشُدَّ فوقَ عَفافِ الفرْجِ مئْزَرُهُ
لا نَعرِفُ الجَدْبَ إلّا عندَ غَيبَتِه / ولا نرى الغَيثَ إلّا حين نُبصِرُهُ
قد حالَف السيفُ منه أيَّ داهيةٍ / كُبرى وصافَح يُمنى المَوتِ خنْجَرُهُ
كم قد أغارَ وشُهبُ الليلِ غائرةٌ / والفجرُ ينبَتُّ بالكافورِ عَنبَرُهُ
فآبَ والأُسْدُ في الأغلالِ خاضعة / وعاد بالنُّجْحِ والأنفالُ عسكَرُهُ
والدُّهْمُ كُمْنٌ وسُمرُ الخطّ تحمَدُه / والبيضُ صُفرٌ مَصوناتٌ تكبِّرهُ
والجوّ كالغسقِ المُسودِّ أبيضُهُ / والسيفُ كالشّفق المُحمَرِّ أخضَرُهُ
هوَ الهُمامُ الّذي صحّت سيادتُه / واِشْتُقَّ من أنبياءِ اللَّهِ عُنصرُهُ
همَّ العِدا بذهابِ النورِ منه وما / يُطْفونَ نوراً يُريدُ اللّهُ يُظهِرُهُ
يبغونَ محوَ اِسمِه من صُحْفِ مَنصِبِه / واللَّهُ في لوحِه المحفوظِ يَزبُرُهُ
بغَوْا عليه ومَن يجعلْ تجارَتَهُ / بضاعةَ البغي يوماً خابَ متجَرُهُ
وحاوَلوا الغدْرَ فيهِ وهْو أمنُهُم / وصاحبُ الغَدرِ يكفي فيه مُنكَرُهُ
ودبّروا الأمرَ سرّاً وهوَ متّكِلٌ / وربّهُ فوقَ أيديهم يدبّرُهُ
فأدركوا الوَيلَ والحُزنَ الطويل وما / رأوا من الأمرِ شيئاً سرّ منظرُهُ
فكم عزيزٍ له ولّت ضراغِمُه / وكم كِناسِ خِباً قد فرّ جُؤذرُهُ
مولاي فلتَهْنكَ الدنيا وعودتُها / إليكَ والعبدُ قد وافى مُبشِّرُهُ
وليهنِنا حجُّ بيتٍ منك دار على / شعائرِ البرِّ والمعروفُ مَشْعَرُهُ
واِرْمِ العِدا بجمارِ النّبْلِ واِسْعَ إلى / مِنى وغىً يرهبُ الضرغامَ منحَرُهُ
وبشِّرِ الخصمَ أنّ البغيَ يصرعُه / وماردَ الجورِ أنّ الظُلمَ يَدحَرُهُ
واِسْتَجلِ دُرَّ قَريضٍ كاد في حِكَمٍ / نظمُ البَديعِ بيانُ المرءِ يسحَرُهُ
ودُمْ مَدى الدهر في عزٍّ وفي شرفٍ / يسمو على الفلَكِ الدّوّارِ مفخَرُهُ