المجموع : 23
سقياً لدهرٍ مضى ما كان أحسنه
سقياً لدهرٍ مضى ما كان أحسنه / إذ أنت متَّبعٌ والشرط دينارُ
أيام وجهك مصقول عوارضه / وللربيع على خديك أنوارُ
حانت منيته فاسودَّ عارضه / كما يُسوَّدُ بعد الميت الدارُ
قد كان يكفيك ما بالجسم من سقمٍ
قد كان يكفيك ما بالجسم من سقمٍ / لِم زدتني سقماً لا مسَّكَ السهَرُ
عين مؤرَّقة والجسم مُحتَبَلٌ / والقلب بينهما تخلو به الفِكَرُ
يا مانعي لذة الدنيا وما رحبت / إني ليقنعني من وجهك النظرُ
جار الزمانُ علينا في تصرفِه
جار الزمانُ علينا في تصرفِه / وأي دهرٍ على الأحرار لم يَجُرِ
عندي من الدهر ما لو أنَّ أيسَرَهُ / يُلقى على الفلك الدَّوَار لم يَدُرِ
ذهبتُ أطلبُ ألفاظاً أُخاطِبُهُ
ذهبتُ أطلبُ ألفاظاً أُخاطِبُهُ / وقد شُغِلتُ بعينٍ تشتهي النَّظَرا
وكلما حارَ طرفي في محاسنه / لأَشتَفي منه قال الحُسنُ كيف ترى
هذا الذي ابتدع الرحمن صُورَتَهُ / فلا تفاوُتَ فيه فارجعِ البَصَرا
فقلت ما قال قبلي نسوةٌ بصرت / بيوسف الحسن ما هذا الفتى بَشرا
يبدو فتحسبه بالحسن متعجراً / بالطيب مرتدياً باللين مؤتزرا
لو تقدح النارُ من خديه لانقدحت / أو يقطر الماء من أطرافه قطرا
فلا تكن كدرَ الأخلاق يا أملي / فيُصبح الصَّفوُ من ذا كلِّه كدرا
إن السياسة يُرجى خير صاحبها / كالبَرق يأمل فيه الزارعُ المَطَرا
وأنت غير غَنيٍّ عن أخي ثقةٍ / ولا غَنَاءَ لقَوسٍ تعدم الوَتَرا
زِدنا فإنّا شكرنا حسن فِعلكم / وقد يُزَادُ على الإحسان مَن شكرا
أيا شَبيهَ الذي باعُوه إخوتُه
أيا شَبيهَ الذي باعُوه إخوتُه / ويا سَمِيَّ الذي ألقَوهُ في النارِ
لولا مَلاحةُ قَدٍّ منك تُعجبني / وحُسن طرفٍ مليح اللَّحظ سَحّارِ
وحاجِبَينِ وأصداغٍ معقربةٍ / وطرةٍ جعدةٍ سوداء كالقارِ
ما كنتُ أرعى نجوم الليل مُكتئباً / ولا بكيتُ بدمعٍ واكفٍ جاري
إن كنتَ قد حُلتَ عن وَصلي بلا جُرُمٍ / فاللَهُ يُنصِفني من كلِّ غَدّارِ
الآنَ لمّا بدا في وجهكَ الشَّعَرُ
الآنَ لمّا بدا في وجهكَ الشَّعَرُ / رأيتُ فيك الذي قد كنتُ أنتظِرُ
شبهت وجهك من نورٍ ومن ظُلَمٍ / بُرجاً تلاقى به التِّنين والقمرُ
لولا مَدامعُ عُشّاقٍ ولَوعتُهم
لولا مَدامعُ عُشّاقٍ ولَوعتُهم / لَبَانَ في الخَلق غيرُ الماءِ والنارِ
وكلُّ نارٍ فمن أنفاسِهم قدحت / وكل ماءٍ فمن دمعٍ لهم جاري
كلُّ العَذاب الذي في النار مُستَرَقٌ / ممّا بقلبيَ من شوقٍ وتَذكارِ
وكلُّ ما في جنان الخلد يَجمَع لي / في الوصل ما بين لذّاتي وأوطاري
فغُصَّة البُعد لا شَيءٌ يُقاس بها / ولذَّة الوصل جازت كلَّ مقدارِ
أمّا السَّماء فما فيها سوى قمرٍ
أمّا السَّماء فما فيها سوى قمرٍ / فيا مُهيمن كم في الأرض من قَمَرِ
قد كنتُ أسمع عنه قبل رؤيتهِ / ببعض ذا ليس رأيُ العَين كالخَبَرِ
مِنِّيَ تُقياً ومنكَ مَكرُ
مِنِّيَ تُقياً ومنكَ مَكرُ / وفِيَّ بلوىً وفيك صَبرُ
ما لَكَ في الظُّلم والتعدِّي / عُذرٌ ولي في هواكَ عُذرُ
أنتَ غَزالٌ وأنت غُصنٌ / وأنتَ ليلٌ وأنت بَدرُ
تُبدي لنا نرجساً وورداً / حَشوهما فِتنةٌ وسِحرُ
بخَمرِ عَينيك في فؤادي / من قبل سُكر المدام سُكرُ
كم أستغيثُ وكم أشكو وأعتذرُ
كم أستغيثُ وكم أشكو وأعتذرُ / وكم أنُوحُ وكم آتي وكم أذَرُ
لو كنتُ أشكو صباباتي إلى حجرٍ / لكان أو كاد لي من عنده الظفرُ
أفنيت عمري في شُكرٍ ومعذرةٍ / من غير ذنبٍ فهلا كنتَ تَغتفِرُ
مَن عينُه قطّ لم تلتذّ بالنظرِ
مَن عينُه قطّ لم تلتذّ بالنظرِ / فَلِم يُعَذِّبُها في العشق بالسَّهَرِ
أعمى يحنّ إلى مَن ليس ينظره / هذا لعمري من الآيات والعِبَرِ
والعشق أكبر أن تُحصى كبائرُهُ / لكنَّ عشق العَمى من أكبر الكُبَرِ
الحبُّ أعمى وذا أعمى يحبُّ وذا / على القياسَين أعمى القلب والبصَرِ
لو كان معشوقُه ذا منطقٍ حسنٍ / أو ملمسٍ ناعمٍ أو مفشأ عطرِ
قلنا يلذُّ بشمٍّ أو ملامسةٍ / أو مسمعٍ حين لا يلتذُّ بالنظرِ
لكنَّ معشوقه في اللمس من حَسَكٍ / واللفظِ من صخبٍ والشمِّ من قَذَرِ
لو كان ممَّن له في حسنه خَبَرٌ / قلنا له عشقه جهلاً على الخَبَرِ
ما عشق من ليس يدري أن منيته / في صورة القردِ أو في صورة القَمَرِ
أعمى يُغَنَّى إذا ما الشوق أقلَقَه / عيني أُديرُ فما لي لا أرى القمر
يا غائباً ذكرُهُ في القلب محتَضَرُ
يا غائباً ذكرُهُ في القلب محتَضَرُ / صبرتَ عنّي وما لي عنك مصطبَرُ
قد يحسن العذر ممن كان مجترِماً / وما اجتَرَمتُ فصِف لي كيف أعتذرُ
بل يُغفَر الذنب من قبل العقاب به / وأيُّ شَيءٍ إذا عاقبتَ يُغتَفَرُ
وأيّ شيء أقود القلب عنك به / وقائداه إليك السمع والبصرُ
كن حيث ما شئتَ من قربٍ ومن بَعَدٍ / فالقلب يرعاك إن لم يرعك النظرُ
غَنَّى بذكرك قلبي حين بان له / لكنَّ طرفي إلى رؤياك مفتقرُ
كأنَّ في كلِّ عضوٍ لي وجارحةٍ
كأنَّ في كلِّ عضوٍ لي وجارحةٍ / قلباً يحنُّ وعيناً تشتهي النَّظَرا
شوقاً إلى ناعم اللذّات لو لمست / كفّاه جلمودَ صَخرٍ أنبَتَ الصَّخرا
غصنٌ تشرَّب من ماء النعيم فلو / بُزَّت سرابيلُه عن جسمه لجرى
قد صاغه من نسيم الطِّيب خالقُه / وصانه في حجاب النور فاستترا
رَقَّت حواشيه حتى لو يمرُّ به / وهمُ الضمير لفرط اللين لاعتُصِرا
لو أنَّ ظِلَّ ذبابٍ طارَ من بُعُدٍ / حاذى محاسنَه أبقى بها أثَرا
يا غصنَ بانٍ لو اَنَّ الغصنَ يُبصرُه / إذا تثنّى لحار الغصنُ وابتهرا
يهتزُّ ليناً فتهتزُّ القلوبُ له / ويخطر الشوق في الأحشاء إن خَطَرا
يقول قلبي لطرفي حين يُبصِرُه / انظر ترى مَلَكاً ذ الشخص أم بَشَرا
لو تُعصَرُ الخمر من خدَّيه لانعصرت / أو يُنشَر الغنج من أجفانه انتشرا
خدَّينِ لو نُفِخا بالوهم لاشتعَلا / ناراً ولو قُطِّرا من رقَّةٍ قَطَرا
لو لم يكن قمرٌ يُجلى الظلامُ به / لَصَيَّر اللَهُ عبد الواحد القَمَرا
الآن لما بدا في وجهك الشعرُ
الآن لما بدا في وجهك الشعرُ / رأيتُ فيك الذي قد كنتُ أنتظرُ
شبَّهتُ وجهك من نور ومن ظلم / بُرجاً تلاقي به التنين والقمَرُ
لا تخدعنّا بأردافٍ تُرجرِجُها / فليس من بعد عينٍ يُبتغى أثَرُ
لم ينبت الشوكُ في أرضٍ يسارُ بها / إلا وقد نبتت في الغامضِ الإبَرُ
بديع حُسنٍ غريب وصفٍ
بديع حُسنٍ غريب وصفٍ / بلا مثالٍ ولا نظيرِ
فمن منيرٍ على مُطيبٍ / ومن هضيمٍ على وَثيرِ
يضحك عن لؤلؤٍ نظيمٍ / ينطق عن لؤلؤٍ نَثيرِ
مُدير كأسٍ حكت وحاكى / شهابَ نارٍ وشخصَ نُورِ
فأسكَرَ القومَ دَورُ كأسٍ / وكان سكري من المُديرِ
لولاك لم يحسنِ السرورُ
لولاك لم يحسنِ السرورُ / ولم يكن للبلاد نُورُ
هذا محبٌّ إليك يشكو / وبالرضا منك يستجيرُ
إن آبَ في حبِّكم أسيراً / فهو على غيركم أميرُ
اذا ملكتُم فلا تتيهوا / وإن حكمتم فلا تجوروا
تعطّفوا وارحموا محبّاً / قليلُكم عنده كثيرُ
يا مَن يجلُّ عن المقدار والخَطَرِ
يا مَن يجلُّ عن المقدار والخَطَرِ / ومَن يدقُّ عن الأوهام والفِكَرِ
ومَن له صورة في حسن صنعتها / دقائقٌ لطفت عن سائر الصُّوَرِ
فيها ملاحات أنواعٍ مؤلفةٍ / بحسنها بانَ عن كيفيّة البَشَرِ
على شمائل في تركيبها بِدَعٌ / صِيغت من النور والآيات للعِبَرِ
إن قلت غصنٌ على عليائه قمرٌ / فإنما رُمت مدحَ الغصن والقمرِ
سقانيَ الحبَّ كأساً كنتُ أحذرها / والمرء يُؤتى إذا يُؤتى من الحَذَرِ
أستغفر اللَه إن اللَه غفّارُ
أستغفر اللَه إن اللَه غفّارُ / وما على عاشقٍ إثمٌ ولا عارُ
بالنار خوَّفني قومٌ فقلتُ لهم / النارُ ترحم مَن في قلبه النارُ
ما ضاعف اللَهُ للعشّاق محنتهم / إلا وليس على العشّاق أوزارُ
لولا الحياء من العذّال يسترنا / إذَن تهتَّك للعشّاق أستارُ
ومن بلائي أنّي عاشق لكُمُ / عبدٌ وحَوليَ كل الناس أحرارُ
أخفيتُ حبَّك حتى كدتُ من حَذَري
أخفيتُ حبَّك حتى كدتُ من حَذَري / عليه أُخفيه عن سمعي وعن بصري
لي في الهوى سِيَرٌ لو أنها سُطِرت / في الكُتب أغنَت عن الأخبار والسِّيَرِ
إني تمسَّكتُ بالبقيا عليك إلى / أن كدتُ أحرم طرفي لذَّةَ النظَرِ
ولا عذر إلا للحسود الذي مشى / إليك ولكن أنت في أوسع العُذرِ
كلُّ الأمور فميسورٌ ومعسورُ
كلُّ الأمور فميسورٌ ومعسورُ / تجري به قدم تسعى ومقدورُ
والخير والشرُّ مقرونانِ في قَرَنٍ / فالخير مُتّبعٌ والشرُّ محذورُ