القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 20
مِن مِثلها كنتَ تخشى أيّها الحَذِرُ
مِن مِثلها كنتَ تخشى أيّها الحَذِرُ / والدَّهرُ إنْ همَّ لا يُبقي ولا يَذَرُ
نعاك ناعٍ إلى قلبٍ كأنّ به / لواذعَ الجمر لمّا ساءَه الخبرُ
فَلَم يَكن لِيَ إلّا أَن أَقول لَهُ / بفِيكَ ناعِي هذا الرَّاحِلِ الحَجَرُ
كم ذا نداءٍ لماضٍ غير ملتفتٍ / وكم عتابٍ لجانٍ ليس يعتذرُ
فَكلّما اِستُلّ منّا صاحبٌ فمَضى / ولا إيابَ له قالوا هو القَدَرُ
وَلَيسَ يَدرِي الفتى لِمْ طالَ عمرُ فتىً / وَلا لأيّةِ حالٍ يُنقَصُ العُمُرُ
وَقَد طلبنا فلا نجحٌ ولا ظَفَرٌ / وقد هربنا فلا منجىً ولا عَصَرُ
وَهَذهِ عِبرٌ لا شكّ مالئةٌ / منّا العيونَ ولكنْ أين مُعتبِرُ
نُعَلُّ مِن كلِّ مَكروهٍ ويملِكنا / حُبُّ الحياةِ الّتي أيّامُها غَرَرُ
وَما اِلتِزامُ المُنى والمرءُ رهنُ ردىً / إلّا جنونٌ يغول العقلَ أو سُكُرُ
يا قاتلَ اللّه هَذا الدّهرَ يزرعنا / ثمّ الحصاد فمنه النّفعُ والضّرَرُ
فإن يكن معطياً شيئاً فمرتجِعٌ / وَإِنْ يكن مبطئاً يوماً فمبتدِرُ
داءٌ عرا آل قحطانٍ فزال بهمْ / وذاق منه نِزارٌ وَاِحتَسى مُضَرُ
مِن بعد أَن لبِسوا التّيجان وَاِعتَصموا / وأُركبوا ثَبَجَ الأعواد واِشتهروا
وَأَوسعوا النّاس مِن رَغْبٍ ومن رَهَبٍ / وَعاقَبوا بِاِجتِرامِ الذّنبِ وَاِغتَفَروا
تَندى مِفارِقُهمْ مِسْكاً فإنْ جُهلوا / نمّت عليهمْ برَيّا نشرها الأُزُرُ
وَيَسحَبونَ ذُيولَ الرّيْطِ ضامنةً / أن ليس تُسحَبُ إلّا منهمُ الحِبَرُ
قالوا قَضى غيرَ ذي ضَعفٍ ولا كِبَرٍ / فقلت ما كلُّ أسبابِ الرّدى كِبَرُ
وغرّني فيك بُرْءٌ بعد طولِ ضنىً / ومنْ يَبِتْ خَطِراً أودى به خَطَرُ
ما ضَرّ فَقدُك والأيّامُ شاهدةٌ / بأنّ فضلك فيها الأنجُمُ الزُّهُرُ
أَغنيت في الأرض والأقوام كلّهمُ / من المحاسن ما لم يُغنِه المَطَرُ
فَأَنتَ شَمسُ الضُّحى للسّاربينَ وَلل / سارينَ في جُنحِ ليل ضوءُك القمرُ
إِن تُمسِ موتاً بلا سمعٍ ولا بصرٍ / فطالما كنت أنتَ السمعُ والبصرُ
وإن تَبِتْ حَصِراً عن قول فاضلةٍ / فطالما لم يكن من دَأْبك الحَصَرُ
قالوا اِصطَبِر عنه بأساً أو مجاملةً / والصّبرُ يُلعَقُ من أثنائه الصَّبِرُ
وَلَو دَرى مِن على حُزنٍ يقرّعنِي / بمن فُجعتُ ومن خُولستُه عَذَروا
وَكيفَ أَسلو وَما في غَيرهِ عوضٌ / من الرّجال ولا لِي عنه مُصطَبَرُ
وَكيفَ لِي بعده مَيْلٌ إلى وَطَرٍ / وليس لِي أبداً في غيره وَطَرُ
مجاوراً دارَ قومٍ ليس جارُهُمُ / بنصرهمْ أبَدَ الأيّامِ ينتصرُ
في أربُعٍ كلّما زادوا بها نقصوا / نقصَ الفَناء وقلّوا كلّما كَثروا
فَاِذهَبْ كما شاءتِ الأقدارُ مُقتَلعاً / منّا به الخوف مجنوناً به الحَذَرُ
فَلِلقُلوبِ الّتي أَبهَجْتَها حَزَنٌ / وَبِالعُيونِ الّتي أقررتها سَهَرُ
وَما لِعَيشٍ وَقد ودّعتَه أَرَجٌ / ولا لِلَيلٍ وقد فارقتَه سَحَرُ
وَما لَنا بَعدَ أَن أَضحَتْ مَطالِعُنا / مسلوبةً منك أوضاحٌ ولا غُرَرُ
يا سائِلي عَن ذنوبِ الدّهر آونةً
يا سائِلي عَن ذنوبِ الدّهر آونةً / اِسمعْ فَعندِيَ أنباءٌ وأخبارُ
كُلُّ الرّجالِ إِذا لم يخشعوا طمعاً / ولم تكدّرهمُ الآمالُ أحرارُ
إنْ تُضح دارِيَ في عمّانَ نائيةً / يوماً عليَّ فبالخُلصاءِ لِي دارُ
لو لم يكن لِيَ جارٌ مِن نِزَارِهِمُ / يحنو عليَّ فمن قحطانهمْ جارُ
وإنْ يضقْ خُلُقٌ من صاحب سَئِمٍ / فلم يضقْ بِيَ في ذي الأرض أقطارُ
وما أبالِي ونفسي ما تملّكها / أَسْرُ الغرامِ أقامَ الحيُّ أم ساروا
سَقْياً لقلبٍ يَعافُ الذُّلَّ ذِي أَنَفٍ / العارُ في لُبّهِ سِيّان والنّارُ
يَكسو الجديدَ لمَن يَعتام مِنحتَه / ولبسُه الدّهرَ أَهدامٌ وأطمارُ
ذلّ الّذي في يد الحسناءِ مهجتُه / ومن له في ذواتِ الخِدْرِ أوطارُ
وعزّ مَن لا هوىً منه وكان له / عنه مدَى الدّهر إقصاءٌ وإقصارُ
ما سرّنِي أنّني أحوِي الغِنى وبدا / في كفّ جارِيَ إعسارٌ وإقتارُ
وأنّ لِي نَصرةً من كلّ حادثةٍ / وما له من صروف الدّهرِ نَصّارُ
وأنّني بالغٌ من عيشتِي وَطَراً / وليس تُقضى له ما عاش أوطارُ
لا بارَكَ اللَّه في وادِي اللّئامِ ولا / سالتْ به عند جَدْبِ العام أمطارُ
وَالخيرُ كُلفةُ هذا الخلقِ كلّهِمُ / والنّاسُ بالطّبعِ والأخلاقِ أشرارُ
إنّ الّذين أقاموا قبلنا زمناً / مُحكّمين على أيّامهمْ ساروا
خَلت منازلُهمْ منهمْ وشرّدهمْ / دهرٌ خؤونٌ لمن يؤذيه غدّارُ
وحطّهمْ قَدَرٌ من بعد أن رُفعِتْ / منهمْ إلى قُلّةِ العلياءِ أقدارُ
بِجانبِ الكرخِ من بغداد عنّ لنا
بِجانبِ الكرخِ من بغداد عنّ لنا / ظبيٌ ينفّرهُ عن وصلنا نَفَرُ
ذُؤابتاه نجادا سيف مقلتِهِ / وَجَفنُهُ جَفنُهُ واِفرِندُهُ الحَوَرُ
ضَفيرتاهُ على قَتلي تَضافَرَتا / فمن رأى شاعراً أودى به الشَّعَرُ
كَم في الكَثيبِ وَكَم عارضته قمرٌ
كَم في الكَثيبِ وَكَم عارضته قمرٌ / يودّ أنّ له من حسنه القمرُ
يجنِي عليَّ سقاماً سقمُ مقلتِه / وكلُّ جرمٍ جناه الحبُّ مُغتَفَرُ
قال العواذل سَرْعاً ما عشِقتَ وما / يدرون أنّ طريق العِشقِ مختصرُ
وَما الصّبابة إلّا خُلسةٌ عَرَضتْ / سمعٌ جناها على الأحشاء أو بصرُ
النارُ في كَبِدي مذ غبتَ عن بصري / ومن جفوني وقد فارقتني المطرُ
قالت مشيبك فجرٌ والشّباب إذا
قالت مشيبك فجرٌ والشّباب إذا / زرناك ظلمةُ ليلٍ فيه مستترُ
فقلت من كان هجري الدّهرَ عادتُه / ما إن له ببياض الشّيبِ مُعتَذَرُ
لا تسخطيه فهذا الشّيب مظهرةٌ / على عيوبٍ بضدّ الشّيبِ تستترُ
تَرَيْنَ منِّي وضوءُ الشيب يفضحني / ما زاغ عنه ورأْسي أسودُ البصرُ
كلّ اِمرِئٍ ناله جَدٌّ فأسعده
كلّ اِمرِئٍ ناله جَدٌّ فأسعده / وإن أساء إلى الأقوام معذورُ
وَيلُ اِمّ مَن في الورى أَكدتْ مطالبَه / فإنّه بسحاب اللّومِ ممطورُ
وَكَيف يُعزى إلى عجزٍ وليس بهِ / مَن خاب سعياً وخانته المقاديرُ
يا ربّ ليلٍ أخذنا فيهِ منيتنا
يا ربّ ليلٍ أخذنا فيهِ منيتنا / كأنّ أوّله في ذاك آخرُهُ
كأنّ نَجمَ الثريّا مَلَّ مَجمعَنا / فَما اِستَطاعَ مقاماً وهو ناظرُهُ
ومَهْمَهٍ جُبتُه وحدي على قَلقٍ / معوّدٍ لِيَ خوضَ البحرِ حافِرُهُ
مِن لَونهِ يَستمدّ اللّيلُ ظلمتَه / والفجرُ من وجهه لاحت عساكرُهُ
مُعانِقاً نَبعةً سَمراء ما حُملتْ / إلّا ليومٍ جريءٌ من يباشرُهُ
ولا فَرَتْ يدُها نحراً فتتركَهُ / إلّا وقد نُشرتْ منه نواشرُهُ
وَصاحِبٍ ما نَبَتْ منه مضاربُه / في كلّ خطبٍ ولم تُؤمَن محاذِرُهُ
يَظَلُّ شَوقاً إلى الأعناقِ مُنتَصباً / لنفسه قبل أن يرتاحَ شاهرُهُ
ولِي جَنانٌ كأنّ الأرضَ ساحتُهُ / فما يضيق لمرهوبٍ يُخامرُهُ
يَستنزرُ الكَثْرَ من هذا الزّمان له / فكلُّ ما حلّ فيه فهو حاقرُهُ
لِنشرِ فَضلك آثاري وأخباري
لِنشرِ فَضلك آثاري وأخباري / وفي ولائك إعلاني وإسراري
وأنت مِنْ بين مَن بتنا نسوّدُهُ / صِفْرٌ من العابِ عُريانٌ من العارِ
أَوْليتَ ما لم يكن أرجوه مبتدئاً / وحُزْتَ غايةَ تأميلي وإيثاري
وَكيفَ يَبلغ شكرِي مَن أَطالَ يَدي / مدّاً وَأَعلق بالعلياءِ أَظفاري
إِنّ الأجلَّ أَبا الخطّابِ أَسكَنَني / في عَرْصَةِ العزِّ داراً أيَّما دارِ
أَعلى بِحَضرَةِ مَلْكِ الأرضِ مَنزِلَتي / عَفواً وَرَفَّع في مَثواهُ مِقداري
وَقامَ لا حَصَرٌ منه ولا عَجَلٌ / يجلو على سمعه أبكارَ أشعاري
فالآن قِدْحِي المعلّى في مجالِسهِ / إذا ذُكِرتُ وزندي عنده الواري
فقُدْ جزاءً لِما أَوليتَ من مِنَنِي / زمامَ كلِّ شَرودِ الذّكر سيّارِ
ما كانَ قَبلك مِطواعاً إلى أحدٍ / وَلا لِغَيرك في الدّنيا بزوّارِ
فَخُذْ إليكَ مَقاليدي مُسلَّمَةً / فلَستُ أُرخصُ إلّا فيك أَشعاري
ما لي تُطيحُ الدّهر أخياري
ما لي تُطيحُ الدّهر أخياري / والمرءُ من كلّ شيءٍ حازه عارِ
يزهى بجارٍ ودارٍ وهي آهلةٌ / حتّى يصير بلا جارٍ ولا دارِ
وسيق سوقاً عنيفاً غير مُتّئِدٍ / إلى الّتي نَبَشَتْها كفُّ حَفّارِ
في قَعرِ شاحطةِ الأعماقِ حالكةٍ / سُدَّتْ مطالعُها منها بأحجارِ
هَوى إِلَيها بلا زادٍ سوى أَرَجٍ / مِن مَنْدَلٍ عَبِقٍ أَو سُحْقِ أطمارِ
ذاقَ الرّدى دافعُ القصرِ المَشيدِ به / وناعمٌ بين جنّاتٍ وأنهارِ
لم يُغنِ عنه وقد همّ الحمامُ به / أن بات من دون أردامٍ وأستارِ
أمّا الزَّمان فغدّارٌ بصاحبهِ / وما الشّقاوةُ إلّا حبُّ غدَّارِ
فَبينما هوَ يعطيني ويُوسِعُ لي / حتّى يكون به فقري وإعساري
فَليسَ ينصفُني مَن عادَ يَظلمني / وليس ينفعني من كان ضرّاري
وكيف أبلغُ أوطاري بذي خَطَلٍ / ما كانَ إلّا بِه حِرمانُ أوطاري
نَدورُ في كلّ مَخشاةٍ ومَرْغَبَةٍ / مِن تَحتِ مُستعجل الوثباتِ دوّارِ
كَأنّنا تَتَرامانا نوائبُهُ / عَصْفٌ ترامى به سَوْراتُ تيَّارِ
ظِلٌّ وشيكٌ تلاشِيهِ وأفنِيَةٌ / موضوعةٌ نَصْبَ إخرابٍ وإفقارِ
لا تأمننَّ صروفَ الدهر مُغمِضَةً / إغماضَ ليثٍ من الأرواح مُمتارِ
الدَّهرُ سالبُ ما أعطى ومانِعُهُ / فما الصّنيعُ بدينارٍ وقِنطارِ
نُقيمُ منهُ عَلى عَوجاءَ زائلةٍ / ومائلٍ مُزلقِ الأرجاء مُنهارِ
وَالمرءُ ما دام مأسوراً بشهوتِهِ / معذّبٌ بين إحلاءٍ وإمرارِ
طوراً جديباً وطوراً ذا بُلَهْنِيةٍ / فمن عذيريَ من تاراتِ أطواري
من عائدي من جوى همٍّ يؤرّقني / نفى رُقادي وجافى بين أشفاري
أرعى نجومَ الدّجى أنّى مسالكُها / ولا نديمَ سوى بثّي وأفكاري
لحادثٍ في أخٍ ما كنت أحذره / وأين من حادثاتِ الدهر إحذاري
لَمّا دَعا بِاِسمهِ النّاعي فَأَسمَعني / ضاقَتْ عليَّ هُموماً كلُّ أوطاري
وَلُذْتُ عنهُ بِإِنكاري منيّتَهُ / حتّى تحقّق شرّادٌ بإنكاري
فَالآنَ بَينَ ضُلوعي كلُّ لاذعةٍ / تُدمي وحشو جفوني كلُّ عُوَّارِ
رُزِئتُهُ حاملاً ثِقْلي ومضطلعاً / شُحّاً عليها من الأقوام أسراري
فَيا دُموعيَ كوني فيه واكِفةً / وَيا فؤادي اِحتَرقْ جرّاه بالنّارِ
عَرّجْ على الدّار مُغبرّاً جوانبُها / فَاِسأل بها عَجِلاً عن ساكِني الدّارِ
كانَتْ تَلألأُ كالمصباح وهي بما / جنى عليها الرّدى ظلماءُ كالقارِ
وقل لها أين ما كنّا نراهُ عَلى / مَرِّ النّدى بكِ من نقضٍ وإمرارِ
وَأَينَ أَوعيةُ الآدابِ فاهقةً / تَجري خِلالك جَرْيَ الجدول الجاري
وَأَين أبكارُ فضلٍ جِئن فيك وقد / جاء الرّجال بعُونٍ غيرِ أبكارِ
وَأَين طيبُ ليالٍ فيك ناعمةٍ / كأنّهنّ لنا أوقاتُ أسحارِ
يا أَحمد بن عليٍّ والرّدى عرَضٌ / يزور بالرّغم منّا كلَّ زوّارِ
نأى يشقُّ مداهُ أن تُقرّبهُ / قلائصٌ طالما قرّبن أسفاري
علقتُ منك بحبلٍ غيرِ مُنتَكِثٍ / عند الحفاظِ وعُودٍ غيرِ خوّارِ
وَقَد بلوتُك في سُخْطٍ وَعند رضىً / وبين طيٍّ لأنباءٍ وإظهارِ
فَلم تُفِدْنيَ إلّا ما أضنُّ بهِ / وَلَم تَزدنيَ إلّا طيبَ أخبارِ
لا عارَ فيما شربتَ اليومَ غُصّتَهُ / من المنونِ وهل بالموتِ من عارِ
ولم يَنَلْكَ سوى ما نال كلّ فتىً / عالي المكان ولاقى كلّ جبّارِ
فلو وَقَتْكَ من الأقدار واقيةٌ / حماك كلُّ طَلوعِ النَّجد مِغْوارِ
إذا دَعَتْهُ من الهيجاء داعيةٌ / سَرى إلى الموتِ مثلَ الكوكب السّاري
ما كان ثاري بِناءٍ عَن مَنالِ يدي / لو كان في غير أثناء الرّدى ثاري
فَاِذهَبْ كما ذهبتْ سرّاءُ أفئدةٍ / أو أمنُ خائفةٍ أو نيلُ أوطارِ
عُريانَ من كلّ ما عِيبَ الرّجالُ به / صِفْرَ الحقيبةِ من شيءٍ من العارِ
ولا يزلْ خَضِل الهُدّابِ يقطره / على ترابك سحّاً ذاتُ إعصارِ
حتّى يُرى بين أجداثٍ يجاورها / رِيّانَ ملآنَ من زهرٍ ونُوّارِ
أَنْجِد إِذا شئتَ في الأَرزاقِ أَو أغِرِ
أَنْجِد إِذا شئتَ في الأَرزاقِ أَو أغِرِ / فَلستَ تَأخذ إلّا مِن يَدِ القدرِ
وَما أَصابكَ وَالأقدارُ كافلةٌ / بأن يصيبك لا تَلْويه بالحذَرِ
وَقَد رَأيتُ الّذي تَذوي القلوبُ بهِ / لَو لَم يَكن ليَ قلبٌ صِيغ من حَجَرِ
فَكّرْ بِقَلبكَ فيما أَنت تُبصرُهُ / فَالأرضِ مَملوءةُ الأقطار بالعِبَرِ
وَلا تَبِتْ جَذِلاً بِالشّيء يتركُهُ / عليك خطبٌ جفا عمداً ولم يَذَرِ
ولا تقلْ فاتتِ الأخطارُ إنْ عَزَبَتْ / فَلَم يَفتْ خَطَرٌ إلّا إلى خَطَرِ
كَيفَ القرارُ لِمَن يُمسِي ويُصبح في / كُلّ الّذي هوَ آتيهِ على غَرَرِ
يَبيتُ إِمّا على شَوكِ القَتادِ له / جَنبٌ وإمّا على فَرْشٍ من الإبَرِ
أجِلْ لِحاظَكَ في الأقوامِ كلِّهمُ / فَلَستَ تُبصِرُ إلّا سَنْحةَ البَصَرِ
أَما ترى ما أراهُ من عيوبِهُمُ / وليس فيها لهمْ عذرٌ لمعتذِرِ
في كُلِّ يَومٍ تراني بين أظهرهمْ / أحتال في نفعِ من يحتال في ضرري
قالوا اِصطَبِرْ قلت قد جُرِّعتُ قبلكُمُ / من التصبّرِ كاساتٍ من الصَّبِرِ
وَما اِنتَفَعتُ وطولُ الهمّ يَصحبُنِي / عمرَ الحياة بما قد طال من عُمُري
وقد غرستُ غُروساً غيرَ مثمرةٍ / وعاد بالكدِّ من لم يَحظَ بالثَّمَرِ
مِن أَينَ لِي في جميع النّاس كلّهِمُ / حلوُ الشّمائل منهم طيّبُ الخَبَرِ
أَحلى لِقَلبِيَ مِن قَلبي وأعذبُ في / مَذاقِهِ لِيَ من سمعي ومن بَصرِي
وكلّما غَمَزَت كفّي جوانبَه / غمزتُ منه أنابيباً بلا خَوَرِ
أبثُّهُ عُجَرِي حتّى يكون لها / كفيلَها وأُقضِّي عنده بُجَرِي
لا تَكشِفنّ عيوبَ النَّاس ما اِستترتْ
لا تَكشِفنّ عيوبَ النَّاس ما اِستترتْ / فكاشفُ العيب من همٍّ على خطرِ
ولا تكنْ بجميلٍ علَّلوك به / مستسلمَ القلب مشغولاً عن الحَذَرِ
فالسّوءُ يظهر من دانٍ ومُنْتَزِحٍ / والنّارُ تخرج من قَدْحٍ من الحجرِ
وَالمرتضى في إخاءٍ لستَ واجدَهُ / ومَنْ عداه فمثلُ الشّوك والشَّجَرِ
وكلّ مَن أنتَ لاقيه وآلفُهُ / مفرّقٌ فيه بين الخُبْرِ والخَبَرِ
ما زرتَ إلّا خداعاً أيّها السّاري
ما زرتَ إلّا خداعاً أيّها السّاري / ثمّ اِنقَضيتَ وما قضّيتُ أوطاري
أَنّى يَزور عَلى الظّلماءِ مِنْ شَحَطٍ / مَنْ كانَ صُبْحاً وَقُرباً غيرَ زَوَّارِ
وَلَيسَ يَنفَعُ مَن يُضحِي بمَجْدَبَةٍ / أَنْ باتَ ما بَينَ جنّاتٍ وأنهارِ
قَد زارَني قَبلكَ الشّيبُ المُلِمُّ ضحىً / فما هَشِشْتُ له ما بين زوّاري
وكنتُ أعذرُ نفسي قبل زَوْرتِهِ / فَالآنَ ضاقَتْ عَلى اللّذّاتِ أعذارِي
لَوامِع لَم تكنْ للغيث جاذبةً / وأنجُمٌ لم تُنِرْ للمُدْلِجِ السَّاري
لا مرحباً ببياضٍ لم يكن وَضَحاً / لغُرّةِ الصُّبحِ أو لمعاً لنُوّارِ
أبَعْدَ أنْ سَمَقَتْ في العزِّ أبنيتِي / وجالتِ الأرضَ آثاري وأخباري
ونِلتُ ما ذِيدَ عنه كلُّ مُلتَمِسٍ / عفواً وطامَنْ عنه كلُّ جبّارِ
وداس بي أُفُقَ الجوزاء مُنتعلاً / ما شِيد من فضل أقداري وأخطاري
يَروم شَأوي وقد عزّ اللّحاقُ به / طمّاعةٌ مِن قَصيرِ الخطو عثّارِ
أَضَلَّهُ اللّؤمُ عن ذمِّي وجنّبهُ / خُمولُهُ وَقْعَ أنيابي وأظفاري
وَقَد عَجَمْتُم أنابيبي فلم تجدوا / فيهنّ إلّا صَليباً غيرَ خَوّارِ
وَما نَهَضتمْ بأعباءٍ نهضتُ بها / ولا أحطتمْ بأطرافي وأقطاري
وَلا ضرَبتمْ ونَقْعُ الحَربِ مُلتبِسٌ / في فَيلقٍ كَزُهاءِ اللّيل جرّارِ
لا يبعدِ اللَّهُ أقواماً مضوا سَلَفاً / كانوا على نَبَواتِ الدّهرِ أنصاري
شموسُ دَجني ومقْباسِي على غَسَقٍ / وفي الحَنادِسِ أنواري وأقماري
قومٌ إذا نزلوا داراً على عَجَلٍ / كانوا نزولاً مع النّعمى على الدّارِ
وإن أهَبْتُ بهمْ في يومِ معركةٍ / جاؤوا ولم يمطُلوا عنها بأعذارِ
لا يَرهبونَ سِوى إيلامِ لائمةٍ / وَلا يَخافونَ إلّا جانبَ العارِ
كَأنّهمْ وُلدوا في الحَربِ وَاِرتَضعوا / بسائلٍ من نجيع الطّعن موّارِ
لا يعرفُ المالَ إلّا حين يجعلُهُ / سداً لثلْمٍ وإغناءً لإفقارِ
جِفانُهُ كجوابِي الماءِ فاهقةٌ / وخُلْقُهُ كزلالٍ بينها جارِ
كَم قَد بلغتُ بهمْ في مطلبٍ أَرَبِي / وكم أحذتُ بهمْ من معشرٍ ثاري
وكم جَرَرْتُ حقوفي بعد ما شَحَطَتْ / بنصرهم من لَهاةِ الضّيغمِ الضّاري
المُطعمين على خَصْبٍ ومَسْغَبَةٍ / والمنعمين على عُسرٍ وإيسارِ
طاحوا وما طاح حزني بعدهمْ ونأَوْا / عنّي وما نزحوا من بين أفكاري
رُزِئتُهُم فيدِي من بعدهم صَفِرتْ / من النّفيس وقلبي من هوىً عارِ
وَلَم يَفتهمْ وقَد حازوا الكمال على / كلّ الخَلائق إلّا طولُ أَعمارِ
وَقَد مَررنا بدارٍ بعدهمْ خَشَعَتْ / بعدَ اِعتِلاءٍ وأقْوَتْ بعد أعمارِ
لو أنصف النّاس قالوا أنتُمُ جبلٌ
لو أنصف النّاس قالوا أنتُمُ جبلٌ / يأوِي إليه بنو الإشفاقِ والحَذَرِ
لولاكُمُ سنداً لي والعدا أَثَري / ما كُنتُ مِن مَكرِهمْ إلّا عَلى غَرَرِ
قَد كُنتُمُ نِلتُمُ ما يَبتَغيهِ لكمْ / ذَوو المَودّةٍ لولا عائقُ القدرِ
سَطا عَلى شَملِكُمْ يَوماً فمزّقهُ / كلَّ التمزّقِ نَبْواتٌ من الغِيَرِ
فَمَن يَكُن عندهُ يا قومُ مُصطَبَرٌ / فإنّني طولَ عمري غيرُ مصطبرِ
هُو الزّمان فَلا عيشٌ يطيب بهِ
هُو الزّمان فَلا عيشٌ يطيب بهِ / ولا سرورٌ ولا صفوٌ بلا كَدَرِ
يَجني الفَتى فإذا لِيمَت جِنايتُهُ / أحال من ذنبهِ ظلماً على القدرِ
وَكلُّ يَومٍ مِنَ الأيّام يعجبُنا / فَإِنمّا هوَ نُقصانٌ من العُمُرِ
لا تَنظري اليومَ يا سَلمى إليّ فما
لا تَنظري اليومَ يا سَلمى إليّ فما / أَبقَى المشيبُ بوجهي نظرةَ البَشَرِ
جَنى عليَّ فقولي كيفَ أَصنعُ في / جانٍ إِذا كان يجني غير مقتدرِ
عَرا فَأعرى منَ الأوطارِ قاطبةً / قهراً وألبَسَنِي ما ليس من وَطَرِي
وَقَد حَذرتُ وَلَكنْ ربَّ مُغتربٍ / لم أنجُ منه وإنْ حاذرتُ بالحَذَرِ
فَإِنْ شَكوتُ إلى قومٍ مساكنهمْ / ظلّ السَّلامة ردّوني إلى القَدرِ
كوني كما شئتِ في طولٍ وفي قِصَرٍ / فليس أيّامُ شيبِ الرّأس من عُمُرِي
فَقُل لِمَن ظلّ يُسلِي عن مصيبتِهِ / لا سلوةٌ ليَ عن سمعي وعن بصري
شرُّ العقوبةِ يا سلمى على رجلٍ / عقوبةٌ من صروف الدّهر في الشَّعَرِ
إِنْ كان طال له عمرٌ فشيّبَهُ / فكلُّ طولٍ عداه الفضلُ كالقِصَرِ
يُلينُ منه ويُرخِي من معاجِمِهِ / كُرْهاً ولو كان منحوتاً من الحجرِ
فإن تكن وَخَطاتُ الشّيب من شَعَري / بيضاً فكم من بياضٍ ليس بالغُرَرِ
ما كلُّ إشراقَةٍ للصّبحِ في غَلَسٍ / وليس كلُّ ضياءٍ من سنا القمرِ
ما ضرّ مَن لِلنوى زُمَّتْ ركائبُهُ
ما ضرّ مَن لِلنوى زُمَّتْ ركائبُهُ / لو جاد لِي ساعة التّوديع بالنّظرِ
رميتُمُ القلبَ منّي بالوجيب وقد / فارقتمونِيَ والعينين بالسَّهَرِ
وَكِدتُ أَقضي غداةَ البين من جَزَعٍ / لو لم يكن لك قلبٌ صيغَ من حجرِ
وَكيفَ يَسلاكُمُ قلبي المشوق وقد / غيَّبتُمُ بَصري بالبينِ عَن بَصري
وَما تركتُ قراراً من فراقكُمُ / لكنْ حذرتُ وكم لم يُنجنِي حَذَري
لا تَسألِ المرءَ ما تَجنِي عَشيرتُهُ
لا تَسألِ المرءَ ما تَجنِي عَشيرتُهُ / عليه ما بين ضرّاءٍ وإضرارِ
وَربّما كانَ مِن قَومي وما شَعروا / ذنبٌ تضيق به ساحاتُ أعذاري
ما زالَ أَهلُ الحِجى والحلمِ كلُّهُمُ / مُطالَبين عن الأعمار بالثّارِ
كُنْ كيفَ شِئتَ ولم تدنَسْ بفاحشةٍ / تُلقِي على الذّمِّ أو تُدنِي من العارِ
مِن أَين لِي والمُنى ليستْ بنافعةٍ / خِلٌّ أرى فيه أغراضي وأوطاري
يَمَسُّهُ الخطبُ قبلي ثمّ يصرِفُهُ / عنّي ولو خاض فيه لُجَّةَ النّارِ
وَواحدٌ عندهُ عَزلِي وتولِيَتِي / وَمستوٍ عندهُ فَقري وإيساري
ما ودّني لاِنتِفاعٍ بي ولا عَلِقَتْ / بنانُهُ بإزاري خوفَ أحذاري
ما لِي بُليتُ وما قصّرتُ في طلبٍ / بكلِّ خَبٍّ خَلوعِ العهد غدّارِ
أُخفِي لَهُ السرَّ عَن نَفسي وليسَ له / في النّاس دَأْبٌ سوى إفشاءِ أسراري
إنّ الدّيارَ التي كنّا نُسرُّ بها / ما عُجْتُ فيها وقد أقْوَتْ بديّارِ
مرابعٌ عُطّلَتْ منها وأنديةٌ / لا رِجسَ فيها ولا بأسٌ لسَمَّارِ
مِن بعدما اِمتَلأتْ من كلّ مُمتعِضٍ / من الدَنِيَّةِ في العزّاءِ صَبّارِ
كانَت مَسايل أَيدٍ بالنّدى سُمُحٌ / فالآن هنّ مسيلاتٌ لأمطارِ
يُعطِي الكثيرَ إِذا ما المالُ ضَنّ بهِ / معطٍ ويَقرِي إذا ما لم يَكُن قارِ
تَزْوَرُّ عنهنّ أيدي العِيس واخدةً / ولا يعوج بهنّ المُدلجُ السّاري
وَقَد عُرينَ عَلى رغمِ الأنوف لنا / من كلّ نفعٍ وإحلاءٍ وإمرارِ
قَرَنْتَنِي يا محلَّ الذّمِّ معتمِداً
قَرَنْتَنِي يا محلَّ الذّمِّ معتمِداً / بِصاحبٍ ما اِرتَضاه لي أخو نظرِ
وكنتَ لا شكّ فيما أنتَ جامعُهُ / كجامعٍ بين ضوء الفجر والقمرِ
أَمّا الحبيبُ فَقد فُزنا بزَورَتِهِ
أَمّا الحبيبُ فَقد فُزنا بزَورَتِهِ / في ليلةٍ لا قَذَى فيها سوى القِصَرِ
فبتُّ أُدنِي إلى قلبي ومن بصري / مَن حلّ عندي محلَّ القلب والبصرِ
لم يطعَمِ الغُمْضَ قلبٌ فيه مُقْتَسَمٌ / وإِنّه لقريرٌ العين بالسَّهَرِ
كم بين إذْ أنا في تعذيبِهِ سهري / وَبين إِذْ أَنا في تَقبيله سمري
لا أَشكُر الدّهر أولى في الزّمان يداً / ثمّ اِستَردّ الّذي أولاه في السَّحَرِ
وَزائِرٍ زارَني وَهْناً يُغالِطُني
وَزائِرٍ زارَني وَهْناً يُغالِطُني / وَلَو لَبست ثيابَ الصّبحِ لم يزُرِ
تَمّت لَهُ وَستورُ الليلِ مُسْبَلَةٌ / بيني وبين يقيني والكَرَى سكري
وَلَو أَراد خِداعي غير ذي وَسَنٍ / لَكانَ مِن نيل ما يبغي على غَرَرِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025