القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 10
لولا طُروقُ خيالٍ منكَ مُنتظَرِ
لولا طُروقُ خيالٍ منكَ مُنتظَرِ / يُلمُّ بي راقداً ما ساءني سَهَري
وإن خَلتْ منك عَيني حين تُسهِرها / فليس يُخْليك طُولُ الوجْد من فِكَري
تَحُلُّ في ناظِري إن زُرتَني أبداً / عِزّاً وفي خاطِري إن أنت لم تَزُر
يا مَن غدا فَرْط حُبّي وهْو يَحملُه / على البصيرة منّي أو على البَصَر
إنْ تَغْشَ طَرْفي وقلبي نازلاً بهما / فالطرفُ والقَلبُ كُل مَنزلُ القَمر
إن يَطْرُقِ الطّيفُ عَيني وهْي باكيةٌ / فالبَدْرُ في الغيم يَسْري وهْو ذو مَطر
عَمْري لقد سَحَر الأبصارَ حين سَرى / بَدراً ولم يُر لمّا زار في سَحَر
فَمَرَّ مِنّي بغُمْضٍ كان جاء به / وقُمْتُ أبكي بدمْعٍ عندها دَرَر
كأنّ جَفْنِيَ إكراماً لزائرِه / أمسَى على قَدمَيْه ناثرَ الدُّرر
تحيّةٌ من عَرارِ الرَّمْلِ واصلةٌ / والرَّكبُ يَطلُعُ من أعلامِ ذي بَقَر
وليس بالرّيح إلاّ أنّها نَسمَتْ / على مساحب ذيلٍ بالحِمَى عَطِر
كم زرتُهم وحُماةُ الحَيِّ مانعةٌ / للبيضِ بالبيض أو للسُّمْر بالسُّمُر
أرمي إليهم بطَرْفِ العَيْن أقسِمُه / بين الرّقيب وبين الإْلف من حَذَر
كعَينِ ذي ظَمأ أمسَتْ مُعايِنةً / للماء ساعةَ لا وِرْدٍ ولا صَدَر
لله خيلُ بُكاً تَجْري صَوالِجُها / أهدابُ عَيني وقَطْرُ الدّمع كالأُكر
تَخُدُّ حَلْبةَ خَدّي كلّما ذكروا / منها سَوابقُ ما تَنفكُّ في حُضُر
والجوُّ كالرّوضةِ الخضراءِ مُعرِضةٌ / لناظرِي والنّجومُ الزُّهْرُ كالزَّهَر
واللّيلُ كالرّاية السّوداء قدّمَها / للصُّبِح خيلٌ تُرى مُبيضّةَ الغُرَر
يَحكي لواءَ بني العبّاس يومَ وغىً / إذا بدا وجيوشُ التُّركِ في الأثَر
لا حائدٌ عنهما يَنجو على بُعُدٍ / أن يُدرِكهُ ولا يَأْوي إلى وَزَر
هما اللّذانِ إذا مالا على أُمَمٍ / لم يُبْقِ مَرُّهما شيئاً ولم يَذَر
إنْ ساعَدا زَمناً أو عانَدا أتَيا / بغايةِ التّفعِ للأقوامِ والضَّرر
لا يَعجبَنّ ملوكُ الأرض حين غدَوْا / واسْمُ السّوادِ لديهم رايةُ الظَفَر
لو لم يكُنْ وأيادي اللّهِ سالفةٌ / هذا الشِّعارُ معَ الأفلاك لم تَدُر
قد أَسندَتْ أَمرَها الدُّنيا إلى مَلِكٍ / ما افتَرّ عن مثْلِه خالٍ منَ العُصُر
كأنّما قال أَحداثُ الزّمانِ له / يا أَقدرَ النّاسِ قُمْ للّهِ فانتَصِر
فقد غدا الدّينُ يُغضي طَرْفَ مُضطَهَدٍ / وأَصبحَ الحقُّ يُخْفي شخصَ مُستَتِر
فقام مُستَظْهراً باللّهِ يُظْهِرُه / بالرَأْيِ طَوراً وبالهِنديّةِ البُتُر
راعٍ يَبيتُ على قاصي رَعيّتِه / فؤادُه كجناحِ الطّائرِ الحَذِر
محاسنُ السّلَفِ الماضينَ كُلِّهمُ / مجموعةٌ فيه جَمْعَ القَطْرِ في الغُدُر
له يدٌ خُلِقَتْ للجودِ فهْو لَها / طبعٌ كما خُلِقَ العينانِ للنَّظَر
إن أنت يا بحرُ لم تَملِكْ ندىً خَضِلاً / فمِنْ يمينِ الإمامِ القائمِ اسْتَعِر
وأَنت يا بَدرُ إن أَظلَمْتَ في أُفُقٍ / فجُزْ بسُدّتهِ العَلْياء تَستَتِر
ويا حُسامُ إذا لم تَحْكِ عَزْمتَه / فما تَسَمّيك بالصّمصامةِ الذَّكَر
مَلْكٌ إذا قَدَّرتْ أمراً عزائمُه / وافَى معَ القدَر الجِاري على قَدَر
في مَعْرِضِ السِّلْمِ تَجلو الحَرْبُ نَجدَته / إذا الأعادي رَمَوا باللّحْظِ من أَشَر
فالسُّمْرُ مركوزةٌ والبِيضُ مُغمَدةٌ / لكنّها في طُلىً منهمْ وفي ثُغَر
إذا تلاقَتْ له يوماً قناً وعِداً / أَجلَيْنَ عن مِزقٍ منها وعن كِسَر
من كلِّ كَعْبٍ لها بالكَعْبِ مُختلِطٍ / وكلِّ صَدْرٍ لها في الصَّدْرِ مُنْكَسِر
للّهِ دَرُّك إذ تَرعَى الورَى حَدِباً / من مُقْتفٍ سُنَنَ الآباء مُقْتَفِر
له من الحَبْرِ عبدِ اللّهِ علْمُ هُدىً / يُجْلَى من النُّطْقِ في أَبهَى من الحِبَر
ويَسحَرُ القلبَ تسويدُ البياضِ بِه / كأنّما هو مجموعٌ منَ الحَوَر
يا مَنْ سريرتُه عَدْلٌ وسيرتُه / لكلِّ مُستَخْبِرٍ عنها ومُخْتَبِر
نَفديك من مَلِكٍ إنْ يَغْدُ مُنْتَقِماً / يُمهِلْ وإنْ يُسألِ الإنعامَ يَبتَدِر
أَغَرُّ أَزهَرُ فيّاضٌ أَنامِلُه / من معشرٍ كمصابيحِ الدُّجَى زُهُر
قومٌ بنو خَيرِ أَعمامِ النّبيِ هُمُ / فما يُدانيهمُ فَخْرٌ لمُفتَخِر
يا وارثَ الأرضِ والأمرِ المُطاعِ بها / إرْثاً من السّابقِ المكتوبِ في الزُّبُر
بِكُمْ قديماً رسولُ اللّهِ بَشَّرنا / كما بِه بشّرتْنا سالفُ النُّذُر
لمّا غدا من أبيكم واضِعاً يَدَهُ / مَجداً على ظَهْرِ خيرِ البدْوِ والحضَر
وأنتُمُ فيه أسرارٌ مُكتَّمةٌ / من كلِّ وارثِ مُلْكِ الأرضِ مُنتظَر
إليكُمُ مَدَّ يُمناهُ يُعاهِدُكم / هُناك بالعدلِ والإحسانِ في السِّيَر
شبيهَ ما عاهدَ اللّهُ الأنامَ وهم / من بعدُ في الظَّهْرِ سِرٌّ من أَبي البَشَر
حُكْمٌ قضَى لكُمُ رَبُّ السّماء به / على العبادِ برَغْمِ الكاشِحِ الأشِر
هل بعد قولِ رسولِ اللّهِ من رِيَبٍ / أم هل كصِدقِ رسول اللّه في خَبَر
سَمَّى الخلافةَ مُلكاً بعد أَربعةٍ / هم في الأنام وأنتم خِيرةُ الخِيَر
وقال من بعدُ للعبّاس في مَلأَ / افخَرْ فأنت أبو الأملاك من مُضَر
فعِلْمُنا مُدّةَ الدنيا خلافَتُكُم / بواضحٍ في بُطون الكُتْب مُستَطَر
لا مثْلما زعمَتْ من جَهْلِها عُصَبٌ / لا يَرجِعون إلى عَيْنٍ ولا أَثَر
هل بعدَ حقٍ إذا صحَّتْ دلائلُه / إلاّ ضلالٌ فخُذْ إنْ شِئْتَ أو فَذَر
إذا تَلوْنا أحاديثاً رُوِينَ لكم / تَريبُنا نَفْرةٌ تَبدو على نَفَر
حتّى لقد صار يَحكي قولُ ذي أثَرٍ / على فؤادِ المُعادي فِعْلَ ذي أُثُر
عليه حَرْفٌ من المأثور مُشتَهِرٌ / نظيرَ حَرْفٍ من المأثورِ مُشتَهر
إلى إمام الهُدَى مَدَّتْ هَواديَها / عِيسٌ وصلْن لنا الآصالَ بالبُكَر
حتّى حطَطْنا إلى الزّوراء أرحُلَها / وعُوجُ أضلاعِها يُعدَدْن من ضُمُر
كأنّها من وعولٍ وَسْطَ مُنتطَحٍ / سلَكْنَ أو من رماحٍ بين مشتَجَر
سارتْ بنا وسرَتْ حتّى أَتَتْه بنا / ومَن يَزُرْ كعبةَ العلياء لم يَجُر
خليفةَ اللهِ صفْحاً عن أخي زَلَلٍ / فَمدْحُ مثْلكَ شَيءٌ ليس في القُدَر
لغيرِك الدّهرَ قَولي إن مَدحتُ أَصِخْ / وعند مَدحِك قَولي كلُّه اغتَفِر
إن لم تُعِدْ نظَراً فينا بعَيْن رِضاً / لم يَخلُص الصَفْوُ لي يوماً من الكَدَر
لولا رجاءٌ وخوفٌ منك مُقتَسَمٌ / ما كان عن ذنْبه دهرٌ بمُعْتَذِر
الدّهرُ عَبدُك تُرعيه الورى كرماً / فَمُرْه فينا بما أَحبَبْتَ يأْتَمِر
والأرضُ دارُك والنُّعمَى قِراك بها / والضيّفُ كُلُّ الورى والنّحْرُ بالبِدَر
فَدُمْ كذاكَ أميرَ المؤمنين لنا / جَذْلانَ في ظِلِّ مُلْكٍ غيرِ مُنحَسِر
وصُمْ وأَفطِرْ بسَعْدٍ وارْمِ أَفئدةَ ال / حسّادِ يُصبِحْنَ من مُصمىً ومُنفطِر
تَغْدو بآلِكَ ذا نَفْسٍ مُمتَّعةٍ / وأَوليائك في طُولٍ من العُمُر
ما لاحَ في جُنْحِ ليلٍ أَنجمٌ زُهُرٌ / كأنّها غُرَرٌ يَلْمَعْنَ في طُرَر
أمّا الغزالُ الذي أَهوَى فقد هَجَرا
أمّا الغزالُ الذي أَهوَى فقد هَجَرا / أنْ عادَ رَوضُ شبابي مُبدِياً زَهَرا
فهل سَمعْتُمْ بظَبْيٍ في مَراتعِه / إذا رأَى زَهَراً في رَوضةٍ نَفَرا
قد كنتُ سارِقَ عيشٍ غيرَ مُفتَكِرٍ / من تحت ليلِ شبابٍ كان مُعتَكِرا
فالآن أقمَرَ ذاك اللّيلُ من كِبَرٍ / فَعُدْتُ عن سَرَقِ اللّذّاتِ مُنزَجِرا
عُلُوُّ سِنٍّ ضحا رأسي له عَجلاً / والظِلُّ مهما تعالَتْ شمسٌ انحَسَرا
نَضا رِداء سوادٍ كنتُ لابِسَه / فانظُرْ بأيِّ شعارٍ فُجِّعَ الشُّعَرا
وشِبْتُ فاحتجبتْ عنّي الحسانُ قِلىً / وكان منهنّ طَرْفي يَجْتلي صُوَرا
إذا بياضٌ أفاتَ المرءَ رُؤيةَ مَنْ / يَهوَى فسِيّانِ شَعْراً حَلَّ أو بَصَرا
عَصْرٌ أُجِدُّ بتَذْكاري له طَرَباً / حتّى أُقطِّعُ أيامي به ذِكَرا
يا قاتَلَ اللهُ بدراً لستُ أَذكرُه / إلاّ تَرقرقَ دَمعُ العَينِ فابتَدَرا
إلْفٌ أقولُ قياساً عند رُؤيتِه / إذا بدا وإذا ما زار طيفُ كَرى
مُقنَّعٌ في جُفوني كلّما رقَدَتْ / أم يُوشَعٌ في يدَيْهِ كلّما سَفَرا
بَدْرٌ سِدادُ طريقِ الدَمعِ مَطلِعُه / في ناظري فمتى ما غابَ عنه جَرى
لِثامُه مثْلُ غَيْمٍ حَشْوه بَرَدٌ / يَشِفُّ من بُعُدٍ عنه وما حُدِرا
كأنّما سَكِرَ العَينانِ منه بما / تقولُ في فيهِ من أصداغِه عُصِرا
تَمَّتْ محاسِنُه إلاّ قَساوتَه / على الأنام وإلاّ قَتْلَهمْ هَدَرا
كأنّه صنَمٌ أهدَى الحياةَ له / رَبُّ العبادِ وأبقَى قلبَه حَجَرا
لَيلي وعَينيَ لا أدري لفُرقتِه / أجُنحُه طالَ لي أم جَفنُها قَصُرا
كأن جَفْنيَّ طُولَ اللّيلِ من أرَقٍ / على حَجاجَيَّ بالأهدابِ قد سُمِرا
أو الإمام غداة العَرْضِ حين غَزا / تقاسَمتْ صُبْحَ ليلي خَيلُه غُرَرا
لمّا تَجلّتْ من الزّوراء طالعةً / تحت الفوارسِ مَرْحَى تَنْقُضُ العُذَرا
سودٌ بُنوداً وبيضٌ أوجهاً طلَبتْ / عِداً لِتَخْضِبَ حُمْراً منهُمُ السُّمُرا
تَحُفُّ أرْوعَ مَيْموناً نقيبتُه / مهما أشار بها لم يَعْدُه أشِرا
مَلْكٌ يقودُ جنوداً من ملائكةٍ / في طاعةِ اللهِ لا يَعصُونَ ما أَمَرا
وآخَرِينَ طِلاعَ الأرض من بُهَمٍ / تَهُزُ أيمانُها الهِنديّةَ البُتُرا
قومٌ إذا غَرسُوا بين الضلوعِ قناً / عادتْ حَوامِلَ من هامِ العِدا ثَمَرا
لم يَبقَ في الأرضِ لا ظُلْمٌ ولا ظُلَمٌ / إلاّ طُوِي بِيَدِ العدلِ الّذي نُشِرا
وقام مسترشِداً باللهِ أَرشَدَه / فما يطيشُ له سَهمٌ إذا افتكَرا
فإن دعا كان جُودُ الغَيثِ مُتَّصلاً / وإن سَخا كان غَيْثُ الجُودِ مُنَهمِرا
لا يَعجَبِ القومُ إنْ أَبدَى تَجَرُّدَهُ / فإنمّا هو سيفُ اللهِ قد شُهِرا
هم أغضبوا اللّهَ فاجتاحَ العُداةَ به / لا غَرو حين وتَرْتَ اللّهَ إن ثَأرا
لمّا أطالَ الطُّلَى قومٌ إلى فِتَنٍ / لم يُمْهِل السّيفُ حتّى قَصَّر القَصَرا
ضَرْباً إلى الأرضِ للتقبيلِ راغمةً / تَلقَى الثُغورَ وطَعْناً يَنِظمُ الثغَرا
ورَشْقةً تَخطِفُ الأرواحَ صائبةً / مِمّا تُطايرُهُ نارُ الوغَى شَرَرا
للمارِقينَ من الدّينِ الّذين طغَوْا / بالمارقاتِ من النَبْعِ الّذي انْأطَرا
تَجنَّحوا بسهامٍ في جُنوبِهمُ / لولا وَشيكُ الرّدى طَاروا بِها حَذَرا
لم يأكلِ النّسْرُ قَتْلاهم مُشاكلَةً / لمّا علا شِلْوَهم مَن ريشُهُ اشتَكَرا
قد أضحتِ الأرضُ تُحِكي تحتهم وضَماً / مِمّا قتلْتَ فلمَ تَعدَمْ بهمْ وضَرا
فلو غَسلْتَ الثَرى من وَطء أرجُلِهم / بغيرِ ماءِ الطُّلى منهمْ لمَا طَهُرا
فحاطَكَ اللهُ مَلْكاً ثار مُمتَعِضاً / للدِينِ حتّى جَلا عن وَجْهِهَ القَتَرا
لو لم تُكَسَّرْ رماحُ الخَطِّ شاجرةً / إذَنْ لكانَ لكَسْرِ الدّينِ ما جَبَرا
نُصْحاً لكم يا ملوكَ الأرضِ فانتَصِحوا / كفَى برائعِ ما بُلّغتُمُ خَبَرا
هو ابْنُ مَن بعجَ اللهُ الغمامَ له / حتّى تَرهْيا فأحيا البَدْوَ والحَضَرا
فحاذِروا مَن إذا ما شاء مُنتقماً / عَدَّ الحديدَ غماماً والدَّمَ المَطَرا
فيئوا إلى كُتْبِه واخشَوْا كتائبَهُ / قد أصحَر اليومَ ليثٌ طالما خَدَرا
نافٍ غِرارَيْهِ من جَفْنَيهِ ذو حَدَبٍ / يُواصِلُ الضَرْبَ دون الدِّينِ والسّهَرا
فِداؤكم آلَ عبّاسٍ وإنْ صَغَروا / من العدا مَن أسرَّ الخُلْفَ أو جَهَرا
حُكْمٌ منَ الله في الدُّنيا لدولتِكم / ألاّ يُغادِرَ حَيّاً مَن بها غَدَرا
ما استوطأ الظّهرَ مِن عَصيانِكم أحدٌ / إلاّ وقالتْ له الأيّامُ سوف تَرى
ما جَرَّد السَّيفَ باغٍ حَرْبَكم فرأى / لذلكِ السيفِ إلاّ نفسَه جَزرا
لقد رأى اللّهُ ما أَبَدى خليفتُه / وما أعادَ مِنَ العدْلِ الذي اشتَهرا
خلافةٌ رشّحتْهُ السّابقونَ لها / وِراثةً قد نَفَوا عن صَفْوِها الكَدَرا
ودَرَّجتْه إليها أوّلونَ دَعَوا / للمؤمنينَ فذادوا عنهمُ أُمَرا
سَفّاحُهم بَعْدَهُ المنصورُ يَتْبَعُه ال / مَهديُّ واقتفَر الهادي له الأَثرا
ثُمّ الرّشيدُ وأبناءٌ له نُجُبٌ / ثلاثةٌ للهُدَى أَعزِزْ بهِم نَفَرا
أمينُ مُلْكٍ ومأمونٌ ومُعتَصِمٌ / وواثقٌ وكفَى فَخْراً لِمَنْ فَخَرا
ومَن تَوَّكل فيما قد تَقلَّدَه / ومَن دَعَوه لدينِ اللّه مُنْتَصِرا
والمُستعينُ له المُعتَزُّ مُرتَدفٌ / والمُهتدي بالإلهِ المُرتَضَى سِيَرا
وقام مُعتَمِدٌ يَتلوهُ مُعتَضِدٌ / ومُكْتَفٍ مُعْقِبٌ للمُلْكِ مُقْتَدِرا
والقاهرُ العَدْلُ والرّاضي ومُتّقِياً / فاذْكرْ ومُستَكْفياً من بَعْدِ مَنْ ذُكِرا
ثُمّ المُطيعُ يَليهِ الطّائعُ اختُتِمَتْ / عُلْياهُ بالقادرِ الكافي إذِ اقتدرا
وقائمٌ قد تَلاهُ مُقْتَدٍ سَبَقا / أيّامَ مُستَظْهِرٍ باللّهِ قد ظَهَرا
خلائفٌ نُظِموا في سِلْكِ دَهْرِهمُ / ونورُ وَجْهِك منهم في المنونِ سَرى
فما عدا وهْو سِرُّ اللّهِ أَضمَرَه / بيومِ إظْهارِه أن بَشَّرَ البَشَرا
وَثمَّ عِدّةُ أملاكٍ ذَوي شَرَفٍ / تَقَدَّموه وكانوا أنجُماً زُهُرا
عِشرونَ يَتْبَعُها منهم ثمانيةٌ / كانوا المنازلَ والمسترشدُ القَمَرا
إنِ استَسَرَّ وراءَ الحُجْبِ آوِنةً / فقد شفَى العينَ إهْلالٌ له بَدَرا
فارقَبْ نَماءَ منَ الإقبالِ مُتَّصِلاً / ودوْلةً سوف تُفْني دَهْرَها عُمُرا
يا بحرَ علمٍ نَماهُ الحَبْرُ والدُه / مَجْداً ويا بَدْرَ تِمّ يَمطُرُ الدُّررا
أنعِمْ عليَّ بخَطٍّ ما حَظِيتُ به / وكم مَددْتُ إليه العينَ مُنتَظِرا
شمسُ الهدى طلعَتْ للخَلْقِ مُشرِقةً / وما رُزِقْتُ إلى أنوارِها نَظَرا
والبيتُ من دونِه الأستارُ قد رُفِعَتْ / ولم أكنْ أنا فيمنْ حَجَّ واعتَمرا
فما أرى أنّني أهدَيْتُ مُمتدِحاً / شِعْرِي ولكنّني أهدَيْتُ مُعتَذِرا
وقَلَّ سُؤْراً لكم منّا قصائدُنا / حِياضُ مَدْحِكُمُ قَدْ أُترِعَتْ سُؤَرا
كلٌّ من البحرِ مُمتارٌ لدرّتِه / ولي إلى البحرِ راوٍ يَحمِلُ الدُّررا
وواعدي بالغنى فَقْرِي إليك وقد / نالَ الغنى مَن إلى إنعامِك افتقَرا
خليفةَ اللهِ جَلَّلْتَ الورى نِعَماً / ألا فلا لَقِيَتْ أيّامُك الغِيَرا
هَبْ للثَّرى نظْرةً تَرمي بها لتَرَى / هامَ الرُّبا برِداء النَّورِ مُعتَجِرا
قد زَيَّنَ الأرضَ شُكراً أنْ بَقيتَ لها / والوعْدُ أنْ سيزيد اللهُ مَن شَكَرا
لمّا تباشَر إصباحاً شقائقُها / بأنْ نُصِرتَ وكانتْ قُمْصُها حُمُرا
رَدَّتْ على الأرؤسِ الأذيالَ من طَرَبٍ / لخَلْعِهنّ على مَن بَلّغَ الخَبَرا
لقد بَلغْتَ أميرَ المؤمنين مَدىً / عنه السُّها قاصِرٌ لو كُنتَ مُقتصِرا
مَن فَرّ منك يَجوبُ الأرضَ مُنهزماً / يَزدادُ وِزْراً ولكنْ لا يَرى وَزَرا
في الشّرقِ والغَربِ لا يُفْضي إلى سَعَةٍ / ذو الذَّنْبِ إلاّ إذا ما كنتَ مُغتَفِرا
ألا فَنَوْرِزْ مُطاعَ الأمرِ مُبتهِجاً / مُقسِّماً في الأنامِ النّفْعَ والضّرَرا
ودُمْ لنا ووَلِيِّ العَهْدِ مُحتفِظاً / منه بأنفَسِ ذُخْرٍ للورَى ذُخِرا
في دولةٍ من صُروفِ الدَّهْرِ آمنةٍ / وعيشةٍ لا تَرَى عن وِرْدِها صَدَرا
كتابُ عبدٍ إلى مَولاهُ يَعتَذِرُ
كتابُ عبدٍ إلى مَولاهُ يَعتَذِرُ / ذي خَجلةٍ قَلْبُه مِمّا جنَى حَذِرُ
فإنْ غدا وله في قَلْبِه أثَرٌ / لم يَبْقَ للعَبْدِ لا عَيْنٌ ولا أثَر
وإنْ غدا قابِلاً أعذارَهُ كرماً / فلا يَزالُ على الأكفاء يَفْتَخِر
هل غافِرٌ أنت تَقْصيراً عثَرْتُ به / يا مَنْ بلُقياهُ ذَنْبُ الدّهرِ يُغتَفَر
ومَن بقُربيَ منه غُربتي وَطَنٌ / ومَن مُقاميَ عنه نائياً سَفَر
حَرمْتُ نَفْسيَ أعْلَى مَفْخَرٍ فغَدا / من الغبينةِ قلبي وهْو يَنْفَطِر
لكنْ تُعِلّلُ منّي النَفْسَ مَعرفتي / بأنّ عهدَ ولائي الدّهرَ مُدَّكَر
وأنّني من ذُرا المَولَى صفاءَ هَوىً / أُدْنَى وإن غبْتُ من قومٍ وإنْ حَضَروا
يا مَن غدا شاغِلي عن فَضْلِ خدمتِه / بفَضْلِ نعمتِه والصّدْقُ يَشْتَهِر
أكثرتَ رِفْدِي فأكثَرتُ التّفكُّرَ في / إحرازِه وأخو التّحصيلِ يَفتكِر
وقيل إن لم تُبادِرْ قَلَّ حاصِلُه / وفُرصةُ الشَّيءِ تُرجَى حينَ تُبتَدَر
فمِن حَيائي ومن شَوقي إليك أرَى / نارَيْنِ كلتاهما في القَلْبِ تَستَعِر
فلا تَظُنَّنَّ أنّي عنك مُصطَبِرٌ / وإن رحَلْتَ فمالي عنك مُصطَبَر
إن أصبحَتْ قُبلةُ التّوديعِ فائِتَتي / فَسَلْوتي أنّها للعَودِ تُدَّخَر
كأنّني بي وقد أعجلْتُ مُنصَرَفي / إلى ذُراكَ ولُطْفُ اللهِ مُنتظَر
وصدَّق اللهُ فأْلي في تَوجُّهِكُمْ / وصدْقُ فأليَ للأصحاب مُخَتَبر
وعُدْتَ أحسنَ عَوْدٍ عادَه أحَدٌ / من وِجهةٍ عَرضَتْ فاستبشَر البَشَر
وأقبلتْ رايةُ السّلطانِ طالعةً / والنَّصرُ في ظِلِّها يَختالُ والظّفَر
وزُرتُه قَلميَّ المشْي من طَرَبٍ / لمّا أتاني بهِ عن سَيْفِه الخَبَر
وصغْتُ تَهنئةً بالفتحِ تَحسُدُها / من حُسْنِها في السماء الأنجمُ الزُّهُر
ونِلْتُ منه نَوالاً لا يُشاكِلُه / إلاّ قِطارُ الغَوادي وهْي تَنْهَمِر
ولن يَفوتَ غِنىً أنت الضّمينُ له / وإنْ تَصدَّتْ ليالٍ دُونه أُخَر
يا مُغْنِياً لي بآلاءٍ يُواصِلُها / إنّي إليك وإن أغنَيْتَ مُفتَقِر
لي منك مَضْمونُ إدرارٍ إلى صِلَةٍ / كُلٌّ له حين يُسْمَى عندهُمْ خَطَر
فلو جَرى قَلَمُ المَولَى بتَوصيةٍ / في بعضِ كتْبٍ إلى النُّوّابِ يُستَطَر
كانتْ كعادةِ طَوْلٍ منه عَوَّدها / وعادةُ الطَّولِ طُولَ الدَّهر تُدَّكر
وَرْدُ الملوكِ كثيرُ الشّوكِ إن غفَلُوا / عن مُجتَنيهِ فأدْنى نَيْلِه عَسِر
وهْو الهنيءُ قِطافاً إن غدا كرماً / لهم إلى المُجتَني من بُعْده النّظَر
يا واهبَ الألْفِ جُوداً وهو يَحقِرُها / والرفُدُ أعظَمُ قَدراً حين يُحتقَر
بَقيِتَ للمُلكِ ألفاً في ظلالِ عُلاً / ودولة لك لا تنتابُها الغِيَر
ألفاً إذا الدّهرُ أحصاها استقَلَّ كما / تَغْدو لنا واهباً ألفاً وتعتَذِر
وبعدَ ألْفٍ أُلوفاً يَرتدِفْنَ كما / من جُودِ كفِّك تَتلو البِدرةَ البِدَر
مُمتَّعاً ببَنيكَ الغُرِّ أوجهُهم / مثْلَ الكواكب يبدو وَسْطَها القَمَر
في ظلِّ مَن هو ظِلُّ اللهِ من شرفٍ / في أرضِه فهْو ظِلٌّ ليس ينحَسِر
مَلْكِ الملوكِ العظيمِ المُلك حين غدا / منك الوزيرُ له في الدّهْرِ والوَزَر
تَبقَى ويَبقَونَ في نَعماءَ عاكفةٍ / وعيشةٍ ما لكم من وِرْدِها صَدَر
ومُشْبِهاً عيشَكم في الدّهرِ مُلكُكمُ / فلسَ يَعرضُ في صَفْويْهما كَدَر
بكم حَوى الفخْرَ دَهْرٌ ضمَّ شملَكمُ / ما قيمةُ السِّلْكِ إن لم تُغْلِهِ الدُّرَر
نشَدْتُك اللّهَ هل تَدرينَ يا دارُ
نشَدْتُك اللّهَ هل تَدرينَ يا دارُ / ماذا دَعا الحَيَّ من مَغْناكِ أنْ ساروا
ساروا يَسيحون في آثار ما تَركُوا / في الدّارِ من جَفْنِ عَيْني وهْو مِدرار
وقفتُ لم أتقَلّدْ للحَيا مِنَناً / فيها ومنّيَ في الأجفانِ إسْآر
كأنّني واضعاً خَدّي به قَلَمٌ / أَبكِي أَسىً ورُسومُ الدّارِ أَسطار
دارُ التي قلتُ لمّا أن تأوَّبني / منها خيالٌ سَرى والركبُ قد حاروا
أَبارِقٌ ما أَرى أم رأيةٌ نُشِرَتْ / أم كوكبٌ في سوادِ الّليلِ أم نار
لا بل أُميمةُ أمستْ سافِراً فبَدَا / من أوّلِ الّليلِ للإصباح إِسفار
أكلّما كاد يَبْلَى الوَجْدُ جَدَّدهُ / طَيْفٌ على عُدَواء الدّارِ زَوّار
لغادةٍ كمَهاةِ الرَّمْلِ ناظرةٍ / شِفارُ أسيافِها للفَتْكِ أَشفار
خَوْدٌ إذا سفَرتْ للعين أو نطَقتْ / فالطَرْفُ لي قاطفُ والسّمعُ مُشتار
تُريكَ حَلْياً على نَحْرٍ إذا التمَعا / لاحا كأنّهما جَمْرٌ وجُمّار
لمّا أتَتْ رُسُلُ الأحلام زُرتُهمُ / ليلاً وهل عن هوَى الحسناء إقصار
والحَيُّ صرعَى كرىً في جُنْح داجيةٍ / كأنّهم منه في الأحشاء أَسرار
سحَبْتُ ذَيلَ الدُّجَى حتّى طَرقتُهمُ / بسُحرةٍ وقميصُ اللّيلِ أَطمار
أَزورُهم وسِنانُ الرُّمح من بُعُدٍ / إليّ بالمُقْلةِ الزَّرقاء نَظّار
فاليومَ لا وَصْلَ إلاّ أن يُعِلّلَني / في العينِ طيفٌ لها والقلب تَذْكار
لا أَشربُ الدّمعَ إلاّ أن تُغَنِّيَني / وُرْقٌ سواحِرُ مهما رَقَ أَسحار
من كُلِّ أخطَبَ مِسْكِيّ العِلاطِ له / في مِنْبَر الأيكِ تَسجاعٌ وتَهدار
خطيبُ خَطْبٍ وقد أفنى السّوادَ بلىً / فمِنْ بَقِيّتِه في الجِيدِ أزرار
شادٍ على مذهبِ العُشّاق أَعجَبَه / تَفَقُّهٌ فله باللّيل تَكرار
حُرٌّ رأَى فَرْطَ أشواقي فاَسعدَني / والحُرُّ يُسعِدُه في الدَّهر أحرار
صَبٌّ تَجاذَبُه الأهواءُ واقتسمَتْ / سُرىَ مطاياهُ أنجادُ وأغوار
والدَّهرُ مذ كان من تَكْديرِ مَشْربهِ / لم تَجتمِعْ فيه أوطان وأوطار
للرّوضِ والرّيحِ إذْكارٌ بفاتنتِي / فالرّوضُ حاليةٌ والريحُ مِعطار
أَمتارُ من جَفْنِها سُقْماً يُحالِفُني / فهل سَمعتُمْ بسُقْمٍ قَطُّ يُمتار
لا تَكْذِبَنَّ فسلطانُ الهَوى أبداً / في دينِه لدمِ العُشاقِ إهدار
حتّى متى يا ابنةَ الأقوامِ ظالمةً / لكِ الذُّنوبُ ولي عنهنّ أَعذار
أقسَمْتُ ما كُلُّ هذا الضّيم مُحتَملٌ / ولا فُؤادي على ما سُمْتُ صَبّار
إلاّ لأنّكِ منّى اليوم نازلةٌ / في القلب حيثُ سديدُ الدّولةِ الجار
أَعَزُّ مَن ذَبَّ عن جارٍ وأَكَرمُ مَن / هُزَّتْ إليه على الأنضاء أكوار
للهِ يومٌ تَجلَتْ فيه عُزَّتُه / ساعاتُه غُرّةٌ للنّاسِ أعمار
كأنّه كَعبةٌ قد سافَرتْ كَرماً / حتّى قضَى الحَجَّ في الأوطانِ زُوّار
لكنْ بدا كعبةً ما دونَ طَلْعتِه / للعينِ إلاّ غبارَ الخيلِ أَستار
كأنّما الشّمسُ فيما ثار مِن رَهَجٍ / سِرٌّ له في صَميمِ القلبِ إضمار
كأنّها من خلالِ النَقْعِ قائلةٌ / إن غابَ نُورٌ كفَتْكم منه أَنوار
من باهرِ البِشْرِ وَضّاحِ أَسِرَّتُه / بالوجهِ منه للَيْلِ النّقْعِ أَقمار
وتحته مُقْبِلاً رِيحٌ مُجسّمَةٌ / يُصيبُ منها جَبينَ النّجمِ إعصار
كأنّها في حواشي رَوضةٍ أُنُفٍ / فالحلْيُ منها على الأَقطار نُوّار
إذا مَساعِي سديدِ الدَّولتينِ بدَتْ / فما لِسَعْيِ ملوكِ الدَّهْرِ أخطار
سما يرومُ العلا حتّى المجَرّة مِن / تَسحابِه الذَّيلَ في مَسْراه آثار
والشّمسُ والبدرُ مِن فَضْلاتِ ما نثروا / في طُرْقِه درهمٌ مُلقىً ودينار
للنّاظِرِين إلى عَليائه وإلى / عُلْيا بني الدّهرِ إكبارٌ وإصغار
في كفِّه قلمٌ للخطْبِ يُعملُه / كأنّه لجِراحِ الدَّهرِ مِسْبار
تخالُه رايةَ للفضلِ في يدِه / وخلْفَها جحفلٌ للرَّأيِ جرّار
يَزِلُّ منه إلى القرطاسِ دُرُّ نُهىً / لهنّ عند ذوِي التّيجانِ أقدار
ما تُضمِرُ النّفْسُ شكّاً أنّها دُرَرٌ / بِيضٌ لهنَّ كما للدُّرِّ أَبشار
لكنْ لمُلْكِ بني العّباسِ دَعْوَتُها / من أجلِ ذلكَ للتّسويدِ تُختار
تَهْدِي الوَرى بمِدادٍ والعيونَ كذا / منها الأناسيُّ سُودٌ وهْي أبصار
لمّا أهابَ أميرُ المؤمنين إلى / تذْليلِ صعْبٍ أُتيحتْ فيه أسفار
فارقْتَه لا لنقْصٍ منك يُكْمِلُه / سيْرٌ كما ابتدَرتْ بالبُعْدِ أقمار
وإنّما لك عند الاجتماعِ به / قبلَ انصرافِكَ عنه ثَمَّ إبدار
بل أنت سَهْمٌ سديد من كِنانتهِ / له مع اليُمْنِ إيرادٌ وإصدار
سَهْمٌ يُنالُ به ثأْرُ الهُدَى أبداً / إذا ترامتْ به في اللهِ أوتار
يُصيبُ قاصيةَ الأغراضِ مُرسِلُه / حزْماً وَيسبِقُ بالإصماء إنذار
يُرضي الأئمّةَ في قُرْبٍ وفي بُعُدٍ / أقام في الحيِّ أم شطّتْ بهِ الدّار
ذو طاعَتيْنِ بخط لم يزَلْ وخُطاً / ميْمونةٍ نقْلُها للمُلْكِ إقرار
يَسيرُ كيْما يُقِيموا في العُلا وكذا / شُهْبُ الدُّجَى ثابِتٌ منها وسَيّار
فالمُلْكُ في بَيْتِه يُلْفَي تَمَهُّدُه / بأن يُرَى منك في الآفاقِ تَسيار
كالأرضِ يُمْسِكُها ألاّ يَزال يُرَى / من حَولِها فَلَكٌ يُحْتَثُّ دَوّار
يا ابنَ الأكارمِ والآباءُ ما كسَبوا / منَ العُلا فهْو للأبناء أذخار
شَرُفْتَ نفْساً ونَجْراً والأصولُ كَذا / إذا صفَتْ لم تَضِرْ بالفَرْعِ أكدار
آلاؤك الطّوقُ والنّاسُ الحَمامُ فهم / في حَلْيها وقَعوا في الأرضِ أم طاروا
ما إن تُفَكُّ طُلاهم من قلائدِها / ما أنجدوا في بلادِ اللهِ أو غاروا
كمن تألَّى على مَسْح السّحاب إذا / صافَحْتَهُ أنت عامَ الجَدْبِ أبرار
جَزتْكَ عنّا جوازي الخيرِ من رَجُلٍ / آثارُه كلُّها في الحُسْن أسمار
ليثُ الكتيبةِ أم ليثُ الكتابة أم / حاوِي المعاني وما للحَقِّ إنكار
ليثٌ عَرِيناهُ باْسٌ أو ندىً ولَه / بالبِيضِ والرُّقشِ أنيابٌ وأظفار
لكَ المَقاوِمُ دونَ الدّينِ قُمْتَ بها / ثَبْتَ المواقفِ والأعداءُ قد ثاروا
والبِيضُ قد فُتّقتْ عنها كَمائمُها / والسُّمْرُ منهنّ في الأطرافِ أزهار
والخيلُ تُوردُها الفُرسانُ بحْرَدَمٍ / تَخوضُه ولبَرقِ السّيفِ أمطار
لمّا انثنَوا وسيوفُ الهندِ مخمَدةٌ / نيرانُها ورماحُ الخَطِّ أكسار
حَنَّتْ ضلوعُ الحنايا العوجُ نحوَ عِداً / أحداقُهم لِمُطارِ النَّبْلِ أوكار
حتّى إذا ما جرتْ في كلِّ مُلتفَتٍ / من فْرطِ إنهارِهم للطَّعْنِ أنهار
رَدّوا الوشيجَ وفي أغصانِه وَرَقٌ / من الدّماء وبالهاماتِ أثمار
ما إن شهِدْتَ الحروبَ العُونَ لاقِحةً / إلاّ نتجْنَ فُتوحٌ ثَمَّ أبكار
عاداتُ نصْرٍ على الأعداء عَوّدها / هادٍ إلى اللهِ يُهْدِي الخلقَ إن حاروا
خليفةُ اللهِ مَن أضحَى مُخالِفَه / أتاه مِن طَرفيْهِ النّارُ والعار
فلا عَدا السّوءُ مَنْ عاداهُ من مَلكٍ / كَفّارُ أنعُمه باللهِ كَفّار
ودامَ مُرعيهِ أهْلَ الدّهرِ راعيَهُ / ما استَوعبَتْ سِيَرَ الأحرارِ أشعار
وعادَ وافِدُ هذا العيدِ نَحوَكُما / بالسّعْدِ مَاكرَّ بالأعيادِ أعصار
مُضحّياً بالعدا تُدمَى تَرائبُها / ما سُنَّ بالبُدنِ إذ يُهدَيْنَ إشعار
سَلا رسوماً أقامتْ بعدَ ما ساروا
سَلا رسوماً أقامتْ بعدَ ما ساروا / أعِندها بمكانِ الحيِّ أخبارُ
ورَوّحا عاتقي من حَمْلِها مِنَناً / للسُّحْبِ فيها وفي الأجفانِ إسْآر
رَبْعٌ وقفْتُ به والسّمعُ مُرتَنِقٌ / عنِ الملامِ هوىً والدّمعُ مدرار
كأنّني واضعاً خَدِّي به قَلَمٌ / أبكِي أسىً ورُسومُ الدّارِ أسطار
يا مَن نَداهُ لزائرِي
يا مَن نَداهُ لزائرِي / هِ الدَّهْرَ تَرحيبٌ وبِشْرُ
اسْمَحْ بلُبٍّ من نَدا / كَ لنا فإنّ البِشْرَ قِشْر
إلى خيالٍ خَيالٌ في الظّلام سَرَى
إلى خيالٍ خَيالٌ في الظّلام سَرَى / نَظيُره في خَفاء الشَّخصِ إن نُظِرا
سارٍ ألَمّ بسارٍ كامنَيْنِ مَعاً / عن النّواظرِ في لَيلٍ قدِ اعتكَرا
كلاهما غابَ هذا في حِجابِ ضنىً / عنِ العيونِ وهذا في حِجابِ كَرى
تَشابَها في نُحولٍ وادّراعِ دُجىً / وخَوْضِ أهوالِ بيدٍ واعْتيادِ سُرى
فليسَ بينهما إلا بواحدةٍ / فَرْقٌ إذا ما أعادَ النّاظرُ النَّظرا
بأنّه ما دَرى السَّيفُ الطَّروقُ بما / لاقَى من اللَّيلِ والصَّبُّ المَشوقُ دَرى
سَرى إليّ ولم يَشتَقْ ومن عَجَبٍ / إلى المَشوقِ إذَنْ غيرُ المشَوقِ سَرى
ظَبْيٌ من الإنْسِ مَجبولٌ على خُلُقٍ / للوَحشِ فهْو إذا آنْستَه نَفَرا
مُعَقْرَبُ الصُّدغِ يَحِكي نُورُ غُرَّتِه / بَدْراً بدا بظلامِ اللّيلِ مُعتَجِرا
مُذْ سافَر القلبُ من صَدْري إليه هوىً / ما عادَ بعدُ ولم أعرِفْ له خَبَرا
وهْو المُسيءُ اختياراً إذا نَوى سَفَراً / وقد رأى طالعاً في العَقْربِ القَمَرا
أشكو إلى اللهِ لا أشكو إلى أحَدٍ / أنّ الزّمانَ أحالَ العُرّفَ والنُّكُرا
وأنّ عَصري على أنْ قد تَجمَّلَ بي / ما إن أصادِفُ فَضْلي فيه مُعتَصَرا
أتَى بشَرحٍ بَسيطٍ للحوادثِ لي / دَهْري وصَنَّف حَظّي فيه مختصَرا
علَتْ منازلُ أملاكٍ رجَوتُهمُ / وما أرى بيَ من إنعامِهمْ أثَرا
كلٌّ إلى المُشتِري في الأُفْقِ ذو نَظَرٍ / والشّأْنُ فيمن إليه المُشتري نَظَرا
أُخَيَّ والحُرُّ بالأحرارِ مُعتَرِفٌ / من اللّيالي إذا ما صَرْفُها غَدَرا
إن قَصّرتْ قُدرةٌ عن عادةٍ عُهِدَتْ / فاعذُرْ فأكرمُ مَن صاحَبْتَ مَن عَذَرا
ولي هُمومٌ توالَتْ بي طَوارقُها / حتّى حوَى خاطري من قَطْرِها غُدُرا
وما رَضِيتُ لضيفِ الهَمِّ قَطُ سوى / شحمِ السّنامِ من العَنْسِ الأَمونِ قِرى
فَثُرْ بِها أيّها الحادي على عجَلٍ / فكم تَرى سفَراً عن مَغنَمٍ سَفَرا
وقلّما أمكنَ الإنسانَ في دَعَةٍ / أن يَجمعَ الوطنَ المألوفَ والوَطَرا
وَاحْدُ المطايا إلى أرضِ العراق بنا / فما أَرى بيَ عن زَورائها زَوَرا
واقْصِدْ كريماً له عبدُ الكريمِ أَبٌ / تَجِدْ هُماماً لأمرِ المجدِ مُؤْتَمِرا
مُحسَّدُ المجدِ والعُلْيا إذا رُمِقَتْ / مُحمّدُ الإِسْمِ والأوصافِ إن ذُكرا
فما أَرى لي منَ الأيامِ إن ظَلَمَتْ / إلاّ مُؤيِّدَ دينِ اللّهِ مُنتَصِرا
هو الّذي إن سَخا دَهْري برؤيتهِ / من بعدِ ما شَفّ قلبي بُعدُه فِكَرا
في الحالِ أَغدو إذا استقبلتُ طلعتَه / لِما مضَى من ذُنوب الدّهرِ مُغْتَفِرا
فاحْلُلْ بِسامي ذُراه وَاغْدُ مُنتَجِعاً / سَمْحاً إذا شامَ راجٍ بَرقَهُ مُطِرا
مُوكّلاً باللّيالي جُودُ أَنمُلِه / فكلّما كسَرتْ من فاضلٍ جَبَرا
كلوءُ مُلْكٍ برأْيٍ ما يزالُ له / يُعِدُّه وَزَراً كُلُّ امرئٍ وَزرا
فضْلُ الخطابِ له فصْلُ الخُطوبِ به / إن كان مُنتَظَماً أو كان مُنتثَرا
ليثٌ إذا صالَ لم تَثْبُتْ له نفَساً / لُيوثُ شَرٍّ تَصدَّتْ أو ليوثُ شَرى
يَراعُه نابَ عن نابٍ وعن ظُفُرٍ / له فلم يَستعرْ ناباً ولا ظُفُرا
بكفِّه إن مضَتْ قلتُ الحسامُ مضَى / شَباتُها أَو جَرتْ قلتُ القضاءُ جرى
يُغني العُفاةَ كما يُفْني العداةَ به / كأنّه البحرُ يَحوي النَّفْعَ والضَّررا
قد جاء في فترةٍ لكنّه فَطِنٌ / مُذْ جَدّ في كسبِه للحمد ما فتَرا
كم ذادَ عنّا وكم قد بات ناظِرُه / يُنيمُنا ويُقاسي دونَنا السَّهرا
وما تَغيَّر عنه عَهدُ مكرمةٍ / ألا فلا لَقِيَتْ أيّامُه الغِيَرا
غيثٌ من الجودِ لا يدعو سوى الجَفَلى / إذا أَبى الغيثُ إلاّ دَعوةَ النّقَرى
يُغِنى عنِ القَطرِ عامَ الجدْبِ نائلُه / إذا انهمَى لبني الآمالِ وانهَمرا
يُرضي الرعيّةَ والرّاعي بسِيرتِه / ولم يَكادا معاً أَن يُرضِيا سِيَرا
للأُمَّةِ الدَّهرَ يَسعَى والإمام معاً / سعْياً له العَبْدُ والمعبود قد شَكَرا
له استنابَ الإمامُ المُقْتَفي شرفاً / لمّا اقتفى أَمرَ رَبِّ العرشِ واقْتفرا
أَلقى فصيحَ لسانٍ عنه في يَدِه / يَبينُ عمّا نهَى في المُلكِ أَو أَمَرا
يَكْفي الأقاليمَ أَن يُمضي له قلماً / فلا يضاهي به بِيضاً ولا سُمُرا
يَسوسُ أَطرافَها في كفِّه طَرَف / من أَرقَشٍ وكَفاها ذاكَ مُفتَخَرا
يَخُطُّ سَوداءَ في بيضاءَ من كتُبٍ / كأنّما هيَ عينٌ أُودِعَتْ حَوَرا
كأنَّ سِحْرَ بيانٍ في كتابتِه / أعدَى به كُلِّ طَرْفٍ أحورٍ سَحَرا
لا عَيبَ في دُرِّ لَفْظٍ منه يُودِعُه / كتْباً سوى أنّه بالنِّقْس قد سُطِرا
لولا شِعارٌ إماميٌّ رَعاهُ لمَا / كسَتْ سوادَ مِدادٍ كفّه الدُّررا
بل كان في ذَهبٍ يَجلو البنانُ به / دُرَّ البيانِ إذا ما بَحْرُه زَخرا
إنّ الخليفةَ والتّأييدَ يَكنُفُه / لمّا اغتدَى لكفاةِ المُلْكِ مُختَبِرا
لم تَحْوِ إلاّ سديداً واحداً يَدُه / وللكنانةِ مَلاْءَى أسهُماً نثَرا
سديدُ دولةِ ماضٍ عَزْمُه فمتَى / رمَى أصابَ به أغراضَه الكُبَرا
إن أصبحَ الدَّهرُ ليلاً داجياً فلقد / بدَتْ مساعيهِ فيه أنجماً زُهُرا
يا مَن سَوابقُ أيّامي بحَضْرتِه / كانٍتِ لأوجُهِها أفعالُه غُرَرا
إنّي لشاكرُ ما أسلفْتَ من نِعَمٍ / عندي ومَن كَفَر النُعمَى فقد كفَرا
أنت الرّبيعُ وفَضْلي في تَرقُّبِه / كالعُودِ عاد إلى الإيراقِ مُفتَقِرا
فَهُزَّ لي عِطْفَ مولانا الوزيرِ وقُلْ / عنّي ومهما أقُلْ من قَولٍ اشْتَهَرا
جُدْ لي بنَظرةِ صِدقٍ منكَ واحدةٍ / حتّى أقولَ لريْبِ الدّهرِ كيفَ تَرى
ومُرْ زماناً صفَحْنا عن جرائمِه / يَحِتْم بعُذْرٍ فلم يذْنِبْ منِ اعْتذرا
جَدِّدْ ندَى رَسْمِ إنعامَيْنِ قد قَدُما / فالرَّسْمُ كالرَّسْم إن طالَ المَدى دَثرا
بَقِيتُما في نَعيمٍ واردَيْنِ معاً / عَيشاً أبَى لكما عن وِرْدهِ الصَّدَرا
فكم بغَى حاسدٌ لاقَى صفاءَكما / إلقاءهُ كدَراً فيه فما قَدَرا
يا ماجداً لم أَزُرْ مأْنوسَ سُدّتِه / إلاّ رأَى فُرصةً للحمدِ فابْتَدَرا
كم قد أُضيعُ أنا حَظّي ويَحفظُه / وكم نَسيِتُ أنا نَفْسي وقد ذَكرا
متى لنا ولكم تُقصَى الفَوائتُ من / قولٍ وفعلٍ يَروقُ السَّمْعَ والبَصَرا
متى نَعودُ إلى العاداتِ ثانيةً / قُلْ لي أذلكَ في وُسْعِ الزّمانِ تُرى
في كأْسِ عُمْريَ ما أبقَى الزَّمانُ سوى / سُؤْرٍ قليلٍ ببُعْدي منك قد كَدِرا
فالْحَقْ بقيّةَ أنفاسي فجُملَتُها / شُكْرٌ لسالفِ نُعماكَ الّذي بَهَرا
عُذْري حوادثُ دَهري وهْي ظاهرةٌ / كُفيتَها فاقْبَلِ العُذْرَ الّذي ظَهَرا
قَصّرتُ إذ لم أَجِدْ لي منك مُقتَرَباً / وعُدْتُ إذْ لم أجِدْ لي عنك مُصطَبرا
فدونكمْ هَدْيَ شِعْرٍ ساقَ مُشعِرُه / مَن لو أطاقَ مَسيراً حَجّ واعتَمرا
وما نأَتْ دارُ مَن تدنو فواضِلُه / ولم يكُن غائباً مَن شُكرُه حضَرا
وإنّ أرفعَ من قَصرٍ لشائدِه / بَيتٌ إذا سار مِن شِعْري لمَنْ شَعَرا
بَقِيتَ للمدحِ والمُدّاحِ تَسمَعُهمْ / في ظلِّ مُلْكٍ نفَى عن صَفْوهِ الكَدرا
مادام غَرْسُ الأيادي في مَواضعها / يُرَى لها شُكْرُ أحرارِ الوَرى ثَمَرا
الخُؤْرُ والجَورُ خُوزِستانُ أَصلهما
الخُؤْرُ والجَورُ خُوزِستانُ أَصلهما / والخَوزُ تَصحيفتاهُ الجَور والخَورُ
فأعجَزُ النّاسِ أهلوها إذا ظُلموا / وأَظلمُ النّاسِ أهلوها إذا قَدَروا
يا سائلي عنه لمّا جئْتُ أَمدحُه
يا سائلي عنه لمّا جئْتُ أَمدحُه / هذا هو الرّجُلُ العاري من العارِ
كم من شُنوفٍ لِطافٍ من مَحاسنِه / عُلّقْنَ منه على آذانِ سُمّار
لَقِيتُه فرأيتُ النّاسَ في رَجُلٍ / والدَّهرَ في ساعةٍ والأرضَ في دار
أخلاقهُ نُكَتٌ في المجدِ أَيسَرُها
أخلاقهُ نُكَتٌ في المجدِ أَيسَرُها / لُطْفٌ يُؤلِّفُ بينَ الماء والنّارِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025